أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

“حجب الثقة”

كلمة صحيفة المدينة (11.4.2019)

يمكن أن تبرر الأحزاب العربية المشاركة في الكنيست، سقوطها الكبير، بما تريد من مبررات. يمكن أن تتهم “وعي الناس” وقوى المقاطعة و”المؤامرات” التي لا توجد إلا في عقلها، غير أن هناك حقيقة واحدة، ما لم تستوعبها هذه الأحزاب وتتعاطى معها، برويّة وبدون انفعال، فإنها قد تختفي من الخارطة السياسية لقوى الداخل الفلسطيني، وهذه الحقيقة مفادها، أن الغالبية العظمى من أبناء الداخل الفلسطيني سحبوا منهم الثقة، إلى جانب أن القناعات بعدم جدوى مشاركة العرب في الكنيست، ازدادت بقوة في السنوات الأخيرة.

نعلم أن تداعيات هذا الفشل، جعل بعض “النخب” المحسوبة على هذه الأحزاب، توجّه اتهاماتها إلى قوى المقاطعة، دون أن تدرك حتى، بالنظر إلى الأرقام والنتائج والنسب، أنها تحوّلت إلى أقلية في مواجهة إرادة شعب قال لها “يكفي”.

إن هذه الأحزاب مدينة أولا لأبناء شعبنا ممن منحوهم الثقة، لما كانوا “قائمة مشتركة”، فقاموا بدل إجراء حساب نفس عسير، باتهام الناس بوعيهم. كيف يعقل أن تتجرد أنت من المسؤولية القيادية في الحفاظ على “المشتركة”، ثم تسمح لنفسك في اتهام الناس بقلة الوعي والمسؤولية!!
أظهرت نتائج الانتخابات بما لا يدع مجالا للشك أن شعبنا في الداخل الفلسطيني بمعظم قواه وشرائحه- وبالنظر إلى التجارب السابقة للأحزاب العربية في الكنيست-، بات مقتنعا أن الكنسيت ليس محلا لتحصيل حقوقنا، لم يمنع هدم منزل أو يلغي مصادرة، أو يوفر حياة كريمة للقرى مسلوبة الاعتراف في النقب.

كل المعطيات في هذه الانتخابات تشير إلى هيمنة اليمين الصهيوني على المشهد السّياسيّ والاجتماعيّ والأمنيّ والاقتصاديّ والمناحي الحياتيّة المختلفة؛ وفشل ما يسمى معسكر الوسط واليسار الصهيوني في زعزعة هذه الهيمنة، وأبرز مثال على ذلك هو المسألة الأمنيّة، الّتي تعتبر محورًا مركزيًّا في الانتخابات، إلّا أنّها لم تحسم النتائج لصالح قائمة الجنرالات العسكريّين “كاحول لافان”، رغم تصدر غزّة الدّعاية الانتخابية، وسقوط صاروخ شمال تل أبيب وعجز نتنياهو عن ردع المقاومة الفلسطينية.

إذًا، يمكننا الاستنتاج في ضوء النتائج أنّ الانتخابات الإسرائيلية لم تحدِث تغييراتٍ وتبدّلات جدّيّة وجوهريّة على المشهد السياسي والحزبي، إذ بقي اليمين الصهيوني مسيطرًا، بل وتنامت قوّته وتعززت قوّة زعيمه، الّذي سيكون أول زعيم إسرائيلي يقضي أطول فترة في منصب رئيس الحكومة؛ كما لم تؤثّر على التوجهات والعقائد السياسية لدى الجمهور اليهودي عمومًا، أو على الناخب خصوصًا، والدليل حصول نتنياهو على ثقة أكثر من مليون ناخب، رغم قضايا الفساد وخيانة الأمانة التي تلاحقه.

هذه المعطيات كانت متوقعة عند القوى العربية المؤيدة للكنيست، لكنها باعت الوهم للناس بانها “ستدحر الفاشية” وكأن هذه الفاشية يمثّلها نتنياهو وفيجلين فقط!!

الكل الفلسطيني في الداخل، مطالب على وجه السرعة، بدراسة نتائج الانتخابات الإسرائيلية، والاستعداد لمواجهة استمرار التغول الإسرائيلي على شعبنا.

في الدورة السابقة للكنيست، قامت المؤسسة الإسرائيلية بحظر الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح، ورغم ان القائمة المشتركة رفضت الحظر وساندت فعاليات خيمة مناهضة الحظر، لكنها في الحراك السياسي لم تلجأ حتى إلى التهديد بوقف مشاركتها في الكنيست، ما جعل مواقفها المشكورة في الدعم والإسناد لا تتجاوز “رفع العتب”، فكيف يمكن أن نواجه الفاشية!! في مجتمع إسرائيلي لا ينتج في السنوات الأخيرة إلا المزيد من التطرف!!
على الأحزاب العربية التي شاركت في الكنيست، أن تستخلص الدروس من فشلها، وليس المقصود مراجعة بنيتها الداخلية، فهذا شأنها، ولكن عليها أن تعي جيدا أن جماهير شعبنا لم تعد تنطلي عليها الشعارات الرنّانة الخالية من أي ترجمات عملية، جماهيرنا بحاجة إلى قيادات تحترمها وتنخرط في همومها بصورة جدية مؤثرة وسئمت الخطابات التعبوية التي تستخدم فقط لـ “جرّ” الناس إلى صناديق الاقتراع، الفارغة، صفرية التأثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى