أخبار وتقاريرأدب ولغةمقالاتومضات

العربيّة لغتنا

د. رضا اغبارية- رئيس مبادرة “العربية لغتنا”

(4)

رَءَا و رَأَى

حسب قوانين إملائنا اليوم، نكتب كلمة (رَأَى) هكذا؛ ولكنّها وردت في الرسم العثمانيّ في القرآن الكريم هكذا أيضًا (رَءَا). فما الفرق بينهما؟

في النحو العربيّ يوجد (رَأَى) البصريّة، والتي تقصد الشيء الذي نراه ونبصره حقيقة بأعيننا، ويوجد (رَأَى) القلبيّة أو البصيريّة، وهي غير مرئيّة بحاسّة البصر، وإنّما هي تصوريّة خياليّة علميّة.

والجميل والبليغ في الأمر، أنّ الرسم العثمانيّ قد فرّق بينهما في كيفيّة إملاء كلّ منهما؛ فكتب (رَأَى) القلبيّة كما نستعملها اليوم، وكتب (رَأَى) البصريّة هكذا (رَءَا)، وهذا متعمّد مقصود من كتبة الوحي. وبمراجعة للكلمتين في الآيات تجد أنّ الأمر حقّ؛ فقد وردت كلمة (رَءَا) إحدى عشرة مرّة، كلّها رؤية بصريّة، مثل:

“فَلَمَّا رَءَآ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ” (هود، 70). “فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٍۢ” (يوسف، 28). “فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا” (الأنعام، 76). “وَرَءَا ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا” (الكهف، 53).

ووردت (رأى) القلبيّة مرتين اثنتين في القرآن، خاصّتين بالرسول، صلّى الله عليه وسلّم، حينما بلغ السماوات العلا وسدرة المنتهى، وذلك في قوله تعالى:
“مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ” (النجم، 11). “لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ” (النجم، 18).

وهناك من عزا الأمر إلى كون حرف الألف بهذا الشكل (ا)، يعطي حدًّا وحاجزًا ومانعًا لاستمراريّة الرؤية؛ بينما الحرف ألف بهذا الشكل (ى)، يعطي استمراريّة ولانهائيّة للرؤية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى