بعد تحذير حاد من بوتين.. هل يمكن تفادي اشتعال الأزمة بين روسيا والغرب؟
نشرت مجلة «ناشيونال إنترست» تقريرًا أعدَّه مارك إيبيسكوبوس، مراسل المجلة الأمريكية لشؤون الأمن القومي، سلَّط فيه الضوء على التصعيد الذي تشهده علاقات روسيا والغرب في ظل إعلان بوتين أن ردود بلاده على التهديدات والعقوبات الغربية ستكون غير مسبوقة وستتجاوز حدود الرد المتكافئ الذي لطالما تمسكت به روسيا على مدار السنوات الأخيرة.
بوتين: ممارسات الغرب تتجاوز أي حدود!
وفي مطلع تقريره، يشير المراسل إلى أنه بينما تحاول موسكو أن تحافظ على التوازن بين الحزم والتصعيد في معاملاتها المستمرة مع الغرب، فمن المؤكد أن يعقب ذلك تحديات أكثر صعوبة، ومع مواصلة العلاقات بين روسيا والغرب السير في اتجاه التدهور السريع، تتعهد موسكو برد «مختلف وغير مسبوق» ضد مزيد من «التهديدات» و«الاستفزازات» الصادرة من خصومها.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد ألقى خطابه السنوي الأخير مؤخرًا، في ظل التوترات المتصاعدة بشأن الحرب المستمرة في منطقة دونباس بأوكرانيا وموجة الاحتجاجات الجديدة المناهضة لحكومة الكرملين بسبب سجن الناشط المعارض الروسي أليكسي نافالني، وركَّز خطاب بوتين إلى حدٍّ كبيرٍ على القضايا المحلية، ومنها مشروعات البنية التحتية الإقليمية والتدابير الحكومية من أجل التصدي للتداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد.
ويُوضح التقرير أن بوتين لم يتطرق إلى السياسة الخارجية إلا في نهاية الخطاب الذي استمر أكثر من ساعة، وأشار بوتين إلى الاتهامات الموجهة إلى الحكومات الغربية بأنها شاركت في مؤامرة لاغتيال رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، في محاولة للانقلاب عليه، وهو الاتهام الذي أعلنته العاصمة البيلاروسية (مينسك) في بادئ الأمر وأيده الكرملين نوعًا ما، وقال بوتين: «إنني أود الإشارة إلى التدخل المباشر والسافر الذي وقع مؤخرًا في بيلاروسيا؛ في محاولة لتدبير انقلاب ضد رئيس هذه البلاد واغتياله.
وفي الوقت ذاته، من الطبيعي أنه حتى مثل هذه الممارسات المكشوفة لا يدينها ما يسمَّى بالغرب الجماعي (الغرب مُتحد الأيدلوجية)، ولا يبدو أن أحدًا يلاحظ ذلك؛ إذ يتظاهر الجميع بعدم حدوث شيء على الإطلاق، وصحيحٌ أنه بمقدورك أن يكون لديك رأي خاص في سياسة رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، لكن ممارسة الانقلابات والتخطيط للاغتيالات السياسية، بما فيها تنفيذ عملية اغتيالات ضد كبار المسؤولين، حسنًا، هذه ممارسات تتعدى حدودها، بل إنها تتجاوز أي حدود».
استجابة روسيا ستكون غير مسبوقة!
ينقل التقرير ما أكدَّه الكرملين أن بوتين استرعى انتباه الرئيس الأمريكي جو بايدن، عندما تحدثا إلى بعضهما بعضًا في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، إلى محاولة الانقلاب المزعومة – بحسب وصف الكاتب – ضد لوكاشينكو، لكن الكرملين لم يُقدم مزيدًا من التفاصيل، ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية بشدة هذه المزاعم ووصفتها بأنها «عارية تمامًا من الصحة».
وفيما بدا وكأنه إشارة إلى العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها، أضاف بوتين في خطابه تشبيهات مثل: «يمكننا أن نجد كل أنواع الضباع الصغيرة المتسكعة حول النمر شيريخان (تشبيه من رواية ماوكلي فتى الأدغال)، الذين يعوُون لإرضَاء سيدهم». وحذَّر الغرب من «تجاوز الخطوط الحمراء فيما يتعلق بروسيا»، وأشار إلى أن الرد الروسي على التجاوزات المتصورة سيكون «غير مسبوق وسريع وقاسٍ»، ويُمثل هذا الأمر انحرافًا دقيقًا ولكنه مهم عن مسار الكرملين بالرد المتكافئ الذي التزم به طويلًا، بمعنى أن تكون ردود الفعل الانتقامية متناسبة بدقة مع ما يفرضه الغرب من عقوباتٍ وغيرها من العقوبات المفروضة.
ويُنوه التقرير إلى أنه عشية خطاب بوتين، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الرئيس الروسي للاجتماع في مقاطعة دونباس الانفصالية الواقعة في شرق أوكرانيا؛ لكن بوتين رفض عرض زيلينسكي في البداية، مشيرًا إلى أنه ينبغي مناقشة القضايا المتعلقة بنزاع دونباس بين العاصمة الأوكرانية كييف وقيادة جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك الشعبيتين المستقلتين، لكنه أضاف أنه على استعداد لمناقشة العلاقات الثنائية الروسية الأوكرانية مع زيلينسكي في موسكو.
وفي اليوم التالي، قدَّم دميتري كوزاك، نائب رئيس إدارة الكرملين، عرضًا جديدًا: وهو اجتماع متعدد الأطراف في دونباس يضم فرنسا وألمانيا وأوكرانيا وروسيا وممثلي حكومات دونباس الانفصالية، لكن من غير المرجح أن توافق كييف على الطرف الأخير، إذ إن الانخراط المباشر مع قيادة جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك الشعبيتين في تلك الظروف يمكن أن يُعرِّض مكانة زيلينسكي السياسية للخطر في أوكرانيا.
نوايا موسكو غير واضحة!
يلفت التقرير إلى أنه على الرغم من أن المحادثات بين الجانبين قد لا تكون وشيكة الحدوث، يبدو أن الجولة الأخيرة من التصعيد بين روسيا وأوكرانيا في طريقها إلى الانحسار؛ فبعد أسابيع من ما أُطلِق عليه أكبر حشد عسكري روسي على الحدود الأوكرانية منذ عام 2014، تنسحب القوات الروسية حاليًا عائدةً أدراجها إلى قواعدها الدائمة، وصرَّح وزير الدفاع سيرجي شويجو «أعتقد أن أهداف عمليات التفتيش المفاجئة تحققت بالكامل؛ لذلك اتخذتُ قرارًا باستكمال عمليات التفتيش في المنطقتين العسكريتين الجنوبية والغربية».
وأفاد الكرملين أن سحب هذه الوحدات الروسية سيكتمل بحلول الأول من مايو (أيار)، وعلى الرغم من أنه لا تزال حدود أهداف موسكو القصوى من وراء الحشد العسكري غير واضحة، فإن تصرفات روسيا تتَّسق عمومًا مع نمط الردع القسري، ويمكن أن يكون هذا إشارة إلى إصرار موسكو على الرد سريعًا، وبحسم إذا حاولت أوكرانيا استعادة المحافظات المنفصلة باستخدام القوة العسكرية، وليس من خلال العملية السياسية المنصوص عليها في اتفاقية مينسك.
ويشير التقرير إلى أن موسكو وقَعَت، مع ذلك، فجأة في أزمة دبلوماسية جديدة؛ إذ طردت جمهورية التشيك ثمانية عشر موظفًا من موظفي السفارة الروسية بعد اتهامها لموسكو بالتورط في انفجار مستودع للذخيرة في عام 2014، ونفَت موسكو اتهامات العاصمة التشيكية (براج) وطردت على الفور عشرين دبلوماسيًّا تشيكيًّا من السفارة التشيكية في موسكو، وهو إجراء وصفه وزير الخارجية التشيكي جاكوب كولهانك بأنه «غير متكافئ وأدَّى إلى شل عمل سفارتنا فعليًّا».
وخلال التصعيد الذي أعقب ذلك، أعلن كولهانك أن براج قررت طرد ما يصل إلى 63 من موظفي السفارة الروسية، وزعم كولهانك أن هذه الخطوة تهدف إلى تحقيق التكافؤ، مشيرًا إلى أن السفارة التشيكية في موسكو لديها عدد أقل بكثير من موظفي البعثة الروسية في براج.
وفي ختام تقريره، يستشهد المراسل بما صرَّح به فيتيسلاف بيفونكا، السفير التشيكي في موسكو، للصحافيين قائلًا إنه سيبقى في موسكو «في الوقت الحالي»، بينما اتهمت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، براج يوم الجمعة بتخريب العلاقات الروسية التشيكية بناءً على طلب من «الرعاة الغربيين»، في إشارة على ما يبدو إلى واشنطن.
وفي الوقت الحالي، تقلصت السفارتان إلى سبعة دبلوماسيين لكلٍّ منهما، مع استمرار العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وبراج على المحك، وتعد المواجهة المستمرة بمثابة الاختبار الأول لمبدأ الكرملين الجديد للرد «غير المتكافئ»، وبينما تحاول موسكو أن تحافظ على التوازن بين الحزم والتصعيد في معاملاتها المستمرة مع الغرب، فمن المؤكد أن يتبع ذلك تحديات أكثر صعوبة.



