أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

فكيف إذا اجتمع يوم الجمعة وليلة القدر؟!

الشيخ كمال الخطيب
أي يوم هذا الذي صباحه يوم الجمعة ومساؤه ليلة القدر. إنه يوم مبارك، كيف لا ويوم الجمعة خير يوم طلعت فيه الشمس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ -أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ- قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام”. وكيف لا وليلة القدر هي أفضل الليالي وقد قال فيها ربنا جل جلاله {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.
ها نحن قد اجتمع علينا يوم الجمعة صباحًا وليلة القدر مساءً. صحيح أننا مطالبون باغتنام كل ليالي رمضان وخصوصًا العشر الأواخر منه كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله (وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الليلة متنقلة في العشر وليست في ليلة معينة منها دائمًا، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين وقد تكون في ليلة خمس وعشرين وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أحرى الليالي قد تكون ليلة تسع وعشرين).
أما وقد اجتمعت علينا بركات وأنوار ورحمات يوم الجمعة وليلة القدر، فإننا نذكر بفضائل هذا اليوم وهذه الليلة لنغتنمها، لعل الله سبحانه يرحمنا بها أفرادًا ويرحمنا بها أمة، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى عين الرحمة والفرج منه سبحانه وتعالى.

# فضائل يوم الجمعة
1. استحباب كثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيوم الجمعة يذكرنا بأحب حبيب وأزكى طبيب، وهو الذي أوصى بأن نكثر من حبال الوصال معه لمّا قال: “إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة عليّ”.
2. استحباب قراءة سورة الكهف: فيستحب للمسلم قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين”. وإن في قصة أصحاب الكهف من فتية الإيمان أن العقيدة أغلى من كل متع الحياة، وأن سكنى الكهف مع الإيمان أفضل من سكنى القصر مع ضياع الإيمان. زيادة على أن في حفظ وقراءة مطلع سورة الكهف وختامها حماية ووقاية من فتنة المسيح الدجال بإذن الله تعالى.
3. استحباب أن يقرأ في صلاة الفجر من يوم الجمعة سورتي السجدة والإنسان. وقراءة سورة السجدة ليس لأن فيها سجدة زيادة، وإلا لكان قد قرأ من آيات أخرى فيها سجدة وعددها ثلاثة عشر آية في القرآن الكريم، ولكن كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية (لأنهما تضمنتا ذكر الميعاد وحشر العباد فيه، وهو الذي سيكون يوم الجمعة ويكون قراءتهما تذكير لما يكون فيه. والسجدة جاءت تبعًا وليست مقصودة في قراءتها”.
4. استحباب الغسل يوم الجمعة بنية الاغتسال للصلاة ولبس أجمل الثياب والتطيب حتى أن من الفقهاء من قال: “غسل الجمعة واجب على كل مسلم”، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه، وإن كان له طيب مسّ منه”. وقال صلى الله عليه وسلم: “ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثياب مهنته”. وقال صلى الله عليه وسلم: “حق على كل مسلم الغسل والطيب والسواك يوم الجمعة” وذلك لفضل الجمعة ومن يشهدها من الملائكة والمؤمنين.
5. استحباب التبكير في الخروج إلى صلاة الجمعة، ولا بأس بالذهاب إلى مسجد بعيد إذا كانت فيه ستعم الفائدة بسماع الخطبة، قال علقمة: “خرجت مع عبد الله بن مسعود إلى الجمعة فوجد ثلاثة سبقوه فقال: رابع أربعة وما رابع أربعة من الله ببعيد، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر تراوحهم إلى الجمعات الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع وما رابع أربعة من الله ببعيد”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنه، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر”.
إنها صلاة الجمعة المفروضة علينا نحن المسلمين والتي أمرنا الله أمرًا في قرآنه بحضورها لمّا قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} آية 9 سورة الجمعة. فإذا كان الله يناديك فهل من عاقل لا يلبي نداء الله سبحانه {وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} آية 32 سورة الأحقاف. ولأهمية صلاة الجمعة فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن المتخلفين عن صلاة الجمعة: “لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس ثم أحرق على قوم يتخلفون عن الجمعة بيوتهم”. وهو الذي قال على منبره الشريف صلى الله عليه وسلم: ” لينتهين أقوام عن وَدعِهِم الجُمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين”.
6. استحباب الدعاء يوم الجمعة: فقد قال صلى الله عليه وسلم: “في يوم الجمعة ساعة لا يسأل العبد فيها شيئًا إلا أتاه الله إياه ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة. ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جماد ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة”. وقد ورد عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: “أي ساعة هذه؟ فقال: آخر ساعة من ساعات النهار”. فلا تحرم نفسك من ساعة أو دقائق تجلسها فيها تدعو لنفسك ولمن تحب.
7. استحباب فعل الخير: فليس يوم الجمعة فيه تتجدد صلة العبد المسلم بالسماء فقط، وإنما يستحب فيه تجديد الصلة بأهل الأرض عبر صلة الأرحام، ولو كانت مكالمة هاتفية كما قال الدكتور خالد أبو شادي. ويستحب فيه إدخال السرور على أهل البيت والزوجة والأبناء، فيوم الجمعة عيد في الأرض وعيد في السماء. ومثلما أن فعل الخير فيه له ميزة خاصة، فإن المعصية في يوم الجمعة كذلك لها ميزة خاصة وشعور بالإثم لا يوازيه باقي الأيام، لأن يوم الجمعة أشرف الأيام وأطهرها وأحبها إلى الله، فلا بد فيها أن نطهّر ألسنتنا وأسماعنا وأبصارنا عن كل ما حرّم الله سبحانه.

# فضائل ليلة القدر
وكيف لا تكون هذه الليلة مباركة وقد أنزل الله فيها قرآنه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ليبدأ جبريل عليه السلام أمين السماء يتنزل به على أمين الأرض محمد صلى الله عليه وسلم {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} سورة القدر. وكذلك قال الله سبحانه {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم، أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} آية 3-6 سورة الدخان.
إنها أنوار الوحي وأنوار القرآن وأنوار الملائكة وأنوار المؤمنين وأنوار الفجر، فكيف لا تكون {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
1. إنها ليلة مباركة، لأن العبادة فيها خير من العبادة طوال ألف شهر وهي تُعدّ بعمر رجل عمّر ثلاثًا وثمانين عامًا وأربعة أشهر.
2. إنها ليلة مباركة، لأن الملائكة فيها تعمّر الأرض في توافق أهل السماء وأهل الأرض، فيتوافد أهل السماء نحو أهل الأرض وفي مقدمتهم جبريل عليه السلام ويؤمّنون على دعاء الناس ويسلمون عليهم في المساجد وفي الطرقات.
3. إنها ليلة مباركة، ومن بركتها أنها أخفيت حتى يجتهد الناس فيها للعبادة طوال الشهر عمومًا وطوال العشر الأواخر من رمضان خصوصًا.
4. ومن بركتها أن من قامها إيمانًا واحتسابًا بالذكر والدعاء والقرآن غفر له ما تقدم من ذنبه، كما قال صلى الله عليه وسلم: “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”.
5. ومن بركتها أن من أعطيها ووفق لإدراكها واغتنامها بالطاعات فإنه قد خرج من زمرة المحرومين، قال صل الله عليه وسلم: “من حرم خيرها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم”.
6. ومن بركتها أن لها دعاء مستجاب بإذن الله علمه النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته عائشة رضي الله عنها وهي علمته الأمة من بعده. فقد سألت عائشة رضي الله عنها: “يا رسول الله إذا شهدت ليلة القدر ماذا أقول فيها؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
7. ومن بركتها أن الله سبحانه فيها يباهي أهل السماء بأهل الأرض، فقد ورد أنه “إذا كانت ليلة القدر أمر الرب تبارك وتعالى الملائكة بالنزول إلى الأرض لأن العباد قد زينوا أنفسهم بالطاعات، بالصوم والصلاة في ليالي رمضان ومساجدهم بالمصابيح والقناديل، فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة: أنتم طعنتم في بني آدم وقلتم (أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء) فقلت لكم: (إني أعلم مالا تعلمون)، اذهبوا إليهم هذه الليلة حتى تروهم قائمين ساجدين لتعلموا أني اخترتهم على العالمين”.

# لا تكن بخيلًا ولا أنانيًا
لأن يوم الجمعة وليلة القدر هما من أفضل أوقات الدعاء كما تقدم، ولأنك يقينًا ستشغل نفسك بالدعاء، فكما ستدعو لنفسك وأهل بيتك أبنائك، زوجك، والديك وكل من تحب فإياك إياك أن تكون أنانيًا فتنسى الدعاء لأخوتك المسلمين المقهورين المظلومين المستضعفين. فاحفظ خارطة الألم والدموع، واحفظ قائمة الجراح النازفة للمسلمين في الصين وفي ميانمار وفي اليمن وفي السودان والعراق، وللمسلمين أهل السنة المقهورين في إيران ولمصر المغتصبة من السيسي ولبلاد الحجاز المسروقة من آل سعود. ولا تنس جرح الشام النازف ولا غزة المحاصرة ولا القدس المحتلة. لا تنس أهل السودان ومحنتهم ولا أهل ليبيا وصولة مجرمهم حفتر عليهم.
أخلص الدعاء لربك هذه الليلة تناجيه، وتكتب له بلغة اللسان ولغة الدموع ترجوه وتتبتل إليه تقول له ما قاله الدكتور الفاضل الشيخ يوسف القرضاوي في قصيدته – مناجاة في ليلة القدر – خلال إحدى فترات اعتقاله وإخوانه من جماعة الإخوان المسلمين:
يا ليلة زانها ربي وشرفها تنزيله في دجاها نور قرآن
دستور حق وتشريع وتربية يبقى وإن زال هذا العالم الفاني
يا رب إن الطغاة استكبروا وبغوا بغي الذئاب على قطعان حملان
يا رب كم يوسف فينا نقي يد دانوه بالسجن والقاضي هو الجاني
يا رب كم من صبي صفدوا فمضى يبكي كضفدعة فـي ناب ثعبان
يا رب كم أسرة باتت مشردة تشكو تجبر فرعون وهامان

نعم تكلم مع خالقك سبحانه وتعالى بلغة الدموع، راسل مولاك بلغة الزفرات التي يحبها في هذه الساعات التي يحبها، ساعات يوم الجمعة وليلة القدر. وما أجملها من عبارة قالها الأستاذ الحبيب خالد أبو شادي (واشوقاه إلى دمعة رمضانية في ليلة قدر قدسية أروي بها قلبي، أرضي بها ربي).
فكيف إذا اجتمع وتواصل يوم جمعة مباركة، فإنها البركات والخيرات والرحمات تجتمع وتتنزل بإذن الله. إنه نور على نور، نور الجمعة ونور ليلة القدر، فاللهم نوّر قلوبنا بأنوار طاعتك. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم آمين.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى