أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةعرب ودولي

عودة القوات الأميركية إلى الشمال السوري: نموذج لتقلبات ترامب

تخلط الولايات المتحدة مجدداً أوراق اللعبة شمال سورية وشرق الفرات، بإعادة إرسال تعزيزات من قواتها إلى قواعد كانت انسحبت منها قبل وأثناء العملية العسكرية للجيش التركي و”الجيش الوطني السوري” ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد).

في الحسكة، انطلقت تعزيزات أميركية مؤلفة من عشرات الآليات صباح الخميس الماضي من منطقة قسرك شمالي غرب الحسكة، متجهة نحو تل تمر ثم سلكت الطريق الدولي “أم 4″، قاصدة قاعدة صرين قرب عين العرب، التي سبق أن أخلتها القوات الأميركية قبل نحو أسبوعين. وتزامن ذلك مع تسيير دورية عسكرية للقوات الأميركية بين الرميلان والقحطانية شرقي مدينة القامشلي. وجالت في بلدات الجوادية وباب الحديد والمعبدة وقرية شبك، وهي مناطق تتوفر فيها آبار النفط وحقل رميلان النفطي. وقبل أقل من أسبوع، بدأت القوات الأميركية في إعادة إرسال تعزيزاتها إلى قاعدة قسرك آتية من إقليم كردستان العراق عبر معبر الوليد قرب المالكية عند الحدود السورية ـ التركية، بما يوحي وكأن الأميركيين ينوون إعادة تجميع قواتهم في قاعدة قسرك، بهدف الانطلاق مجدداً نحو مناطق الانتشار.

في السياق، ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أنه تمّ رصد عودة قوات أميركية ضخمة مؤلفة من نحو 150 شاحنة وعربة عسكرية، إلى قاعدة صرين وسط تحليق مكثف للطائرات الأميركية في أجواء المناطق التي مر بها الرتل. وأشار المرصد إلى أن عودة تلك القوات إلى القاعدة جاءت بعد أيام من إعلان مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي في قرية باريشا شمال إدلب. وكشفت مصادره أن “الطائرات الثماني التي شاركت في عملية استهداف البغدادي انطلقت من قاعدة صرين، بعد أن عادت إليها القوات الأميركية قبل أيام من تنفيذ العملية”. وتضم قاعدة صرين مطاراً عسكرياً، يمكن للمروحيات وطائرات الشحن العسكرية الهبوط داخله، وكان الأميركيون انسحبوا من القاعدة في 16 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل تدميرهم مستودعين للسلاح داخلها، فضلاً عن تدمير عدداً من الكتل والمستودعات في قاعدة خراب عشق القريبة منها.

وفي وقت سابق ذكر المرصد، أن “أكثر من 500 جندي أميركي ومعدات عسكرية ولوجستية وصلت إلى قاعدة قسرك الواقعة على طريق أم 4 بين تل تمر وتل بيدر”، لافتاً إلى أن “مطار قاعدة صرين يشهد حركة هبوط طائرات أميركية وإفراغ لطائرات شحن، بالإضافة إلى وجود آليات ومعدات لوجستية وعسكرية أميركية فيها”.

وتلفت عودة القوات الأميركية بعد قرار الإدارة في واشنطن سحبها من سورية، الأنظار نحو مستقبل الوجود الأميركي ومحدودية تأثيره في ظل العملية العسكرية التركية، لا سيما أنه يأتي في وقت تسعى خلاله روسيا وتركيا لتطبيق الاتفاق الموقع بين الطرفين في سوتشي، والذي يقضي بانسحاب “قسد” مسافة 32 كيلومتراً عن الحدود، مع تسيير دوريات تركية ــ روسية على كامل الشريط الحدودي ضمن المنطقة المتفق عليها. وتفتح هذه العودة الباب على أسئلة مشروعة تتعلق بإمكانية استئناف دعم الولايات المتحدة لـ “قسد” أو وجودها في بعض المناطق التي تلمح لفكرة عدم الانسحاب منها، لا سيما عين العرب.

وعن موقف “الجيش الوطني” من هذه الخطوة، يكشف المتحدث الرسمي باسمه، يوسف حمود في حديث صحفي، أنهم تلقوا قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب القوات من سورية “بكثير من عدم الجدية، كون الانسحاب يعني خروج الولايات المتحدة من الملف السوري، وهذا ما لن تقدم عليه واشنطن”. ويضيف “نحن في الجيش الوطني نظرنا إلى هذا الانسحاب على أنه جزئي، وأن الولايات المتحدة ستبقي بعض القواعد في مناطق معينة، وربما ذلك أدى إلى اتخاذ قرار بإنشاء منطقة آمنة ومن ثم بدء تركيا العملية العسكرية”.

وينوّه حمود إلى أن العملية العسكرية في شرق الفرات كانت “بتوافق تركي ــ أميركي ومن ثم حاولت الولايات المتحدة الالتفاف على هذا التوافق باتخاذه وضعية السكوت ثم محاولة عرقة العملية، وبعد أيام من انطلاق العملية سحبت الولايات المتحدة ما تبقى من قواتها من قواعدها في عين العرب ومنبج وصرين. وقالوا إنهم سيبقون على تواجدهم قرب منابع النفط، وبالتالي وُضعت المنطقة تحت التفاوض التركي – الروسي، وعليه تمّ الاتفاق بين روسيا وتركيا وسَيَّرَا دورياتهما في المنطقة. ربما لم يعجب ذلك الجانب الأميركي، فالولايات المتحدة لا تريد تمدداً جديداً للنفوذ الروسي في سورية ولا سيما شرقها، لذلك أعادت قواتها إلى المنطقة. ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذه الخطوات والمواقف المتقلبة التي تصدر عن الولايات المتحدة سواء بالانسحاب أو العودة، تأتي في إطار قياس ردات الفعل لدى لأطراف المتدخلة شرق الفرات”.

ويكشف حمود أن “عدد الجنود الأميركيين الذين عادوا إلى قاعدة صرين يبلغ 150 جندياً، ومثلهم عادوا إلى قاعدة خراب عشق بالقرب من صرين جنوب عين العرب، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة شرق مدينة تل تمر تحتوي على مهبط طائرات مروحية. كما عادت القوات الأميركية إلى قاعدة الجزرة شرق الرقة، بالإضافة لعودة بعضهم إلى قاعدة جنوباً إلى الغرب من مدينة الرقة”. وعن إمكانية قراءة عودة القوات الأميركية إلى المنطقة لدعم بقاء جزء من “قسد” فيها ولا سيما في عين العرب ومحيطها، يقول حمود: “لا يمكن بناء خطط وتصورات عسكرية بناء على المواقف الأميركية الحالية، فدائماً ما نلاحظ أن تصريحاتهم ومواقفهم وحتى حركتهم على الأرض تأتي في سياق دراسة وقياس ردات الفعل، ولخلط الأوراق في هذه المنطقة، وحتى قرارهم بالانسحاب جاء ضمن هذا الإطار بانتظار مواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين في الشأن السوري، وعلى ذلك كانت العودة”.

بدوره، يرى الصحافي التركي هشام غوناي، أن “هذه الخطوة تأتي ضمن استمرار تناقض وتقلب المواقف الأميركية، لا سيما لدى الرئيس الأميركي بما يخص الملف السوري عموماً، وتحديداً في ما يرتبط بمسألة انسحاب القوات أو بقائها”. ويضيف في حديثٍ صحفي أن “هناك رسالة يريد ترامب توجيهها للداخل الأميركي من خلال تعزيز قواته في سورية، لا سيما أنه يمرّ بمرحلة صعبة بمواجهة تحركات قوية ومن مستويات عليا لعزله. وهو يحاول تصدير نفسه قوياً داخل المشهد الأميركي مجدداً، لكن أياً كانت الدوافع فإن الولايات المتحدة تريد الإبقاء على إثبات وجودها في الملف السوري لا سيما في شمال البلاد وشرقها، وأنها لا تزال إلى جانب الكيان الكردي والتنظيمات الكردية هناك، وأنها لم تتخل عنهم”.

ووفقاً لغوناي فإنه “كان هناك إحباط للمعنويات داخل قسد بعد قرار الانسحاب الأميركي، وكانوا يعوّلون كثيراً على الولايات المتحدة بالوقوف في وجه تركيا لكنها لم تفعل، بل ذهبت للاتفاق مع أنقرة على خطة إنشاء المنطقة الآمنة وسحبت قواتها قبل بدء العملية العسكرية. كذلك أحبطت روسيا آمال القوات الكردية وصوّتت مع الولايات المتحدة في مجلس الأمن ضد قرار يدين العملية”. ويعرب عن اعتقاده أن “عودة القوات بهذا التوقيت تأتي لإعادة الثقة لقسد بالولايات المتحدة، ورفع معنوياتهم وهي رسالة بالوقوف إلى جانبهم حتى ولو كانت تركيا موجودة في المنطقة”.

من جهته، يرى الباحث في المركز العربي في واشنطن، جو معكرون، بعد عودة القوات الأميركية إلى بعض قواعدها في الشمال السوري، أنه “ليس هناك ضمانات بأن ترامب لن يعدل موقفه مرة أخرى بعد فترة ويعود ويسحب كل القوات الأميركية من سورية، لا سيما أنه لا يرى أي فائدة استراتيجية للبقاء في سورية، ولا مانع لديه إذا ملأت روسيا أو تركيا الفراغ الأميركي”. وينوّه في حديثٍ معه إلى أنه “لا يوجد حالياً سياسة أميركية في سورية، وهي تخضع منذ 6 أكتوبر الماضي لتقلبات مواقف الرئيس الأميركي، أي منذ اتصال ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أدى إلى تسهيل، بطريقة أو بأخرى، العملية التركية داخل سورية، قبل أن يتراجع ترامب عن هذه المقاربة بعد ضغوط جمهورية في الكونغرس، وبعد إقناعه أن هناك فوائد استراتيجية في إبقاء قوات أميركية لحماية النفاذ إلى حقول النفط السورية في محافظتي دير الزور والحسكة”. وبرأيه فإن “ذلك أدى إلى تحول موقف ترامب خلال اتصاله الثاني مع أردوغان في 14 أكتوبر، إذ ضغط لوقف إطلاق النار لفترة خمسة أيام خلال زيارة نائبه مايك بنس إلى أنقرة. وبالتالي حصلت تركيا على مطلبها بإبعاد القوات الكردية مسافة 30 كيلومتراً في عمق الحدود السورية، ويبدو أن ترامب حالياً يعتقد أنه بإمكانه إبقاء 200 جندي أميركي كقوة رمزية قرب حقول النفط، ضمن الترتيبات مع تركيا وروسيا في شمالي شرق سورية”.

وحول فرضية قرار عودة القوات الأميركية إلى بعض قواعدها على أنها ربما تمثل إعادة الدعم ولو بشكل معنوي لـ “قسد” في بعض المناطق ومدى تأثير ذلك على العلاقة التركية ـ الأميركية، يشير معكرون إلى أن “قسد كانت الخاسر الأكبر في هذه الترتيبات في شمالي شرق سورية، لا سيما أنها خسرت سيطرتها على معابر حدودية، وسيكون من الصعب عليها ترميم الثقة بإدارة ترامب بأنها لن تتخلى عنها مرة أخرى، وبالتالي تعرضت هذه العلاقة لنكسة قوية في الفترة الأخيرة، لكن قسد مثل تركيا ليس لها خيار سوى إبقاء قنوات الإتصال مفتوحة مع واشنطن، لكن احتمال اللجوء إلى الخيار الروسي أكثر ترجيحاً للطرفين على المدى الطويل”.

وكان الرئيس ترامب قرر في 7 أكتوبر الماضي سحب قوات بلاده من سورية، فاتحاً الباب أمام تركيا لتنفيذ عملية عسكرية شرق الفرات لإبعاد “قسد” عن الحدود التي بدأت فعلياً في 9 أكتوبر، إلا أنه تراجع عن قراره، مؤكداً الإبقاء على عدد محدود من الجنود لحماية حقول النفط وانتشار عدد آخر في قاعدة التنف عند الحدود السورية الأردنية، غير أن الانسحاب استمر مع تقدم أيام العملية، فغادرت القوات الأميركية في 14 و16 و20 من الشهر الماضي قواعدها بالقرب من منبج وعين العرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى