أخبار وتقاريردين ودنيامقالاتومضات

الله أعلم بما في أنفسكم

د. نواعم شبلي

إن النفس البشرية عالَمٌ خفيّ، تتقلب بين ظاهرٍ نُبديه للناس وباطنٍ لا يعلمه إلا خالقها. لذلك قال الله تعالى في محكم التنزيل:

«وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ» (سورة البقرة، آية 235). هذه الآية الكريمة تختصر حقيقةً عميقة في علم النفس الإيماني؛ فالله وحده يعلم خفايا الصدور، ونيات العباد، وما تخفيه الضمائر من خير أو شر. ومن هنا تتجلى عدالة الله المطلقة، إذ لا يُحاسِب الإنسان على المظاهر، بل على النوايا، كما قال النبي ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (رواه البخاري ومسلم).

وفي زمنٍ تتكاثر فيه الأحكام السطحية والظنون، تذكّرنا هذه الآية بضرورة التوقف عن محاكمة الآخرين بناءً على الظاهر، فربّ قلبٍ خاشعٍ لا يظهر خشوعه، وربّ عملٍ صغيرٍ ترفعه النية الصادقة إلى أعلى الدرجات.

إن الإيمان بأن الله وحده هو العليم بالسرائر يمنح الإنسان راحة داخلية عميقة، إذ يطمئن أن العدل الإلهي لن يضيع عملًا أو نيةً مهما خفيت عن الناس. كما يدفعه إلى مراجعة ذاته باستمرار، فيطهّر قلبه من الرياء والغش والحقد، مستحضرًا قوله تعالى: «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» (سورة غافر، آية 19).

ومن منظور علمي نفسي، فإن مراقبة الإنسان لنفسه وشعوره الدائم بأن هناك من يطّلع على خفاياه، تربي داخله ما يُعرف بـ”الضمير اليقظ”، وهو أقوى أساليب ضبط السلوك الإنساني. فالرقابة الإلهية ليست تقييدًا للحرية، بل تحريرٌ من الانفلات الأخلاقي، ودعوةٌ لأن يعيش الإنسان بصدقٍ مع ذاته.

ختامًا، تبقى الآية «الله أعلم بما في أنفسكم» نداءً إلهيًا يدعو إلى الصدق، والتجرد، والتسامح. فليكن تعاملنا مع الناس برحمةٍ، ومع أنفسنا بمحاسبةٍ، ومع الله بخشوعٍ ويقينٍ بأنه الأعلم بسرائرنا وأعمالنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى