أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمحلياتمقالات

والقادم أسوأ.. التحريض على لجنة المتابعة مقدمة لحظرها!

لم نتعلم درس حظر الحركة الإسلامية فهل نعي الدرس الآن؟!

 

حامد اغبارية

كنتُ، وما زلتُ، من الذين لا يحبون تكرار مقولة “ألم نقل لكم؟”… لكنني أجد نفسي مضطرا إلى تكرارها ألف مرة اليوم، وأن أوجهها بشكل خاص إلى لجنة المتابعة بكل مركباتها.

عندما حُظرت الحركة الإسلامية قلنا في أكثر من مناسبة إن ردة فعل الداخل الفلسطيني، سواء على مستوى القيادات، أو على المستوى الجماهيري، جاءت ضعيفة، ولم تكن بمستوى الحدث غير المسبوق، في وقت ظهرت هنا وهناك بعض الأصوات (الخفية) التي أعربت عن سرورها، وعن تشفّيها بحظر الحركة. ومع مرور الوقت تراخت همّة المهتمين، وتراجعت حتى بلغت درجة الاستسلام لواقع الحظر، وأصبح الحظر مسألة عادية يمكن التعايش معها. وقد حذّرنا يومها من أن هذه الحالة من اللامبالاة سيكون لها ما بعدها، وسوف تواصل المؤسسة الإسرائيلية استهدافها لنا خطوة خطوة، وستستفرد بنا، فئة فئة، وحزبا حزبا، حتى تصل إلى لجنة المتابعة.. وها هي – فيما يبدو- قد وصلت…!

عاصرْتُ لجنة المتابعة منذ مطلع التسعينات، يوم كان رئيسها الراحل إبراهيم نمر حسين، مرورا بالسيد محمد زيدان، فالمهندس شوقي خطيب، فمحمد زيدان مرة أخرى، وصولا إلى السيد محمد بركة (الرئيس الحالي)، وحضرتُ الكثير الكثير من جلساتها، كمراسل، وقرأت جيدا ما يحدث فيها، وكيف تُدار الأمور فيها، والإشكالات التي تواجهها، والمنازعات اللانهائية بين مكوناتها، والتصادمات الفكرية والإيديولوجية بين الأحزاب والحركات المنضوية تحت سقفها، ونقاط قوتها، ونقاط ضعفها، وتعثّرها في كثير من المحطات، وتراخيها في محطات أخرى، وتقصيراتها في مواقف معينة، وأدائها وفق الحد الأدنى من نقاط التلاقي بين المركبات، وأسلوب مناقشة القضايا المختلفة، الذي كان في كثير من الأحيان لا يرقى إلى المطلوب، ورأيت تقصير بعض مكوناتها حتى في حضور الجلسات المصيرية، وعايشتُ محاولات تجييرها لصالح فكرٍ أو فكرة، وفي أحيانٍ كثيرة محاولات شلّ عملها، وتعطيل عجلاتها، وإفشال قراراتها.

وكان موقفي الشخصي من هذا الوضع أن اللجنة أصبحت تشكل عبئا، بدلا من أن تحمل الأعباء، وتعطل سير العمل، بدلا من أن تدفعه إلى الأمام خطوة أو خطوات، وأنه بات من الواجب إعادة النظر في وجودها، واجتراح بديل لها، أو على الأقل إعادة النظر في تركيبتها، وفي دستورها، وفي أدائها، وفي أدوات عملها. وفي لحظةٍ ما اقتنعتُ (رغم كل شيء) بأن الحل الأمثل-في الوضع الحالي ولو بصورة مؤقتة-هو إعادة هيكلتها، وانتخابها من الجمهور انتخابا مباشرا، حتى يكون لها الوزن والثقل المؤثر فعلا.

هذا رأيي في لجنة المتابعة، وأظنه أيضا رأي الكثيرين جدا من ذوي الرأي في الشارع الفلسطيني في الداخل، ولكنه يبقى رأيا داخليا نناقشه في أوساطنا، ونأخذ فيه ونردّ، وترتفع أصواتنا، ونصرخ ونزعق، وتنتفخ أوداجنا غضبا، ونوجه الانتقاد اللاذع، ونشن الهجوم تلو الهجوم على القيادات، ونتهمها بالتقصير، ونعرب عن سخطنا وعدم رضانا عن قراراتها، ونعنّفها أحيانا، ونوجه لها اللوم أحيانا أخرى، ونسيء الأدب في بعض الأحيان في خطابنا معها، لكنه يبقى شأنَنا وحدنا، نحن فلسطينيي الداخل.

أما أن تأتي أبواق عنصرية من أمثال غاي بيخور، ليحرّض ويدعو إلى حظر لجنة المتابعة، وإخراجها عن القانون، فلنا مع هذه الأصوات مقال، ولنا معها موقف، وعندها محطة.

هذا الأسبوع تقيأ غاي بيخور على صفحته على فيسبوك وجبة جديدة من التحريض العنصري البغيض على لجنة المتابعة، متهما إياها بأنها “جسم انفصالي معادٍ، متآمر، ويعمل كحكومة ثانية في دولة إسرائيل، ويسعى إلى إقامة كيان مستقل للعرب في إسرائيل، ولذلك يجب حظرها وإخراجها عن القانون”!! وقد سبقه إلى هذا التحريض عضوا الكنيست من الليكود أمير أوحانا وعنات بيكو.

وغاي بيخور هذا ربيب الأجهزة الأمنية، يحمل أفكارا عنصرية كريهة. بدأ حياته العامة مراسلا للشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، وكان من مؤسسي صحيفة “حداشوت” الصفراء التي أغلقت في التسعينات، ثم عمل محللا للشؤون العربية في صحيفة “هآرتس”. يحمل لقب دكتوراه في القانون المدني المصري!! ويعمل محاضرا في دراسات الشرق الأوسط في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، وهو مهتم جدا بالعالم الإسلامي والحركات الإسلامية، وله برنامج حول العالم الإسلامي في إحدى شبكات الإذاعة الصهيونية. سار في طريق التطرف الفكري عبر السنوات. ووقف ضد الانسحاب من غزة، رغم أنه كان من مؤيديه عام 2004، وفي سنة 2010 نظم أسطولا بحريا مقابلا لأسطول الحرية الذي خرج من تركيا لفك الحصار عن غزة، ورفع فوقه لافتات تحذر من رجب طيب أردوغان وتوجهاته الإسلامية. ويدعو بيخور إلى اتخاذ مواقف متشددة من الدول العربية ومن التنظيمات الفلسطينية، وهو معارض شديد لاتفاقيات أوسلو، رغم ما فيها من إهانة للشعب الفلسطيني، ونهبٍ لحقوقه. وقد أيّد فكرة بناء جدار عازل على الحدود مع مصر عام 2007، ودعا إلى بناء جدار مماثل عام 2014 على الحدود مع الأردن.

هذا هو غاي بيخور الذي يدعو اليوم إلى حظر لجنة المتابعة، بعد أن حُظرت الحركة الإسلامية، وبعد أن اعتُقلت وسُجنت القيادات المحلية، ولوحقت الشخصيات والأحزاب على خلفية مواقفها من سياسات المؤسسة الإسرائيلية.

وقد علمتنا تجاربنا مع المؤسسة الإسرائيلية أن حملات التحريض الإعلامية، التي يرافقها تحريض من شخصيات مثل بيخور وبيكو وأوحانا وغيرهم، إنما هي مقدمة لاتخاذ قرار بالحظر، تماما كما حصل مع الحركة الإسلامية، ومع كل أنواع التحريض العنصري الذي سبق خطوات عملية من طرف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بإيعاز من المستوى السياسي، ضد الداخل الفلسطيني.

وانطلاقا من هذا الفهم فإننا يجب أن ندرك أن هناك قرارا جاهزا، منذ فترة ليست قصيرة، بإخراج لجنة المتابعة عن القانون، وأن المسألة مسألة توقيت مناسب ينقضّون فيه على اللجنة، كما فعلوا مع الحركة الإسلامية، التي نعلم أن قرار حظرها كان قد اتخذ قبل فترة طويلة من إخراجه إلى حيز التنفيذ.

إن غاي بيخور هذا كذّاب أشر، وهو يؤدي دوره كمستعرب في تنفيذ أجندة تسعى إلى حظر لجنة المتابعة، بهدف منع وجود جسم يجمع تحت سقفه كافة القوى السياسية، مهما كان هذا الجسم ضعيفا وتأثيره محدودا. هو كذاب أشر لأنه يعرف أن لجنة المتابعة ليس في أجندتها ولا في استراتيجيتها ولا من أهدافها فكرة الانفصالية، كما يزعم، وهي لا تملك من عناصر القوّة أصلا أن تفعل هذا أو تنفذه. وهو كذاب أشر لأن المتابعة لا تتآمر ضد أحد، لأن الذي يتآمر يعمل في الخفاء، ولجنة المتابعة تعمل تحت ضوء الشمس وفي وضح النهار، واجتماعاتها مفتوحة أمام الجميع، وقراراتها معلنة. وهو كذاب أشر لأن المتابعة ليست حكومة ثانية ولا ثالثة ولا رابعة، ولا هي حتى بمستوى وزارة صغيرة، ولا تجد في أحيان كثيرة ثمن زجاجات الماء والتضييفات التي يتناولها أعضاؤها في اجتماعاتهم، وفي أحيان كثيرة تستدين ثمن المطبوعات التي تعلن فيها عن نشاطاتها الجماهيرية المعلنة. وهو كذاب أشر لأن المتابعة لا تسعى، ولا تستطيع، أن تشكل كيانا مستقلا، ولا تملك أدواته، ولا تفكر به مبدئيا، ولم يُطرح للنقاش على طاولتها، ولم يصرح به أحد من أعضائها يوما ما. وغاي بيخور يعرف هذا جيدا، لأنه يجب أن يعرفه، بصفته باحثا ودارسا للشؤون العربية، وهو يعرف أن المتابعة موجودة لتحصيل حقوق المواطن الفلسطيني، وفضح سياسات المؤسسة الإسرائيلية العنصرية في سياساتها تجاهنا، وفي توعية المواطن الفلسطيني سياسيا، والسعي إلى رفع مستوى معيشته، وفتح الأبواب المغلقة في وجهه، وتأكيد هويته وانتمائه، حتى لو كانت هذه الهوية وهذا الانتماء من المسائل التي تشكل نقطة خلاف بين مركبات اللجنة ذاتها.

فما الذي يسعى إليه المحرضون على الداخل الفلسطيني وعلى قياداته وعلى أحزابه وحركاته، وعلى لجنة المتابعة؟

إنهم يريدوننا أفرادا مشتتين، بلا كيان وبلا انتماء وبلا هوية وبلا قضية وبلا قيادة وبلا مؤسسات، حتى يتمكنوا من السيطرة علينا، وإحكام قبضتهم على مصائرنا وعلى حاضرنا وعلى مستقبلنا، بحيث لا يكون في إمكاننا أن نصرخ في وجه الظلم، ولا أن نعبر عن مواقفنا وعن تحركاتنا تحت سقف واحد، حتى لو كان هذا السقف هزيلا ضعيفا، لا يمثّل أكثر من كونه إطارا تجتمع فيه المشارب والأفكار والتوجهات على اختلافها، وعلى تصادماتها، وليس كيانا ذا سلطة وأدوات تنفيذ. وإذا كانوا في السابق قد أرادونا حطابين وسقاة ماء، فهم اليوم يريدوننا عبيدا بلا إرادة. وإن أسمى ما يحلمون به أن يستيقظوا ذات صباح ليجدوا أننا قد اختفينا عن الوجود، وهم يتعاملون معنا وكأنهم يصنعون لنا معروفا بأنهم يسمحون لنا بالبقاء على قيد الحياة، من خلال الفتات الذي يلقون به إلينا، ثم يمُنّون علينا به، متناسين (غير ناسين!!) أننا أصحاب هذا الوطن وهذا الأرض، وأننا نحن الأصل، وأننا لم نأت من كوكب آخر، وأن لنا إرادة، ولنا هوية ولنا انتماء، وهي حقائق لا يغيرها “حدث طارئ” أحدثتْه في منطقتنا مؤامرة غربية قذرة، ولا سفك دمائنا، ولا تجويعنا، ولا محاصرتنا، ولا ملاحقتنا، ولا سجننا، ولا حظرنا.

رغم كل ما تعاني منه لجنة المتابعة من ضعف، ورغم الاختلاف الشديد على دورها وعلى مستقبلها وعلى آليات عملها، ورغم أن هناك أصواتا كثيرة في مجتمعنا تنادي بإلغائها، لأنها لا تؤدي المتوقع منها، إلا أن واجب الساعة أن نتصدى لكل محاولة لئيمة خبيثة لضرب هذا السقف الجامع (مع ضعفه).

وإن من واجب المتابعة وقياداتها أن تضع خطة لمواجهة أية محاولة أو أي قرار لحظرها أو تحييدها أو توجيه ضربة ما إليها، تشل عملها. وعليها أن تستعد لمواجهة أي خطر قادم، على كل المستويات، وخاصة المستوى القانوني والجماهيري. ولا يجب أن نسمح بحظرها، ولا أن نقف مكتوفي الأيدي إزاء أية محاولات لإلغاء وجودها.

نحن لم نتعلم الدرس من حظر الحركة الإسلامية، وكان موقفنا الهزيل والمتراخي سببا في استئساد المؤسسة الإسرائيلية، فهل نتعلم الدرس من التحريض على المتابعة؟ علينا أن نستعد للقادم، وهو أسوأ بكثير – فيما يبدو لي-من مجرد حظر لجنة المتابعة..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى