أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

تصريحات جلعاد خطوة في سياسات التهويد

صالح لطفي-باحث ومحلل سياسي
في انتخابات الكنيست الثالثة عشرة لعام 2013 وتشكيل حكومة يمينية بقيادة نتنياهو – 18\3\2013- 14\5\2015- اتخذت تلكم الحكومة خطا استراتيجيا تجاه القدس والمسجد الأقصى المبارك، تلخص بفرض السيادة المطلقة على المدينة والمسجد. ولتحقيق هذه الغاية اتخذت كافة التدابير اللازمة؛ وفي مقدمتها التدابير الأمنية والقانونية التي تشرعن كل عمل تمارسه هذه الحكومة. وخلال هذه الفترة تواصل التحريض الحكومي الممنهج والرسمي على الحركة الإسلامية المعروفة إعلاميا بالحركة الإسلامية الشمالية، ومؤسسات ناشطة في خدمة المسجد الأقصى المبارك؛ سواء كانت هذه المؤسسات إعلامية أو ثقافية أو نسائية. وفي 28\4\2014 توجه وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان لوزير “الأمن” موشيه يعلون يطالبه فيها بإخراج ما سموْه “تنظيم المرابطين والمرابطات” خارج القانون، بحجة أنهم يخلون في قواعد ما يسمونه الوضع القائم “الستاتوس كفوو”. وفي 29\11 من نفس العام طالب نتنياهو بسن قانون يخرج المرابطين والمرابطات عن القانون، بحيث يصبح مجرد الوجود في المسجد الأقصى مخالفة قانونية تستوجب الاعتقال. وفي نفس العام قدم قانون تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا، وفي نفس العام أخرجت المؤسسة الإسرائيلية جمعيات إسلامية من الداخل الفلسطيني ذات صلة بالمسجد الأقصى المبارك خارج القانون، وكان في مقدمة هذه الجمعيات مؤسسة “مسلمات من أجل الأقصى”، ومؤسسة “الفجر للثقافة والإعلام” ومؤسسة إعلامية تهتم بالمسجد الأقصى والانتهاكات الجارية بحقه. وفي الدورة العشرين لانتخابات الكنيست التي أجريت في 14\5\2015 أعيد انتخاب نتنياهو وفريقه، واستمر بوتيرة أكبر وأسرع في القدس والأقصى. وكانت سياساته ومن معه تتجه نحو تطبيق سياسات الأمر الواقع في المسجد الأقصى وخلق “ستاتوس كفوو” جديد. وقد وقفت الحركة الإسلامية لكافة هذه المخططات بالمرصاد، وبات واضحا أن هذه الحركة تقود عملية تعبئة دائمة تقف حاجزا منيعا أمام تحركات الاحتلال الرامية لتفريغ المسجد من المصلين والمصليات. ولتحقيق هذه السياسات شرع الاحتلال بعملية ملاحقات لم تتوقف ضد أبناء الحركة الإسلامية ومحبيها ومن كان يشد الرحال ويرابط في المسجد الأقصى المبارك. ولذلك حظر الاحتلال في 9-9-2014 المرابطين والمرابطات بحجة مشاركتهم في أعمال تحريضية تخل بـ “الستاتوس كفوو”. وقد لاقى هذا القرار الاحتلالي موافقة جهات عربية. والمضحك المبكي أن هذه الشماعة التي تعلق بها الاحتلال ليخرج ما سموه “المرابطون” اليوم يأتي أردان ونتنياهو ويقولان إن “الستاتوس كفوو” في غبن وظلم يلاحقان اليهود، ولا بدَّ من تصحيح هذا الخطأ التاريخي!
في عام 2015 حظرت هذه الحكومة الحركة الإسلامية تماشيا مع سياساتها الرامية لفرض السيادة من جهة، بعد أن رأت بالحركة الإسلامية عقبة كؤود تحول دون تنفيذ سياساتها، وإحداث ثقب في جدار الوعيين العربي والفلسطيني. ويمكنني الجزم أن كل ما حدث في المسجد الأقصى منذ عام 2013 وإلى لحظة حظر الحركة الإسلامية نفّذ بالاتفاق مع جهات عربية ودولية. ففيما كانت حسابات الأنظمة العربية تصفية حساباتها مع التيار الإسلامي الإخواني كانت حسابات إسرائيل وعينها على المسجد الأقصى المبارك. وقد تقاطعت مصالح هذه الدول لتصل إلى هذه اللحظة التاريخية من التواطؤ على المسجد الأقصى المبارك، بعدئذ صرح نتنياهو وأردان أنه لا بد من تغيير في وضعية اليهود في المسجد الأقصى المبارك، وإيجاد مكان يصلّون فيه! ولذلك فإن تزامُن هذه التصريحات مع يوم العيد الأضحى لم يكن عبثا. فهل جاءت هذه التصريحات بعد أن حصل نتنياهو على ضوء أخضر من دول عربية كالسعودية مثلا، وقد بات بعض علمائها يصرّحون أن المسجد الأقصى المذكور في القرآن ليس في القدس؟ وهل وصل الاختراق الاسرائيلي للأنظمة العربية ونخبها إلى لحظة يعتقد فيها نتنياهو أن أمامه فرصة قد لا تتكرر؟
يوم الأحد الدامي..
شهدت أيام عيد الأضحى المبارك، خاصة يومي الأحد والاثنين، مواجهات دامية بين المصلين وبين المحتل الإسرائيلي في المسجد الأقصى المبارك أعادت إلى الاذهان أعوام 2013-2015 والمواجهات التي كانت تحدث بين المصلين والاحتلال، وأعادت مجددا إلى الواجهة الحركة الإسلامية التي حظرتها المؤسسة الإسرائيلية عام 2015. وكان من أسباب ودوافع حظرها موقفها المبدئي الصريح والواضح من خطورة الاحتلال على المسجد الأقصى المبارك وتحذيراتها الدائمة من مغبة تقسيمه الزماني والمكاني، تمهيدا لبناء الهيكل، وتنظيمها عشرات النشاطات “السلمية” التي حالت دون تنفيذ الاحتلال مخططاته التهويدية في المسجد الأقصى المبارك، فيما لا يزال إلى هذه اللحظات رئيس هذه الحركة المحظورة، الشيخ رائد صلاح يحاكم على هذا الملف؛ ملف المسجد الأقصى المبارك، ما يعني أن تحذيرات الحركة ونشاطها لإحياء المكانة المقدسة والتوحيدية والإحيائية للمسجد ما زالت حية وقائمة تقلق الاحتلال، رغم مرور سنوات على الحظر.
ومنذ عام 2105 وإلى هذه اللحظات فإن السياق الإسرائيلي ماض نحو تهويد المسجد الأقصى مسرعا بلا هوادة، وكأنهم في صراع مع الزمن لتحقيق حلم يراود كافة الصهاينة. وبات نتنياهو يطمع أن يتوج بمنصب ملك اسرائيل (منصب توراتي كهنوتي ورمزي) من خلال تهويد المسجد، وإحكام السيطرة والسيادة عليه، وتحقيق تقسيم مكاني تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم، حيث ستكون نواته الأولى-كما يرشح من تصريحات أردان-في مصلى باب الرحمة والساحات المحاذية له.
ما حدث يوم الأحد من مواجهات إثر قرار قائد الشرطة في القدس دورون ياديد السماح لليهود والسياح باقتحام المسجد الأقصى بعد انتهاء صلاة العيد، التي شارك فيها أكثر من 100 ألف مصلٍّ، وتفرق أعداد كبيرة منهم يجدد جدل العلاقة القائم بين الاحتلال من جهة كقوة نافذة على الأرض، ومعه وإلى جانبه دعما وتأييدا – بغض النظر عن نوعية وماهية وجوهر وكيفية هذا التأييد – الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وعديد الدول العربية، ويقابله مباشرة أهلنا في القدس، ومن خلفهم دعما وتأييدا- بغض النظر عن كيفية ونوعية هذه الدعم والتأييد- الشعب الفلسطيني بكل قواه الحية والسلطة الفلسطينية والشعوب العربية والإسلامية، مع الفارق الكبير بين الدعمين وكيفيته ولحظته التاريخية، وكيف يتم. فالصراع هذه اللحظات هو بين مجموعتين: الاحتلال الإسرائيلي بكل قوته ومخابراته وصولجانه، وأهالي مدينة القدس بما يملكون من إرادة فقط. إذ معادلات القوى المادية للوهلة الأولى تبدو في صالح المحتل بما يملك من إمكانات وأدوات ودعم لافت عربي وأجنبي، بيدَ أنَ مسألة الحقوق والإرادات عادة ما تُغَير من معادلات الصراع إذا ما توفرت العزيمة والإرادة لدى الفريق الأضعف، من حيث الإمكانات وأحاطت به جموع دافعة تعين هذه المجموعة، وإذا ما جرى استشراف دقيق وإدارة ذكية للصراع.
تاريخيا في عام 2014 باشرت حكومة نتنياهو بفرض مباشر لسياسات الأمر الواقع على المسجد الأقصى المبارك، مستعينة بحزمة من القوانين التي سنَّها الكنيست والصلاحيات الممنوحة للوزراء أصحاب الصلة، ولقوى الأمن المختلفة. ولعل قانون التقسيم الزماني والمكاني الذي لا يزال في دُرجِ الكنيست يبين لنا وجها من أوجه هذه السياسة، فضلا عن قانون المرابطين والمرابطات.
مرحلة التقسيم المكاني؟
متابعات متواضعة لصيرورات الصراع على المسجد الأقصى منذ حظر الحركة الإسلامية، وتداعيات الحظر على المكوّن الإسلامي الحركي، يكشف عن عدم وجود خطة عربية أو فلسطينية أو إسلامية منهجية تقف أمام صلف الاحتلال وعنجهيته، وتبين أن هذا الاحتلال بات منذ عام 2015 أكثر توحشا وإصرارا على تنفيذ مخططه الرامي للانتقال بالمسجد من طور التقسيم الزماني المعمول به، إلى المرحلة التالية: مرحلة التقسيم المكاني، والتي تجلت في تصريحات أردان ونتنياهو خلال هذا الأسبوع على أكثر من موقع وبيان. ومن الواضح أن تصريحات وزير الأمن الداخل جلعاد أردان تتماهى مع رؤية وعقيدة رئيس الوزراء الذي لا يرى للمسلمين ذرة حق على المسجد، بل يعتبرهم مغتصبين لا بدّ من طردهم منه. وهذه الرؤية التي يؤمن بها نتنياهو يعمل أكثر من وزير، بالإضافة إلى رئيس بلدية القدس على تنفيذها عبر سياسات يشرف عليها مكتبه مباشرة. وتنطلق هذه السياسات ابتداء من فرض السيادة. في هذا السياق يمكننا قراءة تصريح هذا الوزير لإذاعة “جالي تساهل” التي تعرض فيها لما فعلته الشرطة في المسجد الأقصى المبارك: “قائد الشرطة هو صاحب الصلاحية في اتخاذ القرار بشأن عدد القوة التي يجب تفعيلها، والأعداد التي تدخل. سياستي وسياسة رئيس الحكومة هي إدخال أكبر عدد ممكن من اليهود لجبل الهيكل-المسجد الأقصى. عندما تمنع الشرطة هذا الأمر (أي إدخال اليهود) فهذا لا يعني أن السيادة ليست لنا”. وفي المقابلة عينها التي أجرتها “جالي تساهل” في لحظة أحداث يوم الأحد صرح أردان أيضا بأنَّ الوضع القائم “الستاتوس كفوو” في المسجد الأقصى فيه غبن ويظلم اليهود، “ولذلك على مدار عشرات السنين عندما يصلي المسلمون لا يوجد زوار يهود”؛ وهو بهذا يلمح وبوضوح إلى ضرورة وقف هذا الوضع وتغييره. ولطالما أعلن نتنياهو أن هناك ضرورة لتغيير هذا الوضع القائم. لتحقيق هذه التغيير تجري عملية بطيئة ولكنها منهجية؛ وخلاصتها رفع مستمر لأعداد اليهود المقتحمين للمسجد الأقصى المبارك، بحيث تجري عمليات الاقتحام تحت حماية الشرطة، وبدعم من كافة الأجهزة، بما في ذلك المخابرات العامة الخاضعة لمسؤولية رئيس الحكومة مباشرة. لذلك تباهى أردان في هذه المقابلة بأن أعداد اليهود المقتحمين للمسجد الأقصى ارتفعت بنسبة 350% خلال فترة هذه الحكومة؛ أي منذ عام 2015 إلى هذه اللحظات، مشيرا إلى أن التحدي الوحيد أمامهم هو حمائي بامتياز، وهذا التصريح على خطورته يكشف عن جانب من جوانب جدل العلاقة الأمنية القائم بين من هم أصحاب وصاية وولاية ومسؤولية على اختلاف مناصبهم ومشاربهم، وبين الاحتلال الإسرائيلي، مما يؤكد مجددا أن الصراع جرى تقليصه من صراع على المستوى العربي-الإسلامي مع الاحتلال، إلى صراع بين أهالي القدس وخلفهم الشعب الفلسطيني. وهذا التصريح لأردان يمنحنا كمحللين بعض الإضاءات والإشارات إلى المستقبل القادم على المسجد الأقصى المبارك.
هذا البعد الحِمائي الوقائي الذي لا يتحقق إلا من خلال قوات شرطية وحرس حدود وقوات خاصة، لجهاز الأمن الإسرائيلي دورٌ أساس فيه. وطرح أردان للموضوع بهذه الصراحة يؤكد أنهم انتقلوا إلى المرحلة الأخيرة، بعد أن نجح نتنياهو في اختراق العالم العربي الرسمي بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، وحصوله على منجز خاص به حول القدس والولاية والسيادة التاريخية.
الأقصى والسجال البين- يهودي..
يسعى أردان ونتنياهو إلى إبعاد المسجد الأقصى عن السجال بين قوى اليمين، حيث تراهن على كسب أكبر قدر ممكن من المقاعد في الكنيست، ولذلك اضطر أردان لاستعمال الأرقام كدلالة على جهود وزارته ورئيسه في الاستحكام في المسجد وبسط سيادتهم عليه. وتحدث أن يوم الأحد الماضي-حيث التقت ذكرى خراب هيكلهم مع اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك-شهد 1772 اقتحاما مقابل 1442 مقتحما في العام الماضي.
من المهم هنا أن يدرك القارئ الكريم والقارئة الكريمة أن عدد المصلين في عيد الأضحى تجاوز المئة ألف، فيما وصل عدد المقتحمين من غلاة اليهود، كما ذكر أردان فقط 1772 مقتحما. هذا بعد صولات وجولات ونداءات واستعطافات من جمعيات ومؤسسات. وهذا بدوره فيه العديد من الملامح والإشارات التي يمكن لصانع القرار أن يتنبه لها ويستثمرها في استشرافاته واستراتيجيات عمله من أجل المسجد الأقصى.
يسعى نتنياهو عبر سياسات الخطوة خطوة والدفع والضغط الدوليين لتحقيق مراده، ويتحسب من أن تهور اليمين يمكن أن يخلط الأوراق، خاصة في منطقتنا العربية، ويفسد كل ما بناه، إذ اليمين الديني شعبويا يعلو كعبه، خاصة وأنهم أصحاب المبادرات والنشاطات لاقتحام المسجد، وهم من يتعاونون معه لتحقيق سياسات الأمر الواقع التي يمارسها منذ عدد سنين، وذلك لتحقيق أكبر قدر ممكن من نقاط القوة محليا وإقليميا، وطبعا دوليا، لتنفيذ مشروعه تجاه المسجد الأقصى المبارك. فهو يعمل على تحييد هذه القوى عبر سياسات العصا والجزرة، وهو ما استعمله مع وزير المواصلات سموطريتش على سبيل المثال لا الحصر.
في مقابلة يوم الأحد الفائت مع راديو (90 إف إم) قال وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان بوضوح إنه لا بدَّ من تغيير الوضع القائم “ستاتوس كفوو”. وفي رد حول بناء كنيس تحدث بوضوح أكثر من أن الأمر يتعلق بتنسيق سياسي دولي، ويمكن للمصلين اليهود الصلاة في أماكن مفتوحة وأماكن مغلقة. والمكان المفتوح المقصود هو مصلى باب الرحمة، والمنطقة المفتوحة هي ساحات المسجد الأقصى الشرقية. فهل نحن على أبواب اتفاقيات جديدة بين الاحتلال وبين دول عربية تطمع بموطئ قدم في المسجد الأقصى، تسعى للموافقة على منح اليهود مكانا تحت شمس المسجد الأقصى المبارك؟
الأيام القادمة كفيلة بكشف المستور؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى