أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

المؤسسة الاسرائيلية، ماذا حدث مؤخراً؟

د. ابراهيم خطيب..باحث سياسي، زميل في مركز الدراسات الشرق أوسطية- جامعة هارفارد

انتهت الانتخابات الاسرائيلية بعدم وجود أغلبية واضحة لأي الفريقين. فحزب الليكود برئاسة نتنياهو وأحزاب اليمين القومي والديني حصلوا على 58 منها 36 لليكود، فيما حصل حزب المتدينين الشرقيين “شاس” على 9 مقاعد، حصل المتدينون الغربيون “يهدوت هتوراة” على 7 مقاعد، إضافة لحزب “يمينة” القومي الديني الاستيطاني الذي حصل على 6 مقاعد ليحصلوا مجتمعين على 58 مقعدا من أصل 120، فيما حصل بني غانس وحزبه “كحول لفان” على 33 مقعدا و7 مقاعد لتحالف حزب العمل، ميرتس وجيشر وحصل حزب “يسرائيل بيتنو” هو الاخر على 7 مقاعد. أما القائمة المشتركة والتي تشمل الاحزاب العربية المشاركة في انتخابات الكنيست فقد حصلت على 15 مقعداً في أعلى انجاز لها.
يحاول المحللون السياسيون وضع معارضي تحالف نتنياهو في سلة واحدة، مع اختلافهم الايديولوجي وتصوراتهم السياسية، على قاعدة “لا لنتنياهو”، فحزب كحول لافان (ذو توجه يميني) إضافة لتحالف حزب العمل، ميرتس وجيشر (ويغلب فيه اليسار)، حزب” يسرائيل بيتنو” بقيادة ليبرمان وهو حزب يميني، فيما القائمة المشتركة والتي تمثل جزءاً معتبراً من الفلسطينيين في الداخل الذين صوتوا في انتخابات الكنيست، فهي بطبيعتها غير صهيونية.
مع كل القراءات الممكنة لحال الخارطة السياسية الاسرائيلية بعد الانتخابات وامكانيات تشكيل حكومة من عدمها، خصوصاً مع الحديث عن امكانية وجود حكومة أقلية بمشاركة القائمة المشتركة أو وحدة وطنية بين كحول لافان والليكود، من المهم قراءة الحالة السياسية الاسرائيلية في السنوات الأخيرة وخصوصاً مع صعود نتنياهو لسدة السلطة عام 2009، ويمكن الحديث عن عدة معالم مركزية:
1- تصاعد التيار اليميني وانقراض اليسار: تميزت السنوات الاخيرة بصعود اليمين في اسرائيل، ففيما كانت الخارطة السياسية منقسمة حول يمين ويسار، وكان حزب العمل، الذي صنّف يساراً، هو منافس الليكود لسنوات ليتراجع هذا الحزب ليحصل على ثلاثة مقاعد فقط. هذا التحول في الخارطة السياسية الاسرائيلية هو انعكاس للمزاج العام الاسرائيلي الذي بات فيه المجتمع الاسرائيلي يتجه يميناً، وذلك لعدة أسباب منها عدم وجود قيادة سياسية يسارية اسرائيلية قوية تمثّل بديلاً لليمين، قدرة اليمين وعلى رأسه نتنياهو على فرض أجندة سياسية في الشأن السياسي العام وهذا لم ينجح به اليسار الذي كان منقسماً مبدلاً لقيادته بشكلٍ كبير، النجاحات التي تُحسب لنتنياهو في بعض المجالات الاقتصادية والسياسية والتي انعكست على ثقة الناس به وبخطابه، خطاب التخويف الذي انتهجه نتنياهو واليمين وذلك استناداً للواقع العربي المحيط ودور ايران إضافة للوضع السياسي الأمني في البلاد المبني على واقع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وفي قلبه الخوف والتخويف من غزة وحماس والعمليات الفلسطينية.
2- الانقسام السياسي الاسرائيلي حول نتنياهو او ضده: التحوّل الاضافي في المجتمع الاسرائيلي بات في شخصنة الصراع السياسي، فبات الصراع حول من مع نتنياهو ومن ضده! كل ذلك حصيلة عدم تخلّق قيادة قوية، ونجاح نتنياهو في لجم أي تقدم سياسي في صفوف حزب الليكود.
3- بهوت البرامج السياسية الحزبية: لم تعد الأحزاب الاسرائيلية الأيديولوجية وذات الرؤية السياسية واضحة، مع تراجع حزب العمل وصعود أحزاب الوسط والتي حاولت القول إننا نمثل كل الاسرائيليين كبديل لليسار الاسرائيلي وخصوصاً مع انزياح المجتمع الاسرائيلي لليمين. هذه الاحزاب لا تملك بنية حزبية أيدلوجية صلبة ولا برنامجاً سياسياً واضحاً وإنما أسيرة لخطاب الوسط الساعي للتصالح مع مختلف الاقطاب الاسرائيلية لكسب مقاعد برلمانية في الانتخابات مع انزياح لليمين لطبيعة المجتمع.
4- تجذّر الانقسامات الداخلية: المجتمع الاسرائيلي هو مجتمع منقسم على عدة أصعدة، فهناك الانقسام السياسي، وهناك الانقسام على أساس ديني (متدينين- علمانيين) وهناك الانقسام الطائفي (شرقيين وغربيين)، هذه الانقسامات تعمقت مجتمعياً، والاحزاب السياسية وخصوصاً اليمين حاول احتوائها لصالح فوزه الانتخابي. هذا الانقسامات كانت معالمها بمظاهرات اليهود الاثيوبيين وشعورهم بالظلم، الخطاب المناهض لدور الدين والمتدينين في الحياة العامة والذي تحدث به ليبرمان وأشار له جانتس في الانتخابات قبل الأخيرة، فيما ظهرت زيادة تموضع الأحزاب الدينية في اليمين لكون نتنياهو يلبي مطالبها فيما يخص شؤون الدين والدولة واعطاء مزايا لمصوتيهم من اليهود المتدينين. كذلك يمكن رؤية حدة الخطاب تجاه الفلسطينيين في الداخل بشكل صارخ، حد التحريض عليهم وجعلهم أعداء، لدرجة يمكن أن تقود لإيذاء الفلسطينيين في الداخل او سياسييهم. كل هذا التجذّر في الانقسامات كان حصيلة التشظي في المجتمع الاسرائيلي والاختلاف وعدم تعمق الهوية الجامعة (إلّا عندما يكون عدو واحد وواضح).
5- تصاعد الخطاب الديني الاستيطاني: مع أن كل حكومات اسرائيل المتعاقبة كانت مشجعة للاستيطان، لكن كان ذلك بدرجات متفاوتة، وما يميّز السنوات الاخيرة هو قوة المستوطنين وممثليهم في الكنيست الاسرائيلي وتاُثيرهم على الأجندة السياسية وعلى الرؤية السياسية للقيادة الاسرائيلية. كل ذلك ترافق مع تصاعد للتيار الديني الصهيوني والاستيطاني وانسجام خطاب نتنياهو مع أطروحات هذا التيار الدينية والقومية، ويمكن رؤية ذلك في قضية المسجد الأقصى المبارك وحتى في قضية الاستيطان. هذا الخطاب أصبح جزءاً من الخطاب المركزي في اسرائيل او قل من خطاب اليمين الطبيعي ولم يعد مقتصراً على اليمين الديني الاستيطاني.
6- تراجع الحيّز “الديموقراطي” مقابل يهودية الدولة: مع كل تناقض فكرة يهودية الدولة مع ديموقراطيتها، إلّا أن اسرائيل حاولت اعطاء الحيز الديموقراطي ومساحة الحريات (على المستوى الفردي) هامشاً معيناً. في السنوات الاخيرة، وخصوصاً في عهدة نتنياهو أصبحت كما لو أن الديموقراطية مهدِدِة ليهودية الدولة، وبات هناك حاجة لتعزيز خطاب يهودية الدولة قولاً وفعلاً (ولربما استخدم ذلك كأداة لحفظ اليمين وخلق صراع حول الهوية يفوز به اليمين). كل ذلك ترافق مع تشديد الخطاب تجاه الفلسطينيين في الداخل ومؤسساتهم، والقوانين العنصرية التي أصبحت بالعشرات ومنها قانون القومية. المشكلة مع ذلك، هو أن هذا التوجه انعكس على الجو العام (او العكس) بشكل أصبح يلامس حتى المحاكم وغيرها (والتي بالمناسبة يتهمها نتنياهو بملاحقته) مما جعل عدداً من المؤسسات تولي يهودية الدولة الاعتبار المركزي مهملة اعتبار الحريات.
ما أوردته سابقاً هو بعض معالم التغيير السياسي الذي حدث في المؤسسة الاسرائيلية بالسنوات الأخيرة، والتي تُظهر جانباً من التحولات السياسية، والتي كان جانب منها قائماً قبل سنوات ولكنه ازداد حدة وحضوراً في السنوات الأخيرة. مع محاولة اسقاط نتنياهو، التي ليست بالضرورة ستنجح، يمكن أن يتغيّر بعض هذا النهج ولكن ليس هناك ضامن لذلك خصوصاً مع تشبع المجتمع الاسرائيلي بالتوجهات اليمينية ويمينية البدائل القائمة. وبنفس الوقت لحقيقة أن اليمين واليسار بمجمله سيء للفلسطينيين والعرب وإن كان الأول يتصرف بعدائية علنية، فالأخير يتصرف بعدائية مبطنة ودبلوماسية، وأبداً لا يتراجع أي تيار منهما عن مصلحة اسرائيل اليهودية الصهيونية ولكن وفقاً لوجهة نظره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى