مؤامرة تحديد النسل

الشيخ عبد الله عياش-عضو حركة الدعوة والإصلاح
في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، وبالتحديد في عام 1798م، كتب رجل الاقتصاد البريطاني (توماس مالتوس) كتابًا بعنوان “مقال عن مبدأ السكان” خَلُصَ فيه إلى أن الموارد في الأرض تزيد على شكل متوالية حسابية (1،2،3،4،5 ….)، بينما البشر يزيدون على شكل متوالية هندسية (1،2،4،8،16، …)، فالموارد تقل والبشر يزيدون، وهذا بزعمه سيؤدي إلى صراع على الغذاء، ثم صراع من أجل البقاء. وبناء عليه؛ أوصى بضرورة بناء خطة لتحجيم نمو السكان وتقليل تكاثر البشر. سُميت هذه النظرية بـ”النظرية المالتوسية”.
تبنت الدول الغربية هذه النظرية، وقامت بتطويرها وبلورتها عبر عشرات السنين، حتى اكتملت واستوت على سوقها، وسنقف في هذا المقال على أهم معالمها وأخطر بنودها لرفع مستوى الوعي لدينا، ونعرف ماذا يحاك في هذا العالم للكيد بالبشر. ويمكن القول بأن هذه الخطة تتكون من شِقّين وهما: محاربة الأسرة ثم نشر الإباحية.
الشِقُّ الأول: محاربة الأسرة، وقد تم ذلك من خلال عدة أمور:
أولًا: إخراج المرأة من البيت إلى سوق العمل، لإشغالها بذلك عن تكثير النسل، بالإضافة إلى أن مزاحمتها للرجل على الوظائف سيؤدي إلى تقليص فرص العمل للرجال مما يرفع نسبة البطالة، وبالتالي العجز عن الزواج وبناء الأسرة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج”.
ثانيًا: التلاعب بنظام الأسرة الذي يرأسه الرجل، بتفويض من الله: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} آية 35 سورةالنساء، فالرجل هو الملك، والمرأة هي الملكة. الرجل هو المدير، والمرأة هي نائب المدير. والعلاقة بينهما علاقة تكاملية.
فأتوا لنا بنظام من وراء البحار، العلاقة فيه بين الزوجين تقوم على الندية والتنافسية، وأتبعوا هذا الوافد الجديد بآلة إعلامية ضخمة تروّج له تحت مسميات (حرية المرأة) و(المجتمع الذكوري)؛ مما يوغر صدر المرأة تجاه الرجل، مع تزويدها بالأدوات اللازمة في “كفاحها” ضده، وعلى رأس ذلك الوظيفة والمال فيسهل عليها التخلي عن الحياة الزوجية إمعانًا في تدمير الأسرة.
هذا التلاعب بالإعدادات الربانية للحاضنة البشرية الأولى والأهم، أدى إلى عدم التوافق بين الأزواج، ثم نسب طلاق مرتفعة، ثم دمار الأسرة.
ثالثًا: ولأن الإنسان يحب الأُنس والدفء والاجتماع، كان لا بد من إيجاد بديل يوفر له هذه الاحتياجات بعيدًا عن الأسرة التي هي المتهم الأول بتكثير النسل! فتم اختراع نموذج جديد للأسرة، وهو نموذج الشذوذ: أسرة مكونة من أب وأب، أو أم وأم! فصدق فيهم قول القائل:
وكنتُ امرءا من جُند إبليس فارتقى ** بيَ الدهرُ حتى صار إبليسُ من جندي
فلو مات قبلي كنتُ أحسنُ بعده ** طرائق فِسقٍ ليس يُحسنها بعدي
رابعًا: ثم جاءت المرحلة الأخيرة لضمان القضاء على الأسرة فلا تقوم لها قائمة أبدًا -وهذه المرحلة نحن متهمون بجزء منها- فوُضعت العقبات أمام الزواج الحلال ليكون صعبًا بل مستحيلًا، فصار شرط الزواج: توفر العمل والدخل والمسكن والمهر، بالإضافة إلى تكاليف خيالية للأفراح، فصارت المسافة بين الشاب والحلال مئات آلاف الشواقل ماديًا، و10 إلى 15 سنة زمنيًا!
وفي المقابل تمت إزالة العقبات من طريق الحرام فجعلوه سهلًا ميسورًا في متناول اليد، فالقانون يسمح به، وهو متوفر بأبخس الأثمان، فالمسافة بين الشاب والحرام: 100 شاقل أو 200 شاقل ماديًا، وساعة أو ساعتان زمنيًا! ومع غياب الوازع الديني كانت النتيجة لذلك العزوف عن النكاح، واستبداله بالسفاح، وهكذا دُقّ المسمار الأخير في نعش الأسرة.
وهذا ينقلنا إلى الشقّ الثاني، وهو ما يُسمى بالثورة الزرقاء:
والمقصود بها انتشار المواد الإباحية، وذلك بسبب ظهور عقبة كؤود في طريق هذا المخطط، وهي تلك الرغبة الطبيعية في داخل الإنسان، التي تلح عليه دائمًا ولا بد له من إشباعها، وليس كل المجتمعات تتقبل السفاح ليكون بديلًا عن النكاح، وخاصة المجتمعات الشرقية المحافظة، ولكنهم أوجدوا الحل: فكان في إغراق العالم الرقمي بالمواقع الإباحية، التي يجد فيها الشباب الضالُّ بُغيته، ويُسكّن بها شهوته، مع سهولة الوصول إليها من كل مكان، وتوفرها بالمجان، فلا تحتاج سوى ضغطة زر، وبذلك عولجت مشكلة الشهوة في الإنسان، لضمان عدم اللجوء إلى الزواج الذي يعني الأسرة!
والعجيب أن أوروبا التي تقف وراء هذا المخطط كانت أول من اكتوى بنارها، فخرج الأمر عندهم عن السيطرة، حتى سمّيت بلادهم بالقارة العجوز، بسبب عزوف شبابها عن الزواج، وكثرة كبار السن فيها.
هذا التوصيف الذي مرّ معنا يستهدف البشرية عمومًا، وفي بعض البلاد والمجتمعات نجد زيادة في الخطط والمؤامرات على ما ذُكر أعلاه، لأسباب سياسية ودينية وغيرها، كما هو الحال عندنا في الداخل الفلسطيني، حيث لوحظ تراجع حاد في الإنجاب وفق آخر الإحصائيات المعلنة.


