أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

لماذا “لا نريد” أن نكون فلسطينيين في الضفة الغربية!

د. ابراهيم خطيب-باحث سياسي، زميل في مركز الدراسات الشرق أوسطية-جامعة هارفارد
أظهرت خطة ترامب امكانية ضم جزء من أهل الداخل الفلسطيني إلى “الدولة” الفلسطينية العتيدة وفق نص وثيقة “صفقة القرن” في صفحة رقم 13 من الخطة، والتي نصّت على ضم جُل قرى ومدن المثلث إلى نفوذ السلطة الفلسطينية. وتقترح الخطة الأميركية، ضم التجمعات السكنية في المثلث، المكوّنة من كفر قرع وعرعرة وباقة الغربية وأم الفحم، وقلنسوة، والطيبة وكفر قاسم والطيرة، وكفر برا، وجلجولية، وبموافقة الأطراف، لسيادة الدولة الفلسطينية المستقبلية. وفي معرض تسويغ هذه الفكرة، تقول الخطة من ضمن ما تقول، أن هؤلاء السكان (يبلغ عددهم نحو 300 ألف شخص) يشعرون أنهم فلسطينيو الهوية وبالتالي فضمهم “للدولة” الفلسطينية طبيعي ومبرر.
في محاولة لقراءة هذا البند، والذي تم إضافته، بالقطع، من السلطات الإسرائيلية ونتنياهو وهذا ما أشارت إليه صحيفة هارتس، يمكن الالتفات لعدة نقاط، والتي يمكن الاختلاف حول مقدار وأهمية كل واحدة منها وتحتاج لبحث علمي موسّع لسبر أغوارها وحقيقة كل واحدة منها، ولكن تبقى امكانيات واردة:
أولاً، تظهر غياب مفهوم المواطنة في عرف الدولة اليهودية وتبنيها يهودية الدولة على ديموقراطيتها وعلى مفهوم المواطنة فيها، فما زالت لا ترى بالفلسطينيين في الداخل مواطنين كما هم سائر مواطنوها. وتشير إلى أن الاختلاف الهوياتي، متمثلاً بالأبعاد الوطنية، القومية والدينية، الاختلاف الذي تحدد من خلاله من هو المواطن المرحب به من عدمه. وبالتالي، وبناءً على ذلك، فإننا نتحدث عن كيان اثنوقراطي ونظام يستخدم أدوات العنصرية والفصل العنصري، يميّز لصالح مجموعته القومية على حساب المجموعات الاخرى التي تشاركها نفس التعريف القانوني للمواطنة. وبالمناسبة مع كل هذا، فإن العالم لا يمتعض من ذلك، ولو أن هكذا اقتراح، بنزع مواطنة بعض السكان لهويتهم القومية او الدينية، تم في دولة أخرى، لكانت تعتبر من أشد الدول عنصرية!
ثانياً، النقاش في صفوف الفلسطينيين في الداخل، وسأقف عنده ملياً، يعارض خطة ترامب بمجملها كما يعارضها مجمل الشعب الفلسطيني وشعوب العالم، ولكن جزئية ضم المثلث حازت على اهتمام كبير ومعارضة واضحة والتي يمكن عزوها لأسباب عدة، وكما أسلفت يجب فحص مدى تأثير كل سبب على مواقف الناس بشكل دقيق للتعامل معه بما يناسبه من توجه، وهنا يكمن دور الباحثين ومسؤولية قيادة الفلسطينيين في الداخل، عودة للأسباب الممكنة لتفسير معارضة الفلسطينيين في الداخل لفكرة ضم المثلث، فنقسمها لعدة أسباب:
1. معارضة نابعة من أنهم، أي الفلسطينيون في الدخل، لا يريدون أن يكونوا سلعة او شيئاً يباع ويشترى في سياق حفاظ اسرائيل على هويتها اليهودية وتفوقها الديموغرافي والذي تُرسل من خلاله أهل المثلث “للدولة” الفلسطينية.
2. الفلسطينيون في الداخل، وخصوصاً في منطقة المثلث، يريدون كل ممتلكاتهم وأرضهم التي تمتد إلى حيفا (وهي حقهم بكل الأحوال) إذا ما أٌريد الحديث عن حل الصراع. واقتراح كالمذكور مرفوض لانتقاصه حقوقهم.
3. المعادلة الصفرية التي من خلالها يرى الفلسطينيون في الداخل أن أي اقتراح أو توجه اسرائيلي هو بالضرورة سيكون موجهاً ضدهم ويسعى لهضم حقهم ويكيد لهم وبالتالي يجب معارضته، وخصوصاً مع عدم الثقة بينهم وبين المؤسسة الاسرائيلية وخصوصاً نتنياهو وشركائه. وهكذا التعامل مع صفقة القرن وضم المثلث، فالساسة الاسرائيليون وعلى رأسهم نتنياهو هم من دعموا هذه الفكرة، ومن المؤكد أنهم لم يقصدوا من خلفها مصلحة الفلسطينيين في الداخل بل مصلحة الاسرائيليين اليهود.
لكن بنفس الوقت، أرى من الضروري أن اتطرق إلى أسباب أخرى، يمكن أن تكون مساهمة في معارضة بعض الفلسطينيين في الداخل لضم المثلث، وهذا الأسباب، ببعض اجزائها، تتجاوز هويتهم الفلسطينية وحرصهم المبدئي على حل الصراع بشكل عادل يضمن لكل الشعب الفلسطيني حقه، ونابع من وقت صعب يمر به الناس، وتغيّر الواقع الفلسطيني وحالة الترهل العامة التي تصيب الأمة. هذه الأسباب الممكنة كالتالي:
1. مع أوسلو وتبعاتها، بات الفلسطينيون مقسّمون مكاناً واهتماماً، فبتنا نرى الضفة الغربية وغزة (ومؤخراُ باتت لكل واحدة منهم اهتماماتها وقضاياها بمعزل او بتراجع عن القضية الفلسطينية وحلها، والمشروع الفلسطيني العام (المغيّب))، وبات الفلسطينيون في الشتات لهم مشاكلهم وقضاياهم المحلية وكذا انعكس الأمر على الفلسطينيين في الداخل. هذا الأمر حدا بهم، لموضعة نفسهم في الصراع في سياق خاص، وأن لهم كياناً منفصلاً عن باقي الفلسطينيين، ليس بالمعنى الجغرافي وحسب، بل بالمعنى السياسي ونظرتهم لنفسهم سياسياً في صراع المواطنة الإسرائيلية والهوية الفلسطينية، بالإضافة لاهتمامتهم، وواقعهم وحتى “مستواهم الاجتماعي”، مما يجعلهم يتخذون هكذا موقف مناهض لضم المثلث.
2. اسباب تتعلق بالمواطنة، وأقصد بها رؤية الفلسطينيين في الداخل أنهم “مميزون” بمواطنتهم الاسرائيلية، وإن كانت مشوّهة، وحالهم السياسي أفضل من غيرهم ويترافق ذلك مع وجود سلطة القانون، وإن كانت مجتزأة، بعض الحريات السياسية والتي وإن كانت منقوصة ومضطهدة بازدياد فإنها ومع حال العالم العربي المؤسف تبقى أكثر توفراً من تلك في العالم العربي والضفة الغربية وفق ما يراه البعض. كل ذلك صحبه، توجه بعض القيادات الفلسطينية في الداخل إلى ترسيخ مفهوم المواطنة وتشجيع نوع من الاندماج في السياق الاسرائيلي والنضال السياسي المنبثق من هذه الهوية، والذي يحاول التركيز على مكانة الفلسطينيين في الداخل وعلى قضاياهم اليومية بمعزل عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي العام ودورهم فيه.
3. أصبح بعض الفلسطينيين في الداخل جزء من نسق اجتماعي واقتصادي غربي، أقرب منه للإسرائيلي من الفلسطيني، وهذا بفعل الاحتلال والوضع الفلسطيني الداخلي الذي جعل حال الفلسطينيين في الضفة الغربية متأخراً في هذا المضمار، وجعل الفلسطينيين في الداخل “مستفيدين” من التقدم الاقتصادي والاجتماعي الاسرائيلي ومعتادين عليه (بحسناته وسيئاته).
4. الواقع الفلسطيني المركّب الذي يُظهر أن أي دولة فلسطينية ممكنة وفقاً للحلول المطروحةـ غير قابلة للحياة والتطور ولا تلبي رؤية، تطلعات واحتياجات الفلسطيني في الداخل. وبالتالي لن يرضى الفلسطيني في المثلث أن يكون جزء من هكذا كيان، أو كما سميته في مقال سابق دويلة “الكانتونات”. ناهيك أن أي دويلة فلسطينية ستبقى مرتهنة بإسرائيل ونظامها الاحتلالي وبالتالي يكون الحديث عن واقع صعب وتغيير للأسوأ.
أخيراً، مع كل الامكانيات الواردة، والأسباب المختلفة، لرفض فلسطيني الداخل وخصوصاً في المثلث لضمهم لدولة فلسطينية منقوصة، فيجب على القيادة الفلسطينية في الداخل، التأكيد على أن رفضهم لخطة ترامب بنقل أهل المثلث للدويلة المقترحة، نابع من الرفض للخطة بمجملها، ولأنها لا تعطي الفلسطينيين حقهم، ولتكون الاسباب لرفض الخطة وضم المثلث متعلقة برؤية ذواتنا كجزء من حل أكبر ونفسنا كجزء من الصراع، الذي لا نقبل كل الحزمة التي ظهرت فيه مسألة ضم المثلث. كما يجب التأكيد والعمل على تثبيت هوية الفلسطينيين في الداخل، وإعادة ضمهم للمشروع الوطني الفلسطيني العام (الذي يجب إعادة بنائه ليشمل الكل الفلسطيني) والتشديد على أن الكيان الاحلالي الاسرائيلي هضم حق وأرض ومقدسات الشعب الفلسطيني بكل امتداداته وحل الصراع يكون بإحقاق الحق كل الحق لأصحابه كحلٍ يشمل الكل الفلسطيني ويرضونه ويكون عادلاً بإعادة الحق لأصحابه. أخيراً، التأكيد على أن وجودنا في هذا البلاد نابع من أنه وطننا وليس من مواطنتنا التي استحدثت بفعل تغّير الواقع في هذه البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى