لماذا هذا الهجوم على الإسلام من قبل جمعية (نساء ضد العنف)

الشيخ رائد صلاح
لأنني في هذه المقالة أُحاورُ الأفكارَ ولا أُحاورُ الأشخاصَ، فالعَجَبُ كل العَجَبِ من أفكارِ نائلةَ عوّاد، مديرةِ جمعيةِ “نساءٍ ضدَّ العُنف” التي أعطت لنفسها شنَّ هجوم على الشريعة الإسلامية، في ورقتها التي قدّمتها بعنوان “مكافحة العنف ضدّ النساء في المجتمع العربي” إلى مؤتمر “تنمية القدرات البشرية” الذي عُقد في سخنين قبل قرابة شهرين، بعنوان “المشروع الاستراتيجي لمكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي”.
وسلفًا أقول: أنا أحفظ الاحترام لكل مكوّنات مجتمعنا الدينية في الداخل الفلسطيني؛ سواء كانوا من الأهل المسلمين أو المسيحيين أو الدروز، ولا أرضى لنفسي أن أطعن بدافع الجهل في أية أحكام شريعية لأي منهم. ولكن نائلة عواد أباحت لنفسها- رغم أنها مسيحية- أن تخوض غمزًا ولمزًا في أحكام الشريعة الإسلامية، رغم جهلها المطبق في هذه الأحكام. ولو أن أحدنا خاض غمزًا ولمزًا وجهلًا في أحكام الشريعة للأهل المسيحيين أو الدروز، وهو ما أرفضه، لأتُّهم بالطائفية ولعانى من حملة عاصفة قد تستمر لسنوات، ولكن في حسابات (عواد) لا بأس من الطعن والغمز واللمز في الشريعة الإسلامية، لأنها لن تجد من سيقول لها: “أنتِ طائفية”، بل ستجد من يقول: “هذه حرية فكر”، هذا من جهة أولى. ومن جهة ثانية فإن (عواد) لو سددت سهامها على أحكام الشريعة المسيحية أو الدرزية لما نالت إعجاب صناديق الدعم المالية التي تواصل دعمها بمبالغ طائلة كل عام؛ إذ إن هذه الصناديق، حين تعرف أن (عواد) قد هاجمت الشريعة الإسلامية، فسيروقها ذلك وستمسَح على رأس (عواد) بالرضى والإعجاب والتقدير، وقد تقول لها: “أنتِ من تستحقين دعمنا المالي بجدارة فائقة لأنك تجرأت وهاجمت الإسلام الإرهابي”، الذي تُعلَن عليه هذه الحرب العالمية منذ عقود، وقد تعِدُها هذه الصناديق بمضاعفة دعمها ماليًا، لأنها أثبتت دورها، وأثبتت التزامها بأجندات هذه الصناديق الداعمة يوم أن هاجمت الشريعة الإسلامية، لأنها يوم أن هاجمت الشريعة الإسلامية فقد هاجمت الإسلام.
وها هي (عواد) تقول في ورقتها التي قدمتها إلى ذاك المؤتمر في سخنين: “.. لا يمكن الحديث عن العدل ما دام مجتمعنا يتقبل تعدد الزوجات ويبارك ذلك”. ومن الواضح جدًا أنها تقصد بذلك تعدد الزوجات عند المسلمين، ولكن غاب عن (عواد) أن تعدد الزوجات عند المسلمين ليس عادة طارئة ابتدعها المسلمون، بل هو آية تتلى في القرآن الكريم، ويوم أن تهاجم تعدد الزوجات فهي تهاجم القرآن الكريم!!
وغاب عن (عواد) أن لتعدد الزوجات في القرآن الكريم شروطًا لا يحيط بها إلا فقيه مسلم، وإذا ما اختلّت هذه الشروط فلا يجوز هذا التعدد. ولكن (عواد)، وإن لم تكن فقيهةً مسلمة، فقد أباحت لنفسها أن تخوض في أحكام القرآن، وكأن القرآن مَشاعٌ لها ولغيرها ممن يصنعون، بواسطة الهجوم على الإسلام أو على القرآن، مصداقيةً لهم لدى تلك الصناديق الداعمة. ثم تواصل شنَّ هجومها على الإسلام، فتقول في ورقتها: “النساء مُقصيات عن الساحة السياسية، وحتى عن المشاركة في الجنازات ضحايا المجتمع الذكوري”.
وسلفًا أقول: سأناقش مقولتها حول إقصاء النساء عن الساحة السياسية في مقالة أخرى. ولكن لماذا أباحت لنفسها أن تحاكم أحكام دفن الميت في الشريعة الإسلامية؟! ولماذا تتحدث في ذلك حتى تتباكى على النساء المحرومات من المشاركة في الجنازات؟! وهل غاب عنها أن هذه الأحكام من حيث المبدأ لا تستند إلى الهوى، بل تستند إلى أدلة من القرآن والسنة؟! وهل غاب عنها أن للنساء الحق في أحكام الشريعة الإسلامية في زيارة القبور وزيارة ضحاياهن في القبور؟! وذلك واضح في كتب الفقه الإسلامي، ولهذا الموضوع تفصيلات واسعة، وليس من المناسب الخوض فيها في هذه المقالة.
ولكن (عواد) لا بأس أن تخوض في كل ذلك ما دامت تتعامل مع الإسلام كمشاعٍ يجوز أن يكتب عنه الفقيه والجاهل!!
ثم ها هي تواصل الهجوم على الإسلام في ورقتها وتقول: “… لا يمكن الحديث عن الحرية ونساؤنا رهينات لقوانين أحوال شخصية مُشَرَّعة منذ مئات وعشرات السنين، فيها ما يتطلب الإلغاء أو التعديل، خصوصًا فيما يتعلق بأحكام الزواج والطلاق، بما يضمن رغبة النساء الحقيقية في هذه الأحكام”. ومرة بعد مرة، لا تزال (عواد) تقدم لنا القرائن على مدى تطاولها على الإسلام وعلى مدى جهلها بالإسلام، فهي تظن أن قوانين الأحوال الشخصية تقوم على رغبات الرجال فقط، وكأنهم هم المشرِّعون لها، وفي المقابل لا تقوم على رغبات النساء، والمطلوب في حسابات (عواد) أن تُنال رغبات النساء!! وإلا يجب فتح الباب لإلغاء أو تعديل هذه القوانين للأحوال الشخصية. وغاب عن (عواد) أن هذه القوانين قائمة على أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية، ويوم أن تدعو (عواد) إلى إلغائها أو تعديلها، فهي تدعو إلى إلغاء القرآن الكريم والسنة النبوية أو إلى تعديلهما. وهل هناك أشنع من هذا الهجوم على القرآن الكريم والسنة النبوية؟!
ثم ماذا تريد (عواد) من وراء المطالبة بإلغاء قوانين الأحوال الشخصية أو تعديلها؟ هل تريد إلغاء مبدأ تعدد الزوجات في القرآن الكريم، كما صرَّحت بذلك في بداية ورقتها؟! وهل تريد إلغاء مبدأ تحريم الزنا وتحريم الشذوذ الجنسي بين النساء والنساء، وبين الرجال والرجال، وتحريم التحول الجنسي؟! حيث إن بعض الجمعيات النسوية التي يَدُرن في فلكها، يطالبن بتقبُّل كل هذه الانحرافات الجنسية، بدايةً من الزنا ثم الأدنى منه والأدنى. وذلك واضح في ورقتها التي قدمتها إلى مؤتمر سخنين، حيث تؤكد في هذه الورقة أنها تحظى بدعم الجمعيات النسوية التي هي على شاكلتها، ومن ضمن هذه الجمعيات النسوية: “أصوات – نساء فلسطينيات مثليات”، و”مثليات” تعني استباحة الشذوذ الجنسي بين النساء والنساء، و “ائتلاف البديل لمناهضة القتل على خلفية ما يُسمى “شرف العائلة”، وكأنه لا يوجد شيء اسمه شرف العائلة!!
ولنا مع هذه المقولة “ما يسمى شرف العائلة” مقالة أخرى، ولكن سلفًا أقول: هناك عائلة، وهناك شرف للعائلة، ويجب أن نحافظ على العائلة وعلى شرف العائلة، ويجب علينا في الوقت نفسه أن نرفض رفضًا واضحًا وقاطعًا أن يبادر أحدهم فيُبيح لنفسه قتل رجل أو امرأة بدعوى المسّ بشرف العائلة.
ثم تواصل (عواد) هجومها على مصادر التوعية الإسلامية التي حافظت على هيبة الدين وهيبة ميزان الحلال والحرام منذ قرون طويلة، وها هي (عواد) تقول في هذه الورقة المقدمة إلى مؤتمر سخنين: “… ونبذ كل من يسمح لنفسه بإصدار فتاوى تُفرَض تحت مسميات دينية أو اجتماعية”.
وكأن المطلوب من مصادر التوعية الإسلامية ألا تنبس ببنت شفة حتى تستأذن (عواد)؛ مديرة جمعية “نساء ضد العنف”! وكأن المطلوب من هذه المصادر ألا تصدر فتوى حتى تحصل على مصادقة خطية من (عواد)! وكم غاب عن (عواد) أن إصدار الفتوى في الإسلام أو رفضها ليس خاضعًا لرأي الناس، ولا للعادات، ولا للتقاليد، بل هو عِلمٌ بحد ذاته يقوم على فهمٍ سليمٍ لأدلة القرآن الكريم والسنة النبوية!! وما كان، ولن يكون، في يومٍ من الأيام خاضعًا لجمعية “نساء ضد العنف”، ولا للجمعيات النسوية التي تدور في فلكها، ولا لصناديق الدعم العابرة للقارات التي تقدم لها ولجمعيتها وأشباهها دعمًا ماليًا سنويًا، سأتحدث عن أرقامه وعن سُبُل صرفه في مقالة قادمة!
ثم لا تقف (عواد) عند هذا الحد الطائفي من الهجوم على الإسلام والقرآن والسنة النبوية، بل تواصل إشاعة البطولات التي لا أصلَ لها، حيث تقول هي وجمعيتها “نساء ضد العنف” في بيانٍ لها صدر بتاريخ 27/10/2025:
“.. منذ عام 2006، خضنا في جمعية نساء ضد العنف، بالتعاون مع ائتلاف الجمعيات النسوية، مسارًا شاقًا استمر خمس سنوات لإدخال تعديل على دستور لجنة المتابعة، نصَّ على رفع تمثيل الأحزاب والحركات الوطنية من عضوٍ واحد إلى عضوين، على أن تكون إحداهما امرأة”.
وأنا كشاهدٍ على مسيرة لجنة المتابعة منذ عام 1989 وحتى الآن، ونحن في عام 2025، أقول: هذا غير صحيح، والصحيح أننا تَناقشنا في لجنة المتابعة حول رفع تمثيل الأحزاب والحركات الوطنية من عضوٍ إلى عضوين، ولكن ذاك النقاش كان بإرادتنا ووعينا، وبحثنا عن الأحسن، ولم يكن في يومٍ من الأيام تحت ضغط جمعية “نساء ضد العنف”، ولا “ائتلاف الجمعيات النسوية”.
ولذلك أنصح (عواد) وأقول لها: تواضعي، ولا تُعطوا لأنفسكم بطولةً مصطنعةً لا أصلَ لها، سيما وأن الشهود – وأنا منهم – على مسيرة لجنة المتابعة لم يموتوا بعد.
ثم يقول بيان (عواد) وجمعيتها:
“ورغم أن التعديل أُقِرَّ رسميًا، إلا أن الحركة الإسلامية الشمالية كانت الجهة الوحيدة التي عارضت حينها إدراج بند إلزام تمثيل النساء”!!
وحول هذه الفقرة أقول: نعم، تم الاتفاق على التعديل حول تمثيل الأحزاب والحركات يومها، واتفق الجميع على أن كل حزب وكل حركة لهما الحق أن يختار كلٌّ منهما ما يشاء من الممثلين، سواء اختار رجلين أو امرأتين أو رجلًا وامرأة!!
ولذلك، فإن الادعاء أن الحركة الإسلامية الشمالية قد عارضت بند إلزام تمثيل النساء قولٌ غير صحيحٍ ولا أساسَ له إطلاقًا، ولا أدري من أين جاءت به (عواد) وجمعيتها، سيما وهي تتحدث عن أحداثٍ وقعت في عام 2006، ونحن الآن في عام 2025، أي أنه مضى على تلك الأحداث عشرون عامًا.
فيا للهول!! ما هو مصدر هذا الادعاء وهذا التجنّي على الحركة الإسلامية التي باتت محظورة إسرائيليًا؟!
( بالمناسبة، لم نسمع كلمةَ تنديدٍ واحدةٍ بحظر الحركة الإسلامية في أواخر عام 2015 من (عواد) وجمعيتها، أم أن حظرها لم يكن عنفًا سياسيًا؟!!)
وما يؤكد ما أقول هو البيان الذي أصدره أبو السعيد؛ محمد بركة بتاريخ 27/10/2025، حول النقاش الذي تتحدث عنه (عواد) وجمعيتها، والذي كان في عام 2006 داخل لجنة المتابعة، حيث قال أبو السعيد فيه:
“لقد كان موضوع ضمانٍ صارمٍ للتمثيل النسائي موضوعَ نقاشٍ واسعٍ وغير سهل، عندما جرى بناء النظام الداخلي قبل أكثر من خمس عشرة سنة، وجرى حينها التوافق على أن الأمر متروك للمركّبات التي ترى في الموضوع قضية مبدئية”.
ثم تواصل (عواد) وجمعيتها السرد الذي لا أصل له، حيث تقولان في البيان الأخير الذي صدر بتاريخ 27/10/2015:
“… ويكفي أن نتأمل مظاهرة كفر ياسيف ضد الجريمة والعنف في الأسبوع الماضي لنفهم عمق المشكلة؛ النساء كنَّ في الميدان حاضرات بقوتهن، بقيادتهن، وبألمهن، بينما المنصات والصف الأول في المظاهرة ظلّ حكرًا على الرجال…”.
وهذا قولٌ غير صحيح إطلاقًا؛ أنا كنتُ شاهدًا على ذلك، حيث كنتُ أنا والقيادات التي حضرت مظاهرة كفر ياسيف نمسك بلافتة طويلة وعريضة، وكان أمامنا وخلفنا صفوفٌ كثيرة من النساء، أو صفوفٌ نساء ورجال.
وللتأكيد، أنصح بالعودة إلى صور المظاهرة، فهي الشاهد القاطع المانع حول ذلك.
ولذلك أتعجبُ كلَّ العجب، وأتساءل: لماذا هذا الادعاء غير الصحيح حول ترتيب صفوف مظاهرة كفر ياسيف؟
ومما يثير الضحك، أن (عواد) وجمعيتها تقولان في هذا البيان الأخير:
“تُرسل الدعوات لاجتماعات اللجنة – أي لجنة المتابعة – إلى سكرتيري الأحزاب الرجال، بينما تُهمَّش النساء المنتدبات”.
فيا ليْتَ (عواد) وجمعيتها تعلمان أن من الطبيعي إرسال دعوات اجتماعات لجنة المتابعة إلى سكرتيري الأحزاب، سواء كانوا رجالًا أو نساءً. والمطلوب من سكرتير كل حزب، سواء كان رجلًا أو امرأة، أن يُبلِّغ مندوبي حزبه في لجنة المتابعة عن هذه الدعوة، فأين الخلل في ذلك؟ ولنفرض أن أحد هؤلاء السكرتيرين؛ سواء كان رجلاً أو امرأة، لم يبلغ مندوبي حزبه فهذا خلل فيه وليس في لجنة المتابعة!! ثم للحديث تتمة..


