أخبار رئيسيةأخبار عاجلةتقارير ومقابلات

حرق الخردة… أزمة صحية خطيرة في الخليل

يتهم سكان بعض البلدات في الخليل، بالضفة الغربية، أشخاصاً يرتزقون من حرق الخردة والنفايات الإلكترونية، بتسميم أجواء البلدات والتسبب بزيادة الأمراض الخطيرة المؤدية إلى الوفاة، ولا سيما السرطان.

ودّع الناشط والصحافي الفلسطيني، إياد الرجوب، من قرية الكوم، جنوب غرب الخليل، جنوبي الضفة الغربية في فلسطين المحتلة، قبل أيام، بحسرةٍ كبيرة أخاه زياد، الذي توفي نتيجة إصابته بمرض السرطان، ويعتقد سكان البلدة أنّ إصابته وإصابة كثيرين غيره به، ناتجة من عمليات حرق الخردة والنفايات الإلكترونية التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة، للحصول على معدن النحاس وبيعه. وبالرغم من أنّ 15 فلسطينياً من قرية الكوم ماتوا منذ تسع سنوات بسبب مرض السرطان وأمراض الجهاز التنفسي نتيجة لحرق الخردة، كما يعتقد السكان، فإنّ جهودهم لم تفلح بوقف هذا النشاط.

ما إن نعى إياد الرجوب أخاه زياد على موقع “فيسبوك”، حتى نزل خبر وفاة شاب آخر من القرية بمرض عضال كالصاعقة على رؤوس السكان، فإياد يؤكد في حديث معه أنّ كلّ تلك الوفيات لم تكن لتظهر لولا عمليات الحرق. ويشدد الرجوب في منشوره على أنّ الهيئات المحلية، بما فيها المجالس القروية والبلديات، ما زالت تزود محلات حرق الخردة بالخدمات العامة كالمياه والكهرباء، ولا تنظيم في منح التراخيص لهذه المحال، وجميع الجهات الرسمية لا تقوم بعملها كما يجب، إذ لا أحد يعمل ما يقضي على حرق الخردة.

من جهتها، تخشى الفلسطينية هدى الرجوب من قرية الكوم على صحة أطفالها بسبب عمليات الحرق المستمرة، وتضطر في أغلب الأحيان إلى إغلاق نوافذ المنزل حتى في أيام الصيف، لمنع دخول الدخان والروائح المؤذية للمنزل، وفي مرات عدة يصاب أبناؤها السبعة دفعة واحدة بوعكة صحية نتيجة عمليات الحرق، أما ابنها الأكبر إسماعيل وعمره (17 عاماً)، فهو يعاني من أزمة تنفسية، بسبب حرق الخردة المستمر، كما تؤكد في حديث معها. ولا يقتصر الأمر على هدى الرجوب، بل إنّ كلّ الأمهات في قرية الكوم يواجهن مشاكل إعياء ومرض أبنائهن بصورة مستمرة ولافتة، وتضطر اعتدال غنام إلى منع أبنائها الثلاثة من اللعب في ساحة المنزل لتجنب استنشاق الروائح المنبعثة نتيجة عمليات الحرق. أما شام (5 سنوات) الابنة الكبرى لاعتدال، فتتساءل دوماً عن لون السماء الأسود، بالرغم من أنّ أمها علّمتها أنّ لون السماء أزرق صافٍ، فيما تطالب اعتدال في حديث معها وكذلك أمهات عدة في قرية الكوم، الجهات المختصة والرقابية بوقف الحرق الذي أصبح نشاطاً لا يُطاق، ويرددن دوماً: “نريد العيش في بيئة آمنة وصحية، ارحموا طفولة أبنائنا”.

ومنذ 15 عاماً تعيش قرية الكوم حياةً يصفها السكان بالجحيم، بسبب الحرق المتواصل للخردة والنفايات الإلكترونية، وهو نشاط متزايد، بهدف الحصول على النحاس وبيعه، ما يوفر مصدر دخل لكثيرين في قرى الخط الغربي وبلداته في محافظة الخليل، من إذنا إلى الكوم، الأكثر تضرراً، وصولاً إلى دير سامت، وبيت عوا. وتجري عملية حرق أطنان من الخردة من دون أيّ ضوابط، أو آلية تُجنب السكان الأضرار، فالحرق يجري بين منازل السكان، وبالقرب من المدارس وكلّ المراكز الحيوية، وفي فترتي الليل والنهار. أما النتيجة، فانتشار للعديد من الأمراض، أبرزها: السرطان والأورام، بالإضافة إلى أمراض الجهاز التنفسي، فضلاً عن الضرر النفسي الذي يلحق بسكان تلك المناطق. وتجري أغلب عمليات الحرق بالقرب من قرية الكوم البالغ عدد سكانها 3500 نسمة، وهي قرية محاذية لبلدة إذنا قرب المنطقة الممتدة مع حدود الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948. وبالرغم من أنّ تجار الخردة من بلدة إذنا يقومون بالحرق في المنطقة الفاصلة بين إذنا والكوم، فالمتضرر الأكبر أهالي الكوم.

بعد عام 2006، تعمّد الاحتلال الإسرائيلي السماح للشاحنات المحملة بالخردة والنفايات الإلكترونية التي يريد التخلص منها، بالدخول إلى الضفة الغربية، من خلال المعابر التي يسيطر عليها، وبشكل رسمي. يقول مدير سلطة جودة البيئة في محافظة الخليل بهجت جبارين في تصريح صحفي: “تسريب الخردة والنفايات الخطيرة إلى أراضي السلطة الفلسطينية قبل عام 2006 لم يكن يتعدى الحالات الفردية، لكن في عام 2012 استفحل الأمر إلى ظاهرة يُسهّلها الاحتلال، وصار الحرق يجري في أفنية المنازل والأراضي الزراعية وكلّ المساحات”. وفي قرى الخط الغربي في الخليل نحو 150 مشغلاً غير قانوني لحرق الخردة، يُشرف عليها عشرات التجار الذين يجنون ثروات، بحسب روايات السكان ، بعد إشعال حرائق عديدة يومياً، قد تصل في اليوم الواحد إلى مائة حريق، تتحول فيها سماء هذه القرى، ولا سيما قرية الكوم إلى غيمة كبيرة سوداء.

وكانت رئيسة سلطة جودة البيئة الفلسطينية، عدالة الأتيرة، قد أكدت في حديث معها أن اكتشاف عمليات تسريب نفايات إلكترونية خطيرة من قبل مستوطنين خلال الفترة الماضية، إلى عدة مناطق وقرى وبلدات في محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية، والقريبة من المعابر وجدار الفصل العنصري. تابعت: “هناك توجهات قديمة من الطرف الإسرائيلي بنقل النفايات الإلكترونية الخطيرة إلى الأراضي الفلسطينية في مخالفة لاتفاقية بازل، مستغلة الظروف الاقتصادية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في مناطق الخليل وبعض القرى القريبة من المعابر وجدار الفصل العنصري، إذ يقوم بعض التجار الفلسطينيين بحرقها من أجل الحصول على بعض الأسلاك والمعادن، ثم تسوّق تلك المعادن للطرف الإسرائيلي بأسعار متدنية”.

بدأت سلطة جودة البيئة الفلسطينية بمحاربة حرق الخردة من دون ضوابط في عام 2014، ووضعت المسألة ضمن أولوياتها، بحسب جبارين، الذي يقول: “حاولنا محاربة هذه الظاهرة، لكنّ السكان لعبوا دور التغطية على الحرائق بادئ الأمر، ولم تقدم الشكاوى في الشرطة أو الوزارة. شُكِّلَت لجنة برئاسة محافظة الخليل لمحاربة هذه الظاهرة، واستُحدِثَت الشرطة البيئية”. يوضح جبارين: “انضممنا إلى اتفاقية بازل، وأصبح بمقدورنا ملاحقة دولة الاحتلال والحدّ من عمليات التهريب الذي تراجع من المعابر إلى طرق سرية”.

وتسعى سلطة جودة البيئة الفلسطينية إلى تدوير الخردة الفلسطينية – التي مصدرها الأراضي المصنفة (أ) – ومعالجتها بنحو سليم، فمنحت ترخيصاً لمشغل في المنطقة لتقشير الكابلات وطحنها بدلاً من إحراقها، لكن بعد انتهاء الفترة المجانية التشجيعية، وكانت ستة أشهر، عاد التجار للحرق بين المنازل، بدلاً من دفع قرابة 600 شيقل (نحو 170 دولاراً أميركياً) لكلّ طن. واستحدثت سلطة جودة البيئة الشرطة البيئية لملاحقة من يقومون بالحرق، ومركزها مدينة الخليل، إذ توجد لاستقبال أيّ شكوى في المنطقة، وتتحرك ضمن الأعمال الرقابية لجهاز الشرطة الأساسي، لكنّ هذه الشرطة لا تدخل المناطق المصنفة (ج) إلا بتنسيق مع دولة الاحتلال، لذا يستمر بعض عمليات الحرق من دون السيطرة عليها، وفق جبارين.

وتجتهد كلّ الأطراف بحسب رئيس المجلس القروي في الكوم، عبد الحميد الرجوب، للحدّ من حرق الخردة، ويقول في حديث معه: “أنذرنا خمسة مشاغل لحرق الخردة تقع في الكوم، وأصحابها من بلدة إذنا، أما من تقع محلاتهم في حدود قرى أخرى، فلا نستطيع ضبط عملها”. وضُبط بعض تجار الخردة في بلدة إذنا وأُحيلوا على النيابة العامة، إذ يوضح رئيس بلدية إذنا، محمود اسليمية، في تصريح صحفي: “حُوِّل ملف حرق الخردة في غرب الخليل إلى المؤسسة الأمنية منذ نحو أسبوعين، لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحق القائمين على هذه العملية”.

لكنّ الناشط إياد الرجوب يؤكد في حديث معه أنّه منذ عام 2010 رفع أهالي الكوم شكاوى إلى مجلس الوزراء الفلسطيني، تخللتها وعود من عدة وزارات لنقل الحرق إلى مكب المنية، في بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، لكنّ الوعود لم تُنفذ. وكان أهالي قرية الكوم قد نفذوا منتصف الشهر الماضي وقفة تضامنية مع التلميذين في الصف الخامس الأساسي، محمد زهير ومحمد نبيل الرجوب (10 أعوام) بعد نقلهما للعلاج في القدس المحتلة والأردن، بعد إصابتهما بأورام دماغية، كذلك ودعت القرية أخيراً ثلاثة من أبنائها نتيجة الإصابة بالسرطان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى