أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرالقدس والأقصىمحليات

هبة باب العامود… قراءة في دلالات وأسباب انتصار النضال الشعبي على الاحتلال

الاقصى تحول إلى مركز هام للصراع مع المشروع الاستعماري الإسرائيلي

*عبد الله معروف: الاحتلال يحاول تثبيت فكرة تفوق الاعتبار اليهودي على الاعتبار الإسلامي في القدس
*جمال عمرو: الأحداث تأتي في سياقها الطبيعي ولا يمكن إطلاقًا أن يستكين المرء ويستسلم وهو يرى أن الاحتلال أغلق ملف القدس
*مهند مصطفى: الاقصى تحول إلى مركز هام للصراع مع المشروع الاستعماري الإسرائيلي وأهل الداخل يؤكدون في كل حدث على دورهم المركزي

ساهر غزاوي، عائشة حجار
يشهد شهر رمضان المبارك الحالي، منذ بدايته اعتداءات إسرائيلية متتابعة على المسجد الأقصى المبارك، وعلى محيطه في مدينة القدس وخاصة منطقة باب العامود التي يُسلط الضوء عليها كنقطة للمواجهة، رغم أنها اتسعت لتشمل أغلب الأحياء بالمدينة المحتلة.
انطلقت شرارة هذه الهبّة المتواصلة بالقدس، منذ أكثر من أسبوعين من بداية شهر رمضان، عندما عمد الاحتلال إلى اقتحام مئذنتي المغاربة وباب السلسلة بالمسجد الأقصى، وقطع أسلاك مكبرات الصوت بحجة أنها قد تشوش على الاحتفالات الإسرائيلية المقامة في منطقة حائط البراق بمناسبة ما يسمى “عيد الاستقلال”، وهو ذكرى النكبة الفلسطينية بالتقويم العبري. تلا ذلك خطوة منع الاحتلال إدخال وجبات الإفطار للصائمين المتواجدين في باحات المسجد الأقصى المبارك على مدار يومين متتالين أدى ذلك إلى اندلاع مواجهات في ساعات الإفطار، كما مُنع الصائمون من الإفطار في ساحة الغزالية المجاورة للسور الشرقي للمسجد.
غير أنه في أعقاب خطوة قيام الاحتلال بإغلاق مدرج باب العامود، بحواجز معدنية، وهو أحد أكثر الأماكن حيوية لتجمع الفلسطينيين المتجهين للمسجد الأقصى، تفجرت مواجهاتٌ بين الشباب المقدسيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، ومجموعاتٍ من المستوطنين في باب العامود، وعلى ضوء هذه المواجهات أطلقت منظمة “لاهافا” اليهودية دعوات لأنصارها لحضور مسيرة “استعادة الكرامة اليهودية” والتجمع بالقرب من باب العامود، وحرّضت أنصارها لحرق العرب وايذاء العرب، وامتدت المواجهات لتصل إلى مناطق حي الشيخ جراح وباب الساهرة، وعقب تلك المواجهات أزالت شرطة الاحتلال الحواجز الحديدية من ساحة باب العامود، واستبقت تلك الموجودة على درج الساحة، ولكنها كثّفت من وجودها الاستفزازي في محيط المنطقة، مع تواجد مجموعات من المستوطنين الإسرائيليين، لتستمر المواجهات في محيط باب العامود، وبشكلٍ يومي.
تأتي هبّة باب العامود في سياقات وأسباب عديدة مختلفة، لكن لا يجب النظر إليها إلا في إطار الحالة الاستعمارية في مدينة القدس وما تتعرض له منذ أكثر من 54 عامًا.
لتسليط الضوء على هبة باب العامود في سياقاتها المختلفة، التقت صحيفة “المدينة” بمختصين في هذا الشأن.

الاحتلال يريد للقدس أن تكون يهودية الاعتبار والطابع
الباحث د. عبد الله معروف، أستاذ دراسات بيت المقدس والتاريخ الإسلامي، يقول إن ساحة باب العامود الخارجية تشهد سنويا في شهر رمضان تجمعات لمختلف فئات المجتمع في مدينة القدس بعد صلاة التراويح، فيما يشبه تظاهرة اجتماعية احتفائية بشهر رمضان في هذه المنطقة الحيوية. لكنها في هذا العام لم تمضِ بشكل سلس كما كانت في السنوات الماضية، فسلطات الاحتلال عمدت منذ بداية هذا الشهر إلى استفزاز المقدسيين في منطقة باب العامود، ومحاولة فض التجمعات المقدسية في المنطقة بشكل يومي، حتى أصبحت المواجهات بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي في هذه المنطقة تشكل ظاهرة يومية. هذا الأمر إن دل على شيء فإنه يدل على محاولة سلطات الاحتلال تثبيت فكرة تفوق الاعتبار اليهودي على الاعتبار الإسلامي في المدينة المقدسة. فالاحتلال الإسرائيلي لا يريد بأي شكل من الأشكال أن تكون مدينة القدس مدينة إسلامية الطابع أو عربية الصورة، وإنما يريدها مدينة يهودية بالكامل بما يتساوق مع قانون يهودية الدولة الذي أقره الكنيست الإسرائيلي قبل سنتين.
ويرى معروف أن الحل الوحيد في وجه هذه الهجمة المسعورة على القدس في أبرز مواسمها – أي شهر رمضان المبارك – لا بد أن تكون في الردع الجماهيري والتجمع بأعداد كبيرة كما رأينا مساء 22 نيسان. ويتابع: “فإن نقطة ضعف الاحتلال دائمًا في القدس هي العدد الذي يتمتع به المقدسيون. وينبغي أن يعلم المقدسيون أن أي تراجع أمام سلطات الاحتلال يعني تقدمها بشكل أكبر، وليس العكس. فاللافت أن هناك نداءات تظهر بين الفينة والأخرى تدعو إلى عدم “استفزاز” السلطات الإسرائيلية، والابتعاد عما يمكن أن تتخذه ذريعة لمهاجمة المقدسيين وقمعهم. ولكن هذا الأمر في الحقيقة غير صحيح لأن سلطات الاحتلال أولًا لا تحتاج إلى ذريعة لكي تضطهد المقدسيين أو تقمعهم، وثانيًا لأن أي تنازل وأي تراجع أمام الاحتلال -كما أثبتت الأيام -يعني تقدم سلطات الاحتلال بشكل أكبر وليس تراجعها”.

الدكتور عبد الله معروف
الدكتور عبد الله معروف

ويبيّن معروف أن سلطات الاحتلال “تحمل مشروعًا واضحًا في القدس يتمثل في تهويد المدينة، فلا الابتعاد عنها ولا التنازل أمامها سيخفف من حركتها تجاه تطبيق هذا المشروع، وإنما بالعكس سيقوم بتسريع تحركها. وهذا ما أثبتته الأيام، وكمثال على ذلك نأخذ التهديدات الإسرائيلية لاقتحام المسجد الأقصى المبارك يوم 28 من رمضان الذي يوافق بالتقويم العبري ما يسمى “يوم القدس””.

هبة باب العامود تأتي في سياقها الطبيعي
الدكتور جمال عمرو، الباحث والمختص بشؤون القدس والمسجد الأقصى، يؤكد متابعته ومراقبته للأحداث في محيط المسجد الأقصى المبارك وعلى أبوابه وعلى بوابات البلدة القديمة عن كثب، وعلى وجه الخصوص أحداث باب العامود هذه الأيام، ويقول: “أخبار باب العامود هي التي تتصدر العناوين في كل أنحاء العالم. ونحن نرى أنها في حقيقة الأمر تأتي في سياقها الطبيعي، إذ أنه لا يمكن إطلاقًا أن يستكين المرء ويستسلم ويرى أن الاحتلال أغلق ملف القدس وأنها أصبحت “أورشليم”، وأغلق ملف المسجد الأقصى المبارك وأصبح اسمه “هار هبايت”، وأغلق ملف العقيدة الإسلامية برمتها وأصبح اسمها “الديانة الابراهيمية” بالتعاون مع أولاد زايد-شركاء في الغاز وشركاء في الدين”.
ويتابع عمرو: “إذًا نحن أمام وضع طبيعي بكل المقاييس. نشاهد في هذا الوضع الطبيعي أن الاحتلال بكل أذرعه ومنظماته اليمينية المتطرفة، والآن المجتمع الإسرائيلي أصبح في غالبه متطرف، وظهور “لاهافا” مجددًا، وهم جماعة كهانا وباروخ غولدشتين وكل قائمة القتلة التي تطول، إنهم يحرضون، وأنهم في الانتخابات الأخيرة حققوا انجازات وأصبح لديهم ستة أعضاء كنيست، وأصبح بوسعهم الآن أن يكونوا وزراء وأعضاء دبلوماسيين وأن يؤثروا ويتحالفوا مع نتنياهو، ونتنياهو يتحالف مع بعض الأصوات، والمؤلم جدًا أن بعض الأصوات العربية يسعى نتنياهو للسيطرة عليها واستدراجها. فنحن إذًا عندما نجد لاهافا وأمثالها والجنود والاستخبارات كلهم في صف واحد وخندق واحد يستولون على أماكن مقدسة تاريخية هي جزء أساسي من مكونات العاصمة الفلسطينية الأبدية القدس، وأهم أبوابها على الاطلاق وهو باب العامود، عندما يستولون على الباب ويبنون في الباب ثلاثة أبراج عسكرية والقادمون إلى القدس والأقصى يمرون بين غابة من البنادق، فهذا أمر كارثي حتى أن الباب بات لا يعرف فقط بباب دمشق أو باب نابلس، بل بات يعرف بباب الشهداء لكثرة الشهداء الذين ارتقوا فوق بلاط هذا الباب التاريخي”.

كل الهبّات التي حملت اسم القدس والأقصى انتصرت
ويضيف عمرو “الاحتلال لم يكتف بالأبراج العسكرية، بل وضع سواتر معدنية، وسمح لقطعان وسوائب المستوطنين أن يصلوا إلى حائط البراق ويدنسوه، ثم يصعدون إلى المسجد الأقصى المبارك ويدنسوه ويعودون سالمين غانمين. أما الفلسطينيين من فلسطين التاريخية في أي مكان فعليهم أن يكونوا عرضة لإطلاق النار في أي لحظة ويرتقوا شهداء في باب العامود. هكذا ببساطة معادلة لا يمكن أن يتخيلها المرء، ولا يمكن للأحرار، ولا يمكن لخير أمة أخرجت للناس أن تقبل بمثل هذه المعادلة المنكرة، وهي ترى النظام الفلسطيني الرسمي يتهاوى، وترى الجامعة العربية في سبات عميق، وترى الأنظمة العربية تنبطح واحدة تلو الأخرى في تطبيع مذل ومهين ومخز، وبالتالي طبيعي جدًا أن ينهض الأحرار بأيد وصدور عارية تمامًا، ويدافعون عن كرامة الأمة الإسلامية برمتها، ليس عن مكان للشعب الفلسطيني وحده، بل لكل الأمة العربية والإسلامية. نهض الشباب كما نهضوا سابقًا، ففي التاريخ الفلسطيني الطويل كانت انتفاضات وهبّات مثل هبة البراق وهبة 36 وأحداث 1948 ومجزرة دير ياسين ومجازر في القدس، وكلها تحمل اسم القدس والأقصى، ثم انتفاضة الاقصى وصولًا إلى هبة باب الأسباط 2017 وزوال بوابات نتنياهو الالكترونية، ثم كسر أغلال باب الرحمة وفتحه عنوة والدفاع عنه بكل الطرق والوسائل، فهذه محطة مهمة جدًا، أن يرى الشباب أن في عملهم المشترك انتصارًا، ثم إنهم أصروا على الدخول من باب حطة ودخلوا منتصرين وكان ذلك ايذانًا بأن بوسعهم بيد واحدة وقلوب موحدة تحت راية الأقصى أن ينتصروا”.
جاءت أحداث باب العامود مع بداية الشهر الفضيل، يشير د. جمال عمرو ويقول: “ظنّ الاحتلال أن بوسعه بكل بساطة السيطرة على الحيز والمكان وأن يحسم هذا الأمر، ولكن هيهات فالشباب المرابطون بدأوا بمواجهة ومناكفة المحتل ويرفضون رفضًا باتًا تسليم المكان للمستوطنين ببساطة. وبدأت الأحداث والاصابات والاعتقالات، ولكن مناكفات الشباب وبطولتهم ملأت الدنيا وكانت رائعة بكل المقاييس، مما زادهم عزة وكرامة وصلابة واستمرارًا. واستمرت الأحداث إلى أن شاهدنا تراجعًا تكتيكيًا لشرطة الاحتلال، فعمد الشباب بسرعة إلى إزالة السواتر الحديدية وصعدوا وقالوا “رمضان أحلا على المدرج”. كانت هناك مساومات بأن يبقوا في الساحة السفلية وتبقى المدرجات بيد الشرطة والجنود، لكن الشباب رفضوا وبالتالي انتصروا”.
غير أن عمرو يستدرك حديثه بالقول: “لكن لا يمكن أن يركن المرء اطلاقًا لوعود الشرطة، فشيمتهم الغدر ويمكن أن يعودوا بشكل أفظع وأشد نكاية، وبالتالي فمن المتوقع أن تحصل المزيد من الاحتكاكات والمواجهات، وأن الجانب الإسرائيلي يحشد كل هذه المنظمات الإرهابية لضرب وتحطيم وحرق السيارات العربية، وهذا شيء مشين في دولة تدعي الديمقراطية وحماية الأديان وتطلق قطعانها وسوائبها يعيثون بأمن الشعب الفلسطيني. فإذا كان الأشرار يحشدون، ألا يجوز للأخيار أن يحشدوا؟ فقد حشد الشباب الأخيار بوجه هؤلاء الأشرار واستطاعوا صد هذه الهجمة الشريرة على باب العمود”.

الدكتور جمال عمرو،
الدكتور جمال عمرو،

الفلسطينيون معبؤون برفض الاحتلال
ويختم الباحث والمختص بشؤون القدس والمسجد الأقصى حديثه: “لا يؤمن الجانب الاحتلالي وقد يغدر مرة أخرى ويعود مجددًا لوضع سواتر معدنية ويسيطر على المكان بقبضة حديدية، لكن كل المشاركين بهبة باب العامود على جهوزية تامة واستعداد مستمر ليس فقط لنصرة باب العامود، إنما لنصرة ما هو أعظم من ذلك بكثير وهو المسجد الأقصى المبارك. فهم يشاهدون نوايا الاحتلال في الهجوم على المسجد الأقصى يوم 28 رمضان، وهنا تتجلى أقصى درجات الجهوزية والاستعداد للدفاع عن الأقصى وعن مسرى الحبيب محمد عليه الصلوات والسلام. هذه لمحات بسيطة جدًا عن سبب انطلاق هبة باب العامود، ونحن نقول إنه لا يجوز بتاتًا اعتبار هذه الهبات موسمية، أي هبة بسبب البوابات وهبة لأنهم أغلقوا باب الرحمة، لا، بل إنها انعكاس لما يجول في النفوس على مدار الساعة ومدى الحياة وهو أن المسألة مواجهة بين الحق والباطل، هذا الاحتلال باطل وإلى زوال وبالتالي الأحرار معبئون في نفوسهم برفض هذا الاحتلال، وليس ليوم أو اثنين، بل على طول الخط هناك رفض لهذا الاحتلال بكل الطرق وبكل الوسائل. هذا الرفض يحتاج إلى مناسبة ليظهر، فالناس لا ينطلقون بضغطة زر، بل هي دلالة أن كل هؤلاء الناس معبؤون أصلًا في أعماق قلوبهم برفض هذا الاحتلال، وهي عملية مستمرة تجد ترجمتها عندما تحين الفرصة. لكن إلى متى ستبقى كذلك تتحين الفرص لتعبر عما يجول بخاطرها؟ هذا الأمر لن يطول كثيرًا حتى تكون تعبئة كاملة على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي، تكون هناك تعبئة بهدف التحرير فيسير الجميع على خطى عمر بن الخطاب وصلاح الدين الايوبي رضي الله عنهما لتحرير بيت المقدس، وهذا وعد الله ليس وعد بلفور ولا دونالد ترامب”.

الأقصى تحول إلى مركز هام للصراع مع المشروع الاستعماري الإسرائيلي
يؤكد الدكتور مهند مصطفى، مدير عام مركز مدى الكرمل: المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، أن ما حدث في القدس مؤخرًا يدلّ مرة أخرى على أن السياسات الاسرائيلية لتهويد القدس لم تطل الإنسان الفلسطيني، فضلًا عن أن أهل الداخل في مناطق ال-48 يؤكدون في كل حدث على دورهم المركزي في الدفاع عن المسجد الاقصى المبارك. ويضيف أن “المسجد الاقصى تحول إلى مركز هام للصراع مع المشروع الاستعماري الإسرائيلي، وهي أهمية ذات اتجاهين، أهمية عند المشروع الاستعماري الذي ومنذ منتصف التسعينات تحولت مسألة حسم السيطرة اليهودية على المسجد الأقصى المبارك مسألة مركزية في المشروع الصهيوني الديني والقومي، ولكنه في نفس الوقت تحول إلى مركز صراع هام عند الفلسطينيين”.
وينوّه مصطفى إلى أنه “يخطئ من يظن أن المسألة تنحصر في مفهوم حرية العبادة فحسب، بل في مسألة أوسع هي وجود المسجد الاقصى تحت الاحتلال، ومحاولات السيطرة عليه من خلال انتهاك حرية العبادة. فانتهاك حرية العبادة عند المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين هي جزء من مشروع أوسع للسيطرة على المسجد الاقصى، وإضعاف الوصاية الأردنية عليه، وتهويد البلدة القديمة، وتعزيز الاستيطان في القدس. ولكن يبقى المسجد الأقصى هو مركز كل هذا الصراع في القدس تحديدًا”.
وفي هذا الصدد، يشير الدكتور مهند إلى أنه “ما يميز النضال في القدس هو النضال الشعبي السلمي، ويعتبر نضال سكان القدس النموذج النضالي الشعبي الجديد الوحيد في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967. ففي الخمس سنوات الأخيرة يقود سكان القدس هذا النضال، وليس صدفة أنه يتمحور حول قضية المسجد الأقصى المبارك، من خلال إدراك سكان القدس والفلسطينيين في الداخل أن هناك مشروع للسيطرة عليه، وتحديدًا تحويل السيطرة العسكرية إلى سيطرة شاملة تتداخل فيها مكونات الاستعمار الإسرائيلي في القدس، وهي الاستيطان، تهويد المكان وهوية المكان، الضغط على سكان القدس، وإضعاف أي وصاية أو وجود سيادي ولو كان أساسيًا للعرب والمسلمين في المسجد الأقصى، هذا هو المشروع الأكبر. لذلك تراكمت في الفترة الاخيرة نشاطات المشروع الاستعماري الاستيطاني في القدس، في حي الشيخ جراح عبر محاولة لتهجير الناس، وفي سلوان، والمسجد الاقصى، والبناء الاستيطاني في القدس حتى في فترة ادارة أمريكية جديدة. هناك توجه عند اسرائيل نحو حسم كل ملفات القضية الفلسطينية وكأنها في سباق مع الزمن، ولكن الحقيقة أنها ترى هشاشة فلسطينية، هشاشة عربية واسلامية وهشاشة دولية، وبقي سكان القدس بمساندة فلسطينيين الـ 48 في مواجهة مع هذا المشروع، بأداة الاحتجاج السلمي المثابر، ولكنه العادل والمؤمن بعدالة قضيته، لذلك جبن هذا المشروع أمام هذا الاحتجاج السلمي كما كان قبل سنوات في موضوع البوابات الالكترونية”.

 الدكتور مهند مصطفى،
الدكتور مهند مصطفى،

غياب السلطة الفلسطينية بالقدس سبب لنجاح النضال الشعبي
غير أن سكان القدس استطاعوا في السنوات الخمس الأخيرة تحديدا على افشال العديد من المخططات عموما، وجزء كبير منها يتعلق بالمسجد الاقصى خصوصا، يشير الدكتور مهند مصطفى، إلى أن “مسألة وضع حواجز بباب العامود ومنع الناس من الجلوس على مدرجات الباب وهو طقس اجتماعي مقدسي، هي مؤشر على مشروع السيطرة، كما كان قبل سنوات مع وضع بوابات الكترونية، ويشير نضال سكان القدس إلى أن النضال الشعبي السلمي المنظم والمثابر يحقق أهدافا في سياقات سياسية معينة، وهو النضال المفقود في الضفة الغربية، وموجود في القدس بسبب غياب السلطة الفلسطينية، وهذا توصيف حقيقي يفسر وجود نضال شعبي في القدس وغيابه في الضفة الغربية، ما عدا بعض المواقع في منطقة ج، حيث لا وجود للسلطة فيها. كذلك فإن الانطباع الإسرائيلي كان هو الشعور بالنجاح في اخضاع سكان القدس سياسيًا ووطنيًا وثقافيا، غير أن سكان القدس يثبتون كل مرة هشاشة هذا التصور الاحتلالي والاستشراقي الإسرائيلي”.
وحول إن كان هناك ربط بين ما حدث في يافا وما حدث في القدس، يُبين الباحث في العلوم السياسية، الدكتور مهند مصطفى: “طبعا هناك ربط، فأدوات السيطرة هي واحدة، رغم اختلاف المكانة السياسية للسكان، وهي تبدأ بالسيطرة على المكان واستيطانه بطرق قانونية ولكنها غير عادلة وبطرق غير قانونية، ومن ثم تغيير هوية المكان، هناك شعور دائم عند الجهات الاستيطانية بأنها لم تكمل مهمتها في تهويد المكان الفلسطيني، ولا شك أن هشاشة السياسة العربية في الداخل وغياب تنظيم جماعي للناس يحفز هذه المنظمات الاستيطانية على محاولة تهويد المكان الفلسطيني والتضييق على الفلسطيني ومكانه وحتى الاستيلاء على بيته كما يحدث في الشيخ جراح”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى