أخبار وتقاريرمقالاتومضات

مما كشف عنه الصدام الإيراني الإسرائيلي

الشيخ رائد صلاح

ممّا كشف عنه الصدام الإيراني الإسرائيلي، أنه لا يوجد شيء اسمه منظمات دولية محايدة، مهما كان اسمها. ومن يظن ذلك فهو ضال أو مضل، بل هو خادع أو مخدوع، بل هو غافل أو متغافل. فهذه هيئة الأمم المتحدة، في نهاية المطاف، ليست محايدة، وكل ما تفرع عنها من لجان ومجالس ووكالات ليست محايدة.

ويوم أن تستوجب مصالح قوى الاستكبار العالمي إخراس هيئة الأمم المتحدة، وإخراس سائر فروعها، أو إفراغ كل قراراتها من محتواها، أو التعامل معها كأنها غير قائمة أصلاً، فإن قوى الاستكبار العالمي تفرض ذلك على الجميع وعلى المكشوف. ومأساة غزة هي أوضح شاهد على ذلك. وهذا يعني أن الذي يحكم البشرية اليوم هو قوى الاستكبار العالمي، مستغلة ما تملك من قدرات علمية وعسكرية وإعلامية وسياسية واقتصادية، إلى آخره.

ولذلك، فقد لاحظ الجميع أن التقارير الأخيرة التي أصدرتها وكالة الطاقة الذرية قبيل وقوع الصدام الإيراني الإسرائيلي، كانت هذه التقارير مطعوناً فيها، ومتهمة بالانحياز لإحداث ضغط على إيران كي توافق على عروض أمريكا في جولات المفاوضات الأمريكية الإيرانية الأخيرة. ولعل ذلك يعيد إلى الذاكرة التقارير الدولية التي كانت تتحدث عن العراق إبان حكم صدام حسين، والتي صورت العراق كأنه يملك أسلحة غير تقليدية تهدد السلام العالمي.

وكان الهدف من وراء ذلك التمهيد للغزو الأمريكي الأوروبي للعراق ولتدمير العراق، وهذا ما كان. وها هو ما سكتت عنه إيران بما وقع على العراق إبان حكم صدام حسين، ها هي وكالة الطاقة الذرية تحاول فرضه على إيران.

ولا أدري، هل سيقال بعد نهاية هذا الصدام الإيراني الإسرائيلي: “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”؟ وهل سيدرك السيستاني في قبره أن تواطأه مع أمريكا آذى العراق في الماضي؟ ولعل أذى هذا التواطؤ قد أصاب إيران، فهي أمريكا التي لم تحفظ له جميل هذا التواطؤ. وما هو السيستاني في نظرها إلا وكيل من ضمن وكلاء المصالح الأمريكية، وليس أكثر من ذلك.

ثم إن هذا الصدام الإيراني الإسرائيلي كشف لنا أن الصراعات في الأرض اليوم لا تقوم على صراعات فردية ومحدودة بين دولة ودولة فقط، كما يخيل للبعض. فهي وإن بدت كذلك في مشهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو في مشهد الصراع الروسي الأوكراني، أو في مشهد الصدام الإيراني الإسرائيلي، إلا أنها في حقيقة الأمر ليست كذلك، بل هي صراعات بين كتل عالمية.

ولكل كتلة استراتيجيتها التي قامت عليها، والتي تدفعها أن تصطف وراء إسرائيل في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو وراء كل من روسيا وأوكرانيا في الصراع الروسي الأوكراني، أو وراء إسرائيل في الصراع الإيراني الإسرائيلي.

ولذلك، وفق قناعتي، يخطئ المسلمون والعرب والفلسطينيون على صعيد حكامهم ومحكوميهم، ومفكريهم ومنظريهم وخبرائهم في الشؤون الإسرائيلية، إذا ظنوا أن القضية الفلسطينية اليوم هي في صراع محدود مع إسرائيل فقط، بل هو صراع بين القضية الفلسطينية لوحدها من جهة، وبين كتلة عالمية أمريكية أوروبية إسرائيلية من جهة أخرى. ومنذ أن تم الإعلان المؤقت عن إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924، لا تزال القضية الفلسطينية لوحدها.

ولكن في حال الصراع الروسي الأوكراني، هناك كتلة عالمية تقف وراء روسيا، وهناك كتلة عالمية أخرى تقف وراء أوكرانيا، وجغرافية كلا الكتلتين العالميتين واضحة للجميع. ثم في حال الصراع الإيراني الإسرائيلي، هناك كتلة عالمية أمريكية أوروبية تقف وراء إسرائيل، أما إيران فهي لوحدها كما كانت العراق لوحدها، وكما هي القضية الفلسطينية لوحدها، بعيدًا عن وعود عرقوب التي قد تُقال لإيران، أو قيلت للعراق، أو لا تزال تُقال للقضية الفلسطينية بشتى لغات الدنيا.

وها هو الإعلام الإسرائيلي قد صرح أنه كانت هناك موافقة أمريكية لتوجيه ضربة إسرائيلية لإيران، وأن القوات الأمريكية قد شاركت بالتصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية التي أطلقتها إيران على إسرائيل، ناهيك عن أن كل السلاح الذي استخدمته إسرائيل في توجيه ضرباتها لإيران هو في معظمه سلاح أمريكي.

ثم ها هي قناة الجزيرة كشفت لنا أن رئيس الوزراء البريطاني قد أمر بنقل معدات عسكرية بريطانية إلى الشرق الأوسط، تحسبًا لأي طارئ. ثم ها هي قناة الجزيرة كشفت لنا عن تهديد فرنسي قالت فيه فرنسا لإيران: إياك أن تمسي برعايانا الفرنسيين ومصالحنا الفرنسية.

وفي المقابل، كانت العراق وحيدة، ولا تزال القضية الفلسطينية وحيدة، وها هي إيران، في مشهد التقييم السياسي، وحيدة. مما يجعلني أقول إن القوميين العرب ووكلاء بريطانيا وفرنسا العرب الذين تآمروا على الخلافة الإسلامية، وساهموا في إسقاطها إلى جانب جهود الحركة الصهيونية والاستعمار الغربي الصليبي، إن هؤلاء المتآمرين قد تآمروا في حقيقة الأمر على أنفسهم وعلى القضية الفلسطينية وعلى سائر القضايا العربية، وهم الذين تركوا أبواب العالم العربي مفتوحة على مصراعيها لكل قوى الاستكبار العالمي، حتى الآن، بداية من الاستعمار البريطاني والفرنسي، فصاعدًا، وها هي تجربة القومية العربية الناصرية والبعثية والقذافية وتوابعها، ما زادت العالم العربي إلا نكسات ونكبات، وهزائم وانقسامات، وقامت بامتياز بدورها كملك جبري أذل العرب وأضاع القدس والمسجد الأقصى المباركين، وأضاع الضفة الغربية، وقطاع غزة، وأضاع سيناء، والجولان، والأغوار، وهو يغني لنا أغنية المارد العربي. ولم تكن هذه التجربة الناصرية والبعثية والقذافية لوحدها، بل كان هناك دور مكمل لوكلاء عرب أخذوا على عاتقهم الحفاظ على المصالح الغربية والصهيونية حتى الآن، وإن خرج علينا هؤلاء الوكلاء العرب في زي رؤساء أو ملوك أو أمراء.

وهكذا، انتقل العالم العربي من استعمار خارجي إلى استعمار داخلي، ومن سجان أجنبي إلى سجان عربي، ومن محقق إسرائيلي إلى محقق فلسطيني. وواصلت هذه التجربة الناصرية والبعثية والقذافية والوكلاء العرب للمصالح الغربية أو الصهيونية، واصلت هزلية دورها، وكانت ولا تزال تقول لنا: الدنيا بخير، وها هي الجامعة العربية ستعالج كل قضايا الوطن العربي.

ثم بعد عقود تبين يقينًا لا شك فيه، أن الجامعة العربية هي حائط مبكى لأحزان العالم العربي، ليس إلا، وامتداد لسوق عكاظ الذي تبارى فيه العرب قبل الإسلام على براعتهم في نحت العبارات والشعارات والعنتريات الكاذبة.

وها نحن لا زلنا نرى هذا المشهد المخجل المعيب في كل اجتماع من اجتماعات الجامعة العربية، سيما بعد أن بدأنا نشاهد هذه الاجتماعات في البث المباشر، فواحسرتاه!! ثم كشف لنا هذا الصدام الإيراني الإسرائيلي، أن العالم العربي هو (مشاع) في حقيقته، بعيدًا عن أعياد الاستقلال التي تدعيها الأنظمة العربية (النموذج الصارخ للملك الجبري)، سواء كانت هذه الأنظمة العربية تجربة قومية عربية، أو تجربة وكلاء عرب للمصالح الغربية والصهيونية.

فها هو المواطن العربي (مشاع)، فإما أن يقوم بدور الذباب الإلكتروني خدمة لذوي الفخامة والسعادة والعطوفة، وإما أن يلتزم الصمت ويهتم بطعامه وشرابه ولباسه، وإلا إن حاد عن أحد هذين الخيارين، فهناك خطر الاعتقال أو النفي أو الإعدام أو السجن المؤبد، بتهمة أن هذا المواطن العربي إرهابي… أصولي… متطرف… رجعي… عميل يهدد أمن الوطن وسائر المصالح القومية العربية، ويعتدي على المقامات الرفيعة في شعره أو نثره أو فكره، أو في خطب الجمعة ودروس المساجد، والفتاوى الحرة.

وإلى جانب ذلك، فالمال العربي (مشاع)، وإلا من كان يصدق أن العم سام، ترامب، خلال ثلاثة أيام، قد نجح بالحصول على خمسة تريليونات من المال العربي سوى الهدايا التي حصل عليها على شكل مجوهرات وعباءات وخيول عربية أصيلة، وجمال صحراوية أصيلة.

وإلى جانب ذلك، ها هي الأجواء العربية (مشاع)، فهذه الطائرات الإسرائيلية والغربية تحلق فيها كيفما تشاء ومتى تشاء ولأي هدف تشاء (وهل هناك أكرم من العرب وجدهم حاتم الطائي). وإلى جانب ذلك، ها هي الحدود العربية (مشاع)، ويحرم تخطيها على أهل غزة فقط، إلا إذا نووا الرحيل بلا عودة عن غزة.

وإلى جانب ذلك، ها هو الذل العربي (مشاع)، فما من عربي إلا وبات ذليلًا، وما من عربية إلا وباتت ذليلة. ثم سيبقى هذا الملك الجبري العربي على ما هو عليه من فضائح وخيانات واختراقات، حتى يأذن الله تعالى بزواله غيرَ مأسوفٍ عليه، وعودة الخلافة على منهاج النبوة، وما أظن إلا أن ذلك بات على الأبواب، والله أعلم وأحكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى