أخبار رئيسية إضافيةمقالات

التنكيل السياسي: كان علينا أن نتحرك قبل الآن بكثير…

عبد أبو شحادة

صباح الأربعاء الماضي، قدّم محامو الشيخ رائد صلاح استئنافا على قرار المحكمة تمديد اعتقاله حتى انتهاء الإجراءات القضائية ضدّه، يأتي ذلك بعد أن اعتقلت قوات الأمن الإسرائيليّة الشيخَ من بيته في أم الفحم، بعد اقتحامه، في ساعات الفجر الأولى للخامس عشر من آب/أغسطس، وبعد تمديد اعتقاله مرّتين، قدّمت ضدّه لائحة اتّهام تضمنت اتهامه بـ”التحريض على العنف، والانتماء لتنظيم غير قانوني” (الحركة الإسلامية بشقّها الشماليّ الذي قامت السلطات الإسرائيلية بحظره عام 2015)، وقرّرت المحكمة تمديد اعتقاله حتى انتهاء الإجراءات القضائية.

هذه ليست المرّة الأولى التي يلاحق فيها الشيخ رائد صلاح سياسيًا، كما أنها ليست المرّة الأولى التي يُعتقل فيها. كما أنه لا يمكن التوقّع من المحكمة الإسرائيلية غيرَ ذلك، في ظلّ موجة الإسلاموفوبيا التي تعتصر المجتمع الإسرائيليّ، لكنّ ما يميّز الاعتقال الحالي هو التنكيل الذي أعلن الشيخ صلاح التعرّض له أثناء الاعتقال، ومن ذلك: سجنه في عزل انفراديّ تخصّصه مصلحة السّجون لمعاقبة الأسرى بعد “إخلالهم” بقواعد السجن. وفي هذه الزّنزانة الانفراديّة، يأكل الشيخ صلاح، ويصليّ وينام.

وبعد ذلك، تم نقله إلى زنزانة ضيّقة للغاية، بالإضافة إلى تعرّضه لهجمات جسديّة ولفظيّة من السجّانين. ولم يقتصر التنكيل على ظروف الاعتقال، إذ تمّ حجزه أكثر من 10 ساعات في سيارة الترحيلات من السجن إلى المحكمة، مصفّد اليدين والقدمين، بالإضافة إلى ربط أيديه بأقدامه بنوعٍ خاصٍّ من الأصفاد، ما جعله، لطول الرّبط ووضعيّته، إلى فقدان الإحساس بأكُفِّ قدميه ورجليه.

وللأسف، كل هذا التنكيل، الذي يصلّ حد الإهانة، مرّ بصمت مدقع ومخجل من قبل القيادة الفلسطينيّة داخل الخطّ الأخضر.

أعي أن في المجتمع العربي، في المقابل، عددًا من الحركات السياسيّة المتنافسة بينها على رأي الجمهور العربيّ، وأن قسمًا منها يتناقض أيديولوجيًا، لكنّ سكوتها (وسكوتنا) على ما تعرّض له الشيخ رائد مخجلٌ وسندفع جميعًا ثمنا لذلك.

بدايةً؛ لم يخرج لا الشيخ رائد صلاح ولا الحركة الإسلامية بشقّها الشماليّ عن القانون الإسرائيلي، والقرار بإخراجها عن القانون اتُخِذ بشكل غير ديمقراطي لا نقاش فيه؛ ألا وهو الاستناد إلى قانون الطوارئ لأجل إقرار قرارٍ إداري دون أي مسار قضائيّ أو فحص الحقائق.

ثانيًا؛ مواقف الشيخ رائد صلاح تندرج ضمن الإطار المقبول للخطاب السياسيّ في المجتمع العربيّ، سواءً في ما يتعلّق بالمسجد الأقصى المبارك، أو في ما يتعلّق بالنضال الشعبي ضد الاحتلال الإسرائيلي في غزّة والقدس وسائر مدن الضفّة الغربيّة.

لذلك، فإن إخراج الحركة الإسلامية خارجَ القانون واعتقال الشيخ رائد صلاح، يأتي ضمن السياق السياسي الإسلاموفوبيّ الذي يعطي النظام الإسرائيلي “شرعيّة” مطلقة مزادًا عليها إدراك النظام بأن القضاة سيوافقون على الإصغاء لجوقة التحريض العنصري خوفًا من رأي الجمهور الإسرائيليّ.

بصراحة، لا أتوقع كثيرًا من المجتمع الإسرائيليّ، وبالطبع من أحزاب اليمين أو اليسار الصهيونيّة، إذ أن اليمين الإسرائيلي فقدَ كل رمزٍ ليبرالي وهو ضدّ الديمقراطية في فكره، ويعمل جاهدًا على خصي ولجم المحاكم الإسرائيليّة وضدّ حقوق الإنسان (الفلسطيني تحديدًا). فبالأمس فقط، اقترح وزير السياحة الإسرائيلي، ياريف لافين، تقصير عهدة القضاة في محكمة العدل العليا، ردًا على قرار القاضية مريم نيئور المشاركة في احتفال تقيمه الحكومة الإسرائيليّة في مجمع غوش عتصيون الاستيطانيّ.

كما أن اليسار الصهيونيّ “أخرق”، بالتعبير الدقيق للمفكر الصهيونيّ يشعيهو ليفوفيتش، الذي سماهم بذلك لعدم قدرتهم على اتخاذ “مواقف أخلاقيّة” في الوقت المناسب ولخيانتهم مبادئهم، وفي الحالات المعقّدة أكثر، يعتقدون أن الديمقراطية واحترام القانون هما لليهود الإشكيناز العلمانيين فقط.

لكن الأكثر مدعاةً للإحباط هو نحن، المجتمع العربيّ، المتفقون مع الشيخ رائد صلاح والمختلفون معه، لعدم خلقنا احتجاجات شعبية واسعة ضدّ ظروف الاعتقال هذه، ويتشاطر هذه المسؤولية، كذلك، أعضاء الكنيست، العالقون في استحقاق التناوب والتحقيقات ضدّهم، وإن “قدّر الله حسن النوايا”، فهم عالقون في بناء معسكرٍ ديمقراطيّ مع الأحزاب الصهيونيّة التي تهتف تأييدًا لاعتقال الشيح رائد صلاح؛ ولجنة المتابعة التي لا تضع اعتقاله على رأس سلم أولوياتها؛ ورؤساء البلديات والمجالس المحليّة غير المستعدّة لإعلان الإضراب احتجاجا على الإهانة التي يتعرّض لها.

نحن محبطون لأننا نرفض أن نفهم أن هذا التنكيل ليس إلا استباقا لما سيتم تطبيقه علينا جميعا، ذلك أن احترام المعتقل، أي معتقل كان، هو حقّ أساسي، خصوصًا في ظروف كهذه، يتوقف فيها النظام الإسرائيلي عن احترام المعايير المنخفضة التي وضعها هو لنفسه؛ الإهانات التي يتعرض لها المعتقل تشير إلى أن قوات الأمن تسعى إلى كسر روحه، لتلقينه درسًا، بل حتى دفعه إلى الجنون عبر ممارسات عنيفة تمسّ نفس الإنسان، وتكسر روح نضاله.

كي نفهم فشلنا، علينا، أولا، أن نستوعب أن الحديث يدور عن أحد قاداتنا التاريخيين، ويعمل، منذ عشرات السنوات، لأجل شعبنا الفلسطيني، ومعروف بمكانه الاجتماعية والسياسيّة. قائدٌ، حتى أولئك الذين لا يوافقونه، يقّرون بعطائه وتضحياته.

لكن، باستثناء مهرجان دعم واحدٍ في أم الفحم وعددٍ من المقالات التي نشرت هنا وهناك، تستمر حياتنا كالمعتاد. وما يزيد من الأسى، هو أن صمتنا يضيّق، أمام أعيننا، ساحة عملنا السياسيّ، كلنا نعرف أنه بعد انتهاء التنكيل بحق الشيخ صلاح، سينتقلون إلى قادة آخرين وحركات سياسية أخرى، وعندما يتعرّض باقي قياداتنا وناشطينا الفاعلين للتنكيل والإساءات، وفقط عندها، سنقول “كان علينا أن نتحرك قبل الآن بكثير”.

لذلك، إذا استمرت القيادة العربية وعلى رأسها لجنة المتابعة والقائمة المشتركة في عدم اتخاذ خطواتٍ تصعيديّة جديّة وعدم مطالبتها بتحقيق الحدّ الأدنى من المسار القضائي العادل، فإننا، كمجتمع عربي فلسطيني داخل الخطّ الأخضر، سنستمر في التعرّض للتنكيل لأسباب سياسيّة.

(المقال من موقع عرب 48)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى