أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الأخطر من الحرام

الشيخ كمال خطيب

لسنا مطالبين بأن نصبح ملائكة معصومين، لأننا بشر ومن بني آدم وكل ابن آدم خطّاء، لكننا مطالبون بألّا نصبح شياطين نتقلب في الإثم والحرام في كل لحظة، ننهض وننام على الشرور والآثام.
ومن أجل ألّا نصبح شياطين، ونظل على آدميتنا، آدمية الخير والفضيلة والطاعة والعبودية لله تعالى حتى وإن شابتها شوائب وخالطتها ذنوب، فإننا مطالبون بالسعي الدائم والعمل الجاد والتقليل من الذنوب. فإذا وقعت، فإنه السعي للتوبة منها ومحوها من صحائف أعمالنا، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلّ ابن آدم خطّاء، وخيرُ الخطّائين، التوّابون”.
سُئل الإمام الحسن البصري -رحمه الله- أين تجد الراحة؟! قال: “في سجدة بعد غفلة، أو توبة بعد ذنب، وأضاف قائلا: واستعينوا على السيئات القديمة بالحسنات الحديثات، ولن تجدوا شيئا أذهب بسيئة قديمة من حسنة حديثة. أليس هذا ما وعد الله به لما قال: {إنّ الحسنات يُذهبن السّيئات} آية 114 سورة هود. وهو ما قاله صلى الله عليه وسلم: “واتبع السيئة الحسنة تمحُها”.
نعم، إنّ باب الإثم مغلق، فإذا حصل وتجرّأتَ على فتحه لأول مرة فإنه سيسهل عليك أن تفتحه مرات ومرات، وإنّ المضيّ في طريق المعاصي والذنوب طريق له بداية وليس له نهاية، فما إن تخطو خطوتك الأولى، ستُتبعها بخطوات، فإذا أحبّك الله وعرف فيك صدق النية بالرجوع والعودة، عصمك ونجّاك، واذا عرف فيك رغبتك في المعاصي والآثام واستهانتك بحدوده سبحانه، أوكلك الى نفسك، كما قال الإمام الشيخ الشعراوي رحمه الله: “الأخطر من فعل الحرام، أن يحرمك الله نعمة الإحساس بمرارته والألم من لذعته”.
إنّ من لطف الله بعبده ورحمته عليه أكثر من أمه، فلا يريد له المضيّ في طريق الإثم ولا أن يلج من باب المعصية، فيرسل له إشارات وعلامات أسماها العلماء “لطائف ربانية” تنبهه إلى إثم فعله أو إلى طاعة قدّمها، ولقد قال أحد الصالحين: “إني لأعرف طاعتي من معصيتي من خلق دابتي”، أي يأتيه الثواب والعقاب معجلًا في الساعة نفسها، غير الذي يأتيه ذلك في بقية حياته أو في الآخرة.
يقول الدكتور محمد أحمد الراشد أمدّ الله في عمره وأحسن خاتمته، في كتابه -صناعة الحياة-: “فلو أسلف مسلم حسنة في المساء من صدقة أو صلاة بوقتها أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو إغاثة لهفان أو تفهيم علم أو بذل شفاعة أو ستر عرض أو تحذير عن شر أو خلافة غازٍ مجاهد، فماذا يحدث له في الصباح؟!
يستيقظ فإذا زوجة مبتسمة في وجهه، وإذا أولاده يستيقظون من أول نداء، على أتمّ نظافة وكلٌ قد كتب واجبه المدرسي وأعدّ كتبه. فإذا أفطر كان طعامه لذيذًا وتودعه زوجته بابتسامة، حتى إذا ركب سيارته -وهي دابّتنا اليوم- وجدها سلسة تشتغل مع أول إدارة للمفتاح، ووجد الإشارات الضوئية في طريقه خضراء تفتح له الطريق مرحّبة به، والسائق الذي يسير أمامه وفق الأمور والأدب، حتى شرطي المرور يرفع له يده بالتحية، وهكذا يكون سائر يومه.
أما لو أنه أسلف سيئة في الليلة السابقة من غيبة أو بخل أو تقاعس عن نجدة أو تأخير صلاة أو سوء خلق مع جار أو غير ذلك، فيستيقظ في الصباح، فإذا هي زوجة عابسة متأففة ولا يدري سببًا منه مباشرًا في إغضابها، ثم إذا بها تولول، وإذا به يبحث عن فردة حذائه فلا يجدها إلّا بعد نصف ساعة، فيتأخر الولد عن المدرسة ويتناول إفطاره مسرعًا مذهولًا لا يجد له طعمًا، يحرك مفتاح السيارة ليشغلها، فتعذبه من غير سبب، فلا تشتغل الا بعد معاناة وتكون كالدّابة الشموس، يخرج إلى الشارع فإذا الإشارات الضوئية كلها حمراء في طريقه، ويضطر للوقوف عند كل واحدة منها، ويبتلى بسائق طائش يجعله يحنق غضبًا وقلقًا، ثم يوقفه شرطي مرور كأنه هو الآخر قد تشاجر مع زوجته فخرج إلى عمله غضبان يفرغ غضبه وهمومه فيه، فيحرر له مخالفة هو منها بريء وهكذا يكون سائر يومه.
ويضيف الدكتور الراشد: وكلنا يمرّ بمثل هذه الأحوال، ولكن قليلون هم الذين يرجعون بذاكرتهم إلى ما أسلفوا من حسنات أو سيئات تكون سببًا لهذه الأحوال، والموفق هو الذي يسرع إلى بديهته هذا المعنى، فيعلم موطن قدمه، فيزداد خيرًا وصعودًا، أو يحذر المنزلق، ويجد في هذه المعاكسات الخفيفة اللطيفة تحذيرًا يمنعه من الاسترسال في الغيّ وركوب الشهوات، بل هي إشارات تحذير ربانية توازي اللمم والصغائر تنبهه إلى وجوب فطم النفس عن هواها، وإلا عوقب أكبر من ذلك من تضييق رزق وضياع تجارة وجلاء بركة، مرض متعب وتسلط ظالم، قذف عرض وفشل في امتحان وسفاهة جار، وبما هو أكبر من ذلك ربما، لهذا فإن هذه المعاكسات هي من تمام اللطف الرباني بمؤمن يفهمها ويستوعب موعظتها من أجل ألّا يتمادى، بل قيل هي مداعبة للعبد من ربه سبحانه، يذكّره أنه معه ويراقبه، ويقول له يا فلان استقم!”.
نعم، إن من خطورة الحرام هو مخالفة ومعصية الخالق، والأخطر أن تُحرم الإحساس بمرارته وألم لذعته، فتعيش حالة إدمان عليه كما هو مدمن الخمر والمخدرات، ولا تدري متى ستأتيك الخاتمة وأنت على هذا الحال، فمن تلوم ساعتها؟ “وقد سأل موسى عليه السلام ربه، يا رب كيف تعامل من عصاك؟ فقال سبحانه: يا موسى من عصاني أمهلته، إذا فعل ذنبًا سترته، فإذا رجع إليّ قبلته، فإن عاد إلى ذنبه انتظرته، فإن تاب عفرت له وأحببته، وإلا خذلته وإلى نفسه وكّلته، ثم لا يكون لعبدي حجّة، وما أنا بظلّام للعبيد”.

كيف تمحو ذنوبك؟!
لأنه الله جل جلاله يعلم ضعفنا، ويعلم أننا في صراع دائم مستمر مع هوى النفس ومع الشيطان، يجري في أحدنا مجرى الدم في العروق، وأننا يمكن أن نقع في الذنب، فلسنا ملائكة، ولا أنبياء معصومين، ومع ذلك فإنه سبحانه يفتح لنا أبواب التوبة في الليل والنهار “إنّ الله يبسط يده بالليل ليتوبَ مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوبَ مُسيء الليل”، وإنه سبحانه وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم قد علمنا أيسر السبل وأسرع الطرق لنتخفف من أحمالنا ونتوب من ذنوبنا.
تُمسح ذنوبنا بعد ذكر الله كما قال رسوله -عليه الصلاة والسلام- “ما على الأرض أحد يقول: لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفّرت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر”.
تُمسح ذنوبنا بعد الطعام كما قال رسوله -عليه الصلاة والسلام- “من أكل طعامًا ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حولٍ منّي ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه”.
بعد لبس الثوب يمسح الذنب كما قال رسوله عليه الصلاة والسلام: “من لبس ثوبًا فقال الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول منّي ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”.
بعد الصلاة يمسح الذنب كما قال رسوله -عليه الصلاة والسلام- “من سبّح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسع وتسعون، وقال في تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد لله وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر”.
قبل النوم يمسح ذنبك كما قال رسوله -عليه الصلاة والسلام- “من قال حين يأوي الى فراشه لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد لله وهو على كل شيء قدير، لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر”.
عند الأذان يمسح ذنبك، كما قال رسوله عليه الصلاة والسلام: “من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولا غفر له ذنبه”.
بالاستغفار يمسح ذنبك، كما قال رسوله عليه الصلاة والسلام: “من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب الله، غفر له وإن كان فرّ من الزحف”.
وبعد الوضوء وتساقط الماء من أصابعك يغفر ويسمح ذنبك، وبعد التهجّد وقيام الليل يمسح ذنبك {كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون} آية 17-18 سورة الذاريات.
وبعد النزول من عرفات يمسح ذنبك وترجع كيوم ولدتك أمك، وغيرها الكثير من الفرص والمناسبات والوسائل التي منحك الله إياها أيها المسلم تمسح بها ذنبك، انه لم يكلك إلى نفسك وإلى شيطانك، وإنما زوّدك سبحانه بما تراغم به شيطانك وتكون أقرب إلى ربّك.

لا تقل غدًا سأبدأ
ما أجمل ما كتبه الأستاذ الفاضل حسان شمسي باشا: “خير القلوب قلب ثبته الله على الإيمان، وخير الأيام يوم يمر عليك بلا ذنب، تذكر أن هناك كتابًا سيعرض عليك تقرأه أول مرة وتتفاجأ بما فيه مع أنك كاتب ومؤلف ذلك الكتاب {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} آية 49 سورة الكهف، فأحسن تأليفه على الوجه الذي يرضيك حين تراه {ونُخرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتابًا يَلقاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} آية 13-14 سورة الإسراء.

لا تقل من أين أبدأ.. طاعة الله البداية
لا تقل أين طريقي.. شارع الله الهداية
لا تقل أين نعيمي.. جنة الله كفاية
لا تقل غدًا سأبدأ.. ربما تأتي النهاية.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى