أخبار وتقاريرمقالاتومضات

معركة الوعي (263) على بوابات الحريّة سبعُ سنوات عِجاف وسبعٌ سِمان

حامد اغبارية

1)

لم يصل الغرور والغطرسة اللذان هما من علامات العلوّ، ذروتَهما بعدُ في السلوك الإسرائيلي على جميع الجبهات. وما يزال أمامنا الكثير الكثير مما سنراه ونعيشه حتى يقول قائل: قد كنا نظن أن القوم قد بلغوا الحد في الاستعلاء والاستخفاف، فإذا بنا نجد ما وقع حتى الآن كان مجرد مقدمات ومؤشرات ونماذج توقظ النائم وتنبه الغافل وتحرك الساكن.

ولقد قيل إن ما أحدثوه في غزة من دمار غير مسبوق إنما هو أقصى ما يمكن أن يتحمله بشر! ذلك من شدة ما رأى الناس من بأساء وضراء وقعت على الأهل هناك، إلى درجة أن العقول لم تتخيل أنه يمكن أن يقع أسوأ من هذا وأشد وطأة وبأسا وإيلاما!

غير أن المتأمل السابر لغور (العلوّ) سيجد أنه ما تزال للعلو درجات لم يبلغوها بعدُ، وسوف يبلغونها لا محالة.

كيف أنت عندما تجد ما حدث في غزة يتكرر في الضفة الغربية؟!

كيف أنت عندما تقف مشدوها وأنت ترى بأم عينيك أن لبنان أصبحت دولة من الماضي؟

كيف أنت عندما تطأ دباباتهم شوارع صور وصيدا في الساحل الجنوبي وصولا إلى طرابلس في الساحل الشمالي، ثم بيروت؟

كيف أنت عندما يقودهم الغرور والانتفاش إلى مدّ أيديهم إلى بغداد؟

كيف أنت عندما تؤدي بهم نفسهم الأمارة بالشّرّ إلى الطريق المؤدي إلى القاهرة؟

كيف أنت حين تتابع المغرورين والمنتفخين وهم يصرخون بانتشاء: لقد وصلنا إلى دمشق، بعد قليل ستكون بأيدينا؟!!!!

ثم كيف أنت حين تجد أن وراء هذا أمر عظيم، وأنه على بوابات دمشق ترفرف بشائر الحرية؟

نحن أمام سبع بقرات سمان يأكلُهنّ سبعٌ عجاف، ثم تأتي سنوات خُضرٌ تكون دمشق وما حولها من سهول ومروج اسما يتردد على كل لسان. ولن تكون مجرد اسم، بل هي الاسم الذي سوف يتمنى كثيرون (كثيرون يعني أغلب مَن على الأرض من ذوي السويقتين) لو أنهم لم يستفزّوها، ويْ ليتهم كانوا صُمّا لم يسمعوا، ويْ ليت أعمارهم انقضت قبل أن يوصلوا أنفسهم إلى هذه اللحظة الفاصلة في التاريخ!

2)

في المشهد الحالي، الذي نعيش تفاصيله لحظة بلحظة، يسود الشعور بالحزن والألم. وهو شعور طبيعي فطري لا مشكلة فيه. لكنه يصبح مشكلة إذا تحول إلى شعور باليأس والإحباط وسوء الظن وانسداد الأفق.

ففي هذا المشهد تبدو الأمور وكأنها قد استتبت لنتنياهو ومشروعه التوسعي، بحبلٍ من امبراطورية الشيطان الكبرى، وإلى جانبها دول الشر الاستعمارية في أوروبا، إلى درجة أن سوائب مستوطنيه يعيثون فسادا في الضفة الغربية، وتجد فرخ مستوطنين، لا يكاد يملأ الكف، يتطاول على صاحب الأرض ويشتمه ويضربه دون رادع!

وتجد الغدر متجسدا في خرق اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة على مدار الساعة، دون رادع!

وتجد نقض العهود والمواثيق في العدوان المتواصل على لبنان صباح مساء دون رادع.

وتجد التطاول المستفز على سوريا في اقتحام الحدود واحتلال المزيد من الأرض والقصف في كل مكان وصولا إلى وزارة الدفاع والقصر الرئاسي أو قريبا منه دون رادع! ثم تسأل في قرارة نفسك: لماذا لا ترد سوريا؟ أو متى سترد؟ وهل سترد؟

أنا لا أسأل: لماذا لا ترد؟ أو متى سترد؟ لكنني أعلم أنه ستأتي اللحظة التي يكون فيها الرد مدهشا بصورته وشكله وهيأته. وعندها ستعلم وسنعلم أن استعجال الغيب كان في غير محلّه، وأن السؤال لم يكن ليُسأل! نحن فقط نستعجل لأننا بشر، ولأننا نتألم، ولأننا نتوقع، ولأننا- من هول اللحظة وشدّة نزيفها- ننظر إلى الصورة من زاوية واحدة.

3)

12 سنة صبّ نظام بشار الأسد خلالها فوق رؤوس السوريين آلات الموت بكل أشكالها، وقتل منهم مئات الآلاف وشرّد وهجّر الملايين، حتى غلب على الظنّ أن ثورة الشعب السوري باتت مجرّد أضغاث أحلام ووهمًا يغرق فيه الحالمون، ثمّ فجأة، في أقل من 12 يوما سقط النظام كأنه لم يكن. سقط بصورة مدهشة، لم يتخيلها أكثر الناس تفاؤلا، ولا حتى قاصٌّ مبدعٌ ينسج من خياله الواسع أقاصيص المعجزات.

هل تذكر؟! لقد أراد الثوار الرد على قصف النظام المكثف بعد أربع سنوات من الهدوء المشحون بالتوتر، ثم أرادوا تحرير حلب وحسب، وكان هذا غاية طموحهم في تلك اللحظة. لكنهم أرادوا شيئا وأراد الله شيئا آخر. ولعل المشهد قريب الشبه بخروج المسلمين الأوائل من المدينة إلى قافلة أبي سفيان، فأعطاهم الله بدرًا: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}.

لقد أراد المسلمون غير ذات الشوكة، التي هي قافلة قريش، وأراد ثوار سوريا، غير ذات الشوكة: رد العدوان والسيطرة على حلب لتكون لهم متنفسا بعد ضيق شديد.

ثم ترى كيف أنه سبحانه أعد للمؤمنين ما لم يتوقعوه. فكان ما كان مع حزب الله اللبناني في المواجهة الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو الذي كان له الدور الأكبر في ذبح السوريين. ثم ترى كيف أن الله سبحانه قد أشغل إيران بما لم تتوقع، وهي التي كانت تنتهك الأعراض في سوريا “تقربا إلى زينب والحسين”!! ثم ترى كيف أنه سبحانه قد هيأ الظرف لإشغال روسيا بحرب مفاجئة مع أوكرانيا، وهي التي كانت تحمي نظام الأسد وتلغ في دماء السوريين!! كل هذا وقع في فترة زمنية قياسية لا يمكن أن تتخيلها لو أنك أردت ذلك قبل وقوعها. فتأمّل!!

ولقد رأيتَ من قبلُ غزة العزلاء من كل شيء كيف سطرت في التاريخ- طوال سنتين- صفحاتٍ أذهلت بتفاصيلها الخبراء من كل لون وملّة!

تأمّل واندهش! ثم انتظر لأنك ستُدهش أكثر!

أفتعْجبُ مما يحدث الآن؟!!  أفتعجبُ من أمر الله؟! ثم تسأل الأسئلة التي يجب ألا تُسأل؟!!

4)

بعد طوفان نوح عليه السلام، جاء قوم عاد الذين أعطاهم الله تعالى كل أسباب القوة المادية، حتى أصبحوا أكبر قوة عسكرية على وجه الأرض، ومنحهم من الأموال الكثير، وأمدّهم بقدرات جسدية لم تكن لغيرهم، فأنشأوا العمران ونحتوا الجبال وصنعوا من عجائب الزمان الكثير، فغرّتهم أنفسهم ففسدوا وأفسدوا، فكانوا أول من عبد الأصنام على الأرض، ونسبوا الفضل فيما وصلوا إليه من حضارة إلى قوتهم وعلمهم، ونسوا فضل الله عليهم، وحاربوا نبيّهم هودا عليه السلام ونبذوه، حتى قال الله فيهم: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً…}. فجاءهم الجواب: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}. ثم جاء العقاب الذي لم يتوقعوه، في لحظة لم يتوقعوها، بجندي من جنود الله لم يتوقعوه. وكانت النتيجة: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى