أخبار وتقاريردين ودنيامقالاتومضات

قضايا المرأة ودموع التماسيح (4)

ليلى غليون

لقد بات واضحًا أنَّ الفكر النسوي نجح إلى حد معين في فرض أجندته على الساحة الاجتماعية، كما أن مفرداته نجحت في اختراق قاموس اللغة الدارجة، لتصبح عبارة (المجتمع الذكوري) أو (السلطة الأبوية) (البرجوازية الذكورية) (الجندر) وغيرها من المصطلحات النسوية من ضمن اللغة اليومية الدارجة، مع الإصرار المستميت والوقح أحيانًا لاستخدام المرأة والباسها ثوب الضحية دائمًا وأبدًا، مع التأكيد والسعي لتصوير المجتمع الإسلامي كنمط تقليدي ذكوري تحتل فيه المرأة الدرجة الثانية من الأهلية والإنسانية، فشهادتها نصف شهادة الرجل، وحصتها في الميراث نصف حصته، وهي أقل منه درجة، وهي ناقصة عقل ودين، يطلقها الرجل إذا شاء ويتزوج عليها متى شاء، وغيرها من الشبهات والمشتبهات التي وجد فيها النسويون والنسويات منافذ يتسللون من خلالها كاللصوص في ظلمات الليل ويمزقون النظم والنسيج الأخلاقي، ويعبثون بالمبادئ والقيم ويشككون بالثوابت والأصالة والهوية.

فلم يعد يخفى على أحد أن الحركة الأنثوية أو النسوية لا فرق، حركة سياسية اجتماعية تعددت أفكارها وتياراتها، وضعت على رأس سلم أولوياتها المناداة بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة كهدف استراتيجي، فهي تسعى للتغيير الاجتماعي والثقافي وزعزعة بنى العلاقة بين الرجل والمرأة من خلال تبني مشروع الصراع بين الرجل والمرأة وكأنهما في ساحة حرب، بالإضافة إلى مساعيها الرامية لتقديم قراءات جديدة عن الدين واللغة والتاريخ والثقافة كما سبق وذكرنا في المقالات السابقة.

هذه الحركة التي ظهرت في أواخر القرن الماضي في المجتمع الغربي وانتشرت وامتدت ووصلت ديارنا وبلادنا الإسلامية، لا بل وتجند لخدمتها العديد من أبناء وبنات جلدتنا، فرائدات العمل النسوي في وطننا الإسلامي الممتد من المحيط إلى الخليج، يعملن على قدم وساق ويستكملن المسيرة التي ابتدأت في ذاك العالم المنخلع عن كل القيم، يستكملنها على موائد “الأوبن بوفيه” وفي فنادق خمس نجوم يبايعن الجندر، وحرية الإجهاض، والحرية الجنسية، وغيرها من مخلفات بكين، تمامًا كما يمليه عليهن من يدفع ثمن هذه الموائد.

صحيح أن هؤلاء النسويات والنسويين يسعون لعملية مسح وتغيير قيمي عام وفي كل المجتمعات، إلا أن جل هذا الهدف منصب في المجتمعات الإسلامية بصورة خاصة، مما جعلهم يبذلون الغالي والرخيص واستخدام شتى الأساليب والأهداف والتي تتم أحيانًا بصورة خفية وهادئة وفي أحايين أخرى بصورة صاخبة ووقحة، ليتم الخلط والتشويه والتزوير بشكل متعمد وملفت للأنظار، حيث يتعمد دعاة الأنثوية والنسوية، وبإلحاح عجيب وإصرار أعجب منه، على تقديم وتصوير قضايا بعينها يكررونها ويجترونها ويضخمونها وكأن كل القضايا العالمية العالقة وجدت لها الحلول السحرية ولم يبق إلا قضية استبعاد المرأة من المشروع الإسلامي وتهميشها كما يدعون ويطبلون ويزمرون.

وما يلفت النظر في هؤلاء، والذي يكشف حجم العجز في فهمهم والقصور في رؤيتهم، أو هو الخبث المبطن في داخلهم، فهم لا يفعلون ذلك جهلًا منهم، بل عن سبق إصرار وترصد، حيث يجتزئون النصوص والقضايا التي يرون أنها تخدم مشروعهم وفكرتهم التي يحاولون استنباتها في وعي مجتمعاتهم، ويقدمون هذه القضايا بصورة سطحية تدل على سطحية عقولهم وتفكيرهم بل على خبثهم، وهم بهذا يكذبون على أنفسهم ويخدعونها قبل أن يخدعوا غيرها (كمن يكذب الكذبة ويصدقها) فهم يذرفون دموع التماسيح على المرأة وحقوقها المسلوبة في المشروع الإسلامي حسب ادعائهم، فهم يتكلمون دائمًا عن حقوق المرأة الزوجة مقابل حقوق الرجل الزوج، فيجتزئون مثلًا قسمًا من الآية الكريمة :(وللرجال عليهن درجة) ولا يتكلمون أبدًا عن قوله تعالى: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”، فالآية الكريمة قدّمت حقوق الزوجة قبل أن تقدم واجباتها، وإن فهمهم القاصر عجز عن إدراك معنى هذه الدرجة وهي أن القوامة التي تستند على “وأمرهم شورى بينهم” لا يمكن أن تمس حقوق المرأة وإلا فكيف تكون قوامة؟!

كذلك فإن سطحيتهم ركزت على تلك الدرجة في الآية الكريمة وأغمضوا العيون عن تلك الدرجات الثلاث التي تفضلت بها المرأة الأم عن الرجل الأب، وتلك الدرجات التي تفضلت بها المرأة الأم عن الرجل الابن.. إنها عدالة الإسلام والإسلام كله عدل، فالأم حظيت بهذه الدرجات، بسبب تحملها وتضحيتها سنين طويلة من أجل أبنائها ما لم يتحمله الأب، أو هو بالأصل غير مؤهل لهذه المهمة الضخمة، كذلك اقتضت عدالة الإسلام تفضيل الزوج على زوجته درجة بسبب الدور المنوط به من الكدح والتعب لتوفير احتياجات زوجته المعفاة أصلًا من كل نفقة حتى لو كانت أغنى أغنياء الدنيا.

ومن القضايا أيضًا التي يتم اختزالها وتناولها بسطحية متعمدة قضية الميراث وحصة المرأة التي تعادل نصف حصة الرجل، ونسوا، بل تعمدوا نسيان أن هناك حالات عديدة تأخذ الأنثى فيها مثل الذكر وحالات يكون نصيبها أكثر من نصيبه ولسنا في معرض تفصيل ذلك، ولكن يكفي أن نقول إنَّ العدالة العقلية والمنطقية والعدالة الاجتماعية وقبلها العدالة الشرعية تقتضي بأن يكون (للذكر مثل حظ الأنثيين) لأنَّ النفقة ملقاة على عاتقه هو وليس على عاتقها هي.

ولا أجد في نهاية المطاف ما أقوله لهؤلاء النسويين والنسويات إلا: أنكم لن تستطيعوا إخفاء الشمس بذرات غبار تثيرونها، وستظل تشرق ويطل معها فجر جديد وأمل جديد والله متم نوره شئتم هذا أم أبيتم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى