أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الحكيم ومساعي فهم خيوط المرحلة..

قراءة: صالح لطفي
هذه السلسلة من المقالات التي صدرت كباكورة لأعمال الراحل عبد الحكيم، في سفر “حتى نفهم المرحلة ” هي ما كتبه في سنيِه الاخيرة، حاول فيها رحمه الله تبيان الواقع السياسي المُعاش من خلال تحليلاته الرصينة والمُشكِلَةُ في نفس الوقت لكونها تعتمد الرأي في التحليل كأساس لفهم جدل العلاقة الكامن بين الحدث ذاتا وموضوعا من جهة، وبين الحدث، أخالها تتجلى في المحور السوري بكل محاياثاته وارتداداته وتداعياته وارتباطات الاحداث بالممانعة والمقاومة واحتلال سوريا عمليا من قبل ايران وروسيا واستهداف اهل السنة بالإبادة الجماعية، ومحور تنظيم الدولة “داعش” وتركيباته وتعقيداته ومعه ويُضاف إليه الداعشية بمثلثها متساوي الاضلاع: الإعلامية والعلمانية والسياسية ومركباتها وتداخلاتها وتدخلاتها، والمحور الإيراني وتشعباته وآثاره وشبكة علاقاته المعلنة والمخفية ودورها في تفكيك وتفتيت المشرق العربي وعلاقات الامر بالإعلانات المتكررة عن حصار ايران وضرورة إيجاد مرجعية لفهم العلاقة “المستترة” بين ايران وامريكا واسرائيل، والمحور الفلسطيني ورحلة التنازلات، ابتداء من فشل مشروع اوسلو، وانتهاء بسراب الدولة الواحدة والنتيجة النكد من وراء هذه الرحلة العدمية التي تلخصت بمؤشرات لضياع القدس والاقصى، والمحور الاسرائيلي بسياقاته المحلية والظاهرة البيرسية التي لن تتكرر في عالم السياسة الاسرائيلية ولن تتكشف تفاصيلها في العقود القادمة، أو قد لا تتكشف أبدا وفي سياقاتها تأتي علاقات العسكري بالسياسي وارتهان الاخير للأول، وتعظيم وتقديس القوة في الحالة الإسرائيلية، يضاف اليه تعويذة العلاقة مع الآخر العربي، تلكم التعويذة المؤسسة على منطق وخليط مشوه من المواطنة المشوهة مخلوطة في خلاطة الضبط الامني والمدني والتحريض الاعلامي الذي لا يتوقف، يقابله جلد الذات عند العرب العاربة من المتهودة والمتصهينة والمتخاذلة ممن تقدس المصلحة الذاتية وتقدمها على كل مبدأ وقيمة، وهؤلاء “المظليون” المرتزقة كما وصفهم المرحوم ابو عمر، هم اصحاب “اللحظة المناسبة” مهمتهم تفتيت الذات والجماعة والتخريص بينهم، وأخيرا محور الذبُّ عن الدين والاخلاق والمعتقدات والشريعة وتبيان أن الايمان بالله تعالى ليس مجرد كلام فهو تعزيز للذات المسلمة باعتبار الدين والعقيدة والتوحيد اساسا للهوية، وفيه أبدع الراحل الحكيم أيما إبداع فعلا صوته الجهوري، منتصرا لدينه ولرسوله ولخالقه من خلال قلمه، ومعتزا بدينه وعقيدته وحركته، معبرا عن ذاته الكبيرة التي تسع الاخرين أي كان مذهبهم وموقفهم السياسي، واضعا النقاط على الحروف في جدل العلاقة مع من يرفضون الفكرة الإسلامية، وكيف يجب أن تكون، ولعل عزائي أن الراحل فاض الى ربه وبين يديه وسام شرف الذبّ عن الذات العلية وتلك عطية، الله يمنحها من يشاء من عباده وصفوة خلقه فطوبى له وحسنُ مآب.
نحت جديد لتعريف السياسة..

حتى نتتبع فهم خيوط المرحلة التي كتب عنها الاستاذ الراحل ابو عمر لا بدّ أن نتتبع فهمه وتعريفه للسياسة، بحسب أنَّ هذا التعريف أو التعريفات ستجعلنا نمسك خيوط تراتبياته الفكرية في تلكم المحاور التي ذكرت وتداخلاتها المعقدة والشائكة، فعلى قدر بساطة وجلاء كتاباته في هذه المحاور وغيرها على قدر ما تكون شائكة ومعقدة ايضا، ففي السياسة ومزايلاتها لا وجود للخدمات المجانية، ولذلك تحتاج السياسة الى ضابط اخلاقي وبهذه الحيثية تحديدا تكون السياسة، وفقا للحكيم، مشروعا اسلاميا، إذ لطالما يسعى الاعلامي-المفكر إلى الجمع بين رغبته في إيصال ما يؤمن به ليقنع القارئ برؤيته، وبين سلاسة ما يكتب ليخلق حالة من الوعي الجمعي معتبرا أنَّ البساطة والسلاسة في اللغة أساسُّ لا بدَّ منه لتحقيق الوعي العام “الشعبي”، ولا ابالغ اذا قلت إن كاتبنا رحمه الله كان من أبناء هذه المدرسة، وأنا أضعه مع قافلة رجالات الفكر والاعلام والسياسة، وهذا العنصر في مدرسة الصحوة وتياراتها المختلفة جدُّ قليل، امثال المفكر الاسلامي الإعلامي، عادل حسين والمفكر الاسلامي الاعلامي صالح عشماوي رحمهم الله جميعا.
للسياسة تعريف خاص عند الراحل عبد الحكيم مفيد يتجاوز الأروقة الفكرية والأكاديمية ليشتقه من واقع المعاناة المُعاش، وانا هنا أفصِلُ بين التعريفات للسياسة الواردة في متن هذا الكتاب وبين السلوك السياسي والتوصيفات المختلفة على السياسة التي اشتقها ابتداء من تعريفاته، وهذه الفَذْلَكَةُ ( مُجمَلُ ما فُصِّلَ وخلاصتُه) من إبداعاته الخاصة التي تعبر عن المفكر السياسي في شخص عبد الحكيم رحمه الله تعالى، فقد عرَّف السياسة في هذه السلسة من المقالات بعدة تعريفات فهي: “قراءة واقع ومحاولة استقراء”(ص79)،وهي مقامرة (ص83) وهي: “فن استثمار الواقع- ص89” وهي: “ما يحدث على الارض في الواقع وليس من المهم إن كان مُقنِعا او غير مقنع”(ص101)، وهي: “نتاج جوهر المرجعيات التي تعتمدها الفكرة”(ص119) وهي أي السياسة: لغة مصالح (ص120)، ويحاجج بأنها كذلك “مكان لممارسة الأخلاق والقيم – ص120”.
من خلال هذا الطيف من التعريفات يمكننا ان نتلمس ونرسم الخارطة الذهنية للراحل عبد الحكيم مفيد فهو محلل على خط متعرج بداياته الاستقراء ومنتهاه الاخلاق وبينهما طيف من المعاني ذات الصلة في الواقع مُعاشا، والمصلحة المنُتجة من هذا الواقع وضرورة الاحتكام للمرجعيات التي يؤمن بها المحلل السياسي، والمرجعيات هنا المنظومة الفكرية والقيمية والاخلاقية .هكذا يتغشى الراحل الفكرة الاسلامية بشقها السياسي والاخلاقي بسلاسة تعبر نوعا ما عن تعلقاته الفكرية الاسلامية ومساعيه لدمجها بذكاء حاد في تضاعيف كتاباته ومقالاته.
أزمتنا تبدأ من واقعنا المرتهن

في قصة النظام العربي الحديث يكمن جوهر الكارثة، هكذا بدون رتوش ومقدمات يضع عبد الحكيم النقاط على الحروف من دون لف او دوران، مختزلا مسيرة أمة كاملة اكتوت بنيران الليبرالية والاشتراكية والقومية والطائفية المقومنة، بهذه الكلمات لخص مسيرة أكثر من مئة عام. وهي دليل كاف على عمق قراءات الرجل، وعمق تحليلاته فنكبتنا اليوم هي ثمرة نكدة من الانظمة العربية التي لا تزال تدافع عن وجودها بالنار والحديد برسم أنها تمارس التبعية والانصياع لأوامر العم سام من خلف البحار، وهي لا تختلف عن بعضها البعض إذ لكل منها أجندته وجداول عمله ومُلهياته فالنظام السوري نظام دموي طائفي بامتياز همه حفظ الكرسي ومن اجل ذلك تعمل ماكنة الافتئات والكذب وغسيل الادمغة ، وإن زعم انه مقاوم وممانع فهو نظام ينضح بالطائفية ولتحقيق وجوده العيني، طَيَّفَ سوريا فضاع “الوطن” وبقي النظام وبطانته، ولا يقل عنه سوءا نظام السيسي الذي قتل الآلاف وزج بعشرات الآلاف في سجونه لحماية نظامه وتمرير سياسات اولياء نعمته، وبينهما انظمة الخليج تذروها الرياح ميمنة وميسرة وفقا لرغبات حامي حماها: الولايات المتحدة الامريكية حيث يدار ملف الخليج من ألفه إلى يائه هناك في واشنطن، وهي التي تقرر إيقاع المرحلة وكيفية تسييره. وقد راودتني هنا بعض الافكار من مثل: كيف كان يمكن أن تكون كتابات عبد الحكيم في مقتل الخاشقجي وهو الذي يعرفه شخصيا، وكيف كانت كتابته ستكون في ظل تداعيات وارتدادات الربيع العربي في السودان والجزائر وكيف كانت كتاباته ستكون فيما يتعلق براهننا المعاش إن في السياسة او في السياسات.
في خضم تحليلاته، رحمه الله تعالى، تبرز في رأيي قضيتان مُشْكِلتان: تنظيم الدولة وشعارها: “دولة الخلافة باقية وتمتد في سياقاتها الداعشية” وايران وولاية الفقيه وشعارها الاستبصار وعودة المهدي المنتظر، ولكل منهما مهديه الخاص (وهو ما لم يذكره في تلكم التحليلات)، ويذهب الى ان داعش اقيمت لمهمة محددة تشويه صورة الاسلام ليتسنى للغرب ومن معه من العربان وصم الحركات السنية الوسطية بالإرهاب والتطرف ووصم الاسلام كدين بالتطرف والارهاب استعدادا لإعادة هندسة الناس والدين والعلاقة بينهما كتحضير لاستعمار جديد بعد ان انتهت مدة بلفور وسايكس بيكو، وتشاطر ايران داعش بهذه المهمة، لكن بشكل عكسي، فهي ليست كومبارس في هذه المسرحية بل هي البطل النقيض لتنظيم الدولة، تحمل راية المقاومة والممانعة ومن اجل ذلك يحق لها القتل والذبح على الهوية والتمدد لأنها تحمي الناس من داعش وامريكا معا، والهدف الاساس من وراء كل هذه المسرحية هو وصم المقاومة بالإرهاب ويقوم بهذه المهمة العرب اولا ومن ثم اسرائيل وامريكا ومن والاهم من الغرب، اذ القضية الفلسطينية وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى، هما الرأس المطلوب من كل هذه المسرحية والملهاة، ولتحقيق ذلك لا بد من خلط الاوراق وخلط الحابل بالنابل وتشويش الرؤية بل وتغبيش الصورة برتوشات متراكمة تذهب وضاءة المشهد ووضوحه لصالح اختراقات ناعمة وخشنة يحدثها ترامب في المنطقة ويتلوه نتنياهو لتكون اسرائيل المستفيد الوحيد من كل هذه الرتوش والتحولات.
لست هنا بصدد مناقشة طروحات الراحل عبد الحكيم وما ذهب اليه في الشأنين الايراني وتنظيم الدولة فأنا أخالفه بشكل كبير في حيثيات الموضوع المتعلق بهما، لا بتحليلاته المتعلقة بالتداعيات، إذ معلوم أنَّ من يرسم الواقع هم الاقوياء ومن يعينهم عليه هم أرباب المصالح وأرباب المال والنفوذ، ولا تتضح الصورة إلا بعد جهد جهيد وتضحيات يبذلها المخلصون. هذا صحيح في أبسط الأمور كانتخابات البلديات، أفلا يكون أكثر صوابية في امور تتعلق بالمنطقة ومصيرها. وهذا لا يمنع اني أوافقه على كثير مما كتب في وعن هذه المرحلة وعلاقات الطرفين بهما، وأنا ازعم أن الشيخ عبد الحكيم مفيد، رحمه الله، حاول مرارا ان يحمل عصا التحليل السياسي للظاهرة الداعشية من الوسط وقد ابدع ابداعا كبيرا في تحليله للدعشنة بنقله اياها من سياقها المخصوص الى السياق العام وتوجيهه التهم مباشرة الى ظواهر الدعشنة العلمانية والاعلامية والسياسية، والمرحوم في تحليلاته المحايثة للواقع، حيث يجرده عن ما سواه، يذهب الى ان داعش والداعشية سبب كاف للتدخل العالمي في منطقتنا واستعدادا للمرحلة القادمة: مرحلة تقاسم الهيمنة وتقسيم البلاد على اساس الحدود والغاز والطوائف (ص61) ويذهب الى انه من خلال الداعشية يتم هندسة المسلمين باعتبار ان الداعشية وفقا للمنظور الغربي هي الوجه الاخر للإسلام، ومعلوم أنَّ الاسلام موصوم بالإرهاب والتخلف والندية عند الاوروبيين والرجل الابيض منذ ما قبل الحروب الصليبية ولمَّا يتغير شيء على هذه المعتقدات حتى هذه اللحظات بل زادت الامور ضغثا على إبالة، فداعش والقاعدة والاخوان المسلمين كلهم عملات لوجه واحد عند عديد الانظمة الأوروبية، ذلكم انهم يسعون للوصول الى الحكم وإعادة الاسلام كناظم للحياة بدلا من الافكار المستوردة العلمانية على اختلاف مذاهبها وذلك كل على طريقته وما يؤمن به، ولطالما دار بيني وبينه نقاش حول هذه القضية، فهل الاستعمار الاوروبي لمنطقتنا ومن بعده الاستعمار الامريكي والسوفياتي كان بحاجة الى القاعدة او تنظيم الدولة لممارسة الاحتلال وقتل الملايين وتقسيم البلاد وخلق اسرائيل واستمرار الحرب على الحركات الإسلامية؟.
يكمن جوابي على طروحاته وموقفه من محوري ايران وتنظيم الدولة في صلب ما كتب رحمه الله من خلال تعريفاته الخاصة به للسياسة التي على منوالها حلل واستنتج، فإذا كانت المسافة في التحليل السياسي وفقا لطروحاته تكمن بين نقطة ارتكاز تزعم ان السياسة مصالح وأخرى تزعم أن السياسة قيم ونظم وأخلاق تشكل المرجعية لهذه المصالح، فإن تنظيم الدولة وإيران يسعيان بين هاتين النقطتين تماما، جمع المصلحة بما فيها من براغماتية وذرائعية ونفعية ومنطلقاتهم الايديولوجية التي يتنازلون عنها طورا ويتقومون بها طورا آخر، وبين هاتين المنزلتين تكون منزلة ثالثة تتم فيها أدلجة المصلحة لتحقيق “الذات” العضوية والمعنوية لكليهما، كل على طريقته، ليكون مثلا حرق الكساسبة تحقيقا لما ذكرت وتكون كذلك محرقة اهل السنة على يد ايران وفصائلها تعزيزا للوجود الايراني المترجم هذه الايام بتشييع الشام “تحقيق عقيدة الاستبصار” وبنائه من جديد، أي الاستفادة الاقتصادية، وبينهما تكمن مصالح تتقاطع يستفيد منها العدو تارة سواء كان هذا العدو نظاما كبشار او روسيا أو الولايات المتحدة او إسرائيل، بيدَّ أني اتفق معه في النهايات والخلاصات، ففي سياق هذه التناقضات يتم دفع اثمان باهظة وهذه الاثمان كلها من ألفها الى يائها يدفعها ماديا اهل السنة عموما، والفلسطينيون والقدس وغزة والمقاومة والاقصى، وهكذا بسياق جدلي بعيد عن التخوين تتقدم اولويات على اُخَر تفوقها أهمية فتتقدم مصلحة ايران الدولة والوطن والولي الفقيه، على الانسان والسني والشيعي وعلى القضية الفلسطينية برمتها، ويتقدم قيام دولة التوحيد السلفية الجهادية بشكله السياسي “السائل” على كل شيء، بما في ذلك الانسان المسلم السني والقدس والاقصى، ولتحقيق هذه الغاية تبذل المهج والانفس والارواح ويُقَتَلُ العلماء والساسة والبشر، وفي ظل طاغوتية الانظمة يغيب عن أبصار الناس وأفئدتهم حب الوطن والأرض، اذ يتقدم عند الزبانية النظام على الوطن، في ظل هذه الوضعية تتقدم داعش وتتقدم ايران تماما كما تتقدم اسرائيل وواشنطن وتركيا، فمنطقتنا اليوم منطقة صراع على المصالح. وفي خضم تلكم المعادلات تكون الغلبة المرحلية للأقوى تجهيزا وعدة وعتادا، لا للأقوى إرادة.
في هذا السياق فإنَّ كل ما يمارسه هاذان الجسمان يقع في سياق المصلحة والنزوع نحوها كصيرورة لمجاراة الواقع، ومن ثم الأخذ بيده -أي هذا الواقع الذي تتم مجاراته- نحو الأسلمة: الاسلمة الامامية الجعفرية الفارسية، والاسلمة السلفية الجهادية المؤسسة على موروث السلفية الجهمانية المحتسبة ومن يدفع الثمن هم الحلقة الاضعف في هذه الصيرورة، هو في حالتنا تدفعه الشعوب، والحركات الاسلامية المتطلعة لقيادة دفة حركة الحياة.
الثنائيات …
لقد حاول الراحل عبد الحكيم بأسلوبه الفذ كشف عوار المرحلة من خلال ثنائيات، الارهاب والاسلام، التحريض ونزع الشرعية، الاحتلال وتفكيك المحتل كما الحالة الفلسطينية، خلط الاوراق في المنطقة واعادة هندستها والسؤال: هل ستتحقق من خلال هذه الثنائيات اعادة الاستعمار للبلاد والعباد؟ في ظلال هذه الثنائيات وضع الراحل اسسا لمشروع مستقبلي يمكن من خلاله قراءة المستقبل الذي تكهن ببعضه ونجح في توصيف دقيق لهذا المستقبل، فقد تكهنَّ انتهاء داعش مرحليا لمصلحة هندسة جديدة للمنطقة يدفع فيها الاخوان المسلمين وحماس والشعب الفلسطيني ثمن هذه المرحلة، وتكهن حدوث تحولات جذرية في القضية الفلسطينية، خاصة في ملفات اللاجئين والقدس والاقصى وغزة وهل صفقة القرن الا ما ذكر رحمه الله؟ وتكهن رحمه الله هرولة الخليج الى نتنياهو اسرائيل وانبطاحهم تحت قدميه تحت ذريعة محاربة إيران، وتكهن بالعمل على تدجين المقاومة والمشروع الاسلامي عبر بوابات نبذ الارهاب وتطييف المشهد السياسي.
لقد انتصر عبد الحكيم لدينه وعقيدته وربه وانتصر لدعوته المظلومة التي ذبحت على نطع المصالح المحلية والاقليمية، وكعادته كان رحمه الله صريحا: “فالمقاوم والمناضل الحقيقي لا يقف الى جانب من يحقر الذات الالهية، بالنسبة لنا الله أولا وقبل كل شيء، هذه مسألة قد لا تكون واضحة ومفهومة بالنسبة لهؤلاء. فهل يترك الانسان مولاه؟ الله مولانا ولا مولى لنا سواه، وهذه الاخيرة عقيدة وسياسة”. كلمات من نور تسجل في سجلات الخالدين ممن جمعوا الحقيقة والولاية والدراية والرواية، وفي ذات السياق يوجه رحمه الله رسالته الى إخوانه وأهله وقرائه في تحديد الفواصل بين الانفتاح والاستيعاب، فالكبير هو فقط الذي يستوعب الاخرين، والضيق هو الذي يعاني من عقدة الانفتاح ففي تصوراته الفرق بينهما كبير بالضبط كالفرق بين من يفكر بنفسية عالية وهمة أعلى منها، وبين من يبحث لنفسه مكانا بين آخرين، فالاستيعاب لا حدود له ما لم تنتهك حرمات الله.

ثلاثية الوطن والانسان والعقيدة

يمكنني أن ألخص زفرات الراحل عبد الحكيم في هذه الثلاثية فهو دائم الانتصار للإنسان مهموم بهموم وطنه الكبير ومتألم لحالة التحلل العقدي والأخلاقي الذي يجتاح المجتمعات، إذ في زمن الهزيمة يسهل التحلل من الالتزامات والأخلاقيات والمعتقدات ولعل مقالاته عن سوريا وإيران وداعش وداخلنا الفلسطيني تبين بوضوح كم هو منتصر للإنسان والوطن والعقيدة. كانت القدس دائما حاضرة في فكر وذهنية الراحل عبد الحكيم كما الاقصى درة تاج هذه الارض المطهرة المقدسة، ويلفت النظر الى سياسات لا تزال قائمة بشأن القدس والاقصى سياسات اعلامية مهمتها خلق انطباع ان الاقصى في خير وذلك عبر نقلهم لصلوات الجمعة وتفاديهم نشر ما تفعله المؤسسة الاسرائيلية في باحاته الشريفة يرافق هذه السياسات الزيارات العربية الرسمية للمسجد الاقصى من قبل دعاة وعلماء وذلك لتطبيع العقل والمشهد العربي لما هو اشد وأنكى.
وهذا كله يأتي في خضم انتصار رواية الهيكل بسبب سياسات الامر الواقع وسياسات الواقع المتجلية بطروحات الرجوب التي تمثل سلطة اوسلو حول ساحة البراق وحقوق العبادة والسيادة الاسرائيلية والفصل بين القدس وروحها ممثلة بالمسجد الاقصى ننتظر كوارث قادمات علينا لكنَّ هذه الكوارث لا تهز المنافحين الذين يؤمنون بالوطن والانسان والعقيدة.
من لطائف هذا الكتاب أن اول مقالة له بدأها بقوله: “في ظل تجاذبات اعلامية واسفافات أنتجتها “مملكة الوهم” فيسبوك كما سأطلق عليه”، تغيب حقائق كثيرة من سوريا، ولان الحالة ما عادت تحتمل أكثر من جملة قصيرة ومقاطع مفبركة ومؤثرة فإن النقاش لا يحتاج أكثر من اكاذيب، ويختم هذا السفر بكلمات رائعة مفعمة بالأمل:” انا متفائل للغاية هذه الايام”. نعم فعقيدة المسلم توجهه وتقول له انه من بطن المحنة تخرج المنحة ومن فحيح النيران والسجون والمعتقلات تتخرج القيادات وإذا كان الهزيع الاخير من الليل الاكثر ظلمة وسوادا فأن الفجر ينبلج معه مباشرة ولعله من تصاريف القدر ان يفتتح الراحل مقالته بهذا الخلط والوهم المورث تخبطا وعجزا لينهيه بهذا الأمل. وانا اردد معه رحمه الله كما كان يردد دائما في جلساتنا ” توكلوا على الله” كيف لا ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
رحم الله الفقيد أبا عمر رحمة واسعة، واسأل الله العلي العظيم أن يحشره مع النبين والصالحين والمجاهدين وحسن أولئك رفيقا.
ثمَّ إني دائما وأبدا أسبح وإياكم ربا هاديا وشكورا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى