أخبار عاجلةدين ودنيا

املأ قلبي باليقين ثبتني على هذا الدين (الأخيرة)

مارية محاجنة

إنّ انتقام الله من الظالمين غيبٌ علينا الإيمان به؛ لأن الله تعالى جزم به في كتابه فقال: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42]. وقال: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر: 52]. وقال: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18]. وليس شرطًا أن نرى عقوبة الظالم في الدنيا، وهذا لا يناقض العدالة الإلهية كما يزعم البعض، بل قد يكون عدم رؤية العقوبة في الدنيا أتم وأشد في عدم التخفيف على الظالم، وهذا بحد ذاته عقوبة له؛ لأنه حرم الهداية والتوبة في الدنيا كما في قوله تعالى: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].

ويقول ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى: “لا يَكُنْ تأَخُّرُ أَمَدِ العَطاءِ مَعَ الإلْحاحِ في الدُّعاءِ مُوْجِبًا لِيأْسِكَ. فَهُوَ ضَمِنَ لَكَ الإِجابةَ فيما يَخْتارُهُ لَكَ لا فيما تَخْتارُهُ لِنَفْسِكَ. وَفي الوَقْتِ الَّذي يُريدُ لا فِي الوَقْتِ الَّذي تُرْيدُ”.

واذا كنا نرى في حاضرنا أنّ الصخرة أغلقت الغار فهل إلى خروج من سبيل؟! مشكلتنا إيمانية
فيحضرني قول د. مجدي الهلالي:
“إن فصيلة دم أمتنا هي الإيمان، ويوم أن يضعف الإيمان، ويتمكن الهوى وحب الدنيا من قلوب أبنائها، فإنها بذلك تفقد مصدر قوتها وتميزها على سائر الأمم، وليس ذلك فحسب؛ بل إن ضعف الإيمان وغلبة الهوى من شأنه أن يستدعى غضب الله عليها لأنها بهذا الضعف لن تستطيع أن تبلغ رسالته، ومن ثَّم فإن العقوبات ستتوالى عليها حتى تفيق من غفلتها، وتعود للإيمان”.

مع الأخذ في الاعتبار أن أهم عامل لنجاح هذا المشروع هو وجود المسلم الصحيح الذي جعل من التربية الروحية العميقة تزدهر في قلبه، فانعكس ذلك على سائر حياته ليتحقق فيه قوله تعالى: {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: ١٦٢].

فإن كانت فصيلة دم أمتنا هي الإيمان، وأننا الآن نعاني من نقص شديد فيه، فإن أعظم مقوٍ للإيمان هو القرآن.
فالقرآن هو المنبع العظيم للإيمان والذي لا يوجد له مثيل، ويكفي أنه ينادي على الجميع أن هلموا إليّ واستكملوا نقص إيمانكم، فمنابعي ممتلئة وجاهزة لإمدادكم جميعًا بما تحتاجونه من إيمان {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران: 193]”. بتصرف يسير.

اذا هذه المرحلة تتطلب منا مزيدا من التزود الايماني والربط على القلوب: “وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِۦٓ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَآ إِذًا شَطَطًا”.
فاربط على قلبك هاتفا مناجيا،
قول الشاعر ناصر الزهراني:
اللهُ يَا أَعْذَبَ الأَلْفَاظِ فِي لُغَتِي
وَ يَا أَجَلَّ حُرُوفٍ فِي مَعَانِيهَا
اللهُ يَا أَمْتَعَ الْأَسْمَاءِ كَمْ سَعِدَتْ
نَفْسِي وَ فَاضَ سُرُورِي حِينَ أَرْوِيهَا
اللهُ أُنْسِي وَبُسْتَانِي وَ قَافِيَتِي
اللهُ يَا زِينَةَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا
اللهُ يَرْتَاحُ قَلْبِي حِينَ أَسْمَعُهَا
وَحِينَ أُبْصِرُهَا نَقْشًا وَأُمْلِيهَا
اللهُ أَرْحَلُ فِي أَعْمَاقِهَا وَعَلى
إِيحَائِهَا تَسْتَمِدُّ النَّفْسُ بَارِيهَا
اللهُ فِيهَا إِجَابَاتِي وَأَسْئِلَتِي
وَمِنْ مَعَانِي الرِّضَا وَالْحُبِّ صَافِيهَا
اللهُ فِيهَا بَيَانِي بَسْمَتِي طَرَبِي
مَشَاعِرِي حَاضِرُ البُشْرَى وَمَاضِيهَا
اللهُ روحِي طُمُوحِي رَاحَتِي سَكَنِي
لَا أَجْتَنِي الأُنْسَ إِلَّا مِنْ مَغَانِيهَا
اللهُ شَهْد الهَوَىَ والوُدُّ لَيْسَ لَهَا
فِي مُهْجَةِ المُتَّقِي شَيْءٌ يُسَاوِيهَا
اللهُ حُبِّي وَ سُلْوَانِي وَمَا فَتِئَتْ
رُوحِي مَدَىَ العُمْرِ فِي شَوْقٍ تُغَنِّيهَا
اللهُ إِنْ جَاءَتِ الدُّنْيَا بضَائِقَةٍ
فَالْجَأْ إِلَيْهَا فَفِيهَا مَا يُجَلّيهَا
اللهُ تَهْتَزُّ أَرْوَاحٌ لَهَيْبَتِهَا
وَتَرْتَقِي وهِي جَذْلىَ فِي مَرَاقِيهَا
اللهُ اللهُ كَمْ للهِ مِنْ أَثَرٍ
فِي مُهْجَتِي أَيُّ أَوْزَانٍ سَتُبْدِيهَا!؟
اللهُ أَجْمَلُ مَا نَتْلُوهُ أَحْسَنُ مَا
يَرْوِي ضَمَائِرَنَا طُهْرًا وَيَسْقِيهَا
اللهُ ما سَكَنَتْ قَلْبًا فَبَاتَ لَهُ
فِي ظِلِّهَا مِنْ مُعَانَاةٍ يُعَانِيهَا
اللهُ مَا رَتَّلَ الوِجْدَانُ رَوْعَتَهَا
إِلَّا وَأَمْسَى قَرِيرَ النَّفْسِ رَاضِيهَا
اللهُ تَبْتَسِمُ الآمَالُ يُشْرِقُ فِي
أَرْوَاحِنَا النُّورُ إِنْ نَادَى مُنَادِيهَا
اللهُ تَسْمُو نُفُوسُ الهَائِمِينَ بِهَا
وَيَنْتَشِي كُلُّ صَبٍّ عِنْدَ حَادِيهَا
اللهُ غَيْثٌ مِنَ الرِّضْوانِ أَوْدِيَةٌ
سَلْسَالَةٌ تُطْرِبُ الأَرْوَاحَ تُحْيِيهَا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى