أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

هل هي دعوة لفصل الدين عن السياسة؟… السؤال موجّه إلى الدكتور منصور عباس!

حامد اغبارية

تضمن مقال الدكتور منصور عباس، الذي نشره في موقع “العرب” قبل أيام تحت عنوان “مهلا أيها المشايخ… تكفير الناس ليس من الإسلام في شيء”، نقاطا كثيرة تحتاج إلى مناقشة، ولكنني سأناقش نقاطا قليلة، أرى أنها أهم من غيرها.

ونبدأ من العنوان: “تكفير الناس ليس من الإسلام في شيء”. فهل تنبّه دكتور عباس إلى ما يقول؟! هذا كلام خطير جدّا. فالإسلام جاء لبيان الحقِّ من الباطل، والمؤمنِ من الكافر، والمشركِ من الموحّد، والصادقِ من الكاذب، والمخلصِ من المنافق، والآيات في القرآن كثيرة، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا بيّنة صريحة.

وأريد أن أناقش هذه المسألة بالذات، بعيدًا عن حالتنا كمجتمع فلسطيني في الداخل هو في أغلبه مجتمعٌ مسلم، وبعيدا عن المناكفات، وعن شطحات العلمانيين الذين يروْن في مواقف شرعية معينة، مثل تحريم حفل موسيقي مختلط، تكفيرا، وهو ليس كذلك، وأتساءل:

لأي شيء جاء الإسلام؟ وبأي شيء جاء؟ أليست في القرآن آيات تبين من هو الكافر ومن هو المؤمن، ومن هو المنافق ومن هو صادق النية، ومن هو المهتدي ومن هو الضال، ومن هم أصحاب الجنة ومن هم أصحاب النار؟ ألم يأت الإسلام لإخراج الناس من الظلمات إلى النور؟ هل بدون القرآن والسنة كان يمكننا أن نعرف إذا كنا مؤمنين أم غير ذلك؟ هل كان في الإمكان أن نعرف من هو الكافر؟ ولو أن شخصا ما جاءني أو جاء الدكتور منصور عباس، وقال لنا: أنا من ديانة كذا أو أؤمن بعقيدة كذا (غير الإسلام) فهل أنا كافر؟ فبماذا نرد عليه؟ أنقول له “نعم” أم نقول له “لا”؟ إن قلنا له “لا” فقد كذبنا على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ولخالفنا صريح القرآن وصحيح السنة النبوية، ولخدعْنا الرجلَ وكذبْنا عليه، لأننا مأمورون أن نبيّن للناس ما يقوله الإسلام في هذا. وإن قلنا له: نعم، فإن علينا أن نشرح له لماذا وكيف، وندعم ما نقول بالآيات والأحاديث والنصوص الصريحة، وهنا تحديدا يأتي دور “بالتي هي أحسن وبالحكمة وبالموعظة الحسنة”، لأنه ليس من الحكمة ولا من الموعظة الحسنة ولا من الدفع بالتي هي أحسن أن نلفّ وندور ونتأتئ، ونحاول أن نتهرب من الإجابة منعا للحرج وحفاظا على “النسيج المجتمعي والوطني”!! هذا هو دور الداعية إلى الله يا دكتور. وهناك فرق بين أن نتعامل معه بغلظة وقسوة وصفاقة وقلة أدب، وبين أن نجامله أو ننافقه ونحاول التهرب من الإجابة بحُسن التخلص. وليكن هذا واضحا، ولنكن صريحين مع أنفسنا. إلا أنه بين هذا وبين أن هناك من المشايخ من يكفّر الناس (في مجتمعنا) فهذا ما لم نسمع به، ولم يقله أحد ولم يصدر عن أحد. نعم هناك كفار في مجتمعنا، فهل ينكر الدكتور منصور عباس هذا؟ ولكن هذا شأنهم، وأنا لا أناقشهم في مسألة كفرهم أو إيمانهم، ولكن إذا سئلتُ: هل من يؤمن بغير الإسلام دينًا هو كافر؟ أقول له: نعم. وإذا سئلت: هل المسلم الذي يسب الذات الإلهية يخرج من الملة ويلزمه دخول في الإسلام من جديد؟ أقول له: نعم، دون تردد. أما إن جاءني شخصٌ وقال: شربتُ الخمرة أو ارتكبتُ الفاحشة أو سرقتُ أو أكلتُ مال اليتيم أو أو … فهل أنا كافر، أقول له: لا.. ولكنك ارتكبت كبيرة، وعليك كذا وكذا من شروط التوبة، وإن شاء اللهُ عفا عنك وغفر لك، ثم أدعو له ولنفسي بالهداية والتوبة النصوح والمغفرة. أليس هذا هو دور الدعاة إلى الله يا دكتور؟ ألم يكن هذا أسلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى في أصعب اللحظات وأكثرها حرجا وشدة؟ هل جامل أحدا، حتى مع أقرب الناس إليه رَحِما؟

كان هذا فقط تأصيلا لمبدأ التكفير، وليس تكفيرا لأحد معين من الناس. أقول هذا حتى لا يفسره مُغرضون ومتصيّدون في المياه العكرة على هواهم، وحتى لا يقفز أحدهم ويصيح: امسك… ها هم يعترفون بأنهم يكفّرون الناس! ألم نقل لكم؟

حسب فهمي القاصر، فإن الدكتور عباس لم يوفّق في اختيار العنوان، وقد نفى عن الإسلام ما فيه، لأن بيان الإيمان من الكفر والشرك والنفاق هو من صميم الإسلام، بل هذه هي حقيقة رسالة الإسلام، وإلا فما الفرق بينه وبين أية شريعة أخرى سبقته؟ وخيرا فعل لو أنه اختار عنوانا آخر أقرب إلى الصواب وإلى الواقع.

ما الدافع إلى مناقشة الدكتور منصور في مقاله؟
كان يمكن ألا نعقّبَ على مقال الدكتور منصور عباس، لو أنه وضح الغموض الذي لفّ مقاله، وأظنه فعل ذلك متعمدا. فقد جاء المقال في توقيت يشهد شارعنا فيه جدلا حول فتوى صدرت عن الشيخ مشهور فواز، وموقفٍ على صورة بيان لرابطة الأئمة والدعاة في أم الفحم بخصوص الحفل الموسيقي المختلط، الذي نظم في مسرح سينماتيك في أم الفحم، حيث خرج من خرج واتهم الشيخ والرابطة بتكفير الناس، وهو ما لم يحدث، وليس عليه أي دليل. فجاء مقال الدكتور عباس بصيغته تلك، وكأنه يدعم موقف رافضي الفتوى، خاصة وأن هناك من استشهد بمقاله هذا ودعّم فيه موقفه، ولم يعبّر الدكتور منصور بشيء، ولم يوضح، ولم ينفِ (ولم يؤكد كذلك).

ومن الأسباب الأخرى التي دفعتنا للتعقيب على المقال ذلك الكلام الخطير الذي تضمنه مقاله، حين أسقط حالتنا كمسلمين وكإسلاميين على حالة الكنيسة والسلطة في أوروبا، حيث قال إن رجال الدين هناك أساءوا استخدام السلطة في أوروبا، فترك الأوروبيون الدين (المسيحي) والإيمان، فلا تكرروا نفس الخطأ أيها المشايخ!!

ما الذي يفهم من هذا الكلام؟

أنا -على الأقل-أفهمه أنه دعوة صريحة، لا لبس فيها، إلى مبدأ فصل الدين عن السياسة، الذي تمارسه أوروبا، والذي يدعو إليه علمانيو بلادنا. فهل هي كذلك يا دكتور، أم أننا أسأنا فهم ما ذهبتَ إليه؟

ويدعم فهمنا هذا قوله: “أما زجّ الإسلام في صراعات الأحزاب والشيَع والنفوذ والسلطة فليس من الحكمة ولا من الشرع في شيء، ولن يكون له مردود حسن جميل”!! هل فعلا هذا ما نسمعه ونقرأه؟

نفهم من هذا أن الأحزاب التي تلعب في ميدان السياسية، يجب ألا نزج الدين في عملها، وأن علينا ألا نقول كلمتنا ذات الخلفية الدينية (الإسلامية) فيما يدور من عمل حزبي. هل هناك أكثر صراحة من هذا في الدعوة إلى فصل الدين عن السياسة؟! في هذا السياق-وليعذرني الدكتور عباس-ربما لا يمكنني إحسان الظن، وربما لا أستطيع أن أتهم نفسي بسوء فهم مقصده.

أقول هذا لعلمي أن الدكتور منصور جاء من مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي تربينا فيها جميعا، والتي لا تعترف بفصل الدين عن الدولة ولا عن السياسة. وإن كان يخشى أن يترك الناس الدين بسبب ما أورده في مقاله من مبررات، كما فعل مسيحيو أوروبا مع الكنيسة، فإنني أرُدُّه إلى قول الله تعالى: “وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن، أنسجد لما تأمرنا، وزادهم نفورا” (الفرقان: 60). فهل لأن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء النفر أن يسجدوا للرحمن زادتهم نفورا من الدين، جعلته صلى الله عليه وسلم يتوقف عن دعوة الناس إلى دين الله، وعن بيان الحق من الباطل؟

وتجد مثل هذا في قوله عز وجل: “وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفورا” (الإسراء: 46).

وفي قوله سبحانه: “وإن تدعُهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذًا أبدا” (الكهف: 57).

وفي قوله تعالى: “وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا” (فاطر: 42).

ثم نقول: عندما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، ووجد كل هذا الصدود من أهلها، وعلى رأسهم كبارٌ من عشيرته الأقربين من بني هاشم، ولقي العنت والمشقة والمعاناة والعذاب والملاحقة ومحاولة القتل وغير ذلك الكثير مما يعرفه الدكتور عباس، هل منعه هذا من مواصلة نشر الإسلام وقول كلمة الحق، حفاظا على وحدة أهل مكة، حتى لا تكون فتنة (عائلية أو قبلية أو قومية أو وطنية)؟ وهل ارتدع عن نشر الإسلام وبيان الحق في المدينة المنورة خشية الوقوع في فتنة طائفية (مع يهود المدينة ومع نصارى نجران)؟ هل طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه – حاشاه-حتى تمر العاصفة وتهدأ الأمور، وراح يجامل ابن سلول، وأمثاله من المنافقين؟!

أنا مع موقف الدكتور منصور عباس في قوله: “من كان حريصا على الدين أن يُشوَّه، وعلى التديُّن أن ينحرف، فليجتهد في تعليم الناس القرآن الكريم وسنة النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) بحكمة وموعظة حسنة وبالدليل والحجة والبرهان”. ولكن سؤالي: هذا يصلح لمن أراد أن يتعلم القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكلُّ دعاتنا ومشايخنا فعلوا هذا ويفعلونه، وهناك الآلاف من أبناء شعبنا من الشبان والشابات الذين يتعلمون القرآن وسنة النبي عليه السلام وآداب الإسلام، ومن بينهم مئات الحفظة والحافظات. فهل يرى الدكتور أنهم قصروا في هذا؟ هل يرى أنهم قصروا في تبليغ القرآن وسنة النبي العدنان عليه السلام لكل الناس وفي كل مكان وكل مناسبة؟ ولكن كيف يكون العمل مع الذين يحاربون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وما الموقف من الذين يريدون إلغاء الإسلام وشطبه من حياة الناس، ويبذلون كل وسيلة، ويسيرون في كل سبيل كي يحولوا بينه وبين أن يكون مرجعية الناس ومنهاجهم في حياتهم، وهم يعلنون هذا ويسعون إليه صباح مساء، وفي كل مناسبة، ويطعنون في آيات القرآن، وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ويشككون في شرع الله، وينفون صلاحيته لتسيير حياة الناس، وضبط سلوكهم وعلاقاتهم وحياتهم؟ وحتى الذين يلاطفوننا ويقولون إن شرع الله أمر جيد، ولكنه لا يصلح في كل شيء، لأن المجتمعات تطورت وتنوّرت وأزهرت وأورقت وأثمرت، ولا حاجة لنا به الآن؟ ألا نرد عليهم؟ ألا نناقشهم (بالتي هي أحسن وبالحكمة وبالموعظة لحسنة، ولكن أيضا دون طأطأة ودون تأتأة ودون تنازل عن الثوابت؟) هل نصمت ونعض على النواجذ، حتى لا يقال إننا نسبب فرقة المجتمع، وتشتته، وإننا لسنا حريصين على رص الصفوف، وعلى وحدة المصير، وعلى مشاعر الآخرين؟ أهذا هو المطلوب؟ أم أن المطلوب أن نقول كلمة الحق، ونعبر عن موقفنا (بحكمة وموعظة حسنة) ولا نخشى في الله لومة لائم؟

أما استشهاده بكتاب “دعاة لا قضاة” للمرحوم الهضيبي، رحمه الله تعالى، فظني أنه ليس في محله، وكأنه يريد أن يقول: إن المدرسة التي تربيتهم فيها أيها المشايخ تقول “دعاة لا قضاة”، وكأن المشايخ الذين يقصدهم الدكتور عباس يفعلون غير هذا؟ وكأنهم أصدروا حكما ضد أحد، أو نفذوا حكما ضد أحد، وهم أصلا لا يملكون هذا، فضلا عن أنهم لا يفكرون به أصلا، والدكتور يعرف هذا جيدا. ولذلك فإن الاستدلال بهذا الكتاب يقول “للآخر” إن هناك من أرادوها “دعاة وقضاة”، وربما “قضاة لا دعاة”، وهي رسالة غير موفقة إطلاقا، وفيها من التلميح بالتهمة ما فيها.

نعم، أخي الدكتور منصور عباس، الإسلام دين المحبة والرحمة والحكمة والسلام. نؤمن بهذا ونقر به ونسعى إليه، وأرجو ألا يكون القصد من هذه المترادفات كقصد أولئك الذين يرددون طوال الوقت: هذا ليس من الإسلام الحنيف، وعندما تسألهم “ما الإسلام الحنيف” تراهم صما بكما لا ينطقون!! الإسلام دين محبة ورحمة، نعم، لكنه أيضا دين المنافحة عن الحق وتبيانه، ومواجهة الباطل ودحضه وإظهار فساده. وهو أيضا دينٌ يحب الأقوياء في الحق، لا دين الضعفاء، وهو دين مواجهة النفاق، لا دين مجاملة أهل الباطل، وهو دين التضحية في سبيل الحق وإعلاء كلمة الله، ونشر الإسلام في كل مكان، لإخراج الناس من ظلمات الجهل والضياع إلى نور الهداية والصراط المستقيم، وهو دين يأمرك ويأمرني أن نغضب عندما تُنتهك حرماته، وعندما ينحرف الناس عن جادّة الصواب، وعندما يختلط الحابل بالنابل، فلا تعرف عندها حلالا من حرام، ولا حقا من باطل! وهو دينٌ يأمرك أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر.

كل هذا أخي الدكتور منصور ليس معناه تكفير الناس، بل هو مقولة الحق التي تربينا عليها، نحن وأنت على مائدة القرآن، وفي رياض السنة النبوية المطهرة. وهذا كله لم يمنعنا، وهو لا يمنعنا الآن، ولن يمنعنا من أن نتواصل مع الجميع، وأن نمد أيدينا بالتعاون مع الجميع، لمصلحة مجتمعنا وأهلنا، في القضايا المصيرية التي تعنينا جميعا، وأنت مِن أدرى الناس بهذا.

وختاما: لم يبلغ مسامعي، ولم أقرأ، ولم أرَ شيخا من مشايخنا، كلهم على الإطلاق كفّر أحدا، بسبب خلاف على موقف شرعي، كما يمكن أن يُفهم من مقالك. فإن كان عندك غير هذا فوافِنا به يرحمُك الله. والسلام ختام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى