معركة الوعي (259).. كي تتحول لجنة المتابعة إلى ممثل حقيقي!

حامد اغبارية
ليس مهمّا من سيكون الرئيس القادم للجنة المتابعة العليا لشؤون فلسطينيي الداخل، وإنما كيف سيكون شكل اللجنة وحالُها وأداؤها في المرحلة القادمة، وهي مرحلة حساسة جدا بشكل غير مسبوق يُتوقّع أن نعيش فيها أزمات متتابعة على جميع المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. لذلك من العبث الانشغال بمن سيكون الرئيس في وقت تحتاج فيه اللجنة إلى ضبط بوصلتها بعد هذه السنوات من العجز والترهل والغياب شبه التام عن الشارع الذي أنشئت لأجله ولأجل قضاياه.
بداية لا بد من أن نذكّر من نسي أن لجنة المتابعة هي جسم جامع للقوى السياسية المختلفة، إلى جانب رؤساء السلطات المحلية وهيئات أكاديمية وشعبية. وبهذه التشكيلة فإننا نستطيع أن نفهم أسباب ضعف اللجنة وعدم ارتقائها إلى مستوى الأحداث في العديد من المحطات المهمة والمفصلية. ومن ثمّ يجدر بنا ألا نبني على اللجنة توقعات كبيرة، وألا نرفع سقف الطموحات حتى لا نفاجأ بالنتائج أو نُصدم بالأداء.
تضم اللجنة ممثلين عن جميع الأحزاب والتيارات السياسية المحسوبة على مجتمع الداخل الفلسطيني، وهي تيارات ذات إيديولوجيات مختلفة ما بين إسلامية وقومية وشيوعية وعلمانية وليبرالية. وفي أحيان كثيرة تتصادم هذه الإيديولوجيات صداما شديدا يحول بينها وبين اتخاذ قرارات ذات شأن وذات تأثير، فتضطر إلى الاكتفاء بالحد الأدنى من التوافق، في الوقت الذي يتوقع الشارع منها أكثر من ذلك وأكبر. فهي بهذا لجنة توافقيّة. وهي إضافة إلى هذا لا تملك أسنانا ولا أظافر، وليست لها سلطة قانونية، مثلما أنه ليست لها صفة قانونية، وجراء ذلك لا يمكنها أن تمثل قيادة لمجتمع الداخل، ليس لأنها لا تريد، بل لأنها لا تستطيع كونها نشأت في ذات الظروف التي يعيشها مجتمع الداخل منذ نكبة 1948؛ ظروف التهميش والتضييق والاستهداف والملاحقة من جانب السلطة الإسرائيلية الرسمية، سواء كانت السياسية أو الأمنية بكل أذرعها.
لقد بدأ تراجع مكانة لجنة المتابعة في حسابات الشارع عقب أحداث هبة القدس والأقصى عام 2000. فمنذ ذلك الحين، وبعد أن فشلت اللجنة في استثمار الحدث لتأكيد وجودها ورفع مستوى أدائها وتأثيرها، تراجعت ثقة الجمهور بها. وقد بدا ذلك بوضوح في العديد من المحطات الكبرى اللاحقة لأحداث الهبة، وبدأت الأصوات ترتفع مطالبة بتغيير طبيعة اللجنة وتشكيلتها وهيكلتها، إلى جانب أصوات طالبت بإلغائها وتشكيل إطار جديد يستثني كل الأطراف ذات الأجندات الفئوية الضيقة التي شكلت عائقا معطِّلا أمام تطوير أداء اللجنة وتحوّلها إلى جسم يعكس طموحات الجمهور الحقيقية.
وكان أبرز الأصوات التي رافقت هذه الحالة طوال السنوات الماضية هو ذلك الصوت الذي طالب وما يزال يطالب بالانتخاب المباشر للجنة رئاسة وعضوية، وهو المطلب الذي واجه محاولات إفشال وتعطيل من أطراف داخل اللجنة.
وإلى أن تستقر هذه المسألة على شاطئ لا بدّ للجنة المتابعة أن تعمل مباشرة بعد انتخاب الرئيس الجديد وتشكيل اللجان المختلفة، إعادة صياغة نظامها الداخلي (الدستور)، بحيث يعبّر عن الحد الأدنى من طموحات الشارع.
وإنّ أول ما يجب أن تعمل اللجنة على تغييره هو العضوية التلقائية لرؤساء السلطات المحلية، دون تمحيص ودون تدقيق في أجندة كل رئيس السياسية والحزبية والفكرية. ويقيني أن هذه العضوية التلقائية تعتبر أحد الأسباب الرئيسة في ضعف أداء اللجنة، بل وتراجعه إلى أدنى مستوى. فهناك رؤساء سلطات محلية يُنتخبون على خلفية حمائيلة بغيضة أدت في العديد من البلدات إلى مواجهات دامية. فهل يستحق رئيس كهذا أن يكون ممثلا لجمهور الداخل الفلسطيني في لجنة المتابعة؟!
وهناك رؤساء سلطات محلية يجاهرون بأنهم أعضاء في أحزاب صهيونية، ويفاخرون بهذا على الملأ، ولا يخجلون من التصريح بأنهم يدينون بالولاء لبرنامج الحزب الصهيوني الذي ينتمون إليه، ثم يصوّرون الأمر بأنهم بذلك يخدمون مجتمعهم ويحققون مصالحه!! فهل يستحق رئيس كهذا أن يكون ممثلا للجمهور في الداخل الفلسطيني في لجنة المتابعة؟!
وهناك رؤساء يستخدمون المال لشراء الأصوات، وآخرون يوزعون الوعود بالوظائف وغيرها من أجل الحصول على الأصوات، وهناك رؤساء ضالعون في الفساد المالي والإداري. فهل يستحق أمثال هؤلاء أن يكونوا ممثلين للجمهور من خلال لجنة المتابعة؟!
إن إحدى أهم الخطوات التي يجب على لجنة المتابعة اتخاذها فورا هي تطهير صفوفها من أمثال هؤلاء لأن وجودهم وصمة على جبينها، ولا يليق بلجنة تطمح أن تمثل الجمهور على المستوى الوطني والمدني أن تضم في صفوفها من يسيئون إلى هذه المكانة.
هذا ناهيك عن أن الكثيرين من رؤساء السلطات المحلية لا يعرفون عن اللجنة شيئا، لأنهم لا يشاركون في اجتماعاتها ولا في نشاطاتها. فما حاجة اللجنة إلى قائمة طويلة من الأسماء المعطَّلة والعطِّلة؟!
لذلك فإن المخرج (المؤقت) لهذه الحالة هو تغيير البند في النظام الداخلي المتعلق بالانضمام التلقائي لكل رئيس سلطة محلية يُنتخب في بلده، إلى اعتماد أعضاء ممثلين عن اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية في لجنة المتابعة. ولا بدّ أن يكون اختيار هذا التمثيل مشتركا بين اللجنة القطرية ولجنة المتابعة، وذلك بهدف ضمان اختيار ممثلين جديرين عن القطرية يؤدون دورهم كما هو متوقع وكما هو مطلوب. ولا بأس في تشكيل لجنة مشتركة من اللجنتين تكون مهمتها اختيار الرؤساء الذين سيمثلون القطرية في المتابعة.
كذلك فإنه يجدر باللجنة اتخاذ قرار جريء باستبعاد أعضاء الكنيست من عضوية لجنة المتابعة، واستبدالهم بممثلين عن أطرهم الحزبية من غير أعضاء الكنيست. والأطر الحزبية المختلفة لا تخلو من كفاءات يمكنها أن تمثلها في اللجنة أفضل بكثير من أعضاء الكنيست. فهناك أعضاء كنيست غائبون بشكل شبه دائم عن نشاطات اللجنة أو حتى عن اجتماعاتها العادية والطارئة.
وأرى أن الخطوة الأكثر جرأة هي استبعاد كل إطار سياسي يخرج عن الخطوط العريضة التي تمثل سياسة اللجنة…. وليكن هذا الإطار من يكون، وأيًّا كان اسمه، وأيًّا كانت قيادته. ولعلّه لا بد من أجل ذلك إعادة صياغة الخطوط العريضة لسياسة اللجنة لتكون أكثر وضوحا وأكثر صراحة، فنحن في مرحلة من أصعب المراحل، تحتاج إلى مواجهة صريحة مع الذات، دون مجاملات ودون “طبطبة” ودون لف أو دوران. ولنا في هذه المسألة كلام كثير يحتاج إلى وقفة أخرى.
أما المهمة أو الخطوة الأخرى التي على المتابعة اتخاذها بشكل فوري فهي العمل على استعادة ثقة الجمهور، تلك الثقة التي تراجعت إلى نقطة الصفر خلال ربع القرن الأخير.
أما كيف تستعيد اللجنة هذه الثقة؟ فهناك وسائل وأساليب كثيرة، غير أن أهم وسيلة هو تفاعل اللجنة مع الأحداث بأعلى مستوى وأوسع حضور وتمثيل، وأن تكون في مقدمة كل نشاط له علاقة بأي حدث له تأثير على جمهور الداخل الفلسطيني، سواء كان هذا الحدث على مستوى الحياة اليومية، أو على مستوى الأيام الوطنية (يوم الأرض، وهبة القدس والأقصى، وذكرى النكبة، وذكرى مجزرة كفر قاسم، وهبة الكرامة وغيرها) أو على مستوى كل حدث يتعلق بقضية الشعب الفلسطيني الذي يشكل الداخل الفلسطيني جزءا أصيلا منه. ثم على اللجنة ألا تكتفي بالمواقف التي تشكل رد فعل على الأحداث، بأن تبادر إلى نشاطات تحرك الشارع وتجعله يتفاعل مع قضاياه. كذلك فإنه من المهم قراءة نبض الشارع وإرادته فيمن يتحدث باسمه. وهذا في الحقيقة يتعلق مبدئيا في الوجوه التي تتصدر المشهد من اللجنة. فإن أحد أسباب تراجع تلاحم الشارع مع اللجنة له علاقة بشخصيات لا يرضى عنها الشارع ولا يراها ممثلة له.
ثم على اللجنة أن تعمل على تفعيل نشاط لجانها المتخصصة في القضايا المختلفة (الأرض والمسكن، مناهضة الخدمة المدنية، معالجة العنف، متابعة قضايا التعليم، الاقتصادية…). فالغالبية العظمى من هذه اللجان هي مجرد حبر على ورق، مضت عليها سنوات عدة دون أن يُسمع لها صوت أو يُرى لها نشاط. ومن نافلة القول إن نشاط هذه اللجان وتحقيق مصداقيتها يشكل أحد أهم الأسباب في استعادة ثقة الجمهور باللجنة. ودليل ذلك التفاف الجماهير حول لجنة الحريات التي لم تتخلف يوما عن أداء دورها، ولجنة إفشاء السلام التي حظرتها الحكومة الإسرائيلية مؤخرا.
رغم حالة الترهل والضعف التي تعاني منها لجنة المتابعة فإنها تبقى في هذه المرحلة السقف أو الإطار الذي يمكن تحويله إلى ممثل حقيقي لجمهور الداخل الفلسطيني.
إننا نطمح بصدق إلى أن تكون المتابعة هي العنوان الأكبر والسقف الأعلى لنا جميعا فيما يتعلق بقضايانا المختلفة، لكنها في وضعها الحالي لا يمكن اعتبارها كذلك. وإن الوسيلة الأفضل، هي العمل الحثيث، بكل وسيلة ممكنة، لانتخابها انتخابا مباشرا من قبل الجمهور. وإلى أن يتحقق ذلك، فإنها بحاجة إلى تغيير في النظام وفي الأداء وفي التفاعل. عليها أن تنفض عن كاهلها غبار العجز، وأن تضبط ساعتها على وقع صوت الجمهور وإرادته وطموحاته، وإلا فإنها ستبقى تعاني من ذات حالة الضعف والتراجع وفقدان الثقة، أيا كان الرئيس الذي سيُنتخب للسنوات الخمس القادمة. ناهيك عن أن آلية انتخاب الرئيس بحد ذاتها هي مشكلة بحّد ذاتها، جراء تقسيمة نسبة الأصوات التي يحظى بها كل إطار سياسي في المجلس المركزي. وللحديث بقية.


