معركة الوعي (239) إلى أين ستنتهي أطماع المشروع الصهيوني؟

حامد اغبارية
لا يمكن تجاهل وجه الشبه بين الأجواء التي سبقت الحرب الصهيو- صليبية على العراق عام 2003 وبين الأجواء التي رافقت الحرب الصهيو- صليبية على إيران.
كان لا بدّ من مبرر- كذبة تروج لها القوى المسيطرة على المشهد السياسي- الإعلامي من أجل تبرير شن الحربين، ليتضح بعد ذلك أنها مجرد أضاليل تقف وراءها أهداف أخرى تتعلق برسم المنطقة على الهيئة التي تمنح المشروع الصهيو- صليبي مساحات للتمدد والهيمنة سعيا إلى تحقيق أحلام توراتية، رفع لواءها جورج بوش الابن في حربه على العراق يوم “زل لسانُه” وهو يقول إن الحرب الصليبية قد بدأت، كما رفع لواءها دونالد ترامب ومن خلفه حاشية تؤزّه أزّا وهي تقول إنها حرب يقودها مبعوث الرب ضد معسكر الظلام، في حين عمد نتنياهو إلى مسميّات توراتية لحربه على إيران.
لقد اتهمت أمريكا وأوروبا العراق يومها بأن صدام حسين يشكل تهديدا للمنطقة وللعالم كونه يملك أسلحة دمار شامل. ذلك بعد أن صورته في أذهان الناس دكتاتورا مجنونا يمكن أن يرتكب جرائم ضد البشرية.
وقد تكرر المشهد مع إيران التي ظل نتنياهو يتهمها، على مدار أكثر من خمسة عشر عاما، بأنها أقرب ما تكون من امتلاك سلاح نووي يهدد وجود الدولة الإسرائيلية كما يهدد وجود العالم الغربي (الحر والمتنور). ولقد سمعنا على لسان نتنياهو طوال تلك السنوات أن طهران تحتاج إلى أسابيع قليلة أو بضعة أشهر على الأكثر للحصول على قنبلة نووية. وقد مرت السنوات الخمس عشرة، ولمّا تنته تلك الأسابيع القليلة بعدُ.
كان واضحا لكل مراقب متمعّن أن إيران ليست قريبة لا أسابيع ولا أشهر ولا سنوات من الحصول على قنبلة نووية، وأن الهدف أبعد بكثير من منع إيران من تحقيق مشروع أعتقدُ جازما أنه ليس موجودا على أرض الواقع.
وكما انكشفت كذبة سلاح الدمار الشامل في العراق في عهد صدام حسين على لسان نفس القادة الغربيين الذين قادوا تلك الحرب التي دمرت العراق وسلمته إلى مليشيات ما تزال تعيث فيه فسادا، ستنكشف حقيقة أسباب الحرب التي شنتها تل أبيب بمدد مباشر من واشنطن على إيران. ولا أستبعد أن نسمع الحقيقة على لسان نتنياهو وترامب شخصيا.
سيتضح أن المسألة أكبر بكثير مما روجت له الماكينة الإعلامية في تل أبيب واشنطن. وسيقف الجميع أمام حقيقة المشهد الذي تقف في مركزه أحلام المشروع الصهيوني وأوهام المسيحية الصهيونية التي تلتقي مع الصهيونية في أوهامها وأحلامها.
يسعى المشروع الصهيوني، الذي يقوده اليوم بنيامين نتنياهو ومن خلفه تيار اليمين الخلاصيّ المتشدد إلى بسط الهيمنة على المنطقة تحت مسمى “الشرق الأوسط الجديد” الذي يروج له نتنياهو منذ فترة طويلة، وإخضاع المنطقة العربية والإسلاميّة لإرادة هذا المشروع الخطير، بعد تفريغ المنطقة من كل قوة يمكن أن تشكل عائقا، كما كان مع العراق عام 2003، وكما هو الأمر مع إيران عام 2025. ولن يتوقف هذا الزحف عند هذا الحد. فهناك في المنطقة قوى ما تزال تشكل عائقا كبيرا أمام مشروع مملكة إسرائيل الكبرى، التي يسعى التيار الخلاصي اليميني في تل أبيب والصهيو- مسيحي في واشنطن وأوروبا، إلى إزاحتها من المشهد لتتسنى الهيمنة التامة، كما يتوهمون.
أثناء الحرب على إيران كثُر الحديث على لسان سياسيين إسرائيليين، عن القوى التي سيأتي عليها الدور: باكستان وتركيا. ولن يطول الوقت الذي سنشهد فيه حملات إعلامية ترافقها موجة من التلفيقات السياسية ضد باكستان وتركيا تمهيدا لإزاحتهما من الساحة كقوتين ذاتي تأثير، وخاصة تركيا، التي تحررت منذ سنوات من التبعية الاقتصادية لأمريكا والغرب وأغلال البنك الدولي، وأصبحت في عداد الدول التي تنافس القوى الكبرى ليس فقط كقوة إقليمية بل على المستوى الدولي.
إنّ أحلام المشروع الصهيوني تسعى إلى إنشاء مملكة إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات، لتشمل الأردن وسوريا أجزاء من مصر والعراق والجزيرة العربية. وما مشروع “اتفاقيات إبراهام” إلا وسيلة من الوسائل التي يستخدمها المشروع الصهيو-صليبي لبسط الهيمنة، التي يتوهمون أنها تمهد لعودة مسيحهم المنتظر الذي سيحكمون العالم بسيفه وتحت رايته. وقد نجح مشروع “اتفاقيات أبراهام” حتى الآن في السيطرة -بوضع اليد- على دول عربية لا تملك من أمرها شيئا، وتحولت إلى حجارة على رقعة الشطرنج يحركها أصحاب المشروع كيفما شاءوا، في مشهد من الإذلال غير مسبوق.
فهل تنجح الخطة حتى تصل إلى خط النهاية؟ هل ينجح مرض “اتفاقيات أبراهام” الخبيث في مواصلة النخر في جسد الأمة، ليضم دولا أخرى، كما صرح أول من أمس ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب لتحقيق أحلام المشروع في المنطقة؟
ربما ينجح في إلحاق دولة أو اثنتين من دول الخنوع والتبعية مثل السعودية والسودان، لكن عقبة باكستان- تركيا، ستبقى ماثلة أمام عيونهم، ولا بدّ من خطوة أو خطوات لإزالة هذه العقبة التي يبدو أنها في المدى المنظور هي العقبة الأخيرة. وظنّي أن هذا لن يتحقق. فإن دولة مثل تركيا متحررة من قيود الغرب، ودولة مثل باكستان، هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تملك سلاحا نوويا، لا يمكن أن تخضعا لأية ضغوط، خاصة وأن لهما خططهما التي تسعى إلى تحقيق بديل إسلامي يضع حدا لحالة الترهل والتشتت والضعف والتبعية التي تعيشها المنطقة.
وتبقى القضية الفلسطينية، وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى المبارك، هي العنوان الذي تدور حوله كل الأحداث. ولعل في أحداث اليومين الأخيرين في غزة، والتي أجهضت نشوة نتنياهو بـ “النصر التاريخي” على إيران، وجعلته ينكمش ويسعى إلى البحث عن مخرج جديد لأزماته المتتابعة، ما يقول الكثير. والأيام حبلى بأحداث قد لا تخطر في بال أحد.