أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

فضاؤنا المليء بالخطوط الحمراء المختَرَقة!.. ماذا نريد؟ سقف الأهداف والطموحات ودائرة الكنيست الضيقة

حامد اغبارية
لكي نعرف الجواب الشافي على السؤال: لماذا يجب عدم الترشح للكنيست الإسرائيلي ولا المشاركة في التصويت؟ علينا أن نسأل الأسئلة الأهم: ما الذي نريده نحن؟ ما هو سقف أهدافنا؟ ما الذي نطمح إليه ونرجو تحقيقه؟ وهل حققت لنا المشاركة في الكنيست (عضوية وانتخابًا) شيئا مما نريد؟ هل لامست سقف الأهداف؟ هل اقتربت بنا إلى ما نطمح إليه؟
إن الانتخابات ليست مجرد حقّ (قانوني) يمارسه “المواطن” كجزء من آلية اختيار حكم سياسي، بل هي مقياسٌ يستطيع الفرد والجماعة قياس مدى فائدة هذه الوسيلة من خلال كونها رافعة لتحقيق الأهداف التي يرجوها الفرد وترجوها الجماعة. وإن من العقلانية المُفرطة جدا، ومن الذكاء السياسي البسيط جدا أن يفحص الفرد، وأن تفحص الجماعة – في كل مرة من جديد- ما حققوه من خلال الانتخابات والعضوية في الكنيست، وأن يقفوا عند التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة، كيما يقرروا ما إذا كان من الطبيعي ومن المُجدي الاستمرار في هذه اللعبة.
وفي حالتنا نحن نجد الجواب على كل ذلك من خلال الواقع الذي نعيش.
ولسنا نحتاج إلى كبير جهد كي ندرك- إن كنا نبحث عن الحقيقة- أن هذا الملعب لا يصلح لنا، بل إنه ألحق بنا أضرارا خطيرة، يبدو أنه من الصعب الشفاء منها، أو هي على الأقل تحتاج إلى علاج الكيّ كي نبرأ منها.
ما الذي نريد؟
إن كنا نعرّف أنفسنا فلسطينيين يعيشون في وطنهم، وأننا جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، نحمل ذات الهم، ومصيرنا ذات المصير، فإن ما يؤذي أبناء شعبنا في الضفة والقطاع والشتات يجب أن يؤذينا. فهل هذا ما نشعر به فعلا؟
كيف ذلك ونحن نمارس حياتنا وكأننا جزء من الفضاء الإسرائيلي؟ بل هناك من يجعلك تشعر أنه يفتخر بذلك، وهو يدافع بحرارة واستقتال عن ضرورة المشاركة في الانتخابات والتصويت؟
نعم، نحن جزء أصيل من شعبنا الفلسطيني. ولأن شريحة كبيرة من أبناء شعبنا مشردة في أصقاع الأرض، فإن مطلبنا أن يتحقق حق العودة لكل لاجئ فلسطيني إلى قريته التي هجّر منها، وبيته الذي اقتلع منه، وأرضه التي سلبت منه. فهل يستطيع أيٌّ من الأحزاب التي ربطت مصيرها بالكنيست أن يزعم أن عضوية الكنيست قرّبتنا من هذا الهدف؟
نعم، نحن جزء لا يتجزأ من شعبنا الفلسطيني، ولنا أهلٌ في الضفة الغربية المحتلة عام 1967، ويوميا نرى كيف أن الاحتلال ينفذ المشاريع الاستيطانية في كل بقعة من الضفة. فهل يملك أحد من قيادات الأحزاب أن يزعم أن عضوية الكنيست أوقفت بناء كوخ صغير في مستوطنة واحدة من تلاك المستوطنات المنتشرة كالسرطان الخبيث في الضفة الغربية؟
ونحن نرى الجريمة الدامية التي يرتكبها الاحتلال ضد الأهل في قطاع غزة منذ نحو اثنتي عشرة سنة. فهل نجح أيٌّ من أعضاء الكنيست العرب في فتح ثقب إبرة في جدار الحصار على غزة كي يتنفس منه أهلنا هناك؟
نعم، نحن ذلك الجزء الذي بقي في الوطن الفلسطيني منذ نكبة شعبنا عام 1948، وفي هذا الجزء من الوطن هناك نحو نصف مليون لاجئ من أهلنا يعيشون بيننا ويحلمون بالعودة إلى قراهم المهدمة، والتي تبعد عنهم بضع مئات من الأمتار. فمن ذا الذي يمكنه أن يزعم أن عضوية الكنيست حققت للاجئ واحد من هؤلاء الأهل حلم العودة إلى قريته التي يراها أمامه كل يوم، ويتحسر عليها، ولا يستطيع أن يعود إليها؟
نعم، نحن جزء من شعبنا الذي نُكب ثانية يوم أن سقطت القدس جريحة بين براثن الاحتلال، وانتُهكت قدسية المسجد الأقصى المبارك، ولا تزال تُنتهك حتى هذه اللحظة بشكل يومي. فأيٌّ من أعضاء الكنيست العرب يمكنه أن يزعم أنه رفع مقدارا بسيطا من الأذى عن القدس وعن الأقصى اللذين ينزفان يوميا تحت سطوة التهويد والتدنيس وتزوير التاريخ والآثار، وهم الذين لم يجرؤ واحدٌ منهم على تحدي قرار نتنياهو عام 2017 يوم قرر منع أعضاء الكنيست من دخول الأقصى في أعقاب أحداث البوابات الإلكترونية؟
وإذا كنا نتحدث عن وضعنا كمجموعة ذات امتداد فلسطيني وعربي وإسلامي فُرض عليها – بقوة السلاح- أن تعيش في كيان لم تختره بنفسها ولا لنفسها، فما الذي حققته المشاركة في الكنيست لوضع حدّ لهذه المعاناة التي فرضها علينا هذا الوضع دون اختيار منا؟
إذا كانت مشكلتنا في جهاز التعليم، فلنسأل أنفسنا: ماذا صنع بنا جهاز التعليم، وماذا يصنع بأبنائنا وبناتنا؟ وما الذي أمكننا تغييره في مضامين منهاج التعليم الذي يزوّر الرواية ويغسل الأدمغة ويشوه التاريخ، ويسعى إلى إنتاج مخلوق جديد، تجوز تسميته باسم “العربي الإسرائيلي”؟
هل تمكنت عضوية الكنيست من التقدم قيد أنملة في تغيير الأوضاع في جهاز التعليم في المدارس العربية؟ هل أنجزت خطوة واحدة صغيرة نحو تغيير مضامين المنهاج، بحيث تحمي هوية الطالب العربي الفلسطيني وانتماءه الحقيقيين؟
في الأيام الخمسة الأخيرة هدم نحو 15 بيتا في مجتمعنا، في مدينة رهط في النقب المنكوب، وفي قرية خور صقر في وادي عارة، وقبلها بأسابيع هدمت عشرات البيوت، وقبلها مئات البيوت، حتى أصبحنا نستيقظ كل يوم تقريبا على مأساة هدم جديدة، تُشرّد بسببها عائلات، تضم نساء وأطفالا وشيوخا. فهل تمكنت عضوية الكنيست من منع هدم “خربوش” متهالك في أية بقعة من مجتمعنا؟ إن كان هناك من يزعم ذلك فليُرِنا إنجازاته!
وإننا جميعا، بمن فينا الأحزاب المستقتلة على الكنيست، نعلم جيدا أن التقارير الرسمية!! تصفعنا كل سنة بمعطيات مرعبة عن مستوى الفقر في مجتمعنا، فهل تمكنت عضوية الكنيست من وقف هذا النزيف؟ هل استطاعت أن تحرك الماء الراكد، لتخفيض نسبة البطالة في أوساط الشباب والأكاديميين؟ هل حققت شيئا ما (ولو على سبيل التفاخر) لرفع مستوى معيشتنا المتردي؟
وإذا كنا جميعا نعلم أن الفلسطيني في هذه البلاد يعاني من التمييز المفضوح أمام القضاء الإسرائيلي، فهل تمكنت عضوية الكنيست من رفع هذا الظلم عنا؟ علما أن تقارير كثيرة، وأغلبها إسرائيلية تتضمن معطيات فاضحة عن التمييز ضد العرب في الجهاز القضائي!!
وإذا كان أعضاء الكنيست (العرب طبعا) يزعقون من على منصة الكنيست صباح مساء احتجاجا على القوانين العنصرية التي يسنها الكنيست، الذي هم أعضاء فيه، ما يعني أنهم يعرفون التفاصيل الدقيقة عن هذا البلاء، أكثر من غيرهم، فهل تمكنوا أفرادا ومجتمعين أن يوقفوا سنّ قانون عنصري واحد، يستهدف حريتنا وكينونتنا ووجودنا؟
وإذا كان أعضاء الكنيست (العرب طبعا) قد ذاق بعضهم أذى الملاحقة السياسية على جلده، وعاش أسوأ لحظات هذه الملاحقة وهي تمارَسُ ضد أبناء شعبه وقياداته، فهل في مقدورهم أن يوقفوا هذه الملاحقات؟ هل استطاعوا، أو استطاع أيٌّ منهم أن يخفف من هذه الملاحقات شيئا مهما كان طفيفا؟
وإذا كان أعضاء الكنيست (العرب طبعا) يعترفون أننا، كمجتمع فلسطيني، نعاني من قبضة أمنية مشددة، ومن ملاحقات أمنية قبيحة، ومن قمع بوليسي أسود، أفلا يقولون لنا مثلا، ماذا فعلوا من أجل تغيير هذه المعادلة البغيضة؟
ذات مرة كانت كل هذه القضايا وغيرها “خطوطا حمراء” لن تسمحوا بتجاوزها، حتى أصبح فضاؤنا كله خطوطا حمراء اخترقتها المؤسسة الإسرائيلية بكل أجهزتها التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (الكنيست) والقضائية، ومن خلفها الإعلام الصهيوني المجنّد. وفي كل مرة تُخترق فيها خطوطكم الحمراء ترسمون لنا خطا أحمر جديدا، ونجلس نحن ننتظر لحظة اختراقه…
أيها السادة، لا أعرف إن كنتم تخدعون أنفسكم، فأنتم وحدكم تعرفون الجواب، ولكنكم تخدعون أبناء شعبكم، من خلال لعبة ليست لنا ولسنا لها. إنها اللعبة الإسرائيلية التي أقحمتم شعبكم فيها وأنتم تعلمون أنه لا طائل من ورائها. بل أستجمع شجاعتي وأقول: أنتم بفعلتكم هذه ساهمتم، من حيث تعلمون، في وضعنا داخل أتون اللعبة الإسرائيلية الضيقة، وضيقتم الطموحات، وخفّضتم سقف الأهداف، ليس اليوم فقط، بل بعضكم مارس هذا الدور منذ عام النكبة، بل أقول إن بعضكم مارسه قبل النكبة… حتى أصبح أكبر طموح لنا تنظيم مظاهرة مرخّصة، وتحصيل لقمة الخبز، والحصول على وظيفة، وتطوع محامين للدفاع عن أبنائنا الذين يعتقلون في المظاهرات، بعد أن يتعرضوا للقمع البوليسي والتنكيل الأمني، ورفع الصوت بالاحتجاج العبثي ضد كل المآسي التي ذُكرت هنا، والتي لم تُذكر، وهي كثيرة لا تكاد تُحصى. بل إن بعضكم يقاتل (بشجاعة تضرب بها الأمثال!!) من أجل دمجنا في المؤسسة الرسمية، من خلال الوظائف في الوزارات والشركات الكبرى، كي نصبح جزءا من المؤسسة!! بل حتى في هذه فشلتم…
فهل هذا ما نريد؟ أم أن ما نريد يقف الكنيست عقبة أمام تحقيقه؟…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى