أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودولي

حسابات ترامب في الحرب النفطية بين بوتين وبن سلمان

انتظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، 25 يوماً قبل التدخل المباشر في الحرب الناعمة النفطية بين موسكو والرياض التي بدأت في 6 مارس/ آذار الماضي. هذه الوساطة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أعطت جرعة تفاؤل لشركات النفط الأميركية التي استنزفت مواردها خلال الأسابيع الماضية في حرب نفطية كشفت هشاشة قدراتها التنافسية في الأسواق العالمية. وإذا نجحت مبادرة ترامب الطموحة، التي تقضي بتقليص إنتاج النفط العالمي بين 10 و15 مليون برميل يومياً، فهذا يعني بروز تحالف نفطي هشّ بين هذه الأطراف الثلاثة التي قد تسعى إلى تمرير مرحلة الركود الاقتصادي العالمي نتيجة فيروس كورونا، قبل أن تعود للمنافسة على توزيع حصص الصادرات النفطية.

بالنسبة إلى ترامب، تراجع أسعار النفط بداية الشهر الماضي كان نقطة إيجابية للاقتصاد، تساعد حملته الرئاسية، عبر تخفيف الأعباء على المستهلك الأميركي. لكن هناك عوامل رئيسية فرضت تراجعاً حاداً في الطلب العالمي على النفط، ودفعت أسعار نفط الخام إلى أدنى مستوياتها منذ عقدين، في ظلّ انهيار الأسواق المالية الأميركية والعالمية، ما دفع بعض شركات النفط الأميركية الصغيرة إلى إعلان إفلاسها، فيما الشركات الكبرى تكدس إنتاجها، وتقلّص نفقاتها، لأن تكلفة إنتاجها أكبر من الشركات السعودية والروسية. كبار مسؤولي هذه الشركات النفطية هم شخصيات مقربة من الحزب الجمهوري، لم تساهم في تمويل حملة ترامب الرئاسية عام 2016، لكنها تقاربت مع البيت الأبيض بعد تسلُّم ترامب الحكم، وهي اليوم من أكبر المتبرعين لحملته الرئاسية، وبالتالي يضطر الرئيس إلى الاستماع لشكواها.

هذه الحرب النفطية سلطت الضوء أيضاً على علاقة ترامب المعقدة مع كل من بوتين وبن سلمان، بحيث يصرّ على التقارب مع الرجلين، على الرغم من ممانعة المؤسسات التقليدية في واشنطن. والآن يجد الرئيس الأميركي نفسه وسط حرب نفطية يبدو كأنها تستهدف قبل أي شي آخر توسّع صادرات النفط الأميركي. وبعدما قلّصت الولايات المتحدة اعتمادها على استيراد النفط من الخارج خلال العقد الأخير، أصبحت في سبتمبر/ أيلول 2018 أكبر منتج عالمي للنفط الخام، وهيمنت في العام نفسه على الأسواق الآسيوية التي استوردت 56 في المائة من النفط الأميركي في يونيو/ حزيران 2018. وأصبحت أميركا قوة نفطية منافسة، بعدما رفع الكونغرس في يناير/ كانون الثاني عام 2016، حظراً على تصدير النفط الأميركي دام أربعة عقود، وهي تتصدر حالياً إنتاج النفط العالمي بـ13 مليون برميل يومياً، تليها السعودية ثمّ روسيا.

بعد الانهيار في أسعار النفط العالمية بين عامي 2014 و2016، أدى دخول الولايات المتحدة إلى نادي منتجي النفط، إلى تحالف نفطي بين موسكو والرياض، والآن تأتي الموجة الثانية من تراجع الأسعار العالمية، لتكرّس تفكك هذا الحلف. وهناك حالياً صراع ثلاثي بين هذه الأطراف على تصدير النفط إلى الأسواق الآسيوية، وبالتالي، الحديث عن حرب أو تسوية نفطية بين موسكو والرياض من دون إدخال واشنطن في المعادلة، يكاد يكون شبه مستحيل.

وساطة ترامب يبدو أنها لم تتبلور بعد، ونتائجها قد تظهر خلال الاجتماع الافتراضي الطارئ لمجموعة الدول المصدرة للنفط “أوبك” الذي كان يفترض أن يعقد غداً الاثنين بحضور السعودية وروسيا بطبيعة الحال، مع احتمال مشاركة الولايات المتحدة، قبل أن يعلن مصدران لوكالة رويترز أمس تأجيله، على الأرجح إلى الثامن أو التاسع من إبريل/ نيسان الحالي، للسماح بمزيد من الوقت للتفاوض.

هناك ليونة من موسكو والرياض بإظهار رغبة مشتركة في إنهاء هذه الأزمة النفطية، لكنهما تنتظران تقديم ترامب مبادرة ملموسة ليدخل طرفاً في هذه التسوية عبر تقليص صادرات النفط الأميركي. هذه التسوية تزداد إلحاحاً في ظلّ رغبة الصين المعلنة في استئناف الاستيراد، لتعزيز حجم الاحتياط النفطي لديها على وقع تداعيات فيروس كورونا على اقتصادها.

احتمالات تقليص إنتاج النفط العالمي تراوح بين 6 و10 ملايين برميل يومياً، لكن لا يبدو أنّ الأمور محسومة بعد، ولا سيما أنّ الرياض تؤكد أنها لن تتحمّل وحدها أعباء التقليص. كل الأطراف بحاجة إلى إيجاد تسوية، لأنّه في الربع الأول من العام الحالي خسر إنتاج النفط العالمي 65 في المائة من صادراته نتيجة جمود الحركة الاقتصادية. ولا يوجد أفق زمني لمعرفة متى قد تسترجع الأسواق عافيتها، وبالتالي أي تسوية نفطية عليها أن تأخذ بالاعتبار بدايات الركود الاقتصادي العالمي.

وصول الأزمة النفطية إلى هذه المرحلة، تتحمّل مسؤوليته الولايات المتحدة بقدر ما تتحمل مسؤوليته السعودية وروسيا. ارتفاع الإنتاج النفطي الأميركي منذ وصول ترامب إلى الحكم، وضع سقفاً محدوداً لأسعار النفط، وأدى إلى انهيار الحلف النفطي بين موسكو والرياض الذي بدأ نهاية عام 2016، ذلك لأنه أدى إلى خلافات بشأن مَن يبادر بتقليص الإنتاج، فيما أميركا تواصل توسيع صادراتها للإنتاج العالمي. والخيارات المتاحة حالياً أمام ترامب تشمل موافقة أميركية ضمنية على أي اتفاق يحصل في اجتماع “أوبك” لتقليص الإنتاج النفطي العالمي، أو ترك الأمور تأخذ مجراها، بحيث يستمر تراجع الأسعار على حساب شركات النفط الأميركية.

الأنظار تتجه إلى تكساس التي تعدّ أكبر ولاية أميركية في إنتاج النفط، إذ تنتج 5.4 ملايين برميل يومياً، أي 40 في المائة من الإنتاج الأميركي. مفوض لجنة سكك الحديد في تكساس ريان سيتون، وهي الوكالة التي تنظم قطاعي النفط والغاز في الولاية، اتصل يوم الخميس الماضي بوزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، وقال في تغريدة إنه سيتصل بوزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان. هذا الاتصال جرى بطلب من شركات النفط في تكساس، ويبدو أنها محاولة لطمأنة موسكو والرياض إلى أن هناك إجراءات يجري إعدادها لتقليص إنتاج النفط الأميركي. لجنة سكك الحديد في تكساس أعلنت عقد جلسة استماع في 14 إبريل/ نيسان، لتناقش احتمال اتخاذ قرارات تفرض تقليص إنتاج النفط للمساعدة على استقرار الأسعار. نجاح التسوية في اجتماع أوبك (8 أو 9 إبريل) قد يعتمد على جدية الضمانات الأميركية، التي تعني عملياً أنّ سلطات ولاية تكساس قد تتخذ قرارات للمرة الأولى منذ عام 1970 بوضع سقف لإنتاج النفط الأميركي.

إيجاد حلّ عبر السلطات المحلية في تكساس قد يعفي الحكومة الفدرالية من تدخلها لتحديد سعر النفط الأميركي، وبالتالي ثمة احتمال لانتهاك قوانين مكافحة الاحتكار الأميركية التي تحظر التلاعب بالأسعار. لكن يبقى هناك احتمال بأن ترفض روسيا أو السعودية المبادرة الأميركية، والبديل المتاح هو تمرير الوقت حتى بداية الصيف المقبل، حينها يتوقّع أن تصل سعة التخزين العالمية للنفط إلى الحدّ الأقصى، أي 1.2 مليار برميل. في حال حصول هذه التسوية، هذا يعني تحوّل غير مسبوق للولايات المتحدة من ترك اقتصاد السوق يحدّد أسعار النفط إلى تحديد الولاية أو الحكومة الفدرالية الأسعار عبر تعديل الإنتاج.

تقول التقديرات إنّ السعودية قد تقلّص 4 ملايين برميل من أصل 12.5 مليون برميل تنتجها يومياً، فيما روسيا قد تكتفي بتقليص 1.5 مليون برميل من أصل 11 مليون يومياً، ما يعني أنه إذا أراد ترامب الوصول إلى تقليص 10 ملايين برميل يومياً، فعليه أن يقنع الشركات الأميركية بتقليص 4.5 ملايين برميل من أصل 13 مليون برميل تنتجها يومياً.

غير ذلك، خسر ترامب أوراق الضغط على بن سلمان الذي تجاوب مع مبادرة الرئيس الأميركي لأنها تخدم محاولة السعودية استيعاب تداعيات الركود الاقتصادي العالمي، وتبرر اتخاذ وليّ العهد السعودي خطوة إيجابية نحو موسكو. هذا يأتي بعد عدم تجاوب القيادة السعودية مع زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، للرياض في شهر فبراير/ شباط الماضي، وتسريب الصحافة الأميركية تقارير اعتقال ولي العهد السعودي السابق، الأمير محمد بن نايف، والشقيق الأصغر للملك سلمان، الأمير أحمد بن عبد العزيز. واللافت في هذه الحرب النفطية التي بدأت في 6 مارس/ آذار الماضي، أنها تزامنت مع محاولة بوتين تكريس بقائه في السلطة، عبر تعديل الدستور، وتحرّك بن سلمان ضدّ منافسين محتملين في العائلة الحاكمة. وإذا انضم ترامب إلى تحالف نفطي جديد مع روسيا والسعودية، فإن هذا يكرس نظرته الحالية إلى السياسية الخارجية. لكن هذا الأمر يبدو مستبعداً، لأنّ الولايات المتحدة تحاول الحدّ من خسائرها في هذه المرحلة، وحين تعود الأمور إلى طبيعتها الاقتصادية، قد تعود المنافسة من جديد على حصص الصادرات النفطية في الأسواق العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى