أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةدين ودنيامقالات

أيّها الحاجّ… لم تنته أعمال الحجّ!

سليمان البدور/ اللقية
أيّها الحاجّ: لم ينته شدّ الرّحال، فبعد أن شددت الرّحال إلى المسجد الحرام، وإلى المسجد النّبويّ الشّريف، فقد خصّك واصطفاك المولى بأن جعلك من أهل الرّباط إلى يوم القيامة، فأنت قد أكرمك المولى من بين ملايين المسلمين، فغيرك الكثير من أصقاع الأرض، يستطيع أن يصلي في الحرم المكيّ وبإمكانه أن يصلي فِي الحرم النّبوي، ولكنه محروم أو ممنوع من الصَّلاة في المسجد الأقصى، فأشدد الرّحال إلى المسجد الأقصى المبارك، فإنّ له صلة بالمسجد الحرام في حادثة الإسراء، وإنّ له ارتباطا وثيقا بذي القبلتين، وإنّ له ارتباطا قويّا بالمسجد النّبوي في آخر الزّمان عند خراب يثرب وعمارة بيت المقدس والخلافة القادمة في القدس الشّريف.
أيّها الحاجّ: لم ينته الطّواف، فبعد أن أكرمك الله عزّ وجلّ بالطّواف حول بيته، فالواجب عليك أن تسعى جاهدا لأنّ تطوف وتدور حيث دار الإسلام والقرآن، فإنّ العزّة والكرامة موجودة فيهما وفِي اتباع أوامرهما واجتناب نواهيهما، وعليك أن تنفر وتتبرأ من كلّ هرولة وركون وطواف حول منازل الطُّغَاة والمتجبرين والظّالمين، فلا يُقبل هذا منك شرعا ولا عرفا ولا أدبا، فذلك انتقاص وإنقاص لعبادتك، وإحباط لعملك، وعلامة سوء ختام والعياذ بالله.
كما عليك أن تطوف بقلبك وعقلك وجهدك ومشاعرك على المسلمين أينما كانوا، فإنّك لم تَُف بالبيت لوحدك، بل طاف معك في نفس الوقت عباد من بلاد شتّى، ولغات متنوّعة، وجنسيّات مختلفة، ولذلك على قلبك وهمِّك ومشاعرك أن تطوف مع هؤلاء أينما كانوا، تطوف معهم همّا واهتماما وعبادة وفرحا، وحزنا وطاعة ودعاء.
أيّها الحاجّ: لم ينته السّعي كذلك، أكرمك الله بالسّعي بين الصّفا والمروة، تذكّرا بأمّها هاجر ، وهي تبحث عن الماء لولدها إسماعيل عليه السّلام، فعلى قلبك أن يكون كقلب هاجر يمتلئ رحمة على أبناء جلدتك ومجتمعك وبلدك وحارتك، تحمل همّهم، ابحث لهم عن ماء الحياة، الذي يسقي أرواحهم، ويطفئ ظمأ قلوبهم، اجلب لهم ماء السّعادة والطّمأنية والسّكينة، فمهما كان حجم قلبك فكن على يقين أنّه سيصبح نهر جارٍ لا ينضب، ومعينا لا يجفّ تماما كماء زمزم المبارك فيه الطّعام والدّواء للأجساد، وفيه الطّعام والدّواء للأرواح والعقول.
كما لا تنس أن تسعى إلى بيوت الفقراء والمحتاجين لكرمك وإحسانك ويدك، فهم لا ينقطعون كما لا ينقطع شوق الأرض إلى ماء زمزم.
أيّها الحاجّ: لم ينته رمي الجمرات، رمي الشّيطان بالحصى في جمرة العقبة الصّغرى والوسطى والكبرى، مقتديا بنبيّ الله إبراهيم عليه السّلام ، فالشّيطان هو عدوّ الدِّين والإنسانيّة بأكملها، وسبب شرورها وحروبها وفسادها، ارمه كلّما وسوس إليك، ارجمه كلّما حاول أن ينال من عزيمتك، استعذ بالله السّميع العليم منه، ومن شرّه ومن همزه ونفثه ونفخه، ارمه وارجمه واستعذ منه في كلّ مكان فهو لا يُرجم في الحوض فقط، بل مكره وكيده في كلّ مكان، فِي عروق الإنسان وأفكاره وأحلامه وتخطيطه، ارمه وارجمه واستعذ منه في كلّ زمان، ولا يُرجم فقط أيّام التّشريق، بل يمتدّ مكره في الّليل والنّهار ، والصّبح والمساء، حال النّوم واليقظّة، والصّحة والمرض، والفقر والغنى، والصّغر والكبر، مع الرّجال والنساء، وكلّ الحياة وحتّى الاحتضار. كلّما عصيت وأخطأت وأذنبت خذ حجرا وارجمه، ارجمه بحجر العودة والإنابة، ارجمه بالاستعادة، ارمه بحجر التّحقير والمهانة، ارجمه بالتّوبة والاستغفار والتسبيح والتّهليل وأعظم ما ترجمه به القرآن الكريم.
أيّها الحاجّ: لم ينته المبيت بمنى ومزدلفة، فليكن لك في كلّ يوم مبيتا مختلفا، أُوقن أنّ المبيت سينتهي كذلك الحياة إلى انتهاء، أنت عابر سبيل، ساعات ولحظات خذ منها العبرة، استغلها بالطّاعة والعبادة والدّعاء وتعلّم من المبيت خشونة الحياة وشظف العيش، وصعوبة الانتقال، واعلم أنّ بعد ذلك كلّه راحة وطمأنينة.
أيّها الحاجّ: لم ينته الوقوف بعرفة، وهو الرّكن الأعظم في الحجّ، فبعد أن أقررت بذنوبك واستغفرت منها، وندمت وبكيت، وعزمت على الإقلاع وعدم العودة، اعرف حدودك، اعرف نفسك، اعرف ضعفك، اعرف فقرك وحاجتك لرحمة الله، اعرف كرم الله في هذا اليوم، تعرّف على الرحيم الجواد، يباهي بأهل عرفة، ويغفر لهم. يمنن عليهم بجوده وتوفيقه، يمنّ عليهم بالغيث ونسمات الهواء، فعليك بسيّد الاستغفار “وأبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي”
اعرف حقيقة الدّنيا وازهد فيها. اعرف نفسك وقم بتعهدها وتزكيتها وتربيتها ولْجمها، واعرف كرم ربّك ومغفرته. إذا عرفت معنى عرفات فالزم.
أيّها الحاجّ: لم ينته الإحرام، إنّ للإحرام محظورات حدّدها الشّرع، وفِي الإسلام محظورات ومحرّمات غير مقيّدة بزمن، ولا بمكان حرّمها الإسلام على سبيل التّأبيد، فلإسلام يحرّم دم المسلم وشتمه وسبابه وماله وعرضه وأرضه. يحرّم إشاعة الفاحشة، يحرّم عقوق الوالدين وإيذاء الجار، ويحرّم ظلم الزّوجة والأولاد، فبعد أن أحرمت بالعمرة والحجّ حرِّم على نفسك كلّ ما ذُكر، وغيرها من المحرّمات التي حذّر الإسلام منها.
وختاما أسأل الله أن يتقبّل منكم، وأن يجعله حجّا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا، وتجارة لن تبور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى