أخبار رئيسيةأخبار عاجلةتقارير ومقابلات

سجى… لن يهزمها الفوسفور الأبيض في غزة

في قطاع غزة المحاصر، ثمّة مقاومون صغار. هؤلاء، على الرغم من طفولتهم المسلوبة، يصرّون على التصدّي للاحتلال الإسرائيلي بأشكال مختلفة. سجى واحدة من هؤلاء.

في حيّ أصلان ببلدة بيت لاهيا، شماليّ قطاع غزة، تعيش عائلة سعيد خلة التي خبرت كما سواها من عائلات القطاع أزمات عدّة على خلفيّة الحصار المستمر والعدوان الإسرائيلي المتكرر. أمّا قصّة العائلة الخاصة، فأتي تحت عنوان: سجى والفوسفور الأبيض.

بدأت القصة في عدوان 2008 – 2009، مع نزوح العائلة من منزلها وسط القصف الإسرائيلي الذي كانت تُستخدَم فيه أسلحة محرّمة دولياً، لا سيّما الفوسفور الأبيض. حينها، كانت أمل خلة، زوجة سعيد، حاملاً في أشهرها الأولى، ولم تكن تدري الأضرار التي قد يخلّفها الفوسفور الأبيض لدى جنينها. بعد أشهر، في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، ولدت سجى وقد شُخّصت مكفوفة، ومن المرجّح أن تعود إعاقتها هذه إلى الفوسفور الأبيض. شعر الوالد بحزن شديد، لكنّه اتّخذ قراراً بأن يعتني بها عناية خاصة ويجعلها طفلة متميّزة. يُذكر أنّ سجى هي الابنة البكر لسعيد وأمل اللذَين أنجبا بعدها ثلاثة أولاد آخرين (ابنتان وابن واحد).

يخبر سعيد أنّه “في الأعوام الثلاثة الأولى من حياتها، كانت سجى تشعر بالخوف عند الانتقال إلى بعض الأماكن وعند سماعها أصواتاً غريبة وعند تغيير الطعام. ومع الوقت، تمكنّا من التغلّب على هذا الأمر وصارت تتأقلم مع بعض التغييرات”. يضيف سعيد أنّه “بعد الدراسات التي تابعتها، لا سيّما الدراسات الإسلامية واللغة العربية، وجدت أنّ القرآن قادر على تكوين طفل قويّ باللغة العربية. ورحت أحفّظها إياه على مراحل عدّة، والبداية مع آيات صغيرة. كان ذلك عندما كانت في الرابعة من عمرها، قبل شهر من العدوان الإسرائيلي على غزة في عام 2014 “. ويذكر أنّ سجى الصغيرة “تمكّنت من النطق والتكلّم بوضوح عندما كانت تبلغ من العمر ثمانية أشهر فقط”.

صار سعيد يلاحظ أكثر فأكثر أنّ ابنته سجى تلفظ الكلمات بطريقة متميّزة عن سواها من الأطفال في مثل سنّها. وفي منتصف عام 2015، استطاعت وهي في الخامسة من عمرها حفظ خمسة أجزاء من القرآن، وقد حلّت في المركز الثالث على مستوى قطاع غزة في مسابقة دائرة الأوقاف والشؤون الدينية. وبفخر يقول الوالد إنّها “لفتت أنظار الجميع. هي لم تأتِ بأيّ خطأ، علماً أنّ الفائزَين في المركز الأوّل والثاني كانا في العشرينيات من عمرهما”. يضيف سعيد أنّ “سجى استطاعت في نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام 2016، إتمام حفظ القرآن، ليصار إلى اختبارها بعد شهر، في يناير/ كانون الثاني من عام 2017، من قبل وزارة الأوقاف للشؤون الدينية في غزة”.

اليوم، تتابع سجى تعليمها في مدرسة النور للمكفوفين في غزة، وقد حلّت أولى على مستوى كلّ الفصول الدراسية في الصف الرابع الابتدائي في المدرسة. وفي سياق متصل، تمكّنت في العام الماضي، بمساندة والدها، من حفظ كتاب “التطبيق النحوي” لمؤلفه الدكتور عبده الراجحي. وقد خضعت إلى امتحان فيه بالجامعة الإسلامية في غزة، في سبتمبر/ أيلول من عام 2018، وحقّقت نجاحاً. وتمكّنت سجى من حفظ “ألفية ابن مالك” التي تُعرَف كذلك بـ”الخلاصة”، وهي متن شعري من نظم الإمام محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني، وتُعَدّ من أبرز المنظومات النحوية واللغوية.

يقول سعيد إنّ “ثمّة أشخاصاً وصفوا سجى بأنّها معجزة هذا العصر، وآخرين أكّدوا أنّهم لم يسبق لهم أن رأوا مثل هذه الطفلة. كثر شجّعوني على المضيّ قدماً معها، لكنّ في غزّة تكثر العراقيل. للأسف، الإحباط يسيطر هنا، نظراً إلى ما نعانيه من ظروف اقتصادية واجتماعية ونفسية صعبة”. تجدر الإشارة إلى أنّ سجى ووالدها تلقيا دعوة للسفر إلى ماليزيا بهدف تمثيل فلسطين في مسابقة دولية، لكنّهما لم يتمكّنا من ذلك. سعيد لم يُجدَّد جواز سفره حتى يومنا هذا، على الرغم من أنّه طلب ذلك من رام الله منذ عام 2013.

وعدم توفّر جواز سفر لسعيد ولابنته سجى، لا يمنعهما فقط من السفر إلى ماليزيا، بل يحرم الصغيرة من تلقّي علاج طبي في الأردن أو روسيا. فالوالد، وبعد البحث، توصّل إلى أنّ ثمّة إمكانية لإجراء عمليات جراحية من شأنها تحسين وضع الصغيرة. يُذكر أنّه في ظلّ أزمة القطاع الصحي في غزة ونقص الأدوية، توقّف علاج سجى بالكامل”. لكنّ كلّ ذلك لم يُفقد الصغيرة الأمل. فتقول: “أريد أن أصير مدققة لغة عربية وأن أحافظ عليها، فهي لغة جميلة”، مضيفة “وأريد كذلك أن أتعلّم الإنكليزية حتى أنقل صوتي إلى الخارج”. وبكلمات أكبر من أعوامها التسعة، تؤكد: “أنا أحبّ العلم لأنّه النور في طريقي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى