أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

عندما تصبح الأكاذيب “حقائق” في زمن الدجالين الصغار

حامد اغبارية

في مقال له نشره في صحيفة “هآرتس” العبرية الصهيونية، يوم الاثنين من هذا الأسبوع، تحت عنوان “إسرائيل ضد أم الفحم”، حاول عبد اللطيف عزب أن يوهم القارئ أنه يردّ على مقال سابق للمستوطن يسرائيل هرئيل، نُشر في نفس الصحيفة قبله بأيام، بينما حقيقة الحال والمقال أن ما صبّه عزب من “خربطات ولغوصات” في مقاله، إنما يصب في ذات المكان الذي يصب فيه مقال هرئيل؛ تحريض أحمق على أم الفحم وأهلها!

يقول عزب في مقاله ذاك إن التطرف في أم الفحم أكبر بكثير مما وصفه يسرائيل هرئيل في مقاله. ولو اكتفى عزب من مقاله بهذه الجملة وحدها لكفته تحريضا دمويا على أم الفحم وأهلها، الذين احتضنوه لسنوات طويلة! لكنه لم يكتف بذلك، وغاص في وحل التحريض والافتراء والدجل واختلاق الأضاليل مما لا يمكن لطفل فحماوي صغير أن يصدقه.

و”يشرح” عبد اللطيف عزب مشاهد التطرف في أم الفحم، فيقول: “إن ما نراه في جنازات “الشهداء”، وما نسمعه في خطب الجمعة في المساجد هو ظلٌّ باهت للكراهية ضد كل من هو ليس من أنصار الحركة الإسلامية (يقصد الحركة الإسلامية التي حظرتها حكومة نتنياهو، تلك الحكومة التي ينشر عزب مقالاته في صحافتها)، بمن فيهم علمانيون مثلي، وبالتأكيد ضد أقليات كالدروز والمسيحيين والشركس”!!

عجيب أمر الدجل والكذب، كيف يفضح صاحبه. فعبد اللطيف عزب – كما أعرفه-أكاديمي يحمل شهادة الدكتوراه، ومن المفترض أن يكون تعاطيه للأمور بمستوى الدرجة “العلمية” التي يحملها، لكنه اتبع ذات الأسلوب القديم الممجوج، الذي مارسه حزبه وتياره السياسي على مدار سنوات وجوده، ذلك الأسلوب الذي يعتمد الديماغوغية، وإلقاء الكلام على عواهنه، وبث الأكاذيب، ولي عنق الكلام، وإطلاق الإشاعات بهدف التشويه والتشويش. فهو مثلا ليس من سكان أم الفحم، وأظنه لم تطأ قدماه مسجدا في حياته، (أتمنى أن أكون مخطئا) فكيف تحقق مما يقال في خطب الجمعة في أم الفحم؟ وهل لديه دليل واحد على صدور ما يحمل الكراهية له أو للدروز أو للمسيحيين أو للشركس من خطب الجمعة؟ إن كان لديه دليل فليأتنا به، وإلا فإن عليه التراجع والاعتذار لأم الفحم حجرا حجرا، ولأهلها فردا فردا، ولأئمتها ومساجدها. ومن الآن أقول: ليس لديه أي دليل، لأن ما زعمه لم يحدث، ولم تحمل خطب الجمعة في أم الفحم (ولا في غيرها) إلا الخير للناس أجمعين. نعم؛ قد يتطرق الخطباء إلى العلمانيين أمثال عزب، وإلى أية شريحة من شرائح مجتمعنا، سواء كانوا دروزا أو مسيحيين أو شراكسة، ولكن من خلال التذكير بالحق، وتوجيه النصيحة، وتبيان الخطأ، وتوضيح الانحراف (الوطني والديني)، انطلاقا من القواعد الفقهية، التي يبدو أن عزب لا يفقه منها شيئا. فهل هذا يعدّ تطرفًا؟!

وإذا كان عزب لا يعترف بأن الذين قتلتهم أجهزة الأمن الإسرائيلية شهداء، (وضع مصطلح الشهداء بين مزدوجين) فهذا شأنه، ولكن لا هو ولا غيره يقررون من هو الشهيد. وما الشهيد بحاجة إلى شهادة من عزب يدخلون بها الجنة. فهذه يقررها ربنا سبحانه وتعالى، فهو أعلم بعباده. ومن عباده بطبيعة الحال عبد اللطيف عزب هذا. ولكن السؤال هو: ما الذي يراه عزب في جنازات الشهداء ما جعله يصِمُ أم الفحم بالتطرف؟ لماذا لا يعطينا أمثلة، لعلنا نتفقَّه ونتعلم ونعرف ما لم يعرفه أحد من العالمين إلا عزب؟ ماذا ترك عزب إذن للمؤسسة الإسرائيلية وإعلامها يحرضون به على أم الفحم (وأخواتها)؟ أليست هذه هي ذات الأكاذيب والأضاليل التي أطلقها نتنياهو ووزراؤه وإعلامه ضد جنازات الشهداء؟

و”يضيء” عزب لنا الطريق المظلم، ليشرح لنا من أين جاء كل هذا التطرف إلى أم الفحم، التي كانت آمنة مطمئنة سخاء رخاء أيام الحزب والجبهة!!

يقول إن أم الفحم عانت مع قيام دولة إسرائيل أكثر من غيرها. وهذا بحد ذاته غير صحيح تاريخيا وواقعيا. فأم الفحم عانت كما عانت كل قرية ومدينة فلسطينية في الداخل منذ النكبة. ولكنه لغرض التحريض خصّ أم الفحم بالمعاناة ليصل إلى هدفه الذي يقف وراء مقاله.

يقول عزب إنه بعد أن فشلت السلطة الإسرائيلية في سياساتها ضد أم الفحم في الستينات والسبعينات صنعت الحركة الإسلامية كعدو داخلي، كما صنعت حماس في المناطق المحتلة كحركة دينية إرهابية لإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية. ويستند في افترائه هذا (بالنسبة لحماس) إلى مقولات وتفتفات هنا وهناك من إسرائيليين يتسلون ببسطاء العقول أو المغرضين من الذين يعيشون بين ظهرانينا، وكأن الاحتلال هو الذي صنع حماس فعلا. فهنيئا لعزب مصادره الإسرائيلية!! علما أن هذه كذبة فنّدها حتى أعتى المؤرخين والسياسيين الصهاينة. لكن عزب يتبناها بهدف الترويج لكذبته الكبرى، وهي أن السلطات الإسرائيلية صنعت الحركة الإسلامية لضرب “حداش”، التي كانت وقتها في ذروة قوتها!!

عدو داخلي لمن؟ لأهل أم الفحم مثلا؟ أليس هذا إهانة لأهل أم الفحم جميعا؟

وإذا كانت حداش يومها في ذروة قوتها، فكيف أطيح بها عن سدة الإمبراطورية الفحماوية إذًا؟ أليس هو الذي يعترف أن الجبهة التي كانت في السلطة المحلية، وفي ذروة قوتها!! عجزت عن دفع رواتب المعلمين لستة أشهر؟ فهل بلغت من القوة درجة عجزت فيها عن دفع الرواتب؟ أكانت قوية أم منهارة تماما؟

ثم ليشرح لنا عبد اللطيف عزب كيف تمكنت السلطات الإسرائيلية من إقناع أهالي أم الفحم بالتصويت لصنيعتها (الحركة الإسلامية)؟ وليشرح لنا كذلك كيف تحولت غالبية الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع إلى “أغبياء” حتى يمنحوا أصواتهم لحركة حماس التي صنعها الاحتلال!!

وإذا كانت أم الفحم قد أصبحت تعاني من التطرف، بسبب الحركة الإسلامية التي هي صنيعة السلطات الإسرائيلية، فهل كانت قبل ذلك معتدلة؟ هل كانت معتدلة أيام الحزب والجبهة؟ أليس هذا ما يفهم من كلامه؟ يعني أم الفحم كانت في زمانهم “برنجي” و “على كيف كيفك”، فلماذا إذن يشبعنا عزب عنتريات عن ملاحقات السلطات الإسرائيلية لقيادات الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وعن السجن والنفي والتعذيب؟!! ألم تكن السلطات الإسرائيلية تحب الاعتدال والهدوء والسكينة والانضباع والأسرلة التي رسخها الحزب وسط الجماهير في ذلك الوقت؟

ويزعم عزب أن السلطات الإسرائيلية عملت، من ناحيةٍ، على إضعاف رئيس البلدية هاشم محاميد (ممثل الجبهة)، وعلى تقوية الحركة الإسلامية والسماح لها بتحويل أموال من السعودية، من ناحية أخرى.

أليس أرييه درعي؛ وزير الداخلية في ذلك الوقت، هو الذي صرح بعد فوز الحركة الإسلامية في الانتخابات عام 89 بـ “أننا سوف نشتاق إلى أيام حداش”؟ هل يذم الصانع ما صنعه يا عبدُه؟!

أما بالنسبة لـ “تحويل الأموال من السعودية” فهذه عجز عن التلفظ بها حتى تسفي يحزقيلي. لم يقل بها أحد إلا الشيوعيون. وهي كذب في كذب في كذب. وأتحدى عبد اللطيف عزب أن يأتي بدليل أو شبه دليل أو شبهة أو شبه شبهة على أن الحركة الإسلامية تلقت أموالا من السعودية.

ولو فرضنا أن ما يقوله صحيح، وأن الحركة الإسلامية (المحظورة إسرائيليا) تلقت فعلا أموالا من السعودية ومن كل بقعة في بلاد المسلمين، فهل هي جريمة؟

أحلال على بلابله الدوحُ   حلالٌ للطير من كل جنس؟

ألم يتلقَّ الحزب أرتالا من الأموال من خزائن الكرملين وتوابعه في دول المعسكر الشيوعي؟! ألم يدرس مئات (وربما آلاف) الطلاب على حساب تلك الأموال في جامعات المعسكر الشيوعي؟! هذا فقط على سبيل المثال لا الحصر.

ثم أليس من العيب وقلة المروءة أن يبصق السيد عزب في الصحن الذي أكل منه ذات مرة؟ إذا كانت الحركة الإسلامية قد تطوعت في السنة الدراسية عام 7/86 لدفع رواتب المعلمين عن ستة أشهر، بعد أن عجزت البلدية عن دفعها، فهل هذا سبب لذمّها؟! أم أنه التحريض،؟ أم أنه محاولة بائسة لإثبات نظريته الفاشلة، من أن السلطات الإسرائيلية هي التي صنعت الحركة الإسلامية، وسمحت لها بتلقي الأموال من السعودية؟! لولا الحياء، لحَقَّت مطالبةُ السيد عزب بإرجاع الراتب الذي دفعته له الحركة الإسلامية في ذلك الوقت!!

ومن “ألطخ” وأقذر ما جاء في المقال أن عبد اللطيف عزب جمع بين الحركة الإسلامية وبين العملاء في سياق واحد، حين قال إن العملاء والحركة الإسلامية كانوا يسيطرون على لجنة الآباء في ذلك الوقت.

ومن هم العملاء في نظر عزب يا ترى؟!

هل هم الذين يتعاونون مع السلطة ويسيرون في طريق الوشاية ضد أهل بلدهم؟ لا!

إنهم كل الذين لم يؤمنوا بطريق الحزب الشيوعي والجبهة. هكذا بكل بساطة. وأدبيات الحزب وصحافته مليئة بالتخوين والرمي بالعمالة لكل من لا يوافقهم أو يعارضهم. وإن كانت هناك ضرورة لاحقة فإنني على استعداد أن أقدم قائمة طويلة بمسلسل تُهم التخوين والعمالة التي صدرت عن الحزب الشيوعي، ثم عن الجبهة، ضد كل التيارات المخالفة، بدءا من حركة الأرض، ووصولا إلى الحركة الإسلامية…

ويسدر عزب في تحريضه وأضاليله حين يقول إن السلطات عملت كذلك على تأسيس حزب التجمع (العلماني) لضرب الجبهة كذلك. “ولهذا فإن استعراضات رائد صلاح وحنين زعبي هي ثمرة تخطيط دقيق يحاك في الظلام وبعيدا عن الكاميرات”!! ثم يضيف: “ولذلك ليس عجيبا أن الحركة الإسلامية والتجمع هما حليفان في كل بلدة وفي كل قضية”.

فهل كل ما أنجزه الشيخ رائد صلاح كرئيس للبلدية فقط في أم الفحم كان استعراضا يا عبدُه؟ أليس هو الذي نقل أم الفحم – التي تحرّض عليها- نقلة عصرية، وأحدث فيها نهضة حضارية على مستوى الإنسان والعمران والبنية التحتية والتعليم وغير ذلك الكثير الكثير ما تعلمه وتنكره؟ أليس هو وتياره الإسلامي من أعادوا إلى أم الفحم مكانتها الحقيقية، بعد أن كانت – بفضلكم- عاجزة عن دفع رواتب المعلمين؟ أتريد أن أستعرض لك “استعراضات” الشيخ رائد صلاح في أم الفحم يا عبدُه، أم يكفيك ما تراه عينك في المدينة القلعة، التي ربما لم تدخلها منذ تلقيت راتبك المتأخر عام 87؟

أما قوله إن الحركة الإسلامية (التي حظرتها حكومة نتنياهو بفضل كثيرين يعرفهم عزب) حليفة للتجمع في كل بلدة وكل قضية، فهذا لو كان صحيحا، فهو مشروع وطبيعي، وليس جريمة، لكنه غير صحيح. ويستطيع عزب أن يسأل رفاقه في الحزب والجبهة مع من تحالفوا قبل أسابيع في شفاعمرو (مثلا) لخوض انتخابات البلدية القادمة؟ وكم مرة تحالفوا مع التجمع لخوض انتخابات الكنيست؟ أم أن التجمع خارج القائمة المشتركة اليوم؟ ألم تتحالفوا مع أحمد الطيبي في انتخابات 2003؟ ألم تتحالفوا مع حزب العمل في انتخابات الهستدروت أكثر من مرة؟ ألم تتحالفوا مع التجمع في انتخابات 1996؟ وقائمة تحالفاتكم (المصلحية) طويلة لا تنتهي. فلماذا تعيب على الحركة الإسلامية (التي حظرتها حكومة نتنياهو بفضل تحريض متراكم يعرف عزب مصادره ومن يقفون خلفه!!) تحالفها المبدأي (وليس المصلحي) مع التجمع؟ وهو في الحقيقة لم يكن تحالفا، وإنما هو توافق وتفاهم في عدد من القضايا التي تهم أبناء شعبنا ومجتمعنا، وهي قضايا (للأسف الشديد) شكلت الجبهة والحزب الشيوعي حجر عثرة في طريق تحقيقها، وما تزال. وأستطيع أن أسرد لك عشرات الملفات التي تثبت هذه الحقيقة، فقط من خلال جلسات لجنة المتابعة…

فهل هذه جريمة تستحق تحريض السلطات الإسرائيلية -عبر صحيفة هآرتس الصهيونية-على أم الفحم، وعلى الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا وعلى حزب التجمع، في الوقت الذي يعرف فيه عزب أن هذين التيارين هما الوحيدان اللذان استهدفا (حتى الآن) من السلطات؟

أمن أجل ذلك حظرت حكومة نتنياهو الجبهة يا عبدُه؟ هل لأنها هي التي صنعت الحركة الإسلامية (ثم التجمع) لضرب الجبهة، وعندما لم تنجح في ضربها وإضعاف قوّتها الخارقة حظرتها؟! ألأجل هذا طاردت السلطات قيادات الجبهة والحزب ولاحقتهم واعتقلتهم وسدت عليهم كل المنافذ؟!

نعم… نحن الإسلاميين لنا نقاش عقائدي إيديولوجي طويل مع كل التيارات السياسية الفاعلة في مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، وعلى رأسها الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية، لكننا لم نحوّل الخصومة يوما إلى عداء وقطيعة، ولم نفْترِ علي أحدٍ بكلمة واحدة، ولم نقل إلا حقًّا، وكنا دائما المبادرين – بمسؤولية وعن قناعة- إلى رص الصفوف وتوجيه البوصلة إلى الاتجاه الصحيح، وسرْنا معهم في الهمّ العام بمسؤولية وبحس إسلامي ووطني، وتعاليْنا على جراح كثيرة، فلم ننظر إلى الوراء، وجعلنا قضايانا الكبيرة والملتهبة على رأس سلم أولوياتنا، وفي قلب نشاطنا، وفي دائرة اهتماماتنا، لأننا حددنا الهدف، وعرفنا الطريق فلزمناه، وحددنا قضايانا التي تحتاج إلى تكاتف، وبذلنا كل جهد لتجميع القوى، لا تشتيتها، وعرفنا الجهات التي تستهدف هذه القضايا وتسعى إلى تعطيلها وتدميرها، فركّزنا كل اهتمامنا نحوها، تاركين خلفنا –غير آسفين- كل الخلافات والاختلافات التي نراها طبيعية في ظروفنا هذه، وأحيانا كثيرة صحيّة، مع كل التيارات السياسية الفاعلة في مجتمعنا.

نختلف…؟ نعم..

تقع بيننا الخصومة حول قضايا مصيرية أو عقائدية…؟ نعم…

لكننا لا نجعل الاختلاف ولا الخلاف وسيلة لنفي الآخر وإقصائه، ولا نفْجُر في الخصومة… ولا نكذب… ولا نمارس الدجل، ولا نخوّن، ولا نفتري، ولا نختلق القصص الخيالية… ولا نجعل من المنافسة (أو قل حتى الخصومة السياسية) وسيلة للتحريض الأعمى…

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى