أخبار وتقاريرمقالاتومضات

ترامب (الراعي) والشرق الأوسط (قطيع الغنم).. ومن هم كلاب القطيع؟

الإعلامي أحمد حازم

تعلّمنا في الصغر قصة الراعي والغنم والكلاب، وهي قصة قديمة معروفة تحكي عن راعي كان يملك قطيعًا من الغنم وكان معه كلاب يحمون القطيع إذا ما تعرضوا لمخاطر.

وهذه القصة لو حاولنا التدقيق في معناها، فهي تنطبق بأسلوبها وأهدافها على سلوكيات الرئيس الأمريكي ترامب في الشرق الأوسط. لكن ترامب ليس (الراعي) الأول الذي اتبع أسلوب قصة الراعي والغنم والكلاب.

فقد كان الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان أول من بدأ بمثل هذا الأسلوب من خلال تصريح عنجهي له عن أمريكا الجنوبية بقوله: “ان أمريكا الجنوبية هي الحديقة الخلفية لبيتي”.

يمكن فهم تصريح رونالد ريغان الذي يعتبر فيه أمريكا الجنوبية حديقة بيته الخلفية انعكاسًا لسياسة الولايات المتحدة في تلك الفترة، والتي كانت تهدف إلى تقوية نفوذها في المنطقة وتبرير تدخلها في شؤونها الداخلية.

هذه السياسة، التي عُرفت في تلك الفترة باسم “نظام دولي جديد”، كانت تهدف إلى تثبيت سيطرة الولايات المتحدة على المنطقة وإقامة نظام سياسي واقتصادي يخدم مصالحها.

هذا النظام يهدف أيضًا إلى جعل الولايات المتحدة القوة المهيمنة في أمريكا الجنوبية، وتهديد دول المنطقة التي لا تتوافق مع مصالح الولايات المتحدة من خلال توفير الدعم العسكري والمالي للدول التي تدعم مصالحها، مثل الدكتاتوريين الذين كانوا يحكمون المنطقة.

التاريخ يعيد نفسه. فإذا كانت أمريكا الجنوبية حديقة لريغان وهو (الراعي) لها، والذي كان أول رئيس أمريكي يطرح في حملته الانتخابية عام 1980 شعار: MAKE AMERIKA GREAT AGAIN وتعني بالعربية (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى)، فإن منطقة الشرق الأوسط هي (قطيع غنم) وليست حديقة بالنسبة لـ (الراعي) ترامب. وليس غريبًا إطلاق صفة “راعي” على الرئيس الأمريكي. فالفيلم الأمريكي (الكاوبوي COWEBOY) يعني “راعي البقر” انتشر واشتهر في العالم ليس لأنه يحاكي قضايا اجتماعية إنسانية، بل لأنه اعتمد على القوة والابتزاز والسطو.

نحن أمام مثلث متوازي الأضلاع: (غنم) وهي كلمة تجسد مصالح أمريكا في المنطقة، و(الراعي) الذي يتجسد في ترامب والضلع الثالث هو الكلاب. (قطيع الغنم) بحاجة لحماية الكلاب، ولا يمكن وجود قطيع غنم وراعي بدون كلاب، وما أكثرهم في المنطقة.

لا داعي لذكر الكلاب بأسمائهم فهم أشهر من نار على علم قبل وبعد طوفان الأقصى. اسمعوا من هم الكلاب قبل السابع من أكتوبر وبعده: وثيقة أمريكية تضمنت محضر اجتماع ما بين الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، والرئيس البرازيلي “ارنستو جيزل” عقد في البرازيل بتاريخ 29/3/1978، ونشره الأرشيف الوطني الأمريكي، جاء فيه: “إن القادة العرب يعترفون سرا أن رؤية فلسطين كدولة مستقلة ستكون نقطة محورية للتخريب ومصدرا مستمرا للاستفزاز”. وقال كارتر في المحضر “إن العديد من القادة العرب في المنطقة اتخذوا موقفا مختلفا سرا عما اتخذوه علنا إنهم يريدون السلام مع إسرائيل”.

وهنالك كلب معين حريص على مصلحة إسرائيل وأمريكا اسمه “الجامعة العربية”. اسمعوا ما قاله أمينها العام أحمد أبو الغيط في مقابلة مع صحيفة “إلـ باييس” الإسبانية: “أن قطع العلاقات مع إسرائيل في الوقت الراهن ليس خيارا حكيما”، لكنه لم يشرح لنا أين تكمن الحكمة في بقاء هذه العلاقة ولمصلحة من، علمًا أن دول الجامعة العربية المطبعة مع إسرائيل ولها مكاتب تمثيل (مصر، الأردن، المغرب، الإمارات، والبحرين) تحتفظ بعلاقات رسمية مع إسرائيل، ولم تقطع واحدة منها هذه العلاقات رغم استمرار الحرب على غزة. لماذا؟ لأنها مسيّرة في سياساتها وليست مخيّرة.

ومن يأكل من صحن السلطان لا يستطيع مخالفته ويكون مجبرا على تنفيذ ما يطلبه، والسلطان في هذه الحالة هو راعي الغنم الأمريكي. يوجد في مدينة نيويورك الأمريكية تمثال للحرية يحمل شعار “الحرية تنير العالم، و”بالإنجليزية: Liberty Enlightening the World وهو (نظريا) يمثل الديمقراطية أو الفكر الليبرالي الحر.

لكن ممارسات الولايات المتحدة الاستبدادية وجشع السيطرة واضطهاد الشعوب هي عكس شعار التمثال. في سبتمبر 2018، هاجم ترامب المحكمة الجنائية الدولية أمام الأمم المتحدة لأنها تلاحق مجرمين محسوبين على أمريكا، منتهكة بذلك جميع مبادئ العدالة والإنصاف والإجراءات القانونية الواجبة. وأمريكا انسحبت أيضًا من مجلس حقوق الإنسان. فعن أية حرية يتحدث الأمريكان؟

على فكرة، تمثال الحرية الذي تتغنى به أمريكا ليس أمريكي الهوية. انه صناعة فرنسية وأفكار فرنسية ولا علاقة له من ناحية عملية بأمريكا. انها الحرية كما تخيلها الفنان الفرنسي فريدريك بارتولدي الذي صمم التمثال الشهير القائم عند مدخل مدينة نيويورك، والذي أصبح أحد أشهر التماثيل في العالم، ورمزا عالميا للحرية. واستخدم بارتولدي السلاسل المفككة عند قدم التمثال للتعبير عن التخلص من الطغيان. تمثال يعبر عن التخلص من العبودية في بلد يدعم الطغيان ويعمل على عدم توفير الحرية للشعوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى