أخبار رئيسيةمقالات

الانتـــــــقام السياسي؟.

صالح لطفي : باحث ومحلل سياسي..
لا يمكننا أن ننكر ان اسرائيل دولة ديموقراطية لشعبها اليهودي وتملك ادوات من العدل معه وإن بدأت تتهاوى معامل ومفاعيل هذا العدل مع انتشار الفساد في السلطة وهرمها وفي نسيج المجتمع، إذ لولا فساد المجتمعات ما تجرأت القيادات السياسية على امتهان الفساد وجعله أداة من أدوات سيطرتها بيدَّ أنَّ لهذه السلطة وجه أخر قاتم مخالف لعدلها الممارس مع الأغلبية اليهودية تمارسه مع الفلسطينيين مخالفة بذلك على الأقل ما كتبه منظر المدرسة التصحيحية التي ينتمي اليها الحزب الحاكم برسم ميراثها السيء للمباي البنغريونية التي ما زالت آثارها نازلة في المؤسسات والمجتمع وإن باتت تتعرض في السنوات الاخيرة لعملية قضم متتالية لصالح تطلعات دينية- صهيونية- مسيحيانية.
لقد مارست اسرائيل على مدار عقود خلت سياسات العصا والجزرة مع الفلسطينيين في الداخل ومارست سياسة البطش والتنكيل والانتقام السياسي، وقد كشفت كافة الابحاث عن حجم الاضطهاد السياسي الممارس من قبل السلطات على الفلسطينيين سواء في الداخل او مناطق عام 67 او القدس، كما بينت الدراسات انواعا مختلفة من الانتقام السياسي إنْ داخل الفضاء السياسي أو في السجون والمعتقلات وقد كشف الشيخ رائد صلاح في كتابه مطارد مع سبق الإصرار بعضا من جوانب هذا الاضطهاد وهذا الانتقام.
سياسات الانتقام هي الابرز في العقدين الاخيرين في العلاقة بين المؤسسة الاسرائيلية والداخل الفلسطيني عموما وقياداته السياسية ولعل اطلالة سريعة على الاعلام الاسرائيلي وتصريحات القيادات الاسرائيلية سيجد الكثير من دلالات هذا النهج الذي يتحول رويدا رويدا الى قوننة وتشريع فحملات التشهير والكيدية والنيل من ابسط الحقوق السياسية للسياسيين العرب في البلاد ( أنظر الى ما يحدث للنواب العرب في الكنيست مثلا) وسياسات التخويف والتهديد المبطن والعلني لكافة الجماهير في الداخل الفلسطيني وسياسات الإغواء السلطوية للبعض وقتل الاخرين بدم بارد تحت مسميات مختلفة خاصة ما تقوم به الشرطة، والملاحقات شبه اليومية لأبسط التصريحات على ادوات التواصل الاجتماعي تحت حجة محاربة الارهاب الالكتروني والالتزام بمعاهدة وارسو لمكافحة الجريمة الالكترونية، هي من الخبز شبه اليومي الذي نقرأه ونسمع عنه في سياق الاعتقالات لعديد الشباب العرب في البلاد. ولعل أكثر من يتعرض اليوم للانتقام السياسي هم قيادات الداخل الفلسطيني وفي مقدمتهم الشيخ رائد صلاح وكل من تعتقد المؤسسة الامنية أنه ما زال على علاقة بالحركة الاسلامية المحظورة، ومتابعة عينية لكثافة التحريض والتخريص بحق الشيخ رائد صلاح يكشف حقيقة الاضطهاد والانتقام السياسي. المثال الاوضح على ذلك ما أدلى به الشيخ اول امس في محكمة “الصلح” في حيفا عن ظروف اعتقاله.
تتجلى معالم الانتقام السياسي من الشيخ رائد صلاح وقيادات سياسية في الداخل الفلسطيني في عقد مقارنة بسيطة بين تصريحات هذه القيادات وتصريحات نخب كثيرة في المجتمع اسرائيلي من مجرد “مفسبكين” الى حاخامات ومحللين سياسيين الى وزراء يدعون جهارا نهارا لطرد الفلسطينيين بل والتحريض على قتلهم – بعض تصريحات الحاخامات وناشطين سياسيين- ولمَّا يقدم واحد منهم للمحاكمة بسبب ان ما يقوله يقع في دائرة التعبير عن الرأي، كما قال احد القضاة عندما ووجه بمثل هذه التصريحات في احدى جلسات محاكمة الشيخ رائد صلاح في محكمة الصلح في عيون قارة “ريشون لتصيون”.
التهم الموجهة للشيخ رائد صلاح تؤكد انها مفبركة خاصة في ظل التساؤلات التي طرحتها هآرتس في عددها الصادر في السابع عشر من الشهر الجاري فقد تساءلت هذه الصحيفة: “إن كان صلاح قد قام بالتحريض فعلا فلماذا لم يتم اعتقاله فورا وعدم الانتظار لأكثر من شهرين والإقدام على توقيفه بدعوى التحريض؟..”، وكشف مقال الافتتاح للصحيفة المذكورة أن المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية قرر أن تصريحات الشيخ رائد صلاح لا تنطوي على التحريض، ومعلوم لمتابعي ملف الشيخ أنَّ القاضي مناحيم مرزاحي، رئيس محكمة الصلح في عيون قارة “ريشون ليتصيون” الذي نظر في دعوى الشرطة ضد الشيخ رائد صلاح لم يقتنع بأن تصريحاته تنطوي على تحريض، وهو ما يؤكد أن شهوة الانتقام السياسي والتي تقاطعت مع عدد من المصالح المحلية الاسرائيلية كالكسب السياسي الحزبي، والمصالح الاقليمية المتعلقة بملف المسجد الاقصى المبارك ومستقبل منطقة المثلث عموما هي التي تحرك مكتب رئيس الحكومة، لذلك فالقضية برمتها عملية انتقام سياسي بامتياز….القضية بمختصرها المفيد موضوعة على طاولة نتنياهو بشكل دائم ويتناولها الرجل باستمرار ضاغطا على الأجهزة الامنية لملاحقة الشيخ لأن قضية الشيخ كما يبدو اضحت اكبر من “اسرائيل” في ظل حرب انظمة الفساد والاستبداد في منطقة الشرق الاوسط على المشروع الاسلامي وهرولة هذه الانظمة للتصالح مع اسرائيل، وفي ظل أن اليمين الاسرائيلي وكثير من القوس السياسي ينظر اليه على انه يهدد مشاريعهم المتعلقة بالمسجد الأقصى المبارك، بحيث اضحت ملاحقته والانتقام السياسي منه هدف اجتمعت عليه اطراف اسرائيلية وغير اسرائيلية عدة.

صدقية التوصيف وهستيريا التحريض..
الشكاوى المتتالية التي يطرحها الشيخ رائد صلاح اثناء محاكمته الجائرة سواء في عيون قارة “ريشون لتصيون” أو حيفا أول أمس – الأثنين- في المحكمة الابتدائية “الصلح” حول ظروف اعتقاله وفقدانه الحد الادنى من النظافة والطهارة في معتقله، ومراقبته على مدار الساعة لنزع خصوصيته تكشف عن بعد آخر من ابعاد الانتقام السياسي من هذا القائد الفلسطيني فهو يطارد ويلاحق وهو تحت الاعتقال من اجل كسر ارادته وتحطيم نفسيته، وهي سياسة تمارسها السلطات بحق المعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجونها وهذه السياسة الانتقامية تكشف عن الابعاد النفسية عند صُناع القرار وهذا جانب من جوانب الاستبداد والطغيان الممارس ضد رافضي سياسات الاضطهاد، وهي بالمناسبة ميزة ميزت ولا تزال النظم الفاشية التي تتخذ من الديموقراطية قميص عثمان ومن مكافحة الارهاب شماعة لبقاء سطوتها.
السبب المباشر من الانتقام السياسي لقيادات الداخل الفلسطيني على اختلاف مشاربهم أن موقفهم على الاقل المعلن للناس موحد اتجاه القدس والمسجد الاقصى المبارك وهم بذلك يعتبرون القدس محتلة وكذلك المسجد الاقصى المبارك ويرفضون الروايات التلمودية المختلفة ويصرون على قيام دولة فلسطينية في مناطق عام 1967 وهو ما يخالف هوى وقناعات الحكام في اسرائيل، وهذا ما لا تحتمله هذه السلطات في عصرها الذهبي حيث يهرول حكام العرب الى بلاط نتنياهو لعلهم يجدون الرضا عند ولي امرهم في واشنطن حيث يظن هؤلاء المستبدون أن الصهيونية العالمية تملك ناصية حركة الحياة وهو وهمُّ فضحه عالم ومؤرخ يهودي مؤخرا( انظر :موقع عربي21، الاحد 27-8-17″. مؤرخ يهودي: وعد بلفور كشف نفاق بريطانيا وازدواجية معاييرها)..
يشهد داخلنا الفلسطيني منذ سنوات ملاحقات سياسية لقياداته وأحزابه انتهى ببعضها أن أُخرجت عن القانون ووصمت بالإرهاب وبعضها الاخر ما زال يلاحق سياسيا- وماديا، وفريق ثالث تطارده القضايا والشكاوى وغرف التحقيق.
لا يكاد يخفى على أحد منا كم هي صادقة رواية الشيخ في أنه “مطارد مع سبق الاصرار ” فقد بينت الاحداث الاخيرة التي عصفت في البيت المقدس كم هي أحقاد هذه السلطة على هذا “المصلح” فقد كالت له التهم جزافا وأصيب المستوى السياسي بهستيريا تحريضية غير مسبوقة يرى البعض ان هذه التخرصات هي من باب “حرية التعبير عن الرأي” وشكلت اوركسترا يشرف عليها مكتب نتنياهو ويشارك فيها عدد من المطبلين من اعلاميين وسياسيين مهمتهم صناعة رأي عام اسرائيلي يؤسس لمحاكمة الشيخ صلاح بل ولأكثر من ذلك.
شكوى الشيخ صلاح خلال محاكمته اول امس الاثنين عن ظروف اعتقاله التي وصفها بـ”السيئة للغاية”، كاشفا أنه في معتقله يتواجد “داخل مرحاض، أنام وأصلي داخله ويراقبونني عبر الكاميرات على مدار الساعة” يؤكد أنه مطارد مع سبق الاصرار، ومشيرا الى ان ادارة السجن أكدت انهم ينفذون هذه اوامر عليا، ومفهوم من أين تصدر هذه الأوامر العليا؟.
ترى لو جرى هذا مع شخصية اسرائيلية أو يهودية تحاكم في أي بقعة من العالم ما هو الكلام الذي سيبثه الاعلام الاسرائيلي ليثبت ان هذه الدولة لا سامية ولا اخلاقية وغير ديموقراطية؟.
المؤسسة الاسرائيلية وسياسات المطاردة
تاريخيا المؤسسة الاسرائيلية تعاملت مع اهل الداخل الفلسطيني على أنهم خطر استراتيجي وبنت سياساتها على قاعدتي “الاحتواء” و “فرق تسد”، وهذا الطرح وهذه الفلسفة لم تتغير للحظة بل حدث عليها تطورات تزيد من قبضة السلطات الحديدية، وهي لم تتورع عن ضرب العمل السياسي في الداخل مبكرا وما ضربها لحركة الارض وملاحقاتها لحركة أبناء البلد إلا غيض من فيض ملاحقاتهم ومطارداتهم للعمل السياسي في الداخل الفلسطيني، ما ضربها للحركة الاسلامية ووصمها بالإرهاب ومطاردة كل من يفكر في العمل من خلال المنظور الاسلامي الذي تعتقد السلطات أنَّ له صلة وصل مادي أو فكري أو حتى ظني يلاحق ويطارد تماما كما يلاحق ويطارد الشيخ رائد صلاح وكافة المعتقلين على ذمة العديد من القضايا التي تعتقد السلطات أنها على صلة أو امتداد لعمل ونشاط الحركة الاسلامية المحظورة.
لا يختلف اثنان أن المؤسسة الاسرائيلية تستهدف تقزيم العمل السياسي في الداخل الفلسطيني وحجره في اطارات محددة وتحت سقوف رسمت سلفا. ففي العصر اليميني الذي في كثير من مواصفاته الراهنة امتداد لاستبداد المباي لا يمكننا أن نتوقع من هذا اليمين خيرا اتجاه أي نشاط سياسي او اهلي ترى هذه المجموعة الحاكمة انه يعارض سياساتها او افكارها المنمطة والمسبقة عن الفلسطينيين.
تلاحق المؤسسة الاسرائيلية شعبنا ومن ضمنه قياداته عبر ضبطه من خلال مداخل خمسة تشكل السياج “الديموقراطي” الاسرائيلي لترويضنا كشعب وتدجين قياداتنا ومن خرج عن الطوق لوحق وعوقب هذا إذا كان ضمن سرب من آمن بالديموقراطية التي تتجلى نعمها علينا في انتخابات الكنيست، أما إن كان خارج هذا الطوق كما هو حال الشيخ صلاح فالتحريض والاعتقال والسجن والاعتقال الاداري كلها في سجل الملاحقة السياسية ونحن نشهد يوميا مثل هذه السياسة في المناطق المحتلة عام 1967.
المداخل الخمسة هي: المدخل السياسي –الوطني-القومي، المدخل الامني، المدخل الاقتصادي- المعيشي، المدخل الديني- التاريخاني” [التاريخانية كما يراها عبد الله العروي: هي موقف أخلاقي يرى في التاريخ، بصفته مجموع الوقائع الإنسانيّة، مخبرا للأخلاق وبالتالي للسياسة.. فالتاريخ في نظره، هو معرفة عمليّة أوّلا وأخيرا” (العروي، 1988، ثقافتنا في ضوء التاريخ ،ص 16]، المدخل الأخلاقي … ولأن الشيخ صلاح رفض التعامل مع هذه المداخل وفقا للرؤية الاسرائيلية فقد ازداد الحنق عليه ليصل الى مستوياته التي نشاهدها وهو ما دعاه لتحميل القيادة السياسية الاسرائيلية مسؤولية أي امر قد يحدث معه- الخطر على حياته- بسبب هذه العنصرية وهذه السياسات وهو ما يستدعي قيادات الداخل الفلسطيني الالتفاف حول قضيته خاصة في ظل ما يتعرض له في معتقله، والاعلان الصريح أن أي ضرر يلحق بالشيخ تتحمله المؤسسة وفي مقدمتها نتنياهو وهو ما يستدعي رفع شكاوى على القيادات والاعلام المحرض محليا ودوليا. وعلى قيادات الداخل الفلسطيني أن تحذر من التهوين من هذه القضية فيحق عليهم قول القائل “أكلت يوم أكل الثور الابيض”.
توصيات ..
يملك الداخل الفلسطيني العديد من الامكانيات والقدرات لمواجهة العنف السلطوي الرامي الى اعادتنا للحكم العسكري عبر ديباجات مختلفة باتت مفضوحة ويتورط بها يوميا العديد من المستويات الصانعة للقرار السياسي في اسرائيل، وفي هذا السياق لا بدَّ للجنة المتابعة بصفتها الهيئة العليا الممثلة للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية برسم علاقاتهم المباشرة مع عديد الوزارات والاجسام الرسمية لاتخاذ التدابير اللازمة لوقف هذه السياسة خاصة .
في ظل ملاحقة قيادات العمل السياسي وسجن بعضها والتحقيقات المستمرة مع اخرين وملاحقة البعض والتحريض الدموي على اخرين بل وذهاب الكنيست الى معاقبة النواب العرب، فعلى قيادات الداخل الفلسطيني في تصورنا:
1- العمل على عقد مهرجان قطري يُعمل عليه جيدا هدفه الأساس رفض سياسات التمييز العنصري والملاحقات السياسية والاضطهاد السياسي.
2- تكثيف الحملات التوعوية الرامية الى رفع منسوب الوعي بين الشباب اتجاه مختلف القضايا التي يعيشها مجتمعنا العربي.
3- تأسيس هيئة وطنية عليا، تتحول مستقبلا الى مركز اعلامي- قانوني- بحثي مهمته ملاحقة المحرضين الاسرائيليين من سياسيين وإعلاميين ملاحقة سياسية-إعلامية- قانونية – قضائية موثقة تتمتع بالعلمية والضبط الدقيق للمعطيات وذلك لكشف الوجه العنصري، تبدأ في طرح القضايا على المؤسسات القضائية الاسرائيلية ومن ثم على الجهات الدولية الفاعلة.
4- تكليف المتابعة فريق عمل بتحضير أوراق أولية من أقوال الوزراء والسياسيين والاعلاميين وتوزيعها على السفارات والقنصليات لفضح عنصريتهم وافتراءاتهم التي لا تتوقف.
5- توثيق الملاحقات السياسية التي تتعرض لها قيادات سياسية وناشطة في الداخل الفلسطيني وإصدارها في وثائق رسمية باللغات العربية والعبرية والانجليزية.
6- قيام المتابعة بمقابلة السفارات ذات الشأن وفضح التحريض والعنصرية الاسرائيلية.
7- التواصل مع منظمات أممية تابعة للأمم المتحدة لإماطة اللثام عما يدور في الداخل الفلسطيني من ممارسات سلطوية سواء على المستوى السياسي أو المجتمعي أو الاقتصادي والغبن اللاحق بمؤسساتنا المجتمعية وبالسلطات المحلية، وطرحها على المرافق الدولية.
8- عقد مؤتمر صحفي يُدعى أليه وسائل اعلام محلية ودولية لكشف بوائق العنصرية الممارسة على أهلنا تحت مختلف المسميات ومقارنتها مع ما يقوم به المستوطنون والمتطرفون في اسرائيل والاراضي المحتلة والقدس وحجم الدعم الذي يتلقونه من وزراء وساسة واعلاميين وتحميل المؤسسة الاسرائيلية أي تداعيات تحدث بحق من يتم وتم التحريض عليهم من قادة الداخل الفلسطيني.
9- التواصل مع شخصيات سياسية في مؤسسات صناعة القرار الامريكية والتواصل مع المؤسسات اليهودية والصهيونية في الولايات المتحدة وبريطانيا لكشف الحقيقة عن ممارسات السلطات اتجاه الاقلية العربية الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى