أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةشؤون إسرائيليةعرب ودولي

صاروخ إسرائيل ورسالتها “الغرامية” للعراق: أيهما يصل أولاً؟

في هذا الأسبوع تبين أن إسرائيل لا تهاجم سوريا فحسب، بل العراق أيضاً. وثمة تقارير أجنبية تشهد على ذلك، وكذا تلميحات لزعماء وضباط كبار. ليس الهدف هو الجيش العراقي أو الحكومة العراقية، بل طهران. فالإيرانيون يخفون في بعض القواعد بأرجاء العراق صواريخ قد تصل إلى مسافة مئات الكيلومترات لتهدد إسرائيل. أمامنا صيغة جديدة من تهديدات الاسكاد من العام 1991، ولكنها دقيقة وخطيرة هذه المرة. ولا توجد اليوم في أيدي صدام أو خلفائه بل في أيدي طرف ثالث، أخضع دولة مجاورة ويستخدمها لأغراضه.
تقع حرب بين طهران والقدس أمام ناظرينا، هي في ذروتها هذه الأيام. وليست هذه حرب مدرعات ضد مدرعات، مثلما شهدنا في الماضي، ولم يكن هدفها احتلال الأراضي بل تنظيفها من وجود العدو. ما يتسرب منها للجمهور هو طرف الجانب العسكري، ولكن تعبيراتها أكثر. هي تدار من تل أبيب عبر غزة، وبيروت، ودمشق، وبغداد، حتى طهران.
إسرائيل ليست وحدها. بعض الأصدقاء، بعضهم عرب، يساعدونها بقدر استطاعتهم. هذه حرب إقليمية بأسلوب حديث. جزء من القرارات التي تؤثر عليها تتخذ أيضاً في موسكو وواشنطن وعواصم عربية. وقد سقط فيها ضحايا إيرانيون في بعض الهجمات التي نفذتها إسرائيل في سوريا. رداً على ذلك، بعثت طهرات قبل نحو سنة ونصف بطائرة متفجرة نحو إسرائيل. وقد أسقطت بعد دقائق من إقلاعها من سوريا إلى هنا.
في تقارب زمني غير مصادف، استضاف الإيرانيون، نهاية الأسبوع الماضي، وفداً من حماس، برئاسة الرجل رقم 2 في الحركة، صالح العاروري. “حماس في خط الدفاع الأول عن إيران”، قال العاروري في ختام لقائه الزعيم الأعلى علي خامينئي. “أقيمت جبهة عسكرية موحدة من طهران حتى غزة”، أضاف الدبلوماسي الإيراني أمير موسوي. الرسالة الموجهة إلى القدس واضحة. بدأتم بالعمل بقرب ساحتنا؟ لا تنسوا بأن لنا قواعد متقدمة في ساحتكم الخلفية.
العراق ليس سوريا
تتواصل المعركة المالية خلف الكواليس كل الوقت. إسرائيل هي المحرك، منذ سنين، في مساعي ائتلاف القوى العظمى، وعلى رأسه الولايات المتحدة للتضييق على مصادر المال الإيرانية وحزب الله التي تخدم الاحتياجات العسكرية. هذه المعركة يديرها الموساد في الجانب الإسرائيلي أساساً، وهي متنوعة وكثيرة الإنجازات. الواحد تلو الأخرى تم اعتراض الحسابات البنكية والشركات الوهمية والشخصيات المركزية وقنوات نقل الأموال لأغراض عسكرية بين اللاعبين المختلفين في المعسكر الإيراني.
ومع أن بغداد وقعت ضحية لمساعي السيطرة الإيرانية ولكن مكانتها تختلف عن مكانة سوريا. صحيح أن حكومتها تتحداها المؤامرات الإيرانية، وإرهاب الجهاد والفساد الذي خلفته الحكومات السابقة، ولكن طريقة الحكم في بغداد ديمقراطية. هذه هي الدولة العربية الأولى التي تحاول أن تنفض عن نفسها ماضي الطغيان وبناء مجتمع مدني حر. أما واشنطن التي أحدثت التغيير قبل 16 سنة بإسقاط صدام، فلا تزال تعمل من أجلها كصديقة وداعمة.
في القدس يعرفون كل هذا، وفي الوقت الذي تخرج فيه الأجهزة الأمنية، ظاهراً، إلى معركة جديدة في العراق، تبادر القيادة الدبلوماسية إلى نشاط معاكس يتمثل بغمزات الود للعراقيين. ففي السنوات الأخيرة أطلقت القدس بضع رسائل إلى الشعب في العراق، في بيانات رسمية صدرت عن وزارة الخارجية. وكانت الرسائل رسمية، من النوع الودي، ولا مجال للخطأ فيها. يفهم منها بأن القدس تريد الاتصال مع الشعب العراقي، وربما في المستقبل أيضاً مع قيادته. وهكذا كان يمكننا أن نسمع ونقرأ في السنتين الأخيرتين كيف تبعث وزارة الخارجية، باللغة العربية، بيان مواساة للعراقيين على عملية تفجير في بغداد أو تهنئهم في أعقاب إعلان اليونسكو عن مواقع أثرية كمواقع تراث عالمي.
ما يوصف هنا هو جهد أول مميز -محاولة تقارب مع عاصمة عربية تعرف بالقانون كدولة عدو-وبدايته في البنية التحتية التي وضعها مواطنون من الشعبين، وليس بالاتصال بين الحكومتين. فمنذ بضع سنين والآلاف من الطرفين، إسرائيليين وعراقيين، يتحدثون الواحد مع الآخر، ولا سيما في الشبكات الاجتماعية وأحياناً يلتقون. محاولة التقارب هذه تعتمد على عاملين أساسيين مهمين. العلاقة الشجاعة للعراق مع اليهود الذين كانوا يعيشون في أوساطه، وحقيقة أنهم يعيدون بناء دولتهم متطلعين إلى أن تدار وفقاً للنموذج الغربي. لا يتوقع أحد في هذه المرحلة اتفاق سلام رسمياً كما وقع مع مصر والأردن. في العالم الجديد يمكن أن تقام علاقات حتى دون معاهدة سلام (انظر العلاقات بين الإسرائيليين والمغاربة).
أكراد مؤيدون لإيران
ارتفع الجهد الدبلوماسي الإسرائيلي درجة أخرى مؤخراً. فوزير الخارجية نفسه، إسرائيل كاتس، توجه للعراقيين في مقطع فيديو قصير، قال فيه إن للشعبين قواسم مشتركة كثيرة. وليس في هذا أمر مفاجئ، وأنهى كلامه قائلاً: “نأمل في أن تتواصل العلاقات بين الشعبين في التطور بشكل إيجابي”.
قبل خمسة أيام من نشر توجهه، تعرضت قاعدة الشهداء في محافظة صلاح الدين بالعراق للهجوم، وهي القاعدة التي تستخدمها قوات الميليشيات الشيعية. وحسب شهادات من المنطقة، أنزل الإيرانيون فيها صواريخ باليستية. وتبلغ وسائل الإعلام الأجنبية بأن هذا كان هجوماً إسرائيلياً. في بداية الأسبوع، فجر الأحد، قيل عن هجوم آخر في قاعدة أشرف، التي تقع على مسافة نحو 40 كيلومتراً من شمال – شرق بغداد. ظاهراً، يمكن أن نجد تضارباً هنا. في قناة ما، تبعث إسرائيل بالصواريخ إلى العراق، وفي القناة الثانية كلمات جميلة. أما عملياً فلا يوجد هنا تضارب حقيقي. فالرسائل الإيجابية معنونة للعراقيين، والصواريخ تستهدف إضعاف الإيرانيين. ثمة صلة استكمال بين القناتين. بغداد لا تريد عداء ولا حرباً مع إسرائيل، وهي في مراحل بناء وتبحث عن حلفاء.
رغم ذلك، سنسمع قريباً من هناك أصوات احتجاج وشجب رسمية تجاه إسرائيل على المس بالسيادة، وسيكون هذا في معظمه ضريبة لفظية للإيرانيين ومساعديهم. فالعراق يتطلع منذ سنين إلى قوة أجنبية تنقذه من قبضة الجيش الإيراني الذي يسلب مقدراته ويفسد حكمه ويمنعه من إعادة البناء.
طهران فرضت على العراق الحرس الثوري بل أقامت فصائل مسلحة تعمل باستقلالية وقحة. ورجالها أيضاً يعملون في الاقتصاد العراقي؛ يقيمون شركات ويسيطرون على أعمال تجارية ويسجلون استثمارات. ومؤخراً صعدوا قوتهم في الساحة السياسية أيضاً. في الانتخابات التي أجريت قبل نحو سنة، احتل سياسيون عراقيون مؤيدون لطهران قسماً مهماً من مقاعد البرلمان، وبينهم مندوبون أكراد. قبل بضعة أيام، اهتم صديق عراقي برأيي حول من كان وراء هجوم محافظة صلاح الدين، فقدرت على مسمعه بأنها إسرائيل، وذكرت أن نمط العمل مشابه مع الهجمات في سوريا. فأجابني: “بيني وبينك، تباركت الأيدي التي فعلت ذلك”.
على الدبلوماسية الإسرائيلية أن تأخذ نفساً طويلاً، فالتغيير لا يزال بعيداً. ولكن إذا ما واظبت على الجهود لتقريب العراقيين منها، فكفيلة السنوات أن تتبين كمرحلة لوضع أساسات للعلاقات المستقبلية مع بغداد. ومع ذلك، بالطبع، على أمل أن يأتي يوم يكف فيه الإيرانيون عن تشكيل عائق في وجه هذه العلاقات. وفي هذه الأثناء، بانتظار العراقيين تحديات وجودية خاصة بهم.
بقلم: جاكي خوجي
معاريف 2/8/2019

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى