أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

عجائب الصدقات وعظائم البركات

الشيخ كمال خطيب
كثيرة هي الآيات في القرآن الكريم وكثيرة هي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تتحدث عن فضل الإنفاق والتصدق في سبيل الله، ولعل أشهرها الآيات المباركة في سورة البقرة والتي يستهلها الله تعالى في قوله مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} آية 261 سورة البقرة. وقوله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا النار ولو بشق تمرة”. وقوله صلى الله عليه وسلم: “ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكًا تلفًا”.
وإن من يتتبع سيرة السلف الصالح والخلف من هذه الأمة فإنه يجد للصدقات أسرارًا وعجائب وحكم هي من بركات الصدقة، ومن آثارها على التصدق. ما أحوجنا في هذا الزمان الذي طغى فيه حب المال وسيطرة المادة على قلوب الناس، بل أصبحت الأنانية وحب الذات سِمة من سمات وحال كثيرين من الناس، فما أحوجنا للتذكير بأبواب الخير والعطاء وفضل الصدقات وعظيم نفعها، ليس على الفقير الذي يتصدق عليه بل على المتصدق إياه.

# البركة في جيب القميص
قال الأستاذ خالد أبو شادي: حدثني أحد أخواني بالأمس قائلاً: نفذ راتبي ولم يتبق في جيبي إلا ستة جنيهات، وبينما أنا في الطريق إلى البيت إذ تقدمت إليّ امرأة فقيرة تطلب الصدقة، فأدخلت يدي في جيبي ناويًا أن أعطيها جنيهًا وأدع الخمس جنيهات في جيبي، فخرجت في يدي الخمس جنيهات.
رجعت إلى البيت في أتوبيس بنصف جنيه ولم يتبق إلا نصف جنيه ننفق منه حتى نهاية الشهر. دخلت البيت وكانت امرأتي تغسل ثيابي، فإذا بها تجد ورقة واحدة من فئة مائتي جنيه في جيب أحد قمصاني كنت قد نسيتها منذ فترة ولم أعد أذكرها!! وصدق الله العظيم إذ يقول {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}.
نعم إن الذي ينفق ابتغاء مرضات الله فإن نفقته التي أنفقها، وصدقته التي تصدق بها فإنما تقع أول ما تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، لذلك فإن من يرد لك ويجزيك على نفقتك هو الله جل جلاله، ولا تعلم كيف ولا متى ستكون بركة هذه الصدقة.

# اعمل الخير وارميه في البحر
يحدث الصحفي والكاتب دوجلاس تومسون في كتابه “من داخل الإخوان المسلمين”، والذي تناول فيه شخصية رجل الأعمال والسياسي المصري يوسف ندا، باعتباره أحد أفراد جماعة الإخوان المسلمين. فيحدث عن قصة حدثه إياها يوسف ندا وقعت معه في سجون جمال عبد الناصر يوم كان ما يزال شابًا صغيرًا، فيقول في صفحة 26: وكان في المعتقل مع يوسف والسجناء السياسيين الآخرين بعض المجرمين وأكثرهم خطورة، فالسجن قسمان قسم لعامة السجناء والقسم الآخر للسجناء الخطرين تحت الحراسة المشددة الذين حكمت المحاكم العسكرية على كل منهم بالسجن لأكثر من مائة عام، ولم يكن لديهم ما يحرصون عليه، وكان الحراس يأخذوننا مرة كل أسبوع إلى الفناء لنغسل ثيابنا في حوض مشترك طويل به صنابير كثيرة، وكان الوقت المسموح به قصير للغاية. فكنا نتعرض لكثير من الدفع والإبعاد، ولم أكن معتادًا على مثل ذلك وأصبحت على حذر، حتى الجنود كانوا خائفين من أولئك الرجال الذين سيبقون في الزنازين حتى يدركهم الموت.
وذات يوم ركلني أحد السجناء بحذائه وقال لي: أنت لا تصلح لهذا العمل دعك منه وسأكفيك إياه هذا العمل ليس لك، قالها وهو يضحك والحق إنني خفت، ثم استطرد يقول أنت لا تعرفني لكنني أعرفك جيدًا، أنت يوسف! كيف عرف من أكون؟ هل جاء ليغتالني؟ جال هذا الشك في خاطري قبل أن يبادرني بالشرح قائلًا: لقد عملت عند أبيك، أكلت عنده عيش وملح، وكانت أمك دائمًا ترسل إلينا الطعام وإلى أسرنا. لقد حماني ذلك السجين الخطير وساعدني، وتذكر عطف أبويّ عليه عندما رآني. وعندنا مثل شعبي في مصر يقول: اعمل الخير وارميه في البحر، مصيره يرجعلك يوم”. ونحن نقول اعمل الخير وادّخره في الجنة فإن هناك سينفعك ويرجع نفعه عليك.

# هذه البصقة لي فماذا لبربك؟
إنها القصة التي يرويها الشيخ محمد راتب النابلسي حفظه الله عن شيخ فاضل سوري ومن مدينة حلب، وكان يعمل محتسبًا متطوعًا لوجه الله في مؤسسة خيرية لإغاثة وإعانة العائلات الفقيرة والمحتاجة.
يقول الشيخ النابلسي: شيخ سوري تخرج من مدرسة النبوة، كان يمرّ على التجار في حلب يحثهم على الصدقة، فدخل على تاجر غليظ القلب، قابل دعوته بأن عبس في وجهه ثم بصفق عليه، فما كان من الشيخ إلا أن مسح البصقة بكف ومدّ كف الأخرى قائلًا وهو يبتسم: هذه البصقة لي فماذا عندك لربك؟ استحى الرجل بل إنه الذي دمعت عيناه واعتذر من الشيخ وطلب أن يسامحه وتصدق بمال كثير، بل إنه أصبح يخرج صدقاته وزكاة أمواله ولا يعطيها إلا لهذا الشيخ ينفقها على العائلات الفقيرة والمستورة.
قد يثقل على كثيرين منا سماع مثل هذا الكلام، بل يصعب علينا استيعاب قدرة هذا الرجل على احتمال هذه الإساءة، لكن من تشرّبت نفوسهم الإيمان ومن تلفعوا بعباءة حسن الخلق وإخلاص العمل لله تعالى، فإنهم يقدرون على ذلك متمثلين قول الله تعالى {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} آية 34-35 سورة فصلت.

# يتصدق بفرده حذاء
إنها القصة التي يرويها الشيخ الفاضل علّامة الهند أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى عن أحد فضلاء المسلمين في الهند، وممن كانوا أحد المبادرين لإقامة أول جامعة للمسلمين في الهند. وكان الرجل يتجول على التجار والأثرياء يحثهم على الصدقة والعطاء من أجل إقامة وبناء الجامعة.
وكان أن دخل على أحد التجار الأثرياء ذات يوم، وعرض عليه فكرة بناء الجامعة، إلا أن الرجل قابل الفكرة بالاستهزاء والسخرية قائلًا: لو كان جامعًا لتبرعت، أما الجامعة فما الحاجة وفي البلاد جامعات كثيرة؟ ومع ذلك قال التاجر للرجل الفاضل أعطني عنوانك وسأرسل إليك عبر البريد ما سأتصدق به.
مرت أيام وإذا بساعي البريد يحمل إلى الرجل طردًا بريديًا وصل إليه من التاجر الذي وعد بإرسال صدقته، فلما فتح الطرد وإذا بداخله فردة حذاء واحدة وهي مستعملة وليست جديدة.
يقول الشيخ أبو الحسن الندوي، فما كان من الرجل الفاضل إلا أن أخذ فردة الحذاء هذه وذهب بها إلى السوق الشعبي وباعها بروبية واحدة “الروبية هي العملة الهندية” والروبية مثل القرش بقيمتها ثم كتب له سند قبض باسم الجمعية المبادرة لإقامة الجامعة وأرسله عبر البريد إلى العنوان الذي أرسل منه الطرد.
وصلت الرسالة إلى التاجر، فتحها وإذا بها سند القبض وقد كتب فيه روبية واحدة واسم المتبرع وكتب إلى جانبها رسالة قصيرة فيها يشكر الرجل على تبرع ويشرح بأنه قد باع فردة الحذاء بروبية واحدة ووضعها في ميزانية الجمعية لإقامة الجامعة، وتمنى له القبول من الله تعالى.
خجل الرجل كثيرًا وراجع نفسه وما عمله مع الرجل الفاضل، ثم عاود مراسلته من جديد والتقى به معتذرًا منه، لا بل أصبح من أكبر داعمي مشروع بناء الجامعة ومن أصبحت له اليد الطولى في تمويل بنائها.

# بين الليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى
كان ذلك مساءً وفي صلاة العشاء من أحد الأيام حين جاءني أحد الأخوة أعرفه جيدًا، وهو من مدينة مجاورة. وبعد الصلاة سلّمت عليه حيث لم يكن من مرتادي مسجدنا على الدوام لأنه من مدينة مجاورة كما ذكرت، وسرعان ما بادر بالقول أنه جاءني في حاجة وأن ثقته بي جعلته يأتي إليّ وليس لغيري، لأنني سأتفهم حاجته ولن أكشف سره كما قال، وكان طلبه تفريجه بمبلغ خمسة آلاف شاقل لضرورة قصوى وظرف صعب يمر به.
أما أنا فلم أشك للحظة في صدقه مع استغرابي للوضع الذي يمر به، ولأنني لم أكن أملك ذلك المبلغ ساعتها فقد طلبت منه أن ينتظرني وذهبت إلى أحد الأخوة الخيّرين وآتيته بالمبلغ المطلوب وانصرف.
لم تمض إلا عتمة الليل بين غروب الشمس وانبلاج صبح اليوم التالي. وفي صلاة الفجر قدر الله أن تكون قراءتي من سورة الذاريات وقد مررت بقول الله تعالى فيها يتحدث عن أهل الجنة {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم } آية 17-19 سورة الذاريات. وسرعان ما عاد إلى ذهني قصة الرجل في صلاة العشاء قبل ساعات.
انتهت الصلاة وجلسنا لقراءة أذكار الصباح وقد خرج أغلب المصلين، وحين هممت بالخروج وإذا بأخ يستوقفني، استغربت من وجوده معنا وهو من خارج قريتنا، وقد تساءلت ما الذي جاء به لصلاة الفجر عندنا، وهو من نفس مدينة الأخ الذي جاءني في صلاة العشاء.
سلمت عليه ولعلي كنت لم أره لبضع سنوات خلت، ألححت عليه بالذهاب إلى البيت لكنه اعتذر لأنه مضطر أن يذهب للعمل مباشرة، وإذا به يخرج من جيبه مظروفًا وهو يقول لقد عزمت الليلة على التصدق بمبلغ عشرة آلاف شاقلًا، وعزمت أن أضعها بين يديك أنت تتصرف بها لأصحاب الحاجة في تسعة آلاف منها، والألف المتبقية ضعها في مدرسة المعالي “المدرسة الابتدائية حيث كنا نشيّدها في تلك الأيام”.
كنت أنا بين الحيرة مما أسمع والتأثر العظيم من أقدار الله تعالى يجريها من حيث لا نعلم، فذاك الأخ جاءني عشاءً يطلب حاجته، وهذا الأخ جاءني فجرًا لكأن الله أرسله ليسد تلك الحاجة ويقضيها بإرجاع المبلغ الذي اقترضته من ذلك الأخ لأرده إليه. والعجيب أن كليهما من نفس المدينة وأنا من بلدة أخرى، ولم يكن أحد منهما يعلم بما يفكر به الآخر ليكون الملتقى في بيت الله تعالى في بلدة ثانية. فسبحان من اشترى منا ما يملك، ومدحنا على إنفاقنا ما وهب، ثم باهى بنا ملائكته وادّخر لنا أروع المفاجآت في جنته.
الحمد لله أن جعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر. اللهم اغفر لنا ما لا يعلمون، واجعلنا خيرًا مما يظنون، ولا تؤاخذنا بما يقولون.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى