أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

قصة وعبرة

الشيخ كمال خطيب
قد رضيت يا رب
يحكى أن رجلًا فقيرًا كان يمشي في طرقات المدينة يوم العيد، فرأى وشمّ رائحة اللحم والشواء تأكله الناس في ساحات البيوت، فتحسّر في نفسه وقرر الرجوع إلى البيت. وجد الرجل أن زوجته الوفية قد حضّرت له طعام العيد الذي لم يكن إلا الفول وسلمت عليه قائلة كل عام وانت بخير، أجابها والغصة في حلقه وأنت بخير. وضعت حبات الفول في صحن وجلس عند النافذة يأكلها ويرمي القشر من النافذة وهو يقول الناس يأكلون اللحم في العيد، وأنا آكل الفول وزوجتي تقول كل عام وانت بخير، ولا أدري أين هو الخير.
ضاقت نفسه فألقى صحن الفول ثم نزل إلى الشارع يمشي في الطرقات كما كان قبل قليل، وإذا به يجد تحت نافذة بيته التي كان يجلس عندها رجلًا يلملم قشر الفول الذي كان يلقيه ثم يأكله وهو يقول الحمد لله الذي رزقني من غير حول مني ولا قوة!! دمعت عيناه وهو يسمع ويرى ما يفعله الرجل ثم رفع يديه إلى السماء ويقول قد رضيت يا رب، قد رضيت يا رب.
صحيح أنه كان فقيرًا وصاحب حاجة إذا ما قارن نفسه بالآخرين، وصحيح أنه لم يجد إلا الفول ليأكله يوم العيد بينما الناس يأكلون اللحم، لكنه لما رأى من لم يجد إلا قشر الفول ليأكله، فإنه أصبح بالنسبة له غنيٍا لا بل إن كلمات الرجل الفقير وهو يلتقط قشر الفول يأكله ويشكر ربه على هذا الرزق جعلته يؤنّب نفسه ويعاتبها على عدم رضاها برزق الله ثم راح يبكي ويقول قد رضيت يا رب.
إنها العظة والعبرة للكثيرين منا من يعيشون حياة البذخ والترف ويلقون في النفايات أصناف الطعام حيث تتمناها بطون جائعة ونفوس كسيرة. فما أجمل ولا أعظم من الصدقة والعطاء من مال الله الذي أتاك. فالصدقة كنز لا تصل إليه الأيدي، وذخر لك لا تخاف عليه حوادث الأيام. قال ابن مسعود رضي الله عنه: “إن استطعت أن تحضن كنزك حيث لا يأكله السوس ولا تناله اللصوص فافعل بالصدقة”. وكان سفيان الثوري ينشرح صدره إذا لقيه محتاج في الطريق ويقول: “مرحبًا بمن جاء يغسل ذنوبي”. وكان الفضيل بن عياض يقول: “نعم المحتاجون يحملون أزوادنا إلى الآخرة بغير أجرة حتى يضعوها في الميزان بين يدي الله”. وكان عمر بن عبد العزيز يوصي الولاة وهو يقول: “إذا كانت مواسم الجفاف انثروا القمح على رؤوس الجبال لتأكل منه الطيور المهاجرة حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين”. لقد دار الزمان يا عمر ليجوّع المسلمين أنفسهم رغم أن أموال المسلمين تعطى لترامب وغيره من أعداء الإسلام يحاربون ويجوّعون بها المسلمين؟

# وماذا يفعل الذين ليس لبيتهم باب
إنها أرملة فقيرة تعيش في غرفة صغيرة مع طفلها الصغير.
كانت الغرفة بلا سقف، فعوضت ذلك بقطع قماش بالية تظلل بها الغرفة، غير أنه كان للغرفة باب خشبي. وكان أكثر ما يخيف المرأة ويقلقها البرد القارس والمطر إذا نزل فماذا سيكون حال صغيرها عندها.
مرت على الأرملة وصغيرها أشهر الصيف بكل معاناتها لكن قلبها أصبح يخفق يوم أن جاء الشتاء وتلبدت السماء بالغيوم وبدأ المطر يهطل بغزارة. اختبأ الناس في بيوتهم وناموا في فراشهم الوثير، أما هي فقد دسّت طفلها في حضنها تحاول أن تحميه من المطر الذي لم تردّه قطع القماش في سقف الغرفة.
لكنها فكرة خطرت ببالها تحت تأثير الحنان والحب لطفلها وهي تراه يتلوى من البرد وقد تبلل بالمطر. فقامت إلى باب الغرفة فخلعته من مكانه ثم جعلته في شكل مائل على أحد جدران الغرفة وأجلست طفلها تحت الباب لتحجب عنه سيل المطر المنهمر. وبينما الأم كذلك وصغيرها في حضنها يشعر بأمان حضن أمه وانقطاع المطر عن جسده، وإذا به يبتسم ويقول لأمه: يا أمي ماذا يفعل الفقراء الذين ليس عندهم باب إذا نزل المطر؟!
يا الله لقد أحسّ الصغير في تلك اللحظة أنه أصبح من الأثرياء لمجرد أنه كان لبيتهم باب يحميهم من المطر، فجعلوه سقفًا وإن بقيت الغرفة بلا باب. إنها القناعة وإنه الرضا مصدر السعادة والهناء. فمن رضي وقنع بالقليل لاستغنى عن الناس وعاش عزيزًا، ومن لم يرض وظل يطلب المزيد فإنه سيعيش ذليلًا وهو يطلب حوائجه من الناس.
إنه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وقد قال:
رأيت القناعة رأس الغنى فصرت بأذيالها متمسك
فلا ذا يراني على بابه ولا ذا يراني منهمك
فصرت غنيًا بلا درهم أمرّ على الناس شبة الملك
ما أقبحهم وما أقل أدبهم وما أفسد ضمائرهم الذين نسمعهم يشمتون بالفقراء والمهاجرين الذين يسكنون في غرف الصفيح وخيام القماش، بل وتحت أشجار الزيتون، ولعل حال أهلنا في سوريا وقد شرّدهم الطاغية بشار، هو خير مثال وهم الذين هجّروا من بيوتهم ومدنهم فأصبحوا بين عشية وضحاها بين السماء والطارق، حتى أن الواحد منهم إن وجد أي ظل يستظل به فإنه الشعور بالرضا بل إنه الغنى.
إنه لا أسفل من فلسطيني من أدعياء القومية الوطنية، ذاك الشبيح الذي يشمت بهؤلاء وقد نسي أن هؤلاء السوريين هم من احتضنوا أهلنا وآباءنا لما لجأوا إلى بلاد الشام بفعل التهجير والجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية عام النكبة فسكن أهلنا الخيام وتحت الأشجار إلى أن فتح لهم السوريون بيوتهم. إنها الخسة ممن ينكرون الجميل بل ويشمتون وهم يصفقون للطاغية بشار ويهتفون له.

لا تحقرّن من البشر أحدًا
مع بداية عام دراسي جامعي جديد، دخل طالب إلى قاعة المحاضرات متأخرًا ويمشي ببطء، وكان الفصل صيفًا والطالب يلبس في رجليه جزمة. نظر إليه الأستاذ نظرة استغراب لكنه لم يتكلم بشيء، وخلال المحاضرة سأل الدكتور المحاضر سؤالًا فأجاب الطالب “أبو الجزمة” وكانت الإجابة خاطئة. انزعج الدكتور من الإجابة لكنها كانت القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال، فانفجر غاضبًا وقال: “منذ أن رأيتك لابسًا الجزمة في الصيف وأنا أشعر باليأس منك ومن أمثالك ثم تجيب إجابة خاطئة تدل على غبائك”. ضحك الطلاب في قاعه المحاضرات، أما الشاب أبو الجزمة فقام وبكل ثقة وقال: “لقد أنعم الله عليك بنعم كثيرة لكنه أخذ منك زينة العقل والأخلاق”.
أما الطلاب فقد صمتوا مندهشين من الجواب، وأما الدكتور فزاد عصبية وغضبًا، ولكن وقبل أن يتخذ الدكتور أي إجراء بحق الطالب الوقح فقد قام الطالب من كرسيه ورفع أطراف بنطاله، وإذا بكلتا رجليه أطراف صناعية ولا يمكن أن يستوعبها شيء غير جزمة واسعة. وقف الدكتور المحاضر مندهشًا واغرورقت عيناه بالدموع ثم ألغى المحاضرة وراح يعتذر للشاب بكل معاني الاعتذار والأسف.
إياك إياك أن تزن الناس بمظهرهم ولا تسخر من أحد، فلربما ابتلاك الله بما سخرت منه. ولا تجعل احترامك للناس أو احتقارك لهم وفق منطق ميزان المال والنسب والمنصب والمظهر الخارجي، فلعلك تسخر من أناس قد وضعوا أقدامهم في الجنة، أليس الله تعالى القائل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} آية 11 سورة الحجرات. وقال سبحانه عن أهل النار يوم القيامة {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} آية 110سورة المؤمنون.
إن الميزان الحقيقي عند الله هو ميزان التقوى كما قال صلى الله عليه وسلم: “رب أشعث أغبر ذي طمرين تنبو عنه أعين الناس لو أقسم على الله لأبرّه”. وقال صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.
وكان أبو بكر المزني رحمه الله يقول: “إذا لقيت من هو أكبر منك سنًا فعظّمه واحترمه وقل في نفسك: إنه سبقني إلى الإسلام، ولعله أطاع الله أكثر مني، فهو أكثر مني حسنات فهو خير مني.وإذا لقيت من هو أصغر منك سنًا فعظّمه واحترمه وقل في نفسك: لأني أكبر منه فلعلي عصيت الله أكثر منه فهو أقل مني ذنوبًا فهو خير مني. وإذا كان مثلك وفي سنك فعظّمه واحترمه لأنك لا تدري أيكما أقرب الى الله تعالى”.

ساعدني الطبيب مرة واحدة
شيخ كبير عمره ثمانون عامًا أصيب فجأة باحتباس في البول، فحمله أبناؤه إلى المستشفى وهناك قام الطبيب بإجراء قسطرة بولية فخرج البول. تنهد الشيخ المريض عميقًا وانتهت الآلام. توجه الأبناء والأحفاد إلى الطبيب وأخذوا يشكرونه ويثنون على مهنيته، فما التفت الأبناء إلى أبيهم إلا وهو غارق في البكاء، فأخذوا يهدؤونه قائلين له أن المشكلة قد انتهت وليس لها مضاعفات فلم البكاء؟ هدأ الشيخ قليلًا ثم قال: لقد ساعدني الطبيب مرة واحدة فاستشعرنا جميعًا فضله ومعروفه وشكرناه كثيرًا، فانتبهت كيف أن الله تعالى غمرني بكرمه وإحسانه ثمانين عامًا ولم استشعر فضله. أزاح عني الطبيب الألم مرة فشكرته. فكم مرة دفع الله عني البلايا والخطوب على تلك السنين ولم أشكره!!!
ما أجمل أن تكون قصه الشيخ مع الطبيب هي الميزان الذي نتعامل به مع الله جل جلاله صاحب الفضائل والنعم علينا. لقد وصلت الغفلة في أحدنا في نسيان فضل الله عليه أنه إذا استيقظ في الصباح فسأل عن حاله كيف أنت اليوم وإذا به يقول لا جديد. كيف لا جديد وهو الذي استيقظ ليس من نومه بل من موته، والنوم هو الموتة الصغرى كما قيل، والنبي صلى الله وسلم كان إذا استيقظ قال: “الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور”. إنه لا جديد وقد قام ومعه صحته ولم يمت في فراشه وقد حدث مع كثيرين ممن جاؤوا ليوقظوا عزيزًا لهم من نومه فوجدوه جثة هامدة.
إننا ننسى فضل الله علينا وقد أكرمنا بهذه الجوارح السليمة نعمل بها ونؤدي دورنا في الحياة بسهولة ويسر. قارن نفسك مع طفل أو شاب فقد أطراف يديه فأصبحت وسيلة العمل والكسب أصابع قدميه.
يحكى أن أحد السلف وكان أقرع الرأس بلا شعر، أبرص البدن، أعمى العينين، مشلول القدمين والرجلين وكان يُسمع وهو يقول: “الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرًا من خلقه وفضلني تفضيلًا. فكان يقال له كيف فضّلك وأنت على هذه الحال فكان جوابه أليس قد جعل لي لسانًا ذاكرًا وقلبًا شاكرًا وبدنًا على البلاء صابرًا. وقد قيل أن أعظم الشكر على الفضائل هو العجز عن الشكر ويحصل مع أحد أنه إذا أراد شكر آخر على معروف عمله فيقول له “لساني عاجز عن شكرك”. وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: “يا ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك”.
افرح إذا لاح الصباح وأنت تحيا في سلام
واشكر إلهٰك إن سمعت اليوم ترتيل الحمام
ألطاف ربي لا تعد وليس يحصيها الكلام.

وتوكل على الحي الذي لا يموت
كان لأحد الملوك الظلمة نجار مبدع يصنع للملك كرسي عرشه وأسرّة نومه وخزائنه بإتقان. وذات مرة لم يعجب الملك ما صنعه له النجار وإذا به يحكم عليه بالإعدام والموت. تسرّب الخبر ووصل من بعض مستشاري الملك إلى النجار بأن الملك قد حكم عليه بالإعدام في يوم كذا وكذا.
بات ليلته تلك يتقلب في فراشه ولم يغمض له جفن خوفًا وقلقًا من الصباح الذي ستطلع شمسه وما ينتظره هو وما سيكون عليه حال زوجته وأولاده من بعده. أما زوجته فراحت تهوّن عليه وتصبّره وتقول: “توكل على الحي القيوم فالرب واحد ولكن أبواب الفرج كثيرة وكلها بيديه سبحانه”.
كانت كلمات الزوجة مسلّية لزوجها النجار فغفت عيناه قليلًا ولم يستيقظ إلا على ضربات الجند وقرعهم باب البيت. شحب وجه الرجل ونظر في وجه زوجته نظرة حزن وأسى ولعلها النظرة الأخيرة. فتح الباب وهو يرتجف، مدّ يديه إلى الجند ليقيّدوه مستسلمًا. فقال له أحد الجنود مستغربًا لماذا تفعل هذا؟ قال الرجل: ألستم تأخذوني لتنفيذ حكم الإعدام؟ قال الجنود: لا، ولكن مات الملك ونريدك أن تأتي لتصنع له تابوتًا. اندهش الرجل النجار مما سمع، نظر إلى زوجته ونظرت هي إليه وقالت: ألم أقل لك أن الرب واحد وأبواب الفرج كثيرة.
إننا في الزمان الذي يكثر فيه الظلم علينا نحن المسلمين، وتتناوشنا سهام الباطل من كل جانب، بل وتطعننا سهام ذوي القربى وقد حكموا بالإعدام ليس على بعض المسلمين وإنما على الإسلام نفسه. هؤلاء الذين يتعاملون وفق منطق فرعون والنمرود {أنا ربكم الأعلى} {أنا أحيي وأميت} وما علموا أن من بيده الملك ليس إلا الله سبحانه وليس هم {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} آية 26 سورة آل عمران.
اطمئنوا وكونوا على ثقة ويقين أن حكم الجبابرة والطغاة إلى زوال، وكونوا على ثقة بالله الواحد الفرد العلي القوي الذي بيده ملكوت كل شيء وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.
وإذا كان النجار قد أصبح ليس ليقاد إلى الموت بل ليصنع تابوت الملك الذي مات، ستصبحون والله على أخبار خير قريبة فيها يتبدل الحال، نسمع فيها عن مصارع الطغاة والجبابرة وزوال ملكهم بإذن الله، ولتشرق شمس ملكنا وعزنا ومجدنا في دورة من دورات مجد الإسلام ودولة خلافته الراشدة، يسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبًا.
ملاحظة: بتصرف من كتاب “قلوب تهوى العطاء” للدكتور حسان شمسي باشا.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى