معركة الوعي (252) كيف تُقرأ “التقارير” بشكل صحيح؟! عندما يغرد زمير بما لا يؤمن به!

حامد اغبارية
1)
قبل أن “يقرأ” الرئيس الأمريكي ترامب “التقرير” الذي قال إن فيه معلومات تفيد بأن “حماس” نقلت الرهائن/ الأسرى الإسرائيليين من تحت الأرض إلى فوق الأرض ليشكلوا درعا بشريا “تحتمي” خلفه أمام قوات الاحتلال، كان زميله في الكذب والتضليل والخداع، بنيامين نتنياهو، قد أبلغ عائلات الأسرى بنفس التفاصيل، ثم جاء وزير خارجية أمريكا، ماركو روبيو، ليكرر نفس “المعلومة” أمام عائلات الأسرى التي التقاها أثناء زيارته الأخيرة هذا الأسبوع.
وقد تكررت هذه المقولة على ألسنة الحاشية المقربة من نتنياهو، كما أصبحت عنوانا مركزيا في وسائل الإعلام العبرية.
كيف نقرأ هذه التصريحات في إطارها الصحيح؟
إن تكرار مثل هذه المسألة شديدة الحساسية بالنسبة لعائلات الأسرى الإسرائيليين بشكل خاص والشارع الإسرائيلي بشكل عام، ليس عبثيا وإنما يخفي وراءه أمرا ما خطيرا ولعبة أكثر خطورة.
أولا: سبق الجولة الحالية من الحرب على غزة، والتي يستهدف فيها الاحتلال مدينة غزة ويعيث فيها تدميرا وتقتيلا وتهجيرا، حملة إعلامية إسرائيلية- أمريكية تركز فيها الحديث عن أن غزة المدينة هي المعقل الرئيس لحركة حماس وكتائب القسام.
ذلك بهدف إيهام القطيع في الرأي العام الإسرائيلي بأن تدمير غزة -كما يحدث الآن وكما سيحدث لاحقا- إنما هو جزء من تدمير حركة حماس وإخراجها من الخدمة.
ثانيا: هذا الادعاء هو تضليل واضح. فليس هناك دليل واحد حقيقي يؤكد أن غزة المدينة هي معقل مقاتلي حماس الرئيس، وأن احتلالها سينهي المهمة! والحقيقة الأكبر أن الاحتلال، بكل وسائله الاستخبارية، مدعوما بالاستخبارات الأمريكية والبريطانية والألمانية، لم يستطع الوصول إلى أهم مسألة: كيف تدار المعركة في قطاع غزة من الطرف الفلسطيني؟ وأين تتركز قوى المقاومة؟ وكم عدد مقاتليها الحقيقي؟ وأين أنفاقها؟ وما حجم هذه الأنفاق؟ وكيف تعمل هندسيا وميدانيا؟ فكيف توفرت معلومة إخراج الأسرى الإسرائيليين من تحت الأرض إلى فوق الأرض ليصبحوا دروعا بشرية؟ إنها موجودة فقط في ذهن الفاشل.
لا أحد يعرف شيئا، ولو عرفوا شيئا كهذا لما أذاعوه، ولفعلوا فعلتهم بصمت وسريّة تامة. إذ أنه يقال إن الحرب خدعة! أليس كذلك؟ إنما هو القطيع الذي يصدق كل شيء، لأنه تربى على ذلك.
ثالثا: إن الهدف من وراء هذه التصريحات هو تجهيز الرأي العام الإسرائيلي لاحتمال قتل أسرى إسرائيليين بنيران إسرائيلية، ومن ثمّ إلقاء التهمة الجاهزة على حركة حماس، كما فعلوا في السابق في أكثر من مناسبة.
هذا علما بأن استخبارات الاحتلال بكل أجهزتها لا تعرف مكان الأسرى لا بالتحديد ولا بالتقريب ولا حتى بالظنّ، لكنّ قيادات الاحتلال العسكرية والسياسية تستبق احتمال قتل أسرى “بنيران صديقة” استعدادا لردة فعل الشارع، وخاصة ذوي الأسرى، بتهمة جاهزة مسبقا: “حماس أخرجت الأسرى من تحت الأرض إلى فوق الأرض واتخذتهم دروعا بشرية…”.
رابعا: يعلم ترامب ووزير خارجيته، كما يعلم نتنياهو وحكومته وجيشه وحاشيته أن الأسرى الإسرائيليين يشكلون أقوى ورقة تملكها حماس في المفاوضات، كما يعلمون أنها لا يمكن أن تفرط بهذه الورقة بهذه الطريقة الساذجة.
كما يعلم هؤلاء أن سلوك المقاومة الفلسطينية في الميدان أبعد ما يكون عن اتخاذ دروع بشرية. وحتى الآن لم يقم دليل واحد ولا قرينة على هذه التهمة التي يكثر الإسرائيليون والأمريكيون من تكرارها أمام الإعلام في عملية تضليل بات الجميع يدركونها ولا يصدقونها.
خامسا: في محطات سابقة من هذه الحرب الانتقامية المجنونة كان الإعلام الإسرائيلي ومعه الإعلام الأمريكي يتحدث عن وجود الأسرى الإسرائيليين في أنفاق تحت الأرض، كما تحدث عن “اختباء” قيادات حماس في الأنفاق، ليتضح أن هذه كانت معلومات غير حقيقية تدلل على فشل الاستخبارات الإسرائيلية.
فقد تبين أن هناك قيادات كانت تعمل فوق الأرض، وأن هناك أسرى إسرائيليين لم يكونوا في الأنفاق إطلاقا، ومنهم من قتلتهم نيران الاحتلال فوق الأرض.
سادسا: من مراجعة مواقف مشابهة؛ سواء في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، يتبين أن الجهة الوحيدة التي تتخذ الناس دروعا بشرية هي قوات الاحتلال. وهذا عليه أدلة دامغة، بالصوت والصورة.
2)
إنّه في حالة يرثى لها!
ذلك هو رئيس أركان جيش الاحتلال أيال زمير.
لقد جلبه نتنياهو ليحل رئيسا للأركان بدلا من سابقه هرتسي هليفي الذي فشل في تحقيق أهداف الثلاثي نتنياهو- سموطرتش- بن غفير في غزة.
لكنه حتى هذه اللحظات يحقق فشلا وراء آخر، مثل سابقيه.
الآن، وعلى أعتاب حملة احتلال مدينة غزة، يطل زمير بين الفينة والأخرى؛ تارة على الإعلام وتارة بين ضباطه وجنوده ليتحدث عن لحظة الحسم القريبة. تنظر في عينيه فتعرف أنه لا يقول الحقيقة، وأنه يقول ما لا يؤمن به حقا، وتدرك فورا أنه يعلم أنه يتحدث بلسان نتنياهو، لا بلسان العسكري الذي يقرأ الميدان ويعرف واقع المعركة.
إنه فعلا في ورطة، فمن ناحية يعلن موقفه من حملة “عربات جدعون 2″، ويقول بصراحة إنها لن تحقق الأهداف، وأن “عربات جدعون 1” فشلت في تحقيق المهمة، وأنه يفضل عقد صفقة. لذلك نقل عنه في الإعلام العبري أنه صرخ في وجه طاقم المفاوضات في إحدى جلسات “الكابينيت” الأخيرة قائلا: ماذا تفعلون هنا؟ اذهبوا الآن وأحضروا صفقة”.
هذه الجملة تكفي لوصف حالة الرعب والشعور بالعجز واستبطان الفشل المتوقع من الحملات العسكرية القادمة.
لذلك يجوز لك أن تسأل: كيف ينتصر من يؤمن في قرارة نفسه أن الأوامر التي تصدر له من المستوى السياسي لن تؤدي إلى تحقيق الأهداف؟ كيف ينظر في عيون ضباطه وجنوده ويقول ما يقول، ويحدثهم عن الإنجازات البطولية القادمة التي ما فتئوا يتحدثون عنها منذ سنتين؟ كيف يخاطب ضباطه وجنوده وهو يعلم أنهم يعلمون أنه لا يقول الحقيقة، وأنه يسوّق الوهم أمام الرأي العام إرضاء لنتنياهو وبن غفير وسموطرتش؟ كيف تتخيل رئيس أركان يتلقى الأوامر من وزير “أمن” لا يفقه شيئا في شؤون الحرب، ولا يعرف كوعه من بوعه، وهو يعلم أن وزيره مجرد دمية في يد نتنياهو؟
إننا أمام مشهد يهرب فيه القوم من فشلهم وأزمتهم إلى الأمام، وليس أمامهم من حلّ سوى أن يقتلوا النساء والأطفال والشيوخ ويقصفوا الأبراج ويدمروا كل شيء في طريقهم قبل أن تصطدم رؤوسهم بالجدار.


