انتفاضة القدس والاقــــصى والأزمنة الفلسطينية..

صالح لطفي باحث، ومحلل سياسي
ملخص عام ..
تتزامن ذكرى الانتفاضة الثانية وهبة القدس والاقصى مع عدد من الملفات التي يطمع ترامب ومن معه من طواغيت وظلمة هذا العصر خنق الشعب الفلسطيني بها، لعله يرفع الراية البيضاء وتستقر الأوضاع للاحتلال الاسرائيلي ليتحول الى جزء من نسيج منطقة الشرق الاوسط التي بشر بها شمعون بيرس، وذلك بعد أن استقرت الأمور لزمر من الظلمة والطواغيت في عالمنا العربي والاسلامي الذي دمر الربيع العربي وأحال بلدانا عامرة الى خرائب.
من صفقة القرن الامريكية بتفصيلاتها المختلفة، مرورا برفع التمويل لملايين اللاجئين الفلسطينيين، الى الحصار العربي-الاسرائيلي المفروض على اهلنا في قطاع غزة، الى قانون القومية الاسرائيلي وسياسات الاستيطان، الى سياسات سلطة رام الله وإحياء الكونفدرالية من جديد، كل ذلك يؤسس لواقع جديد للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، متزامنا مع الذكرى الثامنة عشرة لهبة القدس والاقصى وللانتفاضة الثانية، ففي حين تتسم سياسات الاحتلال اتجاه القضية برمتها بالمنهجية في القمع والحصار وسن القوانين والقتل العمد للفلسطينيين وهدم البيوت ومصادرة الاراضي، فإن القيادة الفلسطينية سواء في الداخل أو في المناطق المحتلة عام 1967 تتسم بردود الافعال واتباع سياسات التكتيك بدلا من المنظور الاستراتيجي والفعل السياسي بدلا من الفعل الثوري، وهذا ما يؤخر لحظة الخلاص. وفي الأزمنة الفلسطينية ثمة مجايلة تاريخية تكشف أن الشعب الفلسطيني قادر على اجتراح الفعل الثوري بطهارته العالية، فيما فشلت قيادته السياسية تنزيله سياسة فعلية على الارض تترجم إلى مكتسبات فكانت كبوة بل كبوات.
ثمة ضرورة الاشارة الى أن هبة القدس والاقصى ومزامنتها الانتفاضة الثانية، جاءتا على خلفية مشتركة جامعة مع اختلاف في التفاصيل، فقد كان اقتحام شارون للمسجد الاقصى محمي بقوى كبيرة من حرس الحدود ورجال الامن الأثر الاساس في انطلاق شرارة الانتفاضة والهبة، فيما اختلفت التفاصيل فيما بعد، ففي حين انطلقت الانتفاضة الثانية منذ اللحظة الاولى على شكل مقاومة مسلحة أرهقت الاحتلال وأوجعته، انطلقت هبة القدس والاقصى بأدوات تقليدية لم تتجاوز المظاهرة والاحتجاج السلمي، بيدّ أن المؤسسة الاسرائيلية تعاملت مع الحالتين على نفس القاعدة وبنفس الأسلوب مع فارق دقيق في الاسلوب والأدوات . البطش والتنكيل والاعتقالات والقتل بدم بارد والحرب الشاملة على المدن والاحياء والمكتسبات هو ما فعله الاحتلال، وهو ما تطلب في تلكم اللحظات الفارقة موقفا فلسطينيا موحدا جامعا لكل الشتات الفلسطيني ولكنّ القيادات الفلسطينية برمتها لم تكن على مستوى الحدث والعطاء وسيل الدماء العرم الذي قدمه الشعب الفلسطيني، فكانت انتكاسة ثالثة نرجو أن تكون الاخيرة. الاولى بعد إضراب 1936 والثانية بعد الانتفاضة الفلسطينية الاولى، والثالثة التي نحن بصدد الحديث عنها.
الاستقبال بالنعال درس للمارقين والمتجبرين..
الاستقبال بالأحذية والنعال والحجارة التي قوبل بها شارون وهو مدجج بالآلاف من الشرطيين وحرس الحدود والقوات الخاص اثناء اقتحامه المسجد الاقصى المبارك، وتشكيلهم درع بشري للحيلولة دون دخول المسجد الأقصى، هو في حقيقته رسالة مدنية بسيطة في غاية البساطة يقول فيه الانسان الفلسطيني العادي لكل طاغية أن المسجد الاقصى بفضاءاته المختلفة هو حق اسلامي، وإن بدا لهذا الطاغية أنه برسم خضوعه لاحتلاله يستطيع أن يفعل ما يشاء، وهي رسالة للمارقين من أمتنا وشعبنا وللطواغيت والمستبدين والمستَعمِرين على حد سواء.
في أقل من عقدين أرسل الفلسطينيون للعرب والمسلمين والمحتل الصهيوني والصليبية العالمية ثلاثة رسائل ارتبطت كلها بمدينة السلام، الانتفاضة الثانية وانتفاضة السكاكين وانتفاضة الاقصى الثالثة، وخلاصة هذه الرسائل أن القدس وفي جوهرها المسجد الاقصى المبارك درة تاج هذه البلاد وجوهرة الهوية الفلسطينية التي تراكم فعلها التأسيسي منذ ثورة البراق عام 1929.
هبة القدس وترميم الهوية الجمعية..
تشكل الاحداث أي كان نوعها جزء تأسيسي من بناء الهويات للأمم والشعوب التي تتعرض لهزات كبيرة تترك آثارها على هذه الامم والشعوب وبقدر حجمها وأثرها تكون قسماتها في الهوية المتبلورة لتلكم الشعوب، وليس شعبنا الفلسطيني ببدع من شعوب الارض فاذا كانت مذابح النازيين والفاشيين قد تركت معالمها القوية على هوية الاسرائيلي الجديد… يهود ما بعد الكارثة النازية.. واذا كانت ثورة فيتنام ضد الاحتلال الامريكي تركت آثارها التأسيسية في بناء هوية الفيتنامي، واذا كانت المذابح في رواندا والبوسنة قد تركت أثارها التأسيسية في بناء الهويات لتلكم الشعوب، فكذلك شعبنا الفلسطيني فإنَّ الاحداث التي ألمت به منذ الاحتلال البريطاني تركت اثارها التأسيسية في بناء هويته الجمعية وحتى الفردية، وانتفاضة القدس والأقصى جزء أساس من هذا البناء وتتعاظم مكانتها في صيرورات الداخل الفلسطيني الذي عاش بمعزل عن شعبه في فلسطيني التاريخية بفعل النكبة والحكم العسكري في معازل داخلية فرضها الحكم العسكري الاسرائيلي في خمسينات القرن الماضي، وحال دون تخليق سياسي ناضج ومسؤول بين المستَعمَرِين في تلكم المرحلة وأخضع لعمليات سلب ونهب وتفكيك منظم وذلك لجعله خانعا خائفا خاضعا للفعل والامر الصهيوني. هذا حدث في النكبة ومخلفاتها ومذبحة كفر قاسم ويوم الارض وكذلك في هبة القدس والاقصى عام 2000، بيدَّ أنَّ هذه الهبة الفلسطينية في الداخل والانتفاضة الفلسطينية الكبرى كانت على غير ما أراد المشرع والسياسي الصهيوني فقد كانت ردود أفعالها أكبر مما توقع هذا الصهيوني وأسست لعلاقة جديدة بين الفلسطيني فردا ومجتمعا والمؤسسة الاسرائيلية والمجتمع الاسرائيلي.
انتفاضة القدس والاقصى ثمرة الاحباط الفلسطيني مما وصلت إليه اتفاقية اوسلو التي كان متوقعا أن تمنح الفلسطينيون كيانا سياسيا تماما كما ان الانتفاضة الاولى “1987-1992” كانت ثمرة الاحباط من سياسات الظلم والقهر التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي… اذا كانت الانتفاضة الاولى قد شكلت تحديا للوعي الفلسطيني فأخرج أعظم انتفاضة في تاريخ نضالات الشعوب لماّ تأخذ بعد مكانتها في أبحاث الهويات وتشكلها وصيرورتها، كذلك فإنَّ الانتفاضة الثانية لم تكن بأقل اهمية في ذات السياق مع فارق تأسيسي بين القضيتين أن الانتفاضة الاولى حدثت وقيادات منظمة التحرير خارج أسوار الوطن الكبير، فيما الانتفاضة الثانية حدثت وقيادات تاريخية من منظمة التحرير تعيش داخله واذا كان المشترك بين الانتفاضتين هو سرعة تحرك الجماهير التي سبقت قياداتها السياسية ميدانيا فإنَّ الانتفاضة الاولى شكلت البعد الوطني والاسلامي في تخلق هوية الفلسطيني فردا وشعبا فإنَّ الانتفاضة الثانية شكلت البعد الوطني بسياقاته الدينية في الهوية الفلسطينية لتكتمل هوية الفلسطينية في بعديه التأسيسيين: الدين، الوطن.
دفع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ثمنا باهظا كلفه حياته لدعمه انتفاضة الاقصى، وكذلك دفع الشيخ المجاهد أحمد ياسين الثمن ذاته والمشترك بين الشهيدين أن من قتلهما الاحتلال وقد توسل الاحتلال قتلهما بالعملاء.
الأزمنة الفلسطينية والفعلين الثوري والسياسي..
أزمنة اسم وجمعها زمن أو زمان، وفي القاموس الازمنة: العصور والزمان هو الوقت قليله وكثيره ، وكذلك هو المدة … والزمان: العصر، وهو الفترة من الوقت تتميز بحدوث ظواهر أو أحداث معينة ، وفي القاموس الرائد أزمن الشيء: طال عليه الزمان أي دام، وبذلك تكون الازمنة الفلسطينية هي تاريخ هذا الشعب الذي طالت الاحداث زمانه المعاصر كله من لحظة سقوط الدولة العلية العثمانية والى هذه اللحظات، فمسيرة الشعب الفلسطيني على ثرى الارض المباركة كمسيرة المسيح عليه السلام في درب الآلام فاذا كانت خطى المسيح عليه الصلاة والسلام على درب الالام في المدينة المقدسة فاتحة التحرر الانساني من ظلمه ذاته والآخر، كذلك فإن مسيرة الشعب الفلسطيني هي في جوهرها انتصار للذات الانسانية ومشروع تحرير: تحرير من الطاغوت أي كانت هوية هذا الطاغوت.. هوية فلسطينية أو عربية او اسرائيلية او صليبية، فالفلسطيني منذ ان ابتلي بالصليبي الانجليزي وتخريفاته اللاهوتية والصهيوني وتخرصاته الدينية، يقف كالجلمود يقارع على أكثر من جبهة وجهة وتوجه واتجاه. وفي الازمنة الفلسطينية لحظات انطلاقات ثورية تتسم بطهوريتها المطلقة عبرت عنها الجماهير الفلسطينية على مدار أزمنتها المتتابعة منذ أواخر عشرينات القرن الماضي وإلى هذه اللحظة. ونستطيع عبر مجايلة متواضعة لتاريخ هذا الشعب أن نشير الى لحظات الفعل الثوري كانتفاضة البراق وإضراب عام 1936 وانتفاضة الحجارة وانتفاضة القدس والاقصى وانتفاضة الاقصى الثانية ولحظة الاحتجاجات “الثورية” على الحصار الظالم التي انطلقت منذ يوم الارض من هذا العام.
هناك فرق كبير بين اللحظة الثورية والعمل الثوري الذي يليها، وبين العمل السياسي فالفعل الثوري هو انساني مجرد من الاهواء والاغراض يتميز بالنقاء والطهر وينتج عنه نتائج يكون من اهمها النتائج السياسية التي تؤسس للفعل السياسي، وكلما ملكت القيادة الثورية رؤية ثورية مقرونة برؤية سياسية مؤسسة على الفعل الثوري، كلما قاربت تحقيق الاهداف المتوخاة من وراء هذا الفعل والتي عادة ما تكون بكنس الاحتلال وإزالة أثار عدوانه التاريخية، ولذلك ثمة فارق بين اللحظة الثورية ومنتجها السياسي المبني عليها بناء عضويا وبين الفعل التكتيكي الذي يتعاطى أدوات المحتل وقوانينه التي وضعها المحتل/ الغالب ليحسن من خلال نضاله ظروف علاقاته معه فيما الاستراتيجية محاولة لتغيير قواعد اللعبة بين الطرفين، وواضحُّ أنّ القيادة الفلسطينية آثرت العمل السياسي بعيدا عن مؤسِسِه الثوري وفضلت التكتيك على العمل الاستراتيجي ولذلك كانت مخرجات انتفاضة الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية ليست لصالح الفلسطيني فردا ومجتمعا.
في حالتنا الفلسطينية ألبست القيادات الفلسطينية ثورة الشعب ثوب السياسة الملوث فتحولت الانتفاضة وهبة القدس من فعل استثنائي الى فعل عادي ليست له نتائج تذكر، ذلكم أن السياسة هي في جوهرها فن الممكن على خلاف الفعل الثوري الذي في جوهره تغيير شامل للواقع والمرحلة وحرف للبوصلة نحو مكان وأزمنة جديدة، وفي هذا السياق كانت القيادة الفلسطينية ليست على قدر المسؤولية التاريخية ولحظتها الفارقة.
الازمنة الفلسطينية منذ عشرينات القرن الماضي وإلى هذه اللحظات تؤكد حقيقيتين لا ثالث لهما: لا بديل للفلسطينيين عن هذه الارض وأنها أرض إسلامية عربية فلسطينية.
الاضراب الشامل يوم الاثنين القادم..
أيام قليلة تفصلنا عن الذكرى الثامنة عشرة للانتفاضة الثانية الموسومة بانتفاضة الاقصى وفي سجلاتنا في الداخل الفلسطيني نسميها بهبة القدس والاقصى برسم حجم مشاركتنا فيها والتي لم تصل حد الانتفاضة وهناك من يسميها بهبة أكتوبر سريا مع نَفَسِه العلماني الذي لا يريد ربط هذه الانتفاضة/ الهبة بقيمة دينية كالأقصى أو وطنية/ دينية كالقدس فيجعل الامور مشيئة زمانا.
تاريخيا هبَّ الشعب الفلسطيني أكثر من مرة في تاريخه الحافل بالنضال ضد الاستعمار البريطاني ثم الاسرائيلي وذلك لنيل الحقوق والمتتبع للصيرورة التاريخية للحظات الفعل التحرري الشعبي العام الذي يمكن أن يحقق نتائج للشعب سيجد أن هناك من يتدخل في لحظات الوهج للحيلولة دون تحقيق الهدف الذي من أجله قامت هذه الثورة/ الانتفاضة. هذا حدث في انتفاضة عام 1929، فكما قال أحد القيادات الفلسطينية ” …فكلما كان شعبنا الفلسطيني يوشك ان يقطف ثمار النصر أو أن يحقق إنجازا سياسيا على الارض كان هناك خطوات اعتراضية إما من المستوى العربي كما حدث في أبان الثلاثينات واضراب عام 1936 وإما مما كان يجري في انتفاضة الحجارة. وهنا نعتبر تدخل منظمة التحرير الفلسطينية لم يكن موفقا..” [انظر: مجلة الدراسات الفلسطينية عدد115 صيف2018].
لقد جاءت الانتفاضة الثانية بعد ما يزيد على تســعة أعوام من عقد مؤتمر مدريد “للســلام في الشــرق الأوســط”، وبعد ســبعة أعوام من اتفاق أوســلو، ومفاوضــات مباشــرة مع إســرائيل، لم تحقق للفلسطيني شيئا. لقد جاء اتفاق أوســلو بعد انتفاضـــــة طويلة بدأت في نهاية ســـــنة ١٩٨٧، وبعد تحولات إقليمية وعالمية هائلة، وهو اتفاق أقرت فيه إســرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية، لكنه لم يشــمل الإقرار بحق الشــعب الفلســطيني في تقرير المصـير والاسـتقلال وهذا هو مقتل هذا الاتفاق. وتبع اتفاق أوسـلو مواصـلة إســرائيل فرض شـروط تقييدية ومذلة على حياة الانسان الفلسطيني في الضــــــفة الغربية وقطاع غزة اليومية أعادتنا الى مربع الانتفاضة الاولى وإرهاصاتها السياسية الاجتماعية، مع اســــــتثناءات لقلة من أصحاب الامتيازات. اشتعلت الانتفاضة الثانية على أرضية انكشاف الموقف الاسرائيلي في مفاوضات قمة كامب ديفيد من جهة وعلى أثر الاحباط الفلسطيني الشعبي من جهة ثانية، وعلى أثر تدنيس شارون للمسجد الاقصى تلكم الشعرة التي قصمت ظهر البعير..
جرد حساب ..
لقد كان لانتفاضة الاقصى حتى الان نتائج مركزية واضحة على القضية الفلسطينية سلبا وايجابا من اهمها الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة تحت ضغط المقاومة المسلحة، ولكن قابل ذلك ازدياد وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية وتسارع عملية تهويد مدينة القدس حتى أضحت الضفة الغربية محل بحث داخلي في توقيت الضم النهائي لإسرائيل، فيما حسمت اسرائيل نهائيا فيما يبدو واقع ومستقبل مدينة القدس. وحدوث الانقسام الفلسطيني بسبب التباين في وجهات النظر والاهداف المرحلية والنهائية المعلنة بين حركتي فتح وحماس وتعاظم الخلاف والشقاق لتتحول السلطة الى اداة اغتيال بطيء للفلسطينيين في القطاع وشريك في حصاره ومنع رفعه عنه، ونجم عن ذلك اغتيال كبار قيادات الفصائل الفلسطينية وشن الاحتلال اربعة حروب حتى هذه اللحظات على قطاع غزة، وكشفت الاحداث المتتالية عن هشاشة السلطة الفلسطينية وخضوعها للإملاءات الامريكية والعربية والاسرائيلية وابتزازها سياسيا بسبب المال وعدم قدرتها على الصمود في وجه الاعتداءات الصهيونية، وإلزامها بالتنسيق الامني وجعله شرطا لاستمرار وجودها ووصولنا إلى لحظة استحالة قيام دولة فلسطينية فعلية وإن صرح نتنياهو اول امس بموافقته على قيام دولة منزوعة السلاح تخضع للأمن الاسرائيلي المطلق.
الإضراب العام..
الاثنين القادم سيشهد شعبنا الفلسطيني في الداخل والأراضي المحتلة عام 1967 والشتات إضرابا شاملا يشمل كافة مرافق الحياة، تعبيرا عن رفضه لصفقة القرن وقانون القومية ونقل سفارة واشنطن الى مدينة القدس وكل ما يسنه الاحتلال الاسرائيلي يناكف فيه شعبنا في كافة أماكن تواجده، وهذا الإضراب وإن كانت فيه محاكاة لإضراب الشعب الفلسطيني عام 1936 فإنّ فيه عدد من الرسائل الى الفلسطينيين أنفسهم والى دول الاقليم والساحة الدولية، ففي هذا اليوم الكل الفلسطيني على اختلاف تياراته وتوجهاته موحد خلف قضيته العادلة والشرعية فالشعب الفلسطيني منذ الاحتلال البريطاني لم يتوقف عن نضاله التحرري وإن أصابته كبوات هنا وهناك بسبب ضعف في انفس قياداته او تواطئ من محيطه العربي او انخراط بعض من قياداته في التنسيق الأمني ومعادات هذه القيادات بعضا من الشعب الفلسطيني، فهي طارئ سرطاني سيزول عاجلا أم آجلا على أساس من القاعدة الربانية “أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ “، فإذا كانت أمراض السرطان فتك في الانسان فتقتله، فإنها في نسق الحضارات تقتل الفاسد فيها وتبقي النافع.
ويوم الاثنين سيكون المهرجان السنوي في جت المثلث التي حظيت بشهيد من شهداء هذه الهبة المباركة، فالكل مدعو للمشاركة في هذا اليوم لا لإنجاحه فحسب بل ولتحقيق عبادة تكاد تختفي: عبادة المراغمة.
ورسالة الشعب الفلسطيني للعالم أجمع في هذا اليوم أن الفلسطينيين لن يتنازلوا عن شبر واحد من أرض فلسطين، ولن يتنازلوا عن القدس والمسجد الاقصى فهويات الامم والشعوب لا تباع ولا تشترى كما أن انتماءاتها ليست في المزاد العلني.



