أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

كذبة أول نيسان وكذبة انتخابات البرلمان

الشيخ كمال خطيب

يوم الإثنين الأخير 1/4 هو اليوم الأول من شهر نيسان، ويوم الثلاثاء القريب 9/4 هو يوم انتخابات الكنيست الصهيوني. اليوم الأول من نيسان هو اليوم الذي اشتهر فيه بين الناس من غير المسلمين كثرة الكذب والدعابة والفكاهة، وهو ما عرف بكذبة أول نيسان. ويوم التاسع من نيسان هو الذي ستجري فيه انتخابات الكنيست الصهيوني وقد كذب من قال وأسماها انتخابات البرلمان.

بالعودة إلى الخلفية والظروف التي وجدت فيها كذبة أول نيسان، فمن قائل أن أصولها فرنسية ومن قائل أن بلد المنشأ إنجلترا، ومن قائل أنها هندية المولد، حيث أن يوم 1/نيسان يسبقه يوم 31 /اذار وهو يوم ما يسمى “عيد الهولي” عند الهندوس، وفيه يقومون بمهام وأعمال مخادعة وروايات وقصص كاذبة لمجرد اللهو، ولا يكتشف حقيقة كذبهم إلا مساء 1/نيسان.

وإذا كانت كذبة أول نيسان إنجليزية أو هندية النشأة والمولد، فإن كذبة البرلمان الإسرائيلي هي فلسطينية المولد حيث الحقيقة أن البرلمان الإسرائيلي لا يتم التعريف به إلا باسم الكنيست وفق التعريف والاصطلاح التوراتي، وهو الذي كان يطلق على مجلس الحاخاميم الوارد ذكره في المِشناه، حيث ورد “قبل موسى التوراة في سيناء وسلمها ليوشع ويوشع للشيوخ والشيوخ للأنبياء والأنبياء سلموها لرجال الكنيست الكبير” أي المجمع الكبير الذي اسمه “هكنيست هجدولا” وهو الهيئة التشريعية أو المجلس التشريعي لليهود وعددهم 120 وهو بنفس عدد أعضاء الكنيست الصهيوني اليوم.

اليهود والإسرائيليون لا يطلقون إلا مصطلح” الكنيست” على مقر التشريع وسن القوانين، بينما فلسطينيو الداخل ممن يشاركون في هذه الانتخابات هم من يطلقون عليه مصطلح البرلمان ويطلقون على أنفسهم أعضاء البرلمان في موقف موارب ومضلّل وكاذب حيث يراد تصوير كنيست اليهود أنه برلمان كل الشعب، اليهود والفلسطينيين.

وإذا كان الهنود لا يكتشفون أكاذيب 31/3 إلا في 1/4 حيث يتبين أن كل ما قيل كان كذبًا ومحض افتراء، فإن اليهود وقبل يوم 9/4 وليس بعده فإنهم يقولون بأن ادعاء أنها انتخابات البرلمان وليس الكنيست هو كذب ومحض افتراء، والدليل أن كلا الحزبين المتنافسين، الليكود برئاسة نتنياهو المجرم وحزب أبيض أزرق برئاسة رئيس الأركان القاتل غانتس، فكليهما صرّح وأكد أنه من غير الوارد أبدًا تشكيل حكومة تعتمد على أصوات أعضاء كنيست عرب. نعم إنهم لم يكذبوا بل قالوا الحقيقة أنه كنيست اليهود وإنها حكومة اليهود، ولم يكذبوا مثل ما كذبوا ويكذبون ويقولون أنها انتخابات البرلمان.

إنه ولكثرة انتشار الكذب في هذا اليوم في بريطانيا فإنه في يوم 1/نيسان من إحدى السنوات الخوالي، كانت امرأة قد اشتعلت النيران في مطبخ بيتها، فخرجت إلى الشرفة تصرخ وتستغيث من يساعدها لإطفاء النار، إلا أن أحدًا لم يستجب لها لأن الجميع اعتقدوا أن هذه المرأة تمزح وأن ادعاء الحريق هو كذبة أول نيسان وأن النار لم تشتعل في بيتها، لكن الحقيقة أنه وخلال الاستغاثة من المرأة واللامبالاة من الناس فإن النار قد أتت على كل المنزل وأحرقته.
وما حصل مع المرأة الإنجليزية فإنه حصل معنا نحن أهل الداخل الفلسطيني من الذين تبرع البعض منهم للترويج لكذبة انتخابات البرلمان حتى شاعت في أوساط شعبية خاصة من الذين يصدقون هذا الكذب من مؤيدي الأحزاب، ومع استمرار ترديد وترويج كذبة انتخابات البرلمان فإنه شاع معها أن إسرائيل ديموقراطية، وأن حق الترشح والتصويت مضمون للجميع، وساهم هذا في تحسين صورة اسرائيل وتجميل وجهها وسياستها القبيحة، حتى أن نتنياهو استغلّ هذا وتباهى به خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر 9 من العام 2017 .

ومثله فعل الرئيس الاسرائيلي شمعون بيرس والذي قال في كلمته في مؤتمر دافوس في سويسرا، المؤتمر الذي انسحب منه الرئيس التركي أردوغان بسبب دفاع بيرس عن جرائمهم في غزة ويومها قال بيرس مباهيًا “نحن دولة ديمقراطية وأكبر دليل وجود أعضاء عرب في الكنيست حتى إنهم يشتمونني شخصيًا من على منبر الكنيست”. أليس هذا دليلًا واضحًا على أن وجود أعضاء عرب في كنيست إسرائيل يحسن صورتها وهم المستفيدون من وجود أولئك.

إنه لا يفيد اسرائيل أحد مثل فائدة من يحمل بطاقة عضو كنيست اسرائيل وهو يتكلم العربية، لأن هذا هو الدليل في أعين الغربيين أن إسرائيل دولة ديموقراطية، ومهما حاول هذا العضو بعد ذلك إثبات أن اسرائيل دولة عنصرية وتمارس سياسات ظالمة وغاشمة لأن حقيقة عضويته في الكنيست تكذب ادعاءاته، وكيف لا وهي التي سمحت له وأعطته الحق أن يتمثل في برلمانها، بل أن يصرخ ويشتم ويتهم اسرائيل بالعنصرية.

لقد أصبح حالنا مثل تلك المرأة الإنجليزية التي خرجت تنادي أن النار أحرقت بيتها فلم يستجب لها أحد. فمهما نادينا وصرخنا بأن إسرائيل دولة عنصرية ودولة ابرتهايد ودولة احتلال ودوله لليهود فقط، وتقدم ميزانياتها وخدماتها لليهود أضعافًا مضاعفة عمّا تقدمه خدمة للفلسطينيين. إنه لن يصدقنا أحد، وإذا حصل واستمعوا لنا فهو من أجل المجاملات.

فإذا كان الهنود يكتشفون كذبة 31/3 في يوم 1/نيسان، فإن اليهود والاسرائيليين يقولون لنا سلفًا أننا نكذب لمّا نقول انتخابات البرلمان وليس انتخابات الكنيست. وإذا كانت المرأة الإنجليزية لم تجد من يطفئ لها حريق بيتها بسبب كذبة أول نيسان، فمن نلوم إذا لم يصدقنا أحد أن إسرائيل دولة عنصرية وظالمة بسبب كذبة انتخابات البرلمان، ومن سيساعدنا ويهب لنجدتنا لإطفاء حريق عنصرية إسرائيل وظلمها الذي راح يأكل الأخضر واليابس؟

إنه أكذب الكذب، العزف على وتر أن نتنياهو هو الأسوأ ويجب الذهاب بكثافة لصناديق الاقتراع من أجل إسقاطه حتى يخيل للقارئ والسامع لمن ينادون بهذا أن غانتس رئيس الأركان السابق للجيش الاسرائيلي هو حمل وديع، وكأنه لم يكن هو من قاد الحرب على غزة في صيف 2014م ومن دمّر حي الشجاعة.

إن من يرفعون شعار إسقاط اليمين هم أنفسهم من استخدموا مكبرات الصوت في المساجد وعلى السيارات التي جابت شوارع القرى والمدن بالدعوة للخروج للتصويت في انتخابات 1996م لإسقاط نتنياهو وكان البديل ليس إلا شمعون بيرس الذي كانت ما تزال تقطر من يديه دماء مذبحة أطفال قانا في جنوب لبنان. وكذلك فعلوا في انتخابات عام 2009م عندما دعوا لإسقاط نتنياهو لأن البديل باراك سيكون أفضل، وفاز باراك يومها وكانت مجزرة هبة القدس والأقصى في العام 2000م والتي ارتكبها باراك وقتل فيها ثلاثة عشر من أبنائنا في الداخل، وقتل مئات بل الآلاف من أبناء شعبنا في الضفة والقطاع والقدس.

فكيف يجرؤ صاحب قلم أو أي منبر من أبناء شعبنا لينادي بإسقاط اليمين ولسان حاله يقول أن اليسار هو أفضل وأن حزب العمل هو أرحم وأن حزب الجنرالات الآن ما يزال حديثًا وبريئًا، وكأنه لم يمارس الجرائم بحقنا، علمًا أن كل قياداته باستثناء لبيد هم رؤساء أركان جيش سابقون وكلهم قتلة ومجرمون.

وليس هذا وحسب إنهم يرفعون شعار إسقاط نتنياهو واليمين الذي كان وراء سن قانون القومية ناسين أنهم يوم سُنّ القانون كانوا قائمة مشتركة ولم يستطيعوا فعل شيء. فهل تكرموا بإقناعنا كيف سيُفشِلون ويلغون هذا القانون اللعين بعد أن تفككوا وتشرذموا وأصبحوا قائمتين، وما اختلفوا إلا على توزيع الغنائم من الكراسي وما يتبع ذلك ميزانيات لأحزابهم ومنافع شخصية لأفرادهم. ثم كيف لهم أن يقنعونا أنه ومن خلال الكنيست ووجود أعضاء عرب فيها يمكن إسقاط قانون القومية وهم الذين قبلوا أن يكون أحدهم ومندوبًا منهم ليشغل نائب رئيس الكنيست الصهيوني وكان يدير جلساتها في مرات عديدة.
إن كذبة انتخابات البرلمان وصلت إلى حد استهبال أبناء شعبنا، وكأن أبناء شعبنا يمكن أن يصدقوا شعاراتهم الرنانة يوم نادوا وما زالوا ينادون بأنهم سيقفون سدًا في وجه الفاشية. إنها نفس العبارة قالها توفيق طوبي يوم أشغل عضوية الكنيست في العام 1949م عن الحزب الشيوعي وما يزال يرفعها شعارًا بنفس حروفها وكلماتها أتباع طوبي في انتخاب كنيست 2019م، وما تزال الفاشية تتوسع ولم يستطيعوا إيقافه. ولو أن بن غريون الذي وبعد سنة من إعلان إقامة إسرائيل قد عمل على وجود أعضاء عرب في كنيست إسرائيل أي في العام 1949م، لو علم أن بوجودهم سيتم إفشال المشروع الصهيوني وانهياره لما كان حريصًا أشد الحرص على وجود أعضاء عرب في كنيست إسرائيل.

وليس أكذب ممن يروجون بأنهم سيقفون سدًا في وجه الفاشية، إلا من يروّجون أن بالذهاب للتصويت والمشاركة في كنيست صهيون انتصارًا للقدس والأقصى ولباب الرحمة.

إنني أناشدهم بالله أن يحترموا عقول شعبنا ويشرحوا لنا كيف سيكون ذلك وهم الذين منعهم نتنياهو بعد حظر الحركة الإسلامية يوم 17/11/2015م من دخول المسجد الأقصى. نعم، لقد أصدر نتنياهو قرارًا بمنع دخول أعضاء الكنيست إلى المسجد الأقصى، والتزم بذلك أعضاء الكنيست العرب ولم يخالفوا ذلك أبدًا، ولم ينتصر للأقصى ولباب الرحمة إلا أبناء شعبنا عشاق الأقصى وعباده.

لماذا يجعل هؤلاء باب الرحمة خصوصًا والأقصى عمومًا مادة دعائية للترويج لكذبة انتخابات البرلمان، ولماذا جعل الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليًا مادة لكذبة انتخابات البرلمان يوم يقول أحد المرشحين الجدد بأنه سيعمل على إبطال قرار حظر الحركة الإسلامية وإعادة مؤسساتها وقانونيتها، وفي نفس الوقت يطالب أبناء الحركة الإسلامية الشمالية المحظورة إسرائيليًا بإعادة النظر في موقفهم من الانتخابات، لكأن لسان حاله يقول صوتوا لنا من أجل أن نعمل على إلغاء حظركم.

لا يا هؤلاء ألا يكفيكم الرقص على كل الحبال، وتريدون الرقص على حبال باب الرحمة وحبال الحركة الإسلامية المحظورة.

إن كذبة أول نيسان في 1/4 هي كذبة، وإن انتخابات البرلمان في 9/4 هي كذبة أكبر والكذب عيب وتجرّمه المروءة، والكذب حرام ويحرمّه الدين. وكيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “ويل للذي يحدث الحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له”. وإنه صلى الله عليه وسلم الذي كان يمزح ولكنه كان لا يكذب ولا يقول إلا حقًا وهو الذي قال صلى الله عليه وسلم: “عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا”.

وإذا كانت كذبة أول نيسان هي للخداع، أفلا يكفينا سبعين سنة من الخداع والكذب في انتخابات الكنيست نسميها انتخابات برلمان. وإذا كان من تنطلي عليهم كذبة أول نيسان فإنه يطلق عليهم ضحايا كذبة أول نيسان، فإن شعبنا كله ضحية كذبة انتخابات البرلمان، يمارسها بمهارة ودهاء كل أولئك الذين في كل مرة يصورون وجود تمثيل عربي في الكنيست الصهيوني بأنه مصلحة كبرى، وهو في الحقيقة ليس إلا مفسدة كبرى وكذبة أكبر والكذب عيب والكذب حرام.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى