أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

يسألونك عن البديل للكنيست الصهيوني (6)

حامد اغبارية
الشجاعة تقتضي قول الحقيقة ولو لمرة واحدة
مجموعة ملاحظات لا بد منها:
1-إن المسألة تحتاج إلى شجاعة (سياسية) من طرف قيادات الأحزاب المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني-وهي إلى هذه اللحظة شجاعة مفقودة-تقول من خلالها الحقيقة للجمهور الذي تدعوه للتصويت لها ودعمها كي تصل إلى الكرسي المنشود.
كان يمكن – فعلا-أن نلتمس العذر لتلك القيادات لو أنها صارحت الجمهور (وليس فقط جمهورها المحسوب عليها) بأن كل الشعارات التي تطرحها ليست أكثر من خدعة انتخابية، وأن الحقيقة – التي تفرض نفسها على أرض الواقع-أنهم يريدون فقط مجرد الوصول إلى الكنيست، وأن التستر خلف القضايا الحارقة التي يعاني منها مجتمع الداخل الفلسطيني، سواء كانت قضايا مدنية يومية أو قضايا كبرى تتعلق بالهوية والانتماء وملفات الأمة الكبرى، إنما هو مجرد استخدام لأوجاع الناس من أجل تحقيق ذلك الهدف الذي يعبر عن مصلحة حزبية ضيقة. ولك أن تفحص الأسباب الحقيقية التي دفعت أحزاب المشتركة الأربعة إلى تشكيل تلك القائمة عام 2015، في الوقت الذي كان مجتمعنا ينادي منذ عقود إلى توحيد الصفوف وحدة حقيقة، والالتقاء على نقاط التوافق، من أجل معالجة قضاياه التي يعاني منها وتقض مضجعه. وهي بالمناسبة ذات القضايا التي تقول المشتركة إنها قامت لأجلها. يستطيع كل فرد منا أن يجد الجواب على السبب الحقيقي لتلك “الوحدة” المصطنعة، وهو سبب أبعد ما يكون عما ادّعته وتدّعيه قيادات المشتركة. فالسبب الوحيد الذي “جمعهم” هو فقط رفع نسبة الحسم. ولو علم أي من الأحزاب أنه كان سيتجاوز نسبة الحسم الجديدة وحده، لما كانت المشتركة. هذه هي الحقيقة التي يحاولون دفع الجمهور إلى نسيانها أو التغاضي عنها. الشجاعة تقتضي قول الحقيقة ولو لمرة واحدة.
2-سيقول قائل: ولكن أحمد الطيبي شق المشتركة قبيل انتخابات نيسان الماضي، وكان سيخوض الانتخابات وحده. وهذا ينسف ما تقول! وهذا في الحقيقة كلام فيه استخفاف بالعقول. فقد كانت تلك لعبة من العربية للتغيير وقائدها أحمد الطيبي. وكان الهدف منها ممارسة الضغوط. وفي نهاية المطاف لم يخض الانتخابات وحده، وكنا جميعا نعرف ذلك (بمن في ذلك الأحزاب وقياداتها) لأنه كان يدرك أن هذه الخطوة معناها الانتحار السياسي. وقد فاوض جميع الأطراف على مستوى ثنائي، حتى وجد ضالته مع الجبهة، وقد كان يمكن أن يفعلها من الإسلامية الجنوبية أو مع التجمع لو وجد ضالته عنهما. وتاريخ العربية للتغيير حافل بمثل هذه الحركات البهلوانية بدءا من العام 1996. ففي تلك السنة أعلن الطيبي (مستشار ياسر عرفات يومئذ!!) تشكيل الحركة ونيته خوض انتخابات الكنيست ال_ 14. وقد استند في ذلك إلى بروزه الإعلامي، وتغطية الإعلام الصهيوني تحديدا لكل شاردة ووارد تصدر عنه!! لكنه عندما اصطدم بالواقع وفهم أنه لا يستطيع عبور نسبة الحسم وحده (وكانت النسبة في ذلك الوقت 2% فقط من الأصوات الصحيحة)، أعلن انسحابه وعدم خوضه الانتخابات. وفي انتخابات 1999 (الكنيست الـ 15) تحالف مع حزب التجمع الذي كان قد أُسس بمبادرة من عزمي بشارة عام 1996، وحصلا معا على مقعدين فقط. وقد وقع (الطلاق السياسي بينهما) في اليوم التالي للانتخابات. وهذا (الطلاق) كان دليلا إضافيا على أن الذي جمع الشامي على المغربي هو المصلحة الانتخابية فقط. وفي انتخابات 2003 (الكنيست الـ 16) اختطف الطيبي الجبهة من تحالفها مع التجمع (عام 1996) وخاض معها الانتخابات، ودخل الطيبي الكنيست مع الجبهة (حققا معا 3 مقاعد)، التي اضطرت اضطرارا للتحالف معه، بعد تراجع اسهمها في الشارع، وخلافها مع التجمع، وخوفها من عدم تمكنها الحفاظ على قوتها في الشارع الانتخابي. وهكذا مارس الطيبي ذات اللعبة مع الجميع كي يصل إلى الكنيست. ثم يأتي في نيسان الماضي ويقول للجمهور إن استطلاعات الرأي تعطيه وحده 6 إلى 7 مقاعد (مع نسبة حسم 3,25%)، لينكشف الأمر عند مواجهة الحقيقة، حيث لم يحقق في ائتلافه الثنائي مع الجبهة إلا 6 مقاعد، (حقق ائتلاف الجنوبية والتجمع 4 مقاعد فقط). فهل يمكن أن يصدق عاقل أن كل هذه الائتلافات، ثنائية كانت أو رباعية هي ائتلافات حقيقية تحركها مصلحة عامة تعود بالفائدة على الجمهور؟! الشجاعة تقتضي قول الحقيقة ولو لمرة واحدة.
3-إن من حق الجمهور أن يجد جوابا على التساؤل: ما الذي جمع الإسلامي مع الشيوعي، والعلماني مع المتدين، والقومي مع الأممي، والليبرالي مع الهُلامي؟ ما هو الفكر أو ما هي الفكرة أو ما هو المبدأ الذي يمكن أن يجمع كل هذه التناقضات الإيديولوجية، التي تملأ فضاءنا الفكري والسياسي حروبا طاحنة حول قضايا خلافية تخص مجتمعنا؟ إنها المصلحة الانتخابية الضيقة، التي لأجلها يمكن للإسلامي مثلا أن يتغاضى عن قانون الشواذ جنسيا، أو التي تجعله لا يحرك ساكنا إزاء تأييد شريك له في القائمة، مختلف معه في التوجه والفكر، للشواذ والشاذات. وهي المصلحة الانتخابية الضيقة التي دفعت القومي للرضوخ والعودة المهينة إلى المشتركة. الشجاعة تقتضي قول الحقيقة ولو لمرة واحدة.
4-سيسأل أحدهم ويقول: وما الذي جمع كل هؤلاء تحت سقف المتابعة؟ أليسوا مختلفين هناك أيضا؟ لماذا لا ينسحب ما تقول على التقائهم في المتابعة أيضا؟ نقول: نعم، هم مختلفون في الطروحات وفي الإيديولوجيات وفي الخلفيات الفكرية والعقائدية، لكنّ الأمر مختلف من جميع الجوانب، ولا وجه للمقارنة بين المشهدين. بل العكس هو الصحيح: فإن المصلحة العامة والمصير الواحد جمعا كل هذه التناقضات في نقاط التقاء لا خلاف عليها. ولو كان الوصول إلى المتابعة بنفس أسلوب الوصول إلى الكنيست الصهيوني، لقلنا: نعم، هنا تمكن المقارنة بين المشهدين. غير أن المسألة ليست كذلك. فالمتابعة إطار سياسي وطني جامع (مع كل ما فيه من خلل وعيوب ونواقص وترهل، ومع ما لنا عليه من انتقادات) له أهدافه المحددة وأجنداته المعروفة، ولا خلاف عليه بصفته تلك بين جميع المركبات، وهو ليس مؤسسة صهيونية، لا تشريعية ولا سيادية ولا غير ذلك. ومن ثم فإن المقارنة لا تصح في هذه الحالة.
5-قال قائلهم وسيقول غيره: أنت تدعو إلى أن تكون لجنة المتابعة وانتخابها المباشر هي البديل لانتخابات الكنيست، فكيف ستجلس في المتابعة مع الذين تتهمهم بالخيانة وتكفّرهم؟!!
أولا: أنا (وغيري من الذين يحملون نفس الموقف) لم نخوّن أحدا، لا بعينه ولا بهيئته ولا بصفته، ولم نكفّر أحدا. وهذه فرية سيحاسب الله عليها كل من اتهمنا بها، وسيكون ثمنها كبيرا. ومن كان يملك دليلا على التخوين والتكفير فليأت به. ولقد تحدينا الذين أطلقوا العنان لتفكيرهم المريض هذا الذي يحاولون به خداع الناس وإرباكهم، أن يأتونا بدليل فاختبأوا في الجحور.
ثانيا: إن مشكلتنا هي مع الكنيست كمؤسسة صهيونية تشريعية تمثل ركنا من أركان السيادة للدولة العبرية وعنوانا من عناوينها الكبرى، مؤسسة دورها الأساس سن القوانين والتشريعات، ومنها تصدر أسوا القوانين العنصرية التي تمس وجودنا وحياتنا ومستقبلنا في وطننا. وفي التالي فإن مشكلتنا ليست مع الأحزاب بصفتها تلك. فهي شريكة في الهم العام، وهي جزء من نسيج هذا الشعب ومن طيفه التعددي. ولست من الذين يؤمنون بإقصاء الآخر الذي أختلف معه، فأنا وهو نعاني من سياط الظلم الإسرائيلي الواقع علينا. وليس من مبادئنا الإقصاء ولا الاستثناء. وإنني إن اختلفت مع أي جزء من أجزاء هذا الطيف في قضية من القضايا، فهذا لا يمنعني من التعاون معه والالتقاء في القضايا الجامعة، مع تأكيدي الحفاظ على الثوابت التي أؤمن بها، والتي لا يمكن بحال أن تكون خاضعة لنقاش أو حوار.
ثالثا: لو فرضنا جدلا، لا واقعا، أنني لا أريد أن أجلس مع هؤلاء، فأنا أساسا أطرح قضية انتخاب المتابعة انتخابا مباشرا. وهذا الانتخاب قد يفرز قيادات جديدة ووجوها جديدة، وقد لا أكون أنا من بينها، ولا تكون ذات الوجوه التي تمثل واجهة الأحزاب من بينها كذلك. وأيا كانت النتائج، فإن الذي يدعو لمثل هذا البديل عليه التبعات وتحمُّل النتائج والقبول بها. وأيا كانوا الذين ستفرزهم انتخابات المتابعة فعلينا أن نقبل بهم، ونتعاون معهم ونساندهم ونمدهم بكل أسباب القوة المادية والمعنوية كي يحققوا الأهداف التي لأجلها انتخبوا. الشجاعة تقتضي قول الحقيقة ولو لمرة واحدة.
6-يتساءل الواحد منا: هل توجد وراء الكواليس تفاصيل أكثر مما يعرفه الجمهور؟ هل توجد تفاهمات أو صفقات وراء الستار بين قيادات المشتركة وبين تيارات وأحزاب صهيونية معينة، سينكشف أمرها بعد الانتخابات؟ وأنا لا أقول هذا جزافا ولا تخمينا ولا من باب الرجم بالغيب، بل هو بناء على تجارب سابقة، وبناء على ما يرشح هنا وهناك من تصريحات لقادة في المشتركة. فهذا السيد وليد طه، المرشح السادس في المشتركة (عن الجنوبية) يلقي قنبلة من خلال تصريح له يدعو فيه قائمته إلى التفكير بدعم تحالف يقوده نتنياهو، مقابل تحقيق مصالح عامة للمجتمع. ويتحدث عن اقتناص الفرص، والخروج من قوالب عفا عليها الزمن. ثم يقول لك: نحن مواطنون في دولة إسرائيل شئنا أم أبينا، والمواطنة لها حقوق وعليها واجبات (ما هي الواجبات؟!!!) ثم يعود على ذات سمفونية تبرير الذهاب إلى الكنيست بمقارنتها بالسلطات المحلية، مع الفرق الشاسع بين المسألتين. وما هو المقابل الذي يريده ثمنا لدعم تحالف يميني بقيادة نتنياهو؟ وقف هدم البيوت ومحاربة الجريمة والعنف. ثمن بخس (يُفترض أن يتحقق دون عناء، ودون عضوية في الكنيست، وحتى دون ضغوط شعبية، في دولة حقيقية تهتم بقضايا مواطنيها، وتوفر لهم الأمن الشخصي والعام والمسكن الكريم) مقابل خطوة خطيرة كهذه، حتى بمقاييس بعض الشركاء في المشتركة. ونحن نسأل: هل الكنيست هو الذي سيحل قضية العنف والجريمة ويوقف هدم البيوت؟ وهل تعاون المؤسسة الرسمية الإسرائيلية في حل هذه القضايا لا يتحقق إلا من خلال وجودكم في الكنيست؟ ألم تكونوا هناك من قبل؟ ماذا حققتم حتى الآن؟ لا شيء.. بل في زمنكم سُنت أسوأ القوانين عنصرية، وهُدم أكبر عدد من البيوت، وانتشر العنف والجريمة بصورة غير مسبوقة.
ثم ها هو رئيس القائمة أيمن عودة يخرج أمس بتصريح آخر مشابه يقول فيه إنه لا يستبعد المشاركة في ائتلاف حكومي يشكله تيار الوسط واليسار.. فإلى أين يريد هؤلاء أن يصلوا بمجتمعهم؟ إلى أية دائرة عبثية يريدون جرنا؟ الأيام ستكشف الكثير من الخفايا والأسرار والتفاصيل. وأنا شخصيا أشمّ رائحة سيئة من وراء هذا كلّه. وأيا كانت النتائج، فإننا ندرك جيدا أن المؤسسة الإسرائيلية لا يمكن أن تعطيك أكثر مما تريده هي، حتى لو حققت عشرين عضو كنيست أو أكثر. وهي لا تريد لك أكثر من أن تكون على هامش الهامش في كل المجالات، بلا تأثير، بلا هوية، بلا انتماء، بلا قوة، تابع، مستجْدٍ، تلهث خلف الوعود الكاذبة وتصدقها وأنت تعرف أنها لن تتحقق، وتقبل بأن تكون جزءا من لعبة السياسة الإسرائيلية، ولكن دون أن يكون لك دور في تحديدها أو تغييرها أو حتى في تحقيق شيء لصالحك من خلالها، مهما كان بسيطا.
وأخيرا: أتريدون دحر اليمين وإسقاط نتنياهو، أم تريدون التحالف معه ودعم حكومته مقابل أوهام؟ الشجاعة تقتضي قول الحقيقة ولو لمرة واحدة.
وهل يختلف تيار كحول-لفان، الذي يقوده جنرالات الدم عن اليمين الفاشي؟ الشجاعة تقتضي قول الحقيقة ولو لمرة واحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى