العربيّة لغتنا

د. رضا اغبارية- رئيس مبادرة “العربية لغتنا”
(7)
شَعْرَةُ مُعَاوِيَةَ
هي مقولة جرت على ألسنة الناس مجرى المثل؛ ويقولونها للدلالة على السياسة الحكيمة المعتدلة، وحسن التصرّف في حلّ الأزمات والخلافات، والدبلوماسيّة. فمن يغيّر سياسته بناء على الموقف الرّاهن الواقعيّ، من لين أو شدّة، أو تمسّك وصلابة ويقابلها إرخاء ومرونة.
فحين يُقال إنّ فلانًا يستعمل شعرة معاوية في تعامله مع الآخرين، فهذا يعني أنه دائمًا يجعل للصلح محلًّا، ولا يحبّ الصدام أو المصادمة، ولا يقطع هذه الشعرة التي تربطه مع الآخرين.
وهذه السياسة جيّدة وملائمة في البيت بين الأزواج أنفسهم، وبين الوالدين من جهة وأبنائهما من جهة أخرى، وبين الجيران، وفي كلّ المعاملات مع الناس. فالحكيم هو الذي يحافظ على شعرة معاوية، موصولة غير منقطعة، بينه وبين الآخرين، خاصّة الذين لا بدّ من مصاحبتهم وعشرتهم، سواء رضيت أم لم ترضَ.
وقالوا في كتب الأدب عندنا: دهاة العرب، أي الذين اشتهروا بالعقل والحنكة والسياسة الحكيمة، وحلّ المعضلات الجسيمة بسلام، والفطنة والحكمة وحسن تدبير الأمور، وسداد الرأي، أربعة: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد ابن أبيه.
والشعرة المذكورة في العنوان، تنسب إلى واحد منهم، وهو الصحابيّ الجليل، والخليفة الأمويّ الأوّل: معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، حيث سُئل: كيف حكمت الشام أربعين سنة، ولم تحدث فتنة؟ فقال معاوية: “إنّي لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أنّ بيني وبين الناس شعرةً ما انقطعت؛ كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخَوْها مددتها”.
وقريب منه في المعنى، قول المتنبي، الشاعر الحكيم، في أنّه لكل مقام مقال، ولكل حادثة حديث:
وَوَضْعُ النَّدَى في مَوضِع السيفِ بالعُلا مُضِرٌّ كوضعِ السيفِ في مَوضِع الندى
وقول الشاعر محمد بن حازم الباهليّ، بأنّه يلبس لكل حالة لبوسها:
وَلي فَرَسٌ لِلحِلمِ بِالحِلمِ مُلجَمٌ وَلي فَرَسٌ لِلجَهلِ بِالجَهلِ مُسرَجُ



