أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

نحن والانتخابات.. نعم للتصويت.. لا للتأثير!!

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
نادت وثيقة استقلال دولة اسرائيل ابناء الشعب الفلسطيني ممن تبقوا على أرضهم بعد النكبة بـ “أخذ دورهم في بناء الدولة على أساس من المواطنة الكاملة والمتساوية وعلى اساس من تمثيل مناسب لهم بكل مؤسسات الدولة”.
هذا النداء، كان كذبا وافتئاتا، أرادت من ورائه الدولة الناشئة ذر الرماد في عيون المجتمع الدولي الذي وافق ودعم قيامها، وفي الوقت ذاته أزعجه ما تقوم به بحق الفلسطينيين، فمباشرة بعد اعلان الاستقلال في أيار من عام 1948، أعلن عن الحكم العسكري على الفلسطينيين داخل الدولة الناشئة المستندة على الموروث الاحتلالي البريطاني، وكما يشير بعض الباحثين الإسرائيليين لتلك المرحلة، أن تلكم القيادات كان معظمها يميل الى الاعتقاد بأنه كان من الاجدى لو كان هؤلاء العرب خارج حدود الدولة الناشئة، أو في أحسن الاحوال مجرد مستأجرين.
نعم للتصويت.. لا للتأثير
سارعت هذه الدولة الناشئة بالسيطرة على كافة مقدرات المهزوم الفلسطيني، سواء كانت مقدرات منقولة او غير منقولة. عمليا قامت اسرائيل على انقاض الشعب الفلسطيني، لا من حيث الارض فحسب، بل ومن حيث الممتلكات والارزاق، وقد امتد الحكم العسكري على ثمانية عشرة عاما، أتمت خلالها الدولة الناشئة كافة مخططاتها، وفي مقدمتها مصادرة الارض والممتلكات والحيلولة دون قيام جسم سياسي واعي رافض للوجود الاسرائيلي، وفي الوقت ذاته سمح هذا “الاحتلال الديموقراطي” لهذه المجموعة بالتصويت في الكنيست، والمشاركة بقوائم وإن كانت ملحقات للحزب الصهيوني الحاكم آنذاك، حزب “مباي” الذي تحول فيما بعد الى حزب العمل.
حدد بن غوريون ومن معه في تلكم المرحلة عدة محددات للفلسطينيين، بناء على انهم جزء من شعب منكوب وعالم عربي خاسر لمعركة “وجودية ” أفرزت واقعا جديدا في المنطقة، بل والعالم، وكان يدرك تماما أن هذه المجموعة المهجرة والمنكوبة، لن تستسلم او تسلم بالأمر الواقع، ووفقا لهذا التصور، فقد تم التعامل معهم بناء على المحددات التالية: مستوى العداء، مستوى خطورتهم الوجودية، مستوى خطورتهم المرحلية، مدى حاجة الدولة لخدماتهم. وهذا كله ضمن دولة تعتبر نفسها يهودية وديموقراطية، أصدرت وثيقتها وبقيت فيها اقلية مهزومة، وبناء على ما سبق، فقد خرج ن غوريون بثلاثة قواعد أساسية في التعامل مع هذه الاقلية المهيضة الجناح التي تخيف هذه الدولة بالرغم من ضعفها المريع: نعم للمشاركة في انتخابات الكنيست والتصويت، لكن لا للتأثير في مجرى العملية الديموقراطية ومنجزها السياسي- أي تشكيل الحكومة- أي نعم للتصويت ولا للتأثير، ليسوا شركاء شرعيين ومتساويين في الحديث عن واقع ومستقبل الدولة، ولا للمشاركة في التأثير الاجتماعي والاقتصادي على حركة الحياة في الدولة اليهودية الديموقراطية .
بناء على هذه القواعد التي اشتقت من المحددات التأسيسية التي وضعها بن غوريون، بقي تأثير العرب في الانتخابات، تأثيرا صفريا، بل ومن المضحكات المبكيات أن عديد القوانين التي استهدفت وجودنا إبان الحكم العسكري، تم التصويت عليها قبل تلكم الملحقات لحزب “المباي” او “المبام”، بل وكانت ثالثة الاثافي في عهد رابين، يوم أراد تشكيل حكومته واحتاج الى الاحزاب العربية لتكون قوة داعمة خارجية لتُمكنه من تشكيل الحكومة، وافقت تلكم الاحزاب مقابل منح الاموال للسلطات المحلية وبذلك استمر ربين في سياسات الآباء، بجعل العرب خارج النص السياسي المؤثر بل، وقابل ذلك بما هو أخطر وصفحة سوداء تسجل في سجل تلكم الاحزاب العربية في تلكم الفترة التاريخية، وذلك بصمتهم على مصادرة اراضي ابو غنيم، وبناء اكبر تجمع استيطاني في مدينة القدس على جبل ابو غنيم، مقطعا أواصر التواصل المقدسي مع بيت لحم وبيت جالا، وكان ذلك من مبشرات اتفاقية أوسلو التي لطمت الشعب الفلسطيني لطمة لم يقم منها بعد.
نتنياهو يتقدم خطوة الى الامام
السؤال: هل تغير شيء منذ عام 1948 والى اليوم. الجواب في تصوري لا، بل تفاقمت الامور، وما كان يقال عنّا في الغرف المغلقة والاروقة الأكاديمية الضيقة، يُقال اليوم في العلن من كافة القوس السياسي الاسرائيلي، إلا القليل والحقيقة المؤلمة التي يرفض الكثير الحديث عنها وجعلها جزءا تأسيسيا من روايتنا الخاصة نحن في الداخل الفلسطيني، أن آباءنا هم من بنى هذه الدولة من أم رشرش “ايلات” جنوبا، وحتى الناقورة والخالصة “كريات شمونه” شمالا، ومع ذلك بقوا في أعين السلطات الاسرائيلية الخطر الذي يهددهم.
مشاركة الداخل الفلسطيني في انتخابات الكنيست، وحتى في انتخابات السلطات المحلية، مصلحة اسرائيلية عليا، مع الفارق الطفيف بين الامرين، وكل دارس لتاريخ العلاقة بين الاقليات والاغلبيات الوافدة، سيجد انها امام ثلاثة حالات: مواجهة، احتواء، توافق. وواضح أنَّ الاقلية العربية الفلسطينية تعيش هذه الاحوال الثلاثة بأشكال مختلفة حادة أحيانا، ومتداخلة في احايين كثيرة، ولذلك ثمة من يرى أن دخول الانتخابات والمشاركة فيها يقع بين تحديات هذه الحالات الانفة الذكر تماما، كما أن المنادي بالمقاطعة يقف بالمقابل تماما وبرؤية معاكسة، مما يتطلب العودة الى الاسس التي تعتمدها المؤسسة الحاكمة بكافة اجهزتها وهيئاتها السياسية والحزبية حتى هذه اللحظات، فنحن تماما كما حدد بن غوريون، نصوت ولا نؤثر وهو ما مضت عليه حكومات اسرائيل المتعاقبة فيما يتقدم اليوم نتنياهو خطوة واحدة إلى الامام مفادها رفض وجودنا السياسي جملة وتفصيلا، الا ما تواطأ مع سياساته الرامية لتحقيق سيادة يهودية، وكان له ذلك بعد أن نقل الدولة من هويتها الاسرائيلية المتشظية الموروثة من “الييشوف”، الى دولة في الطريق نحو اليهودية، أي دولة تتجه نحو هوية يهودية قومية ودينية.
وفي هذه المسيرة ثمة استحقاقات، اسهلها المتعلق بالفلسطينيين الذين بقوا على أرضهم ممن يحملون البطاقات الزرقاء وهامشا من المواطنة، وهذا الاستحقاق يتطلب بناء محددات جديدة تتعلق بصيرورة العلاقة معها، بناء على مجمل العلاقة الآخذة بالتجلي والتقعيد مع العالمين العربي والاسلامي من جهة، ومستقبل القضية الفلسطينية من جهة أخرى، في ظل الحرب المعلنة على التيارات الاسلامية والتي قاربت في بعض الدول الحرب على الدين وأصوله. وهذا كله يتم في سياقات وصيرورات العلاقات البينية داخل المجتمع الاسرائيلي، إن من حيث الهوية الجديدة/ المتجددة، أو من حيث العلاقات المترتبة داخل هذا المجتمع، بين من يطالب بدولة “الهلخاه” ومن يطالب باحترام “الهلخاه”، على اعتبار أن مسألة الدين والتدين اضحت حاضرة بقوة داخل هذا المجتمع، وفي هذه المرحلة الجديدة الآخذة بالتخلق امامنا ليس امامنا الا الوحدة والتوحد، ولا أخال الكنيست السقف الذي يمكننا من خلاله الذبُّ عن أنفسنا ووجودنا إذا قمنا بجردة حساب لعقود سبعة خلت.
لقد تبلور وضع العرب في التعاطي مع المؤسسة رسميا عبر سلسلة من القوانين أطّرت مجمل العلاقة بين المجموعتين، الاولى مجموعة نافذة مسيطرة تملك القوة وتملك أسبابها، والثانية مهزومة تتآكل قوتها باستمرار لصالح ما تنحته فيها الاغلبية، عبر مفاعيلها المختلفة الرسمية وغير الرسمية.
عمليا قامت المؤسسة الاسرائيلية بسن مئات القوانين التي” شلّحت” العرب من أرضهم وممتلكاتهم ومقدساتهم، ووصل بها الامر الى تحديد معاني وهيئات العلاقة معنا من خلال قانون القومية، الذي بات يشكل حجر أساس في كثير من القضايا المعروضة في المحاكم الاسرائيلية ضد المؤسسة، وشخصيات سياسية وغير سياسية، باعتباره قانونا يمنح التفوق “النوعي” والعضوي لليهودي على غيره، برسم يهوديته ووجوده على هذه الارض التي سلبها أجداده برسم القوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى