هو موقف مسؤول للعرب الدروز السوريين

الشيخ رائد صلاح
(جرمانا) جزء من سوريا، وأهلها الدروز عرب سوريون منذ ألف عام، هكذا قال ربيع منذر، أحد أبناء (جرمانا) التي تُعتبر من ضمن مدن ريف دمشق. وحول القتلة المندسين الذين لجأوا إلى (جرمانا) متسللين وقتلوا عنصرين من الأمن الحكومي السوري، قال ربيع منذر بلا تلعثم: يجب تسليمهم وتسليم سلاحهم للأمن الحكومي السوري.
والى جانب هذا الموقف الدرزي المسؤول المنحاز إلى أمّه سوريا وإلى شعبه العربي السوري، سارع حكماء (العقل في السويداء)، الذين هم القيادة الروحية الدرزية التي تشكل مرجعًا للعرب الدروز في سوريا، سارعوا وأصدروا بيانًا قالوا فيه: نحن مع الحكومة. ثمَّ أرسلوا وفدًا منهم يوم السبت الماضي القريب لبذل مساعيهم لاحتواء الأزمة في جرمانا على اثر قيام أولئك المندسين بقتل عنصرين من الأمن الحكومي السوري.
وهذا يعني أنَّ العرب الدروز في سوريا يحافظون على عروبتهم التي أوصاهم بها الشيخ سلطان باشا الأطرش.
ورغم أنه قد وقعت خلال هذه الأزمة بجرمانا اشتباكات متقطعة بين الأمن الحكومي السوري وأولئك المندسين، إلا أنّ الأمن الحكومي السوري قد تحلى بالحلم والصبر في هذه الأزمة، فقد بادر وأجرى مفاوضات سلمية مع وجهاء جرمانا، مرسخًا مبدأ الحوار الداخلي بين أبناء النسيج العربي السوري الواحد، وطالب بتسليم أولئك القتلة المندسين، ومنح أولئك الوجهاء خمسة أيام يتم خلالها تسليم أولئك القتلة إلى الأمن الحكومي السوري حتى ينظر القانون السوري في أمر أولئك القتلة المندسين.
وما كتبته حتى الآن يجسد مشهدًا عاديًا لسلوك أية حكومة في الأرض تملك كامل المشروعية لمعالجة أزماتها الداخلية عبر أذرعها الرسمية وقانونها الرسمي.
وهذا يعني أنّ سلوك الحكومة السورية في أزمة جرمانا لا يعيبها إطلاقًا، وسلوك العرب الدروز في هذه الأزمة لا يعيبهم، بل يؤٔكد افتخارهم بالانتماء العروبي إلى سوريا الأم وإلى الشعب السوري كمحضن لعروبتهم.
وهل هناك أرقى من هذا السلوك الناضج المسؤول؟!
ولكن العجب، كل العجب، أنَّ المؤسسة الإسرائيلية تريد أن تضرب كل ذلك بعرض الحائط، لا بل تريد أن تفرض على العرب الدروز بجرمانا، الذين يشكلون الأكثرية فيها، كأنهم طلبوا حماية إسرائيلية! مما دفع أهل (جرمانا) أن يعلنوا صراحة أنهم ما طلبوا حماية إسرائيلية، وهذا ما أكده بوضوح ربيع منذر، أحد أبناء جرمانا، حيث نفى بوضوح الادعاء الذي يقول: إن أهل جرمانا طلبوا حماية إسرائيلية.
ولماذا يطلبون حماية إسرائيلية، أو حماية من أية جهة خارجية أخرى؟ أليسوا هم جزءًا أساسا من نسيج الشعب العربي السوري؟ أليست جرمانا هي جزءًا أساسا من نسيج ريف دمشق، عاصمة سوريا؟ أليس السيد أحمد الشرع هو رئيسهم لأنه رئيس سوريا؟ أليس السيد أحمد الشرع هو الراعي لهم لأنه الراعي لكل الشعب العربي السوري بكل مكوناته الدينية والمذهبية والعرقية؟ وهل هم أيتام على موائد اللئام حتى يطلبوا حماية إسرائيلية؟
حاشا وكلا! وهذا ما لا تزال تؤكده الحكومة السورية في أزمة (جرمانا)، حيث أكدت في بياناتها الرسمية أن جرمانا جزء من سوريا، وأن دروز سوريا مكون أساس من الشعب السوري، وأن لا مشكلة للحكومة السورية مع جرمانا وسائر أهلها، بل مشكلتها مع أولئك المندسين القتلة فقط.
وهل هناك أروع من هذا الانسجام بين العرب الدروز في سوريا وبين حكومتهم السورية برئاسة السيد أحمد الشرع؟ ومع ذلك، واستنادًا إلى الافتراض الوهمي الذي لا أساس له، راحت المؤسسة الإسرائيلية تعلن على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو أنها ستضرب النظام السوري إذا مَسَّ بجرمانا.
ولماذا هذا الإعلان؟! وجرمانا أصلًا لا تشعر أنَّ النظام السوري يطاردها أو يشكل خطرًا عليها وعلى أبنائها، ولذلك هي ليست بحاجة أصلًا إلى هذه الحماية الإسرائيلية ولا إلى أية حماية أخرى، وكأن المؤسسة الإسرائيلية راحت تفترض واهمة ما لا يعلمه كل أهل الأرض، وكأن صرخات الاستغاثة باتت ترتفع من جرمانا وباتت تطالب بحماية إسرائيلية!
وبناءً على هذا الافتراض الوهمي، أصدر نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي كاتس تعليمات للجيش الإسرائيلي كي يستعد لحماية جرمانا. وكالعادة، راح نتنياهو يصف حكومة السيد أحمد الشرع بالنظام الإسلامي المتطرف، وكأني به يريد أن يبرر سلفًا للقيادة الأمريكية والأوروبية، بل للرؤساء والملوك والأمراء العرب والمسلمين، ما سيقدم عليه من خطوات معدة سلفًا اتجاه سوريا ستكشف عنها قادمات الأيام.
وكأنّي به يريد أن يحصل على الأقل على صمت رسمي أمريكي وأوروبي، وعلى صمت رسمي عربي وإسلامي، حيال هذه الخطوات الإسرائيلية المعدة سلفًا اتجاه سوريا، بذريعة أن الذي يحكم سوريا الآن هو نظام إسلامي متطرف.
وتحت هذه الذريعة المفتعلة -كما نعلم- تمَّ القضاء على مخرجات الربيع العربي في تونس ومصر وسوريا أبان التسلط الأسدي على سوريا، وتمَّ جر ليبيا واليمن إلى أتون فتن عرقية ومذهبية لم تتعافَ منها حتى الآن.
ويوم أن تمّ الانقلاب داخليًا على الربيع العربي بكل هذه المواقع، حظي ذلك الانقلاب الدموي المريع إمّا بصمت أوروبي وأمريكي في بعض المواقع، وإمّا بدعم روسي وإيراني بمواقع أخرى، لا بل بدعم عربي رسمي بمواقع ثالثة.
فهل المطلوب هو تكرار مشهد القضاء على مخرجات الربيع العربي مرة ثانية، ولكن في سوريا فقط، وليس على أيدٍ عربية داخلية، بل بتدخل رسمي إسرائيلي عسكري؟ وهل هذا يعني العودة مرة بعد مرة إلى أسطوانة مقولة التطرف الإسلامي أو مقولة الإرهاب الإسلامي؟
حيث أن هذه الأسطوانة المضللة هي التي سهلت على كل المتآمرين في الماضي القضاء على مخرجات الانتخابات الجزائرية على عهد جبهة الإنقاذ الإسلامية، ثمَّ القضاء على مخرجات الانتخابات المصرية وعلى الرئيس الشرعي المنتخب الشهيد محمد مرسي، ثمَّ القضاء على مخرجات الانتخابات التونسية، إلى جانب القضاء من قبل على مخرجات الانتخابات الفلسطينية؟!
والتي فشلت بالقضاء على مخرجات الانتخابات التركية عندما أفشل الشعب التركي الانقلاب على حكومة الرئيس الطيب أردوغان!! وهل تصريح نتنياهو الآن الذي يهدد سوريا بادّعاء أن الذي يحكمها الآن هو نظام إسلامي متطرف هو تصريح إسرائيلي خالص، أم أن هذا التصريح يحظى بدعم غير معلن من قيادات رسمية قد تكون أمريكية أو أوروبية أو عربية أو باطنية أو…؟! حيث أنَّ لكل طرف من هذه الأطراف قد تكون له مصلحته المعتبرة -وفق حساباته- للقضاء على حكومة السيد أحمد الشرع وهي لا تزال في مهدها!!
أنا شخصيًا لا أستبعد ذلك، ولا أستبعد أن تلتقي مصالح هذه الأطراف مع مصلحة المؤسسة الإسرائيلية بالقضاء على طموح الشعب السوري الآن الذي عبّر عنه في حواره الوطني قبل أيام، بل لا أستبعد أن تلتقي مصالح كل هذه الأطراف، بما في ذلك مصلحة المؤسسة الإسرائيلية، مع مصلحة من صدعوا رؤوسنا وهم يتحدثون لنا عن الشيطان الأكبر أمريكا، بل لا أستبعد أن تلتقي مصالح كل هذه الأطراف في هذه الجوقة العالمية الواسعة مع مصلحة من باتوا يروجون لأفكارهم في العالم العربي بادّعاء أنها نتائج دراسات لمراكز أبحاثهم، بهدف إفشال أية تجربة لأي نظام إسلامي منتخب في العالم العربي.
وستكشف لنا الأيام عن أسماء هؤلاء المروجين، حتى لو وضعوا على وجوههم ألف قناع. لذلك لا أقول الآن: الأيام حُبالى، بل أقول: أوشكت الأيام أن تلد، وستسقط كل الأقنعة، وستبان كل الوجوه على حقيقتها، مهما ملكت من قدرات مالية خيالية، ومهما امتدت شبكات إعلامها.
ولكن هناك جديد الآن في المشهد السوري الذي يتصدره الرئيس أحمد الشرع، وهو ما يدركه كل عاقل وعاقلة في الأرض، ولا أظنه يغيب عن هذه الجوقة العالمية ولا عن هؤلاء المروجين ذوي الأقنعة الخّداعة.
وهذا الجديد يقول إنه لن يسهل الاستفراد بالمشهد السوري الآن، كما تمّ الاستفراد من قبل بمخرجات كل انتخابات أفرزت رؤٔية إسلامية، حيث ان تركيا الآن كانت ولا تزال -على لسان الرئيس التركي الطيب أردوغان وعلى لسان بعض وزرائه- تقول إنّ الحفاظ على أمن سوريا هو جزء من الحفاظ على أمن تركيا، وإن تركيا لن تسمح بالعبث بأمن سوريا كما أنها لن تسمح بالعبث بأمن تركيا، وإن تركيا ستحافظ على استقرار أمن سوريا بكل الدعم المطلوب، حتى لو كان دعمًا عسكريًا.
مما يعني أن الشرق الأوسط قد يكون على أبواب أحداث كبرى لا يعلم ماهيتها إلا الله تعالى، ولا يعلم حجمها وانعكاساتها إلا الله تعالى، ولا يعلم من ستخفيه هذه الأحداث الكبرى ومن ستبقي عليه إلا الله تعالى، ولا يعلم مدى تأثيرها على الجغرافيا السياسية إلا الله تعالى.
وقد تكون هذه الأحداث الكبرى ليست مجرد لعب صبيان، وليست مجرد مراهقات سياسية، وليست مجرد نزاع بين دولتين تربطهما الحدود الواحدة، بل قد يكون القادم هو أوسع من ذلك، وقد يكون القادم هو ما استشرفه علماء الملاحم والفتن استنادًا إلى الأدلة التي بين أيديهم، لأن الارهاصات التي تزداد اليوم على صعيد شرق أوسطي وعالمي تشير إلى ذلك.
والمطلوب الصبر واليقين.