أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

خذوا رغيفكم وارحلوا

لسنا جياعا ولسنا “حالة إنسانية” بل أصحاب حق

حول صفقة القرن والطُعم الاقتصادي

حامد اغبارية

تردد في اليومين الأخيرين أن أحمق الأمريكان؛ دونالد ترامب ينوي الإعلان قريبا عن تفاصيل “صفقة القرن”، وأنه سيعرضها قبل نشرها على الملأ على الأطراف المعنية. وذكرت وسائل إعلام أمريكية (وإسرائيلية كذلك) على لسان مسؤولين في البيت الأبيض أن “خطة السلام تتضمن مشاريع لتحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين”!!

وبحسب وسائل الإعلام تلك، فإن جيراد كوشنير، صهر ترامب، وشريكه في زيارته الأخيرة إلى المنطقة جيسون جرنفلت، قد طلبا من حكام الدول العربية التي زاروها (الأردن ومصر والسعودية) أن يرسموا سيناريو يمكن للفلسطينيين أن يتعايشوا معه ويرضى به الطرف الآخر (أي الاحتلال)، مع التركيز على تحسين الوضع الاقتصادي. وهذه معادلة لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع مبدئيا، لأن ما يريده الشعب الفلسطيني (بغض النظر عن مواقف سلطة رام-الله) لا يمكن أن يرضى عنه الاحتلال، وما يرضى به الاحتلال لا يمكن أن يتعايش معه الفلسطينيون.

يظن هؤلاء الحمقى أن مشكلة الشعب الفلسطيني هي مشكلة بطون لا مشكلة حقوق، وأنها مشكلة أوضاع اقتصادية تحتاج إلى مشروعات هايتك لتحسينها، لا مشكلة مشروع تحرر من الاحتلال الغيض، وأنها مشكلة بطالة يمكن أن تحل بزيادة عدد تصاريح العمل للفلسطينيين، وخلق فرص عمل (هي في الحقيقة وهمية، كما اتضح طوال الوقت) داخل أراض سلطة رام الله، لا مشكلة باطل منتفش، نهب الأرض والوطن وكل ما فيه، ويريد الشعب الفلسطيني خادما عنده، إلى أن تسنح له أول فرصة للتخلص منه. والحقيقة أن أكبر همّ يراود الاحتلال، ومن يقفون خلفه هو كيف يتخلصون من قضية اسمها “قضية الشعب الفلسطيني”.

لا… لا يكفي أن نقول إن هؤلاء الحمقى مجرد أنهم يظنون أن مشكلة شعبنا هي مشكلة اقتصادية، بل هم يريدون تحويلها إلى مشكلة اقتصادية، وبين الحين والآخر إلى مشكلة إنسانية (كما في غزة). وقد سعوا إلى ذلك منذ اللحظة الأولى التي وقّعت فيها اتفاقية العار المعروفة باسم “أوسلو”. والحديث عن تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين ليس اختراعا جديدا ولا حكرا على عصر ترامب. وقد أخذ هذا الموضوع في حينه اسم “السلام الاقتصادي”؛ ذلك الاستغباء الذي عاشه شعبنا بفضل أوسلو، حيث أن أكثر ما سال من حبر في هذا الملف الملتهب منذ 1993، سطر أضاليل حول ضرورة تحسين الوضع الاقتصادي للشعب الفلسطيني (في الضفة وغزة)، وأن هذا كفيل بأن يدفع أكذوبة مفاوضات السلام إلى الأمام. وقد خابوا وخاب ظنهم، وأفشل شعبنا كل مشاريعهم التي سعت إلى تصفية قضيتهم، التي هي قضية أمة لا قضية شعب. وهي قضية وطن سلبته الحركة الصهيونية، بدعم من الاستعمار، وبتواطؤ من أنظمة عربية، بدأت أوراقها تتكشف هذه الأيام، وراحت أقنعتها تتساقط، ورائحة خياناتها تزكم الأنوف.

فشل السلام الاقتصادي الذي قاده سلام فياض، رئيس حكومة الطواريء (2007) لدى عباس. وفشلت جرعات السم الاقتصادية التي كان ينفثها شمعون بيرس، وأطاح شعبنا بأضاليل جون كيري، الذي كان من أوائل الذين جعلوا “السلام الاقتصادي” خطة استراتيجية لإلهاء الشعب الفلسطيني عن قضاياه المركزية. وسوف يفشل شعبنا خطة ترامب وصهره وحلفائهما من أنظمة العار العربية، ذلك أن شعبنا يجوع ولا يرضى بالدنيّة، ولا يمكن أن يرضى أن تكون يده هي السفلى. ولنا في غزة وصمودها الأسطوري منذ أحد عشر سنة خير مثال. إن شعبنا لا يمكن أن يرضى بأقل من حقه التاريخي والديني والعقائدي، ومن حق العودة، ومن أحقيته بالقدس المنهوبة تاريخيا وجغرافيا، عاصمة له.

إن أصحاب صفقة القرن يريدون أن يمرروا مخططهم على شعبنا وعلى أمتنا، من خلال خدعة تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، في الوقت الذي يواصل الاحتلال تمدده الاستيطاني في أرجاء الوطن الفلسطيني، وفي القدس بشكل خاص، حتى لا يبقى أمام شعبنا الفلسطيني – هكذا يخيل إليهم-أي أمل في دولة، أو وطن، أو حرية، سوى ملء البطون وإنجاب الأولاد والعمل في تل أبيب. خابوا وخاب ظنهم، فإنهم لا يعرفون الشعب الفلسطيني. بل ربما يعرفونه، ولذلك سلطوا عليه من بين ظهرانيه من ينوب عنهم في قمعه وتدجينه، من خلال سلطة أوهمته بأنها ستصنع له وطنا على رأس خازوق… فمن هو الذي سيأكل الخازوق في نهاية المطاف؟؟؟

أيها الحمقى في واشنطن وتل أبيب وغيرهما من أوكار الاستعمار: خذوا رغيفكم وارحلوا، فلسنا جياعا لتطعمونا، ولا عراة لتُلبسونا، ولا نحن حالة إنسانية تستدر الدموع والعطف والميزانيات الأممية. إننا حالة خاصة. بل نحن الحالة التي ستقرر مصيركم أنتم قبل غيركم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى