أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

حق المرأة في الانتخاب

أمية سليمان جبارين (أم البراء)
لما ألّح بعض الصحابة رضي الله عنهم على سيدنا عمر رضي الله عنه – وهو يجود بأنفاسه الأخيرة – أن يستخلف عليهم خليفة، رشّح عمر رضي الله عنه الستة من الصحابة رضي الله عنهم: (علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف) ليختار المسلمون عن رضا وحرية خليفة من بينهم، فبادر عبد الرحمن بن عوف وتنازل عن حقه في الترشيح، ليكون صوته مرجِّحا إذا قام خلاف، ثم تنازل الزبير عن حقه لعلي، وتنازل سعد عن الترشيح، وهكذا انحصر الاختيار بين عثمان وعلي فقط، وفُوّض عبد الرحمن في اختيار أحدهما، وكان عليه أن ينجز هذه المهمة في الأيام الثلاثة التي أوصاهم الخليفة الراحل عمر ألا يجاوزوها، فراح يذرع المدينة المنورة – على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ويقرع ابواب دورها ويستشير الناس، يقول ابن كثير: (نهض عبد الرحمن إبن عوف رضي الله عنه يستشير الناس ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس، جميعا وأشتاتا، مثنى وفرادى، سرا وجهرا، حتى خلص إلى النساء في خدورهن، وحتى سأل الولدان في المكاتب، وحتى سأل من يرد من الركبان والأعراب إلى المدينة في مدة ثلاثة أيام بلياليهن) وهكذا شاركت المرأة في أول تجربة إسلامية في انتخاب الحاكم المسلم، وهكذا مارست هذا الحق في الوقت الذي كانت فيه بعض الشعوب الأخرى تتوارث المرأة كالمتاع، او تحرقها مع زوجها إذا مات عنها، أو تتساءل عن المرأة هل هي إنسان أو شيطان،؟! وهذا يبين لنا النقلة المبكرة والعظيمة التي نقل بها الإسلام المرأة في تاريخ البشرية من مخلوق مهان إلى مخلوق كريم يشارك في انتخاب حاكم المسلمين، سيما إذا عرفنا أنه حتى عهد قريب كانت بعض قوانين الدول الأوروبية لا تجيز للمرأة حق التملك، وبناء عليه لم تكن تجيز لها حق التصرف في مالها.
وإن منح الإسلام المرأة حق اختيار حاكم المسلمين يعني منحها حق انتخاب من يمثلها في الحكم، وهذا ينسجم مع موقف الإسلام الكريم الرفيع الذي منح المرأة حريتها كاملة كالرجل سواء بسواء فأقرَّ اختيارها زوجها، وحفظ لها حقها في التعبير عن أرادتها، واحترم جِوارها، فتلك أم هانئ تجير رجلاً أسيراً من المشركين، فيصل النبي صلى الله عليه وسلم خبر جِوارها، ويقول: (أجرنا من أجرت، وامّنا من أمّنتِ يا ام هانئ)، ولأن الإسلام أثبت للمرأة كامل الأهلية التي تمكنها من توكيل غيرها، فمن تحصيل الحاصل أن يثبت لها الحق في انتخاب الحاكم، لأن انتخابها غيرها لا يخرج عن كونه إما توكيلا للغير بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها، وإما شهادة للغير بأنه قادر على القيام بوظيفة النائب والمدافع عن مصالح الأمة.
ثم إنه من المعروف أن المرأة بايعت النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة الأولى والثانية واستمرت مبايعة النساء طيلة حياته، وكانت صيغة البيعة في العقبة الثانية للرجال هي الصيغة نفسها للنساء، وهكذا بايعت المرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية على حرب الأحمر والأسود وجعل لها الوفاء بذلك الجنة. قال عبادة بن الصامت: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا والبعد عن الفواحش) فإذا كانت المرأة قد تحمّلت تبعات هذه البيعة التي تعني الجهاد في سبيل الله والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأييده من قبل الرجال والنساء جميعا، إذا كانت المرأة قد تحمّلت تبعات كل ذلك فمن باب أولى أن تتحمل تبعات انتخاب حاكم للأمة.
وإن الناظر بإمعان إلى آية بيعة النساء يجد فيها قول الله تعالى: (ولا يعصِينَك في معروف)- الممتحنة:١٢- وهذا يعني إتباع المرأة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، والامتناع عن نواهيه في شؤون الدين والدنيا، وهذه مبايعة بالمعنى السياسي وهي دليل واضح على أن الإسلام حفظ للمرأة حق مشاركتها في الشؤون العامة.
ومن الضروري التأكيد أن الإسلام في الوقت الذي حفظ فيه للمرأة حقها أن تشارك في الحياة العامة وظيفيا أو مهنيا أو سياسيا، فقد ألزمها بجملة من الضوابط الشرعية خلال ممارستها كل هذه الحقوق، وأهم هذه الضوابط الشرعية هي ما يلي:
١ – الاحتشام: قال الله تعالى: (وليضربن بخُمُرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) – النور ٣١- فمعنى هذه الآية وما تحمل من شروط تتعلق بلباس المرأة مبينة في كتب الفقه.
١ – غض البصر: قال الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ٣٠ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ٣١) النور.
٣ – اجتناب المزاحمة: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث يسيرا قبل أن يقوم). قال ابن شهاب: (فأرى والله أعلم أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم).
٤ – اجتناب الخلوة: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري – قال الحافظ ابن حجر: (فيه منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع، لكن اختلفوا: هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات؟ والصحيح الجواز لضعف التهمة به).
٥ – انضباط مجال اللقاء: قال الله تعالى: (وقلن قولا معروفا) – الأحزاب: ٣٢- تشير هذه الآية إلى موضوع الحديث بين الرجال والنساء ينبغي أن يكون في حدود المعروف.
٦- موازنة المرأة المسلمة بين واجباتها تجاه زوجها وأسرتها وبين مشاركتها في العمل العام على قاعدة ترتيب الأسبقيات وتكامل الأدوار دون طغيان أو إخسار. ولا بد من محاولة التوفيق والموازنة بين العمل داخل البيت وخارجه).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى