أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

يسألونك عن البديل للكنيست الصهيوني! (3)

حامد اغبارية
سأحاول فيما يلي أن أفصل ما يمكن اعتباره بديلا حقيقيا ممكنا وعمليا، للمشاركة الكنيست الصهيوني؛ من أربع نقاط أو أربعة مجالات: لجنة المتابعة، وبناء المؤسسات المتخصصة، والمجتمع العصامي، والعمل الشعبي-الجماهيري. ومن البداية يمكن القول إن هذه النقاط الأربع مرتبطٌ بعضُها ببعض برباط وثيق هو الضّامنُ لنجاحها، وتشكل هرما قاعدتُه العمل الشعبي-الجماهيري، ورأسه لجنة المتابعة، وبينهما مؤسسات تعمل في مختلف المجالات، من خلال إطار المجتمع العصامي.
فإنه لا يخفى على أبناء شعبنا أن هناك إطارا أو سقفا سياسيا اسمه لجنة متابعة الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني. ومع أن لي شخصيا انتقادات (أحيانا تكون لاذعة وموجعة) تجاه هذا الإطار، إلا أن فكرته المبدئية جيدة، ويمكن الانطلاق منها للتأسيس لإطار سياسي منظم وقوي وذي تأثير، شرط تطوير هذا الإطار والخروج به من حالة الترهل والتراخي التي يعاني منها الآن، جراء التجاذبات التي نخرت في جسده المعلول نخرا، حتى أرهقته، وكادت تنجز عليه.
وظنّي أن جميع الأطر السياسية المنضوية تحت سقف المتابعة لا خلاف بينها فيما يتعلق بإعادة هيكلة هذا الإطار من حيث المبدأ، ولكن يبدو لي أن هناك تباطؤا (ربما كان مقصودا من بعض الأطراف واستسلاما لواقع سياسي متقلّب من أطراف أخرى) يحول دون الإسراع في إعادة الهيكلة وتجديد الدماء في جسد اللجنة، وإطلاقها من جديد، بأسلوب جديد، وروح جديدة.؟ وليت الحماس (المبالغ فيه إلى أبعد الحدود) والجهد والمال الذي يبذله قسم كبير من مكونات المتابعة، في انتخابات الكنيست الصهيوني، يُبذل نصفُه أو أقل من ذلك في إعادة الهيكلة وتجديد البناء والدماء! لو تحقق هذا أو بعضُه، فلربما وضعنا أقدامنا على الخطوة الأولى، التي ستقودنا إلى الخطوة الأكبر والأهم، وهي توجيه بوصلة العمل السياسي بكليّته إلى إحداث قفزة نوعية من خلال البدء بالترتيب العملي لانتخاب لجنة المتابعة انتخابا مباشرا، من أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني، لنصل في مرحلة ما إلى أن يصبح المُنتخَبُ ملتزما التزاما مبدئيا ووطنيا وأخلاقيا وسياسيا تجاه من انتخبه، ويسعى إلى تحقيق طموحاته وأهدافه، ويكون المنتَخِبُ ملتزما التزاما مبدئيا ووطنيا وأخلاقيا وسياسيا تجاه الإطار الذي انتخبه بإرادته، فيكون التفاعل الحقيقي بين القيادة المنتخَبة وبين القاعدة الشعبية المنتخِبة، بعد أن ضاع هذا التفاعل ضياعا شبهَ تامٍّ بعد أحداث هبة القدس والأقصى عام 2000م.
وإن طرح فكرة، بل مبادرة انتخاب لجنة المتابعة ليست جديدة، بل هي مطروحة، وتطرح دائما على طاولة نقاشات اللجنة، وقدمت فيها اقتراحات وتفصيلات، كما طرحت على كل المنابر الممكنة، وفي وسائل الإعلام المختلفة، منذ خمسة عشر عاما على الأقل. ومنذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة، لا يزال هناك من يضع العراقيل من داخل المتابعة، أمام هذا المشروع الوطني الأصيل، لأهداف نعرفها جيدا، لكننا لن نخوض فيها الآن، لأنها ليست هي موضوع هذا المقال، وإن كنت أودّ أن أذكّر بأن العنصر أو العناصر المعطِّلة لهذا المشروع (سواء بإرادتها أو بغير قصد منها) تلتقي في هذا التعطيل مع أهداف المشروع الصهيوني الذي لم يكن لنا من نصيب فيه سوى الأذى والسوء والتراجع في الأداء السياسي، والخسارة تلو الخسارة وضعف التأثير إلى درجة الصفر.
إذاً، الخطوة الأولى نحو تحقيق البديل الحقيقي للمشاركة في الكنيست الصهيوني، وهو فيما أعتقد وفيما أعلم من نبض الشارع، مطلبٌ جماهيري، هو أولا إعادة هيكلة لجنة المتابعة، وهذه – حسب معلوماتي-عليها إجماع من جميع مركبات المتابعة (مع التفاوت بينها)، وتحتاج فقط إلى تحريك وضخّ دماء في عروقها كي تنطلق، ثم بعد ذلك تليها في خطوة قادمة مباركة، تحقيق الانتخاب المباشر للجنة ليُفرز شعبنا القيادات التي يرى أنها قادرة على تحقيق طموحاته وأهدافه. وكنت أتمنى أن أقدم هنا تصورا لآليات ووسائل تحقيق هذا الهدف، لكنني فضلت تأجيل الخوض فيه، على أن تكون لنا عودة (قريبة إن شاء الله) حول موضوع الآليات، لعلنا نستطيع أن نجيب على التساؤلات ونزيل التخوّفات.
فهل كثيرٌ على نحو مليوني فلسطيني يعيشون في وطنهم أن يكون لهم سقف سياسي منتخَب، يدير شؤونهم، ويحمل همومهم ويعالج قضاياهم، سواء القضايا المتعلقة بثوابت شعبنا وأمتنا، أو القضايا اليومية الحارقة؟!!
إن الذين يتحدثون عن “إرادة الشعب” و”قرار الشعب” لم يلجأوا يوما من الأيام إلى هذا الشعب ليسألوه عما يريد، بل هم في الحقيقة يفرضون عليه أجندات سياسية، ثم يتحدثون باسمه، دون أن يمنحهم الشعب هذا الشرف. ولا يظننّ أحدٌ أن تصويت تلك النسبة القليلة من أبناء شعبنا لأحزاب (متفرقة أو مجتمعة) تخوض انتخابات الكنيست هو تفويض من الشعب للتحدث باسمه… أو هو تعبير حقيقي عن إرادة الشعب، لا…! المسألة ليست بهذه البساطة.. ولا بهذه السطحية ولا بهذه السذاجة. فحتى غالبية الذين يصوتون لا يفعلون ذلك لأنهم مقتنعون بالجدوى، وإنما في الأساس لغياب البديل، وهو غياب قسري فرضته عملية تغييب وعيٍ منظمة بدأت تُمارَس على أبناء شعبنا قبل النكبة بفترة طويلة، ثم تفاقمت بمنهجية خبيثة ومدروسة منذ النكبة وحتى هذه اللحظة. وقد أدت عملية تغييب الوعي إلى إيهام أبناء شعبنا أن الاندماج في مؤسسات المشروع الصهيوني، وعلى رأسها الكنيست (الذي يمثل رمزا من رموز السيادة!!) هو وسيلة من وسائل البقاء وتحسين الأوضاع، ففقدنا جرّاء ذلك البوصلة، وتشوهت هويتنا، وأصاب انتماءنا الخلل. وللأسف الشديد، وجد المشروع الصهيوني من أبناء شعبنا من ساهم وما زال يساهم في عملية تغييب الوعي هذه، ومن هؤلاء للأسف كذلك، الذين جرّوا أبناء شعبهم إلى لعبة الكنيست، بزعم أن هذا عملٌ من الأعمال الوطنية!!، تساندهم وسائل إعلامهم الحزبية، ووسائل إعلام تجارية منتفعة، أغلبُها لا علاقة له بهموم شعبنا ولا بمستقبله ولا بما يستحقه، ولا بما ينفعه.
وإن مهمتنا ودورنا وواجبنا (الشرعي أولا، والأخلاقي ثانيا، والوطني ثالثا) هو إعادة الوعي للجماهير. وهذا يسهُل تحقيقُه إذا توفرت له عناصر أساسية: الاتفاق على البديل، وإسقاط بديل الكنيست نهائيا وشطبه من سجلاتنا، ووجود النية الجماعية والإرادة الجماعية، ثم الاقتناع الحقيقي وغير المتردد بأن في إمكاننا أن نحقق هذه القفزة النوعية في تاريخ هذا الجزء من شعبنا الفلسطيني. فنحن نملك الأدوات والطاقات البشرية والفكرية والإنسانية والحضارية، ونملك الخبرات في شتى التخصصات والمجالات، فلا ينقصنا من هذا شيء يعيق تقدمنا أو يحول دون الوصول.
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى