أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

اقتصاد القدس في ظل عاصفة الكورونا

د. أنس سليمان أحمد
إذا كان بعض المحللين الإسرائيليين يذهبون إلى أن نتنياهو إستغل جائحة الكورونا سياسياً من أجل تفكيك حزب (كاحول- لافان) المنافس له، ومن أجل تملصه من محاكمته في التهم ذات العيار الثقيل الموجهة له، ومن تشكيله لحكومة وحدة وهذا ما حصل، إذا كان هؤلاء المحللون الإسرائيليون ذهبوا إلى ذلك فإني أجزم أن نتنياهو قد إستغل جائحة الكورونا لتعزيز الوجود الإحتلالي الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى في مقابل تفكيك الوجود المقدسي الإسلامي العربي الفلسطيني فيهما على الصعيد الديني والإقتصادي والصحي والتعليمي والإجتماعي والنفسي والسياسي، ونستطيع أن ندرك ذلك من خلال هذه الملاحظات المصيرية الهامة:
1)تحت مبرر محاصرة إنتشار الكورونا قام الاحتلال الإسرائيلي بفرض إغلاق على كل المحلات التجارية المقدسية في القدس القديمة بخاصة وفي القدس المباركة بعامة، مما شكل ضربة إقتصادية غير مسبوقة لأصحاب كل هذه المحلات التجارية وأسرهم الذين يُعدون بعشرات آلاف المقدسيين والذين يمثلون الطبقة المتوسطة في المجتمع المقدسي، والذين باتوا تحت خط الفقر ويتهددهم الإفلاس ثم الفقر والجوع .
2) تحت مبرر محاصرة إنتشار الكورونا قام الاحتلال الإسرائيلي بمنع ما يُعرف بالبسطات من المقدسيين الذين إعتادوا منذ سنوات على عرض تجارتهم أمام المارة على عربات في عدة مواقع مشهورة في القدس المباركة، وللعلم فإن هؤلاء التجار يعيشون على الكفاف بناء على ما تبيعه بسطات عرباتهم كل يوم، وهم يمثلون وأسرهم نسبة لا بأس بها من المجتمع المقدسي، وهم الآن في إنهيار إقتصادي تام، وقد استهلكوا رؤوس أموالهم المتواضعة جداً على إعالة أسرهم خلال هذه الأسابيع السابقة التي تعطلت فيها بسطاتهم التجارية، وباتوا لا يملكون الحد البسيط من رأس المال الذي قد يمكنهم من إستعادة تجاراتهم الشعبية البسيطة ما بعد الكورونا .
3) في مقابل هذا الإنهيار الاقتصادي الذي لحق بأصحاب المحلات التجارية المقدسية، وبأصحاب البسطات التجارية الشعبية من المقدسيين، فإن ضرائب الاحتلال الإسرائيلي وغراماته المالية على إختلاف أسمائها كانت ولا تزال تلاحقهم قبل جائحة الكورونا وستشتّد عليهم بعد جائحة الكورونا، وهكذا سيجتمع عليهم همُّ الإنهيار الاقتصادي، وهمَّ ضرائب وغرامات الاحتلال الإسرائيلي، وهمُّ إعالة أسرهم وقد ضاقت عليهم سُبل الحياة وإنعدمت مصادر العمل والتجارة.
4) إن بعض الأخطار المتوقعة التي بدأت تلوح بوادرها هي أن يضطر بعض أصحاب المحال التجارية من المقدسيين وخاصة في القدس القديمة تحت ضغوط الفاقة وإنسداد الأفق إلى إغلاق محلاتهم التجارية، مما يعني أن تصبح هذه المحلات التجارية في خطر، ومما يعني أن خطر تسريبها إلى جهات إحتلالية إسرائيلية سيزداد، ومما يعني أن الطابع المقدسي للقدس القديمة ولأسواقها التاريخية العريقة سيصبح في خطر، ومما يعني أن الدعوة إلى تهويد القدس المباركة قد تجد لها الفرصة السانحة التي لا تعوّض .
5) ومما زاد من ويلات جائحة الكورونا على الأهل المقدسيين أن الاحتلال الإسرائيلي قد أوقف دور لجان الزكاة والإغاثة في القدس المباركة بحجة محاصرة إنتشار الكورونا، مما تسبب بإنقطاع المساعدات الإغاثية الضرورية إلى المئات من العائلات المقدسية المسحوقة، وباتت تصارع وباء الكورونا ووباء الفقر المدقع ووباء الجوع وإنسداد الأفق وقلة الحيلة .
6) الخوف كل الخوف أن يولد كل ذلك لدى المقدسيين الشعور بالوحدة والإنقطاع، وكأن لا أحد ينظر إليهم ولا يتواصل معهم، وكأن الاحتلال الإسرائيلي قد إستفرد بهم .
7) الخوف كل الخوف أن يوهن هذا الحال الطارئ الضاغط من دور المؤسسات الأهلية في القدس المباركة سواء كانت مؤسسات تعليمية أو صحية أو إجتماعية أو نسائية أو أسرية أو شبابية ورياضية.
8) الخوف كل الخوف أن توهن كل هذه الآثار المقلقة من قوة النسيج الاجتماعي المقدسي ومن صلابة تماسكه وتكافله ومن سمو معنوياته وإصراره على دور الرباط العبادي في كل بيت من القدس المباركة وفي كل حي منها وفي كل شارع منها .
9) كلنا متفقون على صعيد الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني أن المجتمع المقدسي بداية من تواجده في كل القدس القديمة ثم في الحارات المقدسية اللصيقة بالقدس القديمة حتى آخر بيت من آخر حي مقدسي في كل رحاب القدس المباركة كلنا متفقون أن هذا المجتمع المقدسي هو الحامية الأولى والأساس للقدس والمسجد الأقصى المباركين، وكلما قويت إمكانيات صمود هذا المجتمع المقدسي يقوى دوره الذي لا ينافسه عليه أي مسلم أو عربي أو حتى فلسطيني، كحامية أولى وأساس تفوق في دورها اليوم كل جيوش الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني، ولأن المجتمع المقدسي كذلك فواجب على كل مسلم وعربي وفلسطيني في كل الأرض أن يدعم إمكانيات صمود المجتمع المقدسي كي يبقى هو الحامية الأولى والأساس للقدس والمسجد الأقصى، وهكذا تبقى قضية القدس والمسجد الأقصى قضية حية لا تموت حتى يأتي أمر الله تعالى .
10) ولذلك أنا أقترح على نفسي وعلى كل غيور منا يحب القدس والمسجد الأقصى المباركين على صعيد الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني أن نقف عند هذه المقالة جيدا، وأن نحدد لأنفسنا الدور الواجب الفوري المطلوب لدعم صمود المجتمع المقدسي إقتصادياً وإجتماعيا ونفسياً وتعليمياً وصحياً ومؤسساتيا، قبل أن نعض أصابع الندم أو قبل أن ندخل في تيه التلاوم.
11) لذلك يلزم الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني اليوم وليس غداً السعي الجاد لإقامة صندوق إسلامي عربي فلسطيني لدعم صمود المجتمع المقدسي في كل مقومات صموده المطلوبة .
12) ويلزم الأهل في الداخل تجديد الهمم وشحذ العزائم ودفع الأرادات لتجيد التواصل الراشد ما بعد مرحلة تقييدات جائحة الكورونا مع القدس المباركة على صعيد القدس القديمة وسائر أسواقها ومحلاتها التجارية وبسطات التجار البسطاء فيها، وعلى صعيد سائر حارات القدس المباركة ودعم حركة الحياة فيها في كل مقوماتها إلى جانب ضرورة تجيدي التواصل اليومي الدائم مع المسجد الأقصى المبارك .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى