أخبار وتقاريرمقالاتومضات

غزة الفلسطينية.. ترامب الأمريكي ونتنياهو الإسرائيلي

الإعلامي أحمد حازم

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في الثامن من أكتوبر عام 2023، وأيضا اندلاعها مع حزب الله، لم يتمكن الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن من وقف هذه الحرب، ولم يستطع المبعوثون الأمريكيون من التوصل الى اتفاق لوقف نهائي لهذه الحرب، لكن بعد فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، تغيّر كل شيء، فبعد أيام قليلة من فوزه، صرَّح ترامب بأن هذه الحرب يجب أن تنتهي مع استلامه الحكم وسيشهد الشرق الأوسط تغييرا جذريا. بعدها، قال عاموس هوكشتاين، المبعوث الأمريكي إلى لبنان، إنَّ مهمته في لبنان لم تكن فقط بتكليف من بايدن، بل من ترامب أيضًا.

وبالفعل حدث ما قاله ترامب. الاتفاق مع لبنان (والمقصود حزب الله) قد تمّ في أواخر شهر تشرين ثاني العام الماضي، وفي التاسع عشر من الشهر الحالي، تمّ الاتفاق على وقف الحرب بين إسرائيل وحماس وتبادل الأسرى على مراحل. صحيح أنّ أكثر من 92% من مباني غزة قد تمّ تدميرها، وأن عشرات الآلاف قد قتلوا وجرحوا بينهم الكثير جدًا من النساء والأطفال، لكن أطفال غزّة الذين بقوا على قيد الحياة بقدرة قادر، يستحقون فرصة للحياة في أحضان أمّهاتهم، ويستحقّ القطاع أن يستعيد أنفاسه.

مرة أخرى، لنكون صريحين: أنا شخصيا كفلسطيني ملتزم بقضيته لم أكن أبدًا من المؤيدين لسياسة ونهج دونالد ترامب خلال فترة رئاسته الأولى، لكن اتّصال هاتفي واحد من ستيف ويتكوف المبعوث الأميركي الخاصّ الجديد للشرق الأوسط برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، أدّى إلى التوصل لاتّفاق وقف النار في غزة. فماذا قال ويتكوف وماذا حمل في جعبته من ترامب لنتنياهو؟! لا أحد يعرف. لكن الواضح ان مندوب ترامب لم يكن لينًا في موضوع الاتفاق. هذا الأمر له دلالة كبيرة: ترامب لم يكلف نفسه الاتصال بنتنياهو كما جرت العادة بينهما حول أمور المنطقة، بل كلَّف مندوبه الخاص بذلك. هذا المبعوث كما يبدو لم يستخدم لغة “الجزرة” مع نتنياهو، بل لغة “العصا” لأن نتنياهو وافق على ما طلبه منه المبعوث الأمريكي، أكان ذلك يعجبه أو لم يعجبه.

موقف ترامب من غزة وإصراره على وقف اطلاق النار لا يعني أبدًا تغيير في سياسته الشرق أوسطية، فموقفه من إسرائيل بشكل عام لم يتغير، وهذا لا يعني وجود رئيس أمريكي قوي ورئيس أمريكي ضعيف أو رئيس أمريكي يخدم إسرائيل ورئيس أمريكي لا يدعم إسرائيل. ترامب قدّم خدمات لإسرائيل لم تحلم بها: لقد اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل اليها السفارة الأميركية من تل أبيب، واعترف بحقّ إسرائيل في احتلال جزء من مرتفعات الجولان، وأطلق مشروع الطريق الإبراهيمي لنقل العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من المقاطعة إلى الاعتراف والتكامل (تطبيع أربع دول عربية مع إسرائيل: الامارات، البحرين، السودان والمغرب) والآن يحمل ترامب مشروع حلّ شامل للصراع العربي-الإسرائيلي منطلقًا من غزة. أمّا بايدن فقد أطلق يد اليمين الإسرائيلي الحاكم وآلته الحربية، لسحق أهل غزة.

تدخّل إدارة دونالد ترامب لم يكن من أجل وقف الإبادة وإنهاء الحرب، بل من أجل حصد نتائجها السياسية وتوظيفها مكاسب استراتيجيّة.

الأمر الواضح أنَّ العالم وبالأخص العالم العربي ينظر اليوم الى ترامب أنه الوحيد القادر على إخراج الشرق الأوسط من أزماته، وقد يكون ترامب قادرا على ذلك، لكن لكل شيء ثمنه. والنية الحقيقية لدى ترامب -حسب اعتقادي- انه يريد تغيير الشرق الأوسط على الشكل الذي تريده أمريكا أي شرق أوسط جديد حسب الوصفة الأمريكية. ولكن ماذا بالنسبة لإسرائيل وتعامل ترامب مع نتنياهو؟ اسمعوا ما جاء بكل وضوح في مقال المحلل السياسي الأمريكي المعروف توماس فرديمان موجهًا كلامه الى ترامب: “إن طموحاتك ومصالح أميركا هي في الواقع الفتيل الذي قد يفجّر حكومة بيبي وربّما ينهي مسيرته السياسية، وإنّ تطلّعاتك السياسية والدبلوماسية تتناقض جوهريًا مع تطلّعاته”.

واضح أنَّ خلافات ترامب مع نتنياهو وليس مع إسرائيل، حيث ظهرت هذه الخلافات جليًا في موضوع وقف إطلاق النار في غزة، ومحاولات ترامب الضغط عليه لقبول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى اللذين وضعهما بايدن وعارضهما بيبي باستمرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى