أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

نحن والانتخابات (11).. نحــــن والكنيست

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
كثيرة هي الأسباب الموضوعية التي تمنعنا من المشاركة في انتخابات الكنيست القريبة، سواء تعلق الامر بتاريخ الحركة الصهيونية والهجرة والاستيطان والنكبة، والكنيست وتأسيسها والقوانين الصادرة عنها، ومختلف السياسات الحكومية المتعلقة بنا كفلسطينيين والمجازر التي ارتكبت بحقنا، والحروب التي تشنها منذ قيامها، والى هذه اللحظات على شعبنا، وخاصة في السنوات الاخيرة على أهلنا في القطاع وحربها المسعورة على أسرى الحرية في مختلف سجونها، والتزامها سياسات هدم البيوت ومصادرة الاراضي سواء في الداخل الفلسطيني أو المناطق المحتلة عام 1967، وتغول السلطة في علاقاتها معنا سواء تعلقت هذه العلاقة بماهيتها كدولة ديموقراطية حين تمارس ديموقراطيتها الجزئية وترفض الاعتراف بنا كمواطنين كاملي الحقوق، أو حين ترفض الاعتراف بحقوقنا الجماعية، وسواء تعلق الامر بالحقوق الفردية “المنقوصة” كذلك، هذا فضلا عن علاقة اليهودية كدين وقومية بالديموقراطية في سياقاتها الذاتية وتأثيراتها علينا في مختلف الجوانب، أو استمرار تعريفنا كخطر أمني والتعامل معنا بناء على هذا التعريف وما تخلقَّ عنه من منظومات، وتوسع خطاب الكراهية، وتفكك القائمة المشتركة والقائمة جد طويلة بيدَّ أني سأتناول في هذه المقالة موضوعة الكنيست برسم انها الممثل الشرعي لليهود، كل اليهود ولم تتأسس مطلقا لنكون نحن ممن بقيَّ على هذه الارض بعد النكبة من ضمن مكوناتها السياسية.
جميعنا يعلم أن اسرائيل دولة ديموقراطية وعضو في هذا النادي بغض النظر عن نوعية وماهية هذه الديموقراطية، وارتضت لنفسها منظومة محددة المعالم تحكم مسيرتها الديموقراطية منها على سبيل المثال لا الحصر الانتخابات للكنيست برسم انها التجلي الاكثر وضوحا لهذه الديموقراطية المعلنة، والكنيست من حيث الصلة بالمنظومة الديموقراطية هي الجسم الذي منحه الشعب حق تمثيله بنظمِه للحياة السياسية على اساس من ان الكنيست ممثل للشعب ومجلّ لسيادته.
السؤال هنا: من هو هذا الشعب الذي منح الكنيست هذا الحق وجعله ممثلا له وعنه… هل هم من تبقى من الفلسطينيين على ارضهم بعد النكبة ام هم من مثلتهم الحركة الصهيونية على اختلاف مدارسهم الايديولوجية قبل قيام اسرائيل منذ عام 1897وحتى لحظة الاعلان عن قيام اسرائيل وخاصة في مرحلة بناء معالم الدولة، فيما يعرف بمرحلة الييشوف.
في هذا السياق لن اخوض في هل اليهود شعب كما هل الفلسطينيون المتبقون داخل الخط الاخضر شعب كذلك. ما يهمني هنا هو تحقيق تجريد عقلي لفهم قضية مهمة للغاية يؤسس عليها منطقي التشريع وتفعيلاته وتنزيلاته وارتداداته علينا كفلسطينيين عموما وكفلسطينيين نعيش على ارضنا ويربطنا جدل علاقات متشابك ومعقد مع اسرائيل.
الكنيست كما تشير الادبيات الصهيونية قاطبة هي خلاصة مسيرة مؤسسات واجسام الحركة الصهيونية التمثيلية والهيئات المؤقتة التي اقيمت متزامنة مع قيام الدولة ( في عام 1948 كان لدولة اسرائيل جهاز سياسي متكامل مهد الطريق للانتقال من دولة الييشوف- دولة على الطريق- الى دولة مكتملة الاركان، ولم تكن أي مشكلة في شرعية الهيئات القيادية المؤقتة التي اعلنت عن قيام دولة اسرائيل وفي طليعتها الجمعية الوطنية –لجنة النواب- وكنيست اسرائيل واللجنة القومية )،وهو ما يعني ان العرب المتبقية على هذه الارض بعد النكبة ليس لهم فيها ناقة ولا بعير، وبذلك فالكنيست من الفها الى يائها مُمَثلة للحركة الصهيونية وللشعب اليهودي الذي انضوى تحت عدد هائل من المؤسسات والاحزاب والجمعيات والحركات، وقد حرصت الهيئات الصهيونية العليا على ان تشمل الكنيست كل يهودي مهما كانت عقيدته وأيديولوجيته وحرصت في السياق ذاته على ان تصوت المرأة اليهودية وذلك لضمان ان تكون الفسيفساء اليهودية بالكامل تحت قبة هذه الهيئة، وواضح من الحديث أن هذا كله تمَّ قبل النكبة وبالتالي فتحول هذه الاجسام الى الكنيست هو تحول داخلي جوهري متعلق بصيرورة حركة وصلت الى تحقيق هدفها المتمثل بقيام اسرائيل ( ولا اتناول هنا الموقف في كيفية صيرورات قيام الدولة وما هو حجم الدور الذي مارسه العملاء العرب من الفلسطينيين وغيرهم في قيام هذه الدولة وما هو الدور الفعلي والحقيقي في تلكم الاحداث للذين تحولوا بعد ذلك ليكونوا اعضاء في الكنيست في القوائم الملحقة لحزب مباي بين سنوات 1949-1981).
الكنيست والعودة الخلاصية
الكنيست هي الهيئة التشريعية الوحيدة في إسرائيل، وسميت بهذا الاسم على غرار “هاكنيست هاغدولا” ( المجلس الأكبر)، وقد كانت مجلس النواب اليهودي الذي كان يعمل في عهد عزرا ونحاميا في فترة الهيكل الثاني، والكنيست كما بأعضائها المئة وعشرين عضوا يمثلون الاسباط الاثني عشر في عهد الهيكل الثاني، فقد اقرت الهيئات الانتقالية الحاكمة لما يسمى فترة الييشوف تسمية الجسم الممثل لليهود بالكنيست وليس بالبرلمان كما هو حال الديموقراطيات المختلفة تيمنا وإحياءَّ للكنيست الكبرى التي كانت في عصر الهيكل الثاني، حيث مثل عشرة اشخاص كل سبط من اسباط بني اسرائيل باعتبار ان المجلس الاكبر “هاكنيست هاغدولا” كانت الهيئة العليا الممثلة لليهود والحاكمة لهم ولذلك فالكنيست اليوم في جوهرها تمثل حالة رمزية للمملكة اليهودية في عصر الهيكل الثاني من جهة التواصل التاريخي مما يعني اننا امام استحضار للتاريخ بكل ما فيه من رمزيات وفي الوقت ذاته تأكيد مادي ملموس لنهاية الدياسبورا وبدأ الخلاص ليهود الشتات من جهة أخرى وبذلك فنحن امام تماثل ديني –قومي لليهود مع ثلاثة الاف عام من الشتات ولذلك اعتبرت الكنيست حالة إحيائية ربطت رمزيا بين يهود الشتات وعودة الدولة اليهودية كظاهرة خلاصية لليهود مما يدفع للسؤال حول دور ومكانة العرب المشاركين في الكنيست وهل هم في هذه المحايثة، جزء من مسيرة ثلاثة الاف عام ؟. لا بل تكمن مفارقة جد سيئة في ان هذه الهيئة التي انضوى تحتها ممثلون عن عرب الداخل الفلسطيني جاءت لتحقق ذاتا يهودية متجددة على حساب ذات عربية فلسطينية طُرِدت من ارضها نكبة وهربا وخلاصا من عذاب وجرائم الحركة الصهيونية وبذلك تكون الكنيست التي هي خلاص يهودي دفع نحو قدوم اليهود الى ارض “فلسطين” هي ذاتها ممثلة لمن تَخَلَصَ من الفلسطينيين وكأنهم فائض بشري كان لا بدَّ وفقا للمنظومة النتشوية التي تأسست على قيمها الصهيونية التخلص منهم، فهل المنضوون تحت هذه القبة شركاء في هذا الخلاص والتخلص؟.[ المفترض ان هذا التحليل المحايث يذكر القارئ الكريم والقارئة الكريمة بمأساة اليهود في المانيا النازية].
الكنيست كما هو واضح من وظيفتها تمنح الشرعية لمختلف المؤسسات في الدولة وفي مقدمتها الحكومة التي تتشكل من ممثلين في الكنيست “احزاب تتآلف معا ” وهي التي تسن وتشرعن القوانين والاجراءات ومن خلالها تتم العملية السياسة “المعلنة” بين جمهورها اليهودي” ومن ثم يعود السؤال مرة اخرى عن دور الاحزاب العربية في الكنيست وما تقدمه لمن يصوت لها؟
الكنيست الاسرائيلي هي الممثل للشارع اليهودي تمثيلا جوهريا ضم كافة الاطر السياسية الدينية والعلمانية ويعبر بوضوح عن كافة الشرائح المجتمعية اليهودية العلمانية الشديدة التعلمن والدينية الشديدة التدين سوى مجموعات يهودية قليلة العدد لا تعترف بإسرائيل ولا بالحركة الصهيونية وطبعا لا تعترف بالكنيست، والكنيست وفقا لهذه الخصيصة يُنظرُ أليها على انها تجل لمسيرة ثلاثة الاف عام من مسيرة اليهود في الشتات، وهم يحافظون على هويتهم وثقافتهم الدينية.
في هذا السياق من الجدير بالذكر ان الموقف الاسرائيلي اتجاه العرب في اسرائيل في تلكم اللحظات التأسيسية لم يتم تناوله في الكنيست بل تم اتخاذ القرارات النهائية بشأنهم في أقبية وغرف المخابرات واجهزة الامن والعسكر ولم يكن للحكومة أي صعوبة فيما بعد، تمرير ما تراه مناسبا من قوانين قررت مصير هذه الاقلية المهيضة الجناح خاصة ما تعلق بالأراضي والعقارات والمواطنة، بل إنَّ قضايا خطيرة من مثل مذبحة كفر قاسم ويوم الارض لم تطرح في الكنيست بشكل عميق وجوهري كمؤشر عن ان الكنيست ما أسست الا من اجل اليهود وفقط اليهود، ولم تكن القوائم العربية الملحقة بحزب مباي لتؤثر على واقع الاقلية فلم يتم التعامل معهم كممثلين ونواب ووسطاء بين المواطنين والسلطة ( انظر جال نور وبلاندر” الجهاز السياسي في اسرائيل ،ص948-950″).
مجلس الدولة المؤقت فرض الحكم العسكري على الاقلية العربية وبقي ساري المفعول حتى عام 1966، ولم تتجرأ القوائم العربية الملحقة في الكنيست ان تطالب بإلغائه علما ان قانون الطوارئ الذي فرض الحكم العسكري بناء عليه، ما زال ساري المفعول، فماذا فعلت القوائم العربية ومن بعدها الحركات والاحزاب السياسية في هذا الصدد. انها لم تستطع الغاء هذه القوانين ولن تستطيع، والتعليق والتحليل اتركه مفتوحا.
ثمة سؤال يطرح حول السبب الذي دفع بن غوريون للموافقة على إشراك الاقلية العربية بانتخابات الكنيست عام 1949 أي بعد اقل من عام لقيام الدولة.
قد يذهب مباشرة البعض للإشارة إلى أنَّ منح الاقلية العربية آنذاك الهوية الزرقاء “المواطنة” منحَهم مباشرة حق التصويت بوصفهم مواطنين ، وهو ما دفع بن غوريون للموائمة بين الاسس التي اقيمت عليها الكنيست كممثل للشعب اليهودي وبين وجود اقلية عربية مُنِحَت الهوية الزرقاء، من خلال استغلال الصوت العربي الفاقد للأهلية في تلكم الفترة لصالح تعزيز حزبه انتخابيا رغم انه شخصيا ومعه حزبه الاكثر مكرا وتخطيطا وتنفيذا للسياسات ضد الاقلية العربية فبن غوريون، هو من فرض الحكم العسكري وهو من ناقش مع حزبه في الكنيست عام 1950 وفي الهستدروت اكثر من مرة كيفية التعامل مع هذه الاقلية وكان موشيه ديان قد تقدم بطروحات تتعلق بالاستمرار في طرد العرب المتبقين.
اذا كانت الكنيست هي المكان التشريعي الذي تتم فيه عمليات التشريع التي تمتهننا وتحاصرنا باعتبارها جزء اساس من الصيرورة الصهيونية التي ترى بنا “الخطر الاستراتيجي”، وتؤكد الحياة السياسية اليومية انه لا يمكن للنواب العرب من خلال هذه المنصة ان يغيروا في واقعنا العام والخاص من شيء فلماذا هذا الاصرار على دخول الكنيست ولمصلحة من هذا الاصرار وما هي الفوائد المرتجاة منه مقابل الاضرار اللاحقة بنا كأقلية صاحبة هذه الارض؟.
في تصوري آن الاوان لتقديم الاجوبة الشافية على مثل هذا السؤال وغيره كثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى