بوصلتنا هي فكرنا وقيمنا وثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية
الشيخ رائد صلاح
يطالبنا الفكر الإسلامي المستقى من مصادره الأساس القرآن والسنّة، أن نضع العقل قبل الرأي لا أن نضع الرأي قبل العقل، لأن وضع العقل قبل الرأي يعني تحرّي الحق والتحرر من التقليد الأعمى أو التبعية المغرية.
وأما وضع الرأي قبل العقل فيعني التعصب للرأي سلفًا حتى لو كان باطلًا، ويعني تقديم الهوى على الدليل، والتحزّب على البرهان.
ويطالبنا الفكر الإسلامي أن نعرف الرجال بالحق لا أن نعرف الحق بالرجال، لأن معرفة الرجال بالحق يعني أن الحق هو الأصل، وأن فكر الرجل أو المرأة هو التّبَع للحق، وأن معرفة مدى موافقة فكر الرجل أو المرأة للحق يعني معرفة مدى ما هو عليه، أو ما هي عليه، هل هو أو هي على حق أم ماذا؟
ولكن إذا عكسنا الأمر وجعلنا الحق يُعرف بالرجال او بالنساء ، فهذا يعني تقديسهم ، وتهميش الحق وجعله تبعًا لهم وكأنهم هم الأصل والحق هو الفرع، وكأن الحق يقاس بمدى موافقته لهم. وهذا مرفوض من حيث المبدأ، فلا يوجد رجل أو امرأة مُلهمٌ بالصواب المطلق ولا يخضع للنقد إلا الأنبياء الذين أوحِيَ إليهم من الله.
ويطالبنا الفكر الإسلامي، بناء على ما تقدّم، أن نقف مع البرهان في كل قضية. ونجد ذلك في الآية القرآنية: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
ويطالبنا بإعمال العقل دائمًا حتى نصل إلى الفهم السليم. ونجدُ ذلك في الآية القرآنية: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} وفي الآية القرآنية: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ} وفي الآية القرآنية: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، وهي عجالة سريعة جدًا وإلا فالموضوع واسع جدًا.
ويطالبنا الفكر الإسلامي أن نبحث عن الحقيقة أينما كانت. ونجدُ ذلك في الحديث النبوي: (الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها)، وفي الحديث النبوي: (طلبُ العلم فريضة)، وفي الحديث النبوي: (اطلبوا العلم ولو في الصين).
ويطالبنا الفكر الإسلامي أن نحاور الآخرَ المخالفَ لفكرنا الإسلامي بالتي هي أحسن. ونجدُ ذلك في الآية القرآنية: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، بعيدًا عن فظاظة الكلمة وغلظة القلب. ونجد ذلك في الآية القرآنية: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
ويطالبنا الفكر الإسلامي أن لا نشخصن الحوار عندما نحاور الآخر، فنحن مطالبون أن نحاور فكرَه مهما كان، لا أن نحاور شخصه. ونحن مطالبون أن نحدد موقفنا من فكرِه أصلًا، لا أن ندخل معه في مناكفة شخصية ليست مُجدية.
بناء على ما تقدم فإننا يوم أن نحاور فكرًا أطلق عليه البعض: (الفكر النسوي)، فمن حقنا أن نحاور هذا الفكر. فهو فكر تحت مجهر النقد وسيبقى كذلك، ولا يجوز أن نتعامل معه بقدسية وكأنه فوق النقد لأنه (فكر نسوي). وسلفًا أقول: إننا يوم أن نحاور ما أطلق عليه البعض: (الفكر النسوي) فليس بيننا وبين من يحملونه أية مشكلة شخصية؛ سواء كانوا رجالًا أو نساء، وليست بيننا وبين أية جمعية تحمل هذا الفكر أية مشكلة شخصية؛ سواء كانت جمعية نسوية أو غير ذلك، ويوم أن نحاور هذا الفكر فنحن نستند الى فكرنا. وما أرجوه من الجميع أن يواجه فكرَنا بفكره الذي يحمله، لا أن يواجه فكرنا بشعارات فقط، أو غمز ولمز فقط، أو التجييش الشعبوي الجماعي فقط.
نحن أبناء وبنات الفكر الإسلامي نعتز بانتمائنا الإسلامي العروبي الفلسطيني، وهذا الانتماء ليس انتماء هلاميًا ولا غامضًا ولا متلونًا، ولا مزاجيًا، ولا خاضعًا لبيع من يزيد، بل لهذا الانتماء فكر وقيم وثوابت.
ويوم أن ندافع عن هذه الأصول: (الفكر والقيم والثوابت) فنحن ندافع عن جوهر هذا الانتماء (الإسلامي العروبي الفلسطيني). ونجزم أنه لا يوجد معتز بهذا الانتماء؛ سواء كان رجلًا أو امرأة، وسواء كان مسلمًا عربيًا، أو عربيًا غير مسلم، أو مسلمًا غير عربي، أو عربيًا فلسطينيًا مسلمًا أو غير مسلم، لا يوجد أي من هؤلاء يرضى لهذا الانتماء أن يكون مُفْرَغًا من محتواه (الفكر والقيم والثوابت)، أو قابلًا أن نُفْرِغَهُ من محتواه وأن نملأه بمحتوى آخر مستورد يصادم فكر وقيم وثوابت محتوى هذا الانتماء الإسلامي العروبي الفلسطيني.
ولذلك فنحن يوم أن ندافع عن هذا الانتماء وعن محتوى (الفكر والقيم والثوابت)، فنحن لا ندافع عنها وفق الحس الديني الإسلامي فقط، بل ندافع عنها وفق الحس القومي العروبي المبصر، ووفق الحس الوطني الصافي.
ونحن لا ندافع عنها بهدف دفاعنا عن الصحوة الإسلامية فقط، بل ندافع عنها بهدف دفاعنا عن الشخصية المنتمية إليها؛ سواء كانت رجلًا أو امرأة، وسواء كانت من أبناء الصحوة الإسلامية أم من غيرها، وبهدف دفاعنا عن حصانة الأسرة وحصانة المجتمع وحصانة الأمة، إيمانًا منا أننا يوم أن نحافظ على تماسك هذه الحصون فسنؤدي دورنا بكل أبعاده، الديني والقومي والوطني والنهضوي والتحرري كما يجب، وإلا إذا كانت هذه الحصون الكبيرة مهددة من الداخل، فلا يمكن لها أن تؤدي دورها بكل أبعاده التي ذكرتها، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولأن هذه الحصون إذا كانت مهددة، فستنتج الفوضى في داخلها وخارجها، وستبقى تعاني من هزيمة في فكرها وقيمها وثوابتها قبل أي هزيمة أخرى.
نحن أبناء وبنات الفكر الإسلامي نؤكد أن الذي يجمعنا هو هذا الفكر الواحد النابع من هذا الانتماء الإسلامي العروبي الفلسطيني، وهو فكر للرجل وفكر للمرأة، يقوم على مبدأ التكامل بين الرجل والمرأة، ولا يوجد لنا فكر اسمه “الفكر الرجولي” في مقابل “الفكر النسوي”، وكأن هناك شرخًا أفقيًا وعموديًا في مسيرة حياتنا التي تبدأ بالفرد رجلًا أو امرأة ، ثم الأسرة، ثم المجتمع، ثم الأمة، بل هو فكر واحد تكاملي يحمله الرجل وتحمله المرأة، وفق القواعد القرآنية {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، فهو ولاء يجمع دور الرجل مع دور المرأة لهذا الانتماء الاسلامي العروبي الفلسطيني، وهو هذا الولاء لفكرنا الذي يقوم على مبدأ التكامل بين دور الرجل والمرأة لا على ظن الصدام.
وهو هذا الولاء الذي يؤدي كل الأدوار المطلوبة منه في كل أبعادها، الإسلامية العروبية الفلسطينية. ثم هو هذا الفكر الذي حمله الصحابة والصحابيات، ثم حملته أجيال الرجال والنساء التي جاءت بعدهم. وهو هذا الفكر الذي نصبو أن يحمله الرجال والنساء منّا في كل هذه الأبعاد: الإسلامية أمةَ، والعروبية قوميةً، والفلسطينية وطنيةً، بكل مركبات هذا النسيج، وبكل أبعادها كأمة وشعوب ووطنيات وبيوت وأشخاص. ولذلك نحن من أنصار فكر النساء ما دام جزءًا من فكر الأمة الذي يجمع بين الرجل والمرأة على مبدأ التكامل لا التصادم.
أما أن يقال هناك “فكر نسوي” خاص منشقّ عن فكر الأمة برجالها ونسائها فهو قول مستهجن ومرفوض. والأنكى من ذلك أن يقال هناك “فكر نسوي” يدّعي أن الرجل أو المرأة يملك كل منهما جسده، ويملك حقه الكامل بالتصرف بهذا الجسد كما يحلو لهما؛ مما يعني سلفًا شرعنة الزنا والشذوذ الجنسي والتحول الجنسي، فهذا ليس فكرًا نسويًا فقط، بل هو فكر نسوي منحرف، مصادم كل المصادمة لمحتوى انتمائنا الإسلامي العروبي الفلسطيني، ومن واجبنا- بدافع الحفاظ على أمن وأمان حصن الأسرة والمجتمع والأمة- أن ندحض هذا الفكر المستورد، وأن نرد عليه وفق الأصول التي بينتها آنفا.
الإسلام والمسيحية كل منهما يحرم الزنا والشذوذ الجنسي والتحول الجنسي في مسيرة الرجل والمرأة، فالدعوة إلى غير ذلك هي دعوة طائفية ضد الإسلام وضد المسيحية، والعروبة كما عرفناها وكما ننتمي لها تحرم كل ذلك. ويوم أن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء وكان من شروط تلك البيعة ألا يزنين، قالت هند زوج أبي سفيان، وهي من سيدات نساء العرب قبل الإسلام، قالت متعجبة: أوتزني الحرة؟! فهي العروبة التي كانت ترفض الزنا قبل الإسلام.
ويوم أن نزلت الآيات القرآنية التي تحدثت عن الشذوذ الجنسي في حياة قوم لوط رجالًا ونساء قال بعض الصحابة الذين كانوا من أقحاح العرب قبل الإسلام متعجبين: ما كنا نعرف أن الرجل قد يعلو الرجل حتى نزلت هذه الآيات.
وهذا يعني أن العروبة كما رفضت الزنا قبل الإسلام فقد رفضت الشذوذ الجنسي كذلك. وهذا يعني أن الفكر النسوي المنحرف الذي يدعو لاستسهال الشذوذ الجنسي والتحول الجنسي هو فكر يحمل خطابًا طائفيًا ضد العروبة.
ثم إن الفلسطينية التي ننتمي إليها، والتي ورثناها عن الآباء والأجداد والذين لا يزال بعضهم حيًا يرزق ويعيش بيننا في هذه الأيام، هذه الفلسطينية أبت على نفسها أن تتلوث بالزنا والشذوذ الجنسي والتحول الجنسي، ونبذت كل صوت يدعو إلى ذلك، واعتبرته صوتًا يحمل خطابًا طائفيًا ضد الفلسطينية بفكرها وقيمها وثوابتها التي هي امتداد للانتماء الإسلامي العروبي.
وسلفًا أقول: أنا أكتب فكرًا، ولا يزعجني أن يكتب رجل أو امرأة أو جمعية نسوية أو غيرها ردًا على فكري الإسلامي العروبي الفلسطيني. ولكن أرجو منهم أن يردوا على فكري بفكر، لا بمجرد شعارات فقط، ولا بتقمص شخصية المظلوم فقط، ولا بخطاب (عليهم) فقط، ولا بافتعال أزمات لا أصل لها فقط، ولا بشخصنة الحوار فقط، وأن نتحلى بالمسؤولية والعقلانية والتحرر، وأن نتعالى عن أية إملاءات داخلية أو خارجية، وأن نقابل الفكر بفكر والحجج بحجج والبرهان ببرهان، وعندها سيأخذ الحق مجراه وسيظهر.
عجبت من أصوات اعتبرت ما كتبتُه في المقالتين السابقتين أنه يقوم على الاتهام والتحريض، ويقوّض الحوار، ويُضعف الجهود المشتركة لمواجهة العنف، ولذلك لازلت أقول: أنا لا أتهم، بل ثبت عندي بالدليل القاطع بناء على نزاعات أسرية كثيرة – والأسماء محفوظة لدي – أنّ الفكر النسوي المنحرف هو أحد أسباب العنف.
ويوم أن أدافع عن فكر وثوابت وقيم مجتمعي، فأنا أسعى لحراسته من كل فكر نسوي منحرف يحرّض على هذا المجتمع، وعلى هوية كل شخص فيه، وعلى ركائز كل أسرة فيه، وعلى دعائم هذا المجتمع الذي أخشى ما أخشاه أن يقع بين المطرقة والسندان؛ بين مطرقة سياسة رسمية تصادر أرضه، وسندان فكر نسوي منحرف يدعو علانية إلى مصادرة قيمه وآدابه وأخلاقه، وبين مطرقة سياسة رسمية تهدم بيوته بحجة عدم الترخيص، وسندان فكر نسوي منحرف يتسبب بهدم بناء الأسرة وهدم الأواصر الاجتماعية وصلة الرحم وبر الوالدين وحصن الشرف.
ثم ها أنا أحاور بلغة فكر، وأرجو أن يقابلني بلغة فكر من أراد أن يرد عليّ، لا بهذا السيل من الاتهامات التي لا تليق بوعينا.
ثم نحن لجان إفشاء السلام الذين أقمنا قبل حظرها إسرائيليا 50 لجنة نسائية محلية كانت تضم 350 امرأة، على أقل تقدير، من كل مجتمعنا وتعددياته الدينية والسياسية لإفشاء السلام جنبًا إلى جنب في دور متكامل بين الرجل والمرأة.
ولذلك نحن رأينا ضرورة بناء الشراكة التكاملية بين الرجل والمرأة، وعرفنا ما هي نوعية هذه الشراكة التي قامت على الاستقلال التام والصفاء التام والكرامة التامة في كل تفكيرنا ومواقفنا ونشاطاتنا. ولم نكن خاضعين لإملاءات صناديق دعم غربية.
عجبت من أصوات بات حالها كحال المثل القائل: (رمتني بدائها وانسلّت). فهي أصوات تدعي لنفسها: (رفض كل أشكال العنف)! وتدعي لنفسها: (حماية النساء)! (لضمان كرامتهن)! وعليه أرجو الإجابة على هذا السؤال: ماذا عن الكثير من أُسَرنا التي عاشت في سعادة غامرة بين الرجل والمرأة والأبناء، ثم انقلبت حياتها إلى جحيم، ولما تحرينا عن السبب كجزء من جهودنا لرأب الصدع وجدنا أن المرأة أو إحدى بناتها تواصلت فجأة، بعد سنين السعادة، مع الفكر النسوي المنحرف فانقلب حال البيت إلى جحيم، وما أكثر الشواهد على ذلك!
عجبت من أصوات تقول إن النص الذي يهاجم الإسلام، والذي تقدم إلى مؤتمر سخنين حول مكافحة العنف ليس جديدًا، بل هو نص صادر في مجلد 2019 بعنوان (المشروع الاستراتيجي لمكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي)!! ولأنه نص يهاجم الإسلام بصراحة بناء على نصوصه الواضحة، فهذا يعني أن إعادة نشر هذا النص في مؤتمر سخنين يعني الإصرار على مهاجمة الإسلام، ولو لم أكن سجينًا يومها لرددت على هذا النص في عام 2019، ولكن ماذا أفعل وقد كنت سجينًا!! أم تهمتي أنني كنت سجينًا!
عجبت من أصوات تريد أن تصدّر لنا مقولة: (رفض أي تمويل مشبوه أو مشروط يتعارض مع الموقف الإنساني والوطني)، وكأن هناك صناديق دعم غربية تدعم بدافع إنساني بنسبة 100%!! وهو ادعاء خيالي يرده الواقع. ومن يدّعي ذلك فهو كمن يحاول أن يثبت لنا وجود المخلوق الخيالي (العنقاء!! ولأهمية هذا الموضوع فسأكتب عنه مقالة خاصة)، وعندها سيعَضُّ الكثير منا على أصابعه.
عجبت من أصوات تحاول أن تدّعي رفضها لإضعاف نسيجنا الاجتماعي، أو تأجيج حساسيات طائفية، ولذلك أرجو أن يجيبوني على هذا السؤال: أليس الهجوم على الإسلام ومحاولة شرعنة الزنا والشذوذ الجنسي والتحول الجنسي هو تدمير لكل نسيج مجتمعنا وقمة تأجيج الحساسيات الطائفية؟!
عجبت من أصوات تحاول أن تمرر علينا قولها: (محاولة تشويه الفكر النسوي أو ربطه بالعنف أو الانحراف هي محاولة للهروب من مواجهة واقع قمع النساء …)!!
ومرة بعد مرة أؤكد أننا نناصر فكر المرأة النابع من فكر الأمة، والمستمد من الانتماء الإسلامي العروبي الفلسطيني، أما فكر المرأة المستمد من الانتماءات لصناديق الدعم الغربية والمستورد من أزمات العالم الغربي، وكأن كل أزمة له هي أزمة لنا، وهو مبدأ مرفوض، أو المتأثر بالغزو الفكري الغربي الرأسمالي الفرداني، إنّ مثل هذا الفكر مرفوض لأنه المكمل للاستعمار الغربي، والغزو العسكري الغربي. ومن واجبنا أن نواجه كل فكر يتربص لفكرنا وقيَمنا وثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، ويا مرحبًا بالفكر النسائي المبصر الراشد الحر المستقل النابع من انتمائنا الإسلامي العروبي الفلسطيني.



