أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

تركيا تدير ملف خاشقجي بذكاء وعينها على 2023… عن الدور الأميركي والنفاق الأوروبي ومستقبل آل سعود

حامد اغبارية

يبدو أن قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي لن تنتهي قريبا، ولكن في نفس الوقت لن يطول أمرها أكثر مما يحتاجه النائب العام التركي لاستكمال التحقيقات وجمع خيوط الجريمة، وإعلان نتائج التحقيق التي أتوقع أن تكون مزلزلة ومجلجلة.

ستكون مزلزلة لأركان حكم آل سعود، وستكون مجلجلة في رحاب البيت الأبيض الأمريكي، وستظهر واشنطن أضعف بكثير، وأكثر هشاشة مما يتخيله كثيرون، وستبدو في أسوا أحوالها وفي أضعف حالاتها، ولن يكون في مقدور ترامب أن يرمم ما صنعته يداه، وسيظهر للجميع أن قرون “وحيد القرن” الأمريكي مصنوعة من طين، كما سيتضح للجميع أن الرابح الأكبر هي تركيا، التي وقعت الجريمة على أرضها.

إن ما يجري في كواليس السياسة التركية منذ وقوع جريمة الاغتيال أكثر بكثير مما ظهر في العلن، بما في ذلك ما جاء في خطاب الرئيس أردوغان، الذي بدا أنه يعرف أكثر مما قال، وأن المعلومات التي لديه تورّط دولا أخرى غير نظام آل سعود. فكل دارس مبتدئ في العلوم السياسية يدرك أن الدول وسياساتها لا تدار على شاشات التلفزيون، ولا تتشكل حسب مزاج الجمهور المتعطش للقصص والحكايات.

عندما أعلن الرئيس أردوغان أنه سيكشف في خطابه (يوم الثلاثاء) تفاصيل مهمة حول جريمة اغتيال خاشقجي ظن الكثيرون أنه سيقف أمام الميكروفون متقمصا شخصية الحكواتي، أو أن يؤدي دور النائب العام أو قائد الشرطة ويلقي بيانا تفصيليا حول ملابسات الجريمة، التي لم تتضح صورتها النهائية (جنائيا) بعدُ، ناسين أو متجاهلين أن رئيس الدولة يتصرف كرئيس دولة، وهذا ما فعله أردوغان. ولذلك أصيب كثيرون من العامة بخيبة أمل (غير مبررة) من الخطاب.

ورغم أن الرئيس التركي لم يقدم للجمهور سيناريو مسلسل تركي أو أرجنتيني، إلا أنه قال كل شيء في خطابه، وقدم لائحة اتهام خطيرة ضد نظام آل سعود. وقد فهم آل سعود الرسالة جيدا، وكان سلوكهم وتصريحاتهم واتصالاتهم، عقب الخطاب تدل على ذلك بوضوح. لقد حمّل أردوغان المسؤولية الكاملة عن الجريمة التي وقعت في بلاده لنظام آل سعود، دون أن يقول هذا بطريقة مباشرة. لكن الذين يعانون من قصور في فهم دهاليز السياسة أرادوا أن يسمعوا منه إعلان حرب على السعودية أو قطع العلاقات أو توجيه الشتائم للنظام السعودي، أو على الأقل أرادوه أن يتصرف مثل ترامب، الذي يتغير موقفه كل ثلاث ثوان، وكأنه ثور أثخنته الجراح في حلبة مصارعة. هذا ما لم يفعله أردوغان، الذي قدم درسا مختلفا في السياسة والدبلوماسية، بذكاء وصبر، خاصة وأن أوراق القضية أو أغلبها باتت على مكتبه، ليتضح لك أن أردوغان يتمتع بحنكة سياسية وضعت النظام السعودي في الزاوية، وجعلته مرعوبا ليس فقط مما قاله الرئيس، وإنما مما لم يقله، رغم أن ما قاله كان كافيا لكشف زيف الرواية السعودية عن الجريمة. وكنتَ تستطيع أن تقرأ في لهجة الخطاب أن الرئيس التركي يتحدث كشخص يعرف الكثير، وأنه لم يحن الوقت بعد للكشف عن كل شيء قبل أن ينضج. وفي التالي فإن الحكم على الموقف التركي لا يمكن أن يكون منصفا وعادلا إلا بعد انتهاء الملف والإعلان عنه رسميا، عندها يمكن للذين يروجون أن تركيا باعت قضية خاشقجي أن يقولوا ما يشاؤون…!

وخلاصة القول إن الرئيس أردوغان أدار ملف جريمة اغتيال خاشقجي بذكاء، وعينه على العام 2023، الذي تسعى واشنطن ومعها الاتحاد الأوروبي، ومعهم أنظمة العار العربية، وعلى رأسها السعودية، ثم الإمارات ومصر السيسي، إلى الحيلولة دون وصول أردوغان إليه، وهو العام الذي سيفك قيود تركيا ويخلصها من أغلال اتفاقية لوزان، وهو الأمر الذي يحمل مؤشرات خلاص الأمة من ربقة الاستعمار الذي ما تزال أوتاده منغرسة عميقا في جسدها.

الدور الأمريكي

يبدو لي من قراءة التحركات الأمريكية أن خيوط جريمة اغتيال خاشقجي لا تقف عند الرياض، بل تمتد إلى واشنطن، ولهذا يمكن القول إن الرئيس التركي وجه كلامه في خطابه أيضا إلى الولايات المتحدة، وفتح المجال للتكهنات حول تلك الدول التي قال إنها ضالعة في الجريمة، دون أن يحددها. وربما ساهم هذا في إرباك ترامب الذي سارع إلى إرسال مديرة ال (سي آي إيه) لتستمع إلى التسجيلات المتعلقة بالجريمة، فلربما كان ما فيها يكشف تورط جهات أمريكية معينة مع محمد بن سلمان في اغتيال خاشقجي. وإن من حق كل مراقب فطِنٍ أن يتساءل عن الدور الأمريكي في هذه الجريمة خاصة…! وإلا فلماذا كل هذا الاهتمام الأميركي الذي يصل حد الهوس، بجريمة لم تقع في أراضيها، ويبدو ظاهريا أنه لا ناقة لها فيها ولا بعير؟ ابحثْ في كواليس وملابس ترامب وصهره كوشنير وشركائهما!!

من بحث بسيط وسريع يتضح أنه كان في إمكان المرحوم جمال خاشقجي أن يستصدر وثائق الزواج من سفارة بلاده في أميركا. فلماذا اضطروه إلى السفر إلى تركيا، لاستصدار وثائق الزواج من خطيبته التركية؟

كانت هناك خطة مبيتة للتخلص من خاشقجي، ليس فقط بسبب مواقفه المعلنة من سياسات ابن سلمان وأبيه، وجرائمه بحق الشعب السعودي، ولكن تحديدا بسبب ما يعرفه خاشقجي من أسرار عن العائلة الحاكمة التي كان من أقرب المقربين منها، ولا شك أنه كان يعرف الكثير الكثير من المعلومات والخفايا والأسرار، التي لم يرد ابن سلمان أن تخرج إلى العلن.  ولما أن خاشقجي كان مقيما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كان من المفترض أن تنفذ جريمة اغتياله هناك، غير أن ما حدث من استدراجه إلى تركيا، يجعلك تتساءل: هل عملت جهات أمريكية على نقل مسرح الجريمة إلى تركيا (بلد خطيبة خاشقجي) حتى لا تقع واشنطن في حرج شديد فيما لو اكتشفت الجريمة، وسعيا إلى تحقيق هدف آخر، هو إحراج تركيا وتوريطها في ملف كهذا؟ هذا سؤال مشروع جدا! خاصة وأن وساخات السياسة الأمريكية في تعاطيها مع الدول ومع الملفات الخارجية تملأ رائحة عفنها فضاء الدنيا.

وأيا كانت الإجابة فإن جميع الأطراف غرقت في دماء خاشقجي، إلا تركيا، التي أمسكت بأطراف خيوط اللعبة منذ لحظاتها الأولى، وأصبحت هي المحرك الوحيد، الذي ينتظر الجميع منه كلمة أو معلومة أو تسريبا لوسائل الإعلام.

نفاق الغرب والمصالح الاقتصادية

إن من يتابع ردود فعل الدول الغربية على جريمة القتل، لا بد أن يشعر بالاشمئزاز والحاجة إلى التقيؤ من حجم النفاق الذي تمارسه تلك الدول إزاء الجريمة، خاصة في الأسبوع الأخير. فقد كانت جميع مواقف تلك الدول تدلل على حرصها على مصالحها الاقتصادية، مع السعودية، وخاصة ما يتعلق ببيع الأسلحة والاستثمارات الهائلة، التي تصب مليارات آل سعود من خلالها في خزائن تلك الدول.

وإن أكثر ما يثير الاشمئزاز ويكشف حجم النفاق تصريح تلك الدول بأنها تطالب بالشفافية وبمحاسبة المتورطين في الجريمة، ثم إعلانها أنها ستمنع منح تأشيرات دخول لأراضيها للمتورطين. أهذا كل شيء؟ ومن هم المتورطون في الجريمة؟ هل هم فقط الأشخاص الخمسة عشر، الذين نفذوا الجريمة داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، أم أن هناك أشخاصا آخرين؟ وهل هذا يكفي، أم أنه مجرد تسجيل موقف وذر للرماد في العيون، تقف خلفه مصالح عليا لتلك الدول مع نظام آل سعود؟

أين هذه الدول من جرائم ابن سلمان بحق عشرات العلماء والناشطين والناشطات، الذين اعتقلهم وأرسلهم خلف الشمس؟

أين هذه الدول من جرائم نظام آل سعود في اليمن، وفي سوريا؟ وأين هذه الدول من مساهمة نظام آل سعود وأمواله وأسلحته الأمريكية والأوروبية في سفك دماء أبناء الشعب المصري، وأبناء الشعب الليبي؟

إن المشكلة ليست في عزل محمد ابن سلمان من ولاية العهد، بعد أن بات واضحا للأعمى أنه هو المسؤول الأول عن جريمة الاغتيال، بل إن عزله بات الآن غاية ما يريده الغرب وما تريده أمريكا، كي يستمر آل سعود في إحكام قبضتهم على جزيرة العرب. إن المشكلة تكمن تحديدا في استمرار حكم آل سعود، ذلك الحكم الذي ساهم في تسليم رقبة العالم الإسلامي للغرب المتوحش، وللصهيونية، بأموال المسلمين وثرواتهم التي نهبتها. فقد بات المطلب الحقيقي الذي تريده الأمة هو زوال هذه الأنظمة الفاسدة التي مكّنت لأعداء الأمة في بلاد المسلمين. فهل هذا ما تسعى إليه تركيا وأردوغان من خلال أسلوب إدارة ملف اغتيال خاشقجي؟!!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى