تركيا الرابحة وإيران الخاسرة.. أردوغان الممسك بالمفتاح السوري

الإعلامي أحمد حازم
بعد أيام قليلة من الهروب المهين لبشار الأسد وإعلان سوريا حرة من نظام البعث الأسدي الذي استمر أكثر من نصف قرن، وسيطرة تنظيم “هيئة تحرير الشام” بقيادة أحمد الشرع على الإدارة العامة في سوريا، أرسل الرئيس التركي أردوغان رئيس جهاز استخباراته إبراهيم قالين إلى سوريا الجديدة للاطلاع على سير المستجدات فيها. وكان لافتًا للانتباه: أنَّ القائد الجديد لسوريا احمد الشرع هو الذي كان يقود السيارة وبجانبه الضيف التركي يطوفان بها شوارع دمشق، ثمّ دخل الضيف والمضيف معا إلى المسجد الأموي لتأدية الصلاة.
أردوغان لم يكتف بذلك، فقد قام بعدها بإرسال وزير خارجيّته هاكان فيدان لإجراء مناقشات مع الإدارة الجديدة في سوريا. وبما أن وسائل اعلام تحاول الصيد في المياه العكرة لمآرب سلبية خبيثة، تمّ توجيه سؤال للضيف التركي خلال مقابلة مع قناة “فرنس 24” الفرنسية عن سبب عدم إزالة تركيا “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب. قال فيدان: إن “إدراجنا (هيئة تحرير الشام) على قوائم الإرهاب مرتبط بقرارات الأمم المتحدة، نحن بالطبع نلتزم بقرارات مجلس الأمن، ولكن الوضع الآن مختلف، ويتعارض فيه البُعد القانوني مع البُعد الواقعي للأمر”. زعيم الدبلوماسية التركية فيدان يبدو أنه يتقن فن إدارة دبلوماسية الشرق الأوسط حسب الرغبة “الأردوغانية” فخلال زيارته لدمشق شرب الشاي مع أحمد الشرع فوق جبل قاسيون، وسط إطلالة ليلية على العاصمة السوريّة دمشق. هذا المشهد له دلالة وبعد سياسي. فهو رسالة واضحة للعالم مفادها أن تركيا تجلس في الموقع الاستراتيجي السوري، حيث يقع خطّ الدفاع الأوّل عن منطقة الشام.
صحيح أنَّ أردوغان يجلس في أنقرة، لكن عيونه موجهة باستمرار إلى ما يجري حوله إقليميًا، وإلى أبعد من ذلك أيضًا، فقبل ذلك وبالتحديد في منتصف الشهر الماضي شارك فيدان في اجتماع العقبة العربي- التركي- الغربي لبحث التطورات في سوريا، والذي شارك فيه وزراء خارجية الولايات المتحدة، تركيا، الأردن، السعودية، العراق، لبنان، مصر، الإمارات، البحرين، قطر، والأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط.
التطورات التي حصلت في سوريا، والتي كان لتركيا الدور الرئيس فيها، والنشاطات الدبلوماسية التي قامت بها تركيا مؤخرًا فيما يتعلق بسوريا، وتصالحه مع العواصم العربية وتحسين علاقته مع الغرب مع الاحتفاظ بما بناه من علاقات مع روسيا، تظهر بوضوح أن أردوغان هو الماسك بمفتاح سوريا الجديدة.
لو راجعنا تصريحات مسؤولين إيرانيين وأمريكيين حول سوريا لاكتشفنا أنَّ الدور الإيراني في سوريا قد انتهى. وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي، قال بعد أيام على سقوط نظام الأسد “إنّ ما حدث في سوريا يأتي في إطار مشروع ضخم تخطّط له أميركا وإسرائيل للقضاء على أيّ مقاومة ضدّ إسرائيل”، هذا يعني حسب الوزير الإيراني أن تحرير سوريا هو مشروع أمريكي اسرائيلي. ما هذا الغباء الفارسي؟ فهل نسي عباس عراقتشي أنّ نظام الأسد كان الحامي لحدوده مع إسرائيل في الجولان عشرات السنين؟ مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، التي ترأست الوفد الأميركي الذي التقى أحمد الشرع في دمشق، قالت: “لن يكون لإيران أيّ دور على الإطلاق في سوريا وهذا ليس من حقّها”.
بعض المحللين يرى أن تركيا عملت في الأسابيع الأخيرة، على خلط أوراق أطاحت بمخطّطات طهران في المنطقة وتحديدًا في سوريا، علمًا بأن الرئيس الروسي بوتين حليف إيران لم يتحرك إزاء ما يحضره أردوغان وترك إيران لوحدها في مواجهة التحرّك التركي الإقليمي. وقد أوجد سقوط نظام بشار الأسد واقعًا استراتيجيًّا جديدًا في الشرق الأوسط، فقد خرجت إيران من سوريا وضعف دور روسيا، ونتيجة لهذا التطور دخلت تركيا وملأت الفراغ.
تقرير صدر مؤخرًا عن مكتب تحقيقات الكونغرس الأميركي ومؤسّسة دراسات السلام الدولي في استوكهولم (SIPRI)، كشف أنّ حجم الاستثمارات الإيرانية في سوريا بين عامَي 2011 و2023 تراوح بين 30 إلى 35 مليار دولار في مجال البنى التحتية العسكرية والدعم اللوجستي وتدريب القوات السورية وكلفة استقرار المستشارين الإيرانيين في سوريا. ليس هذا فقط، فهناك تقارير رسمية إيرانية بالإضافة إلى ما رصدته المتابعات الدولية، تقول ان حجم الاستثمارات والإنفاق الذي قامت به إيران في سوريا منذ عام 2011 إلى عام 2024 لدعم نظام الأسد يتجاوز الـ 150 مليار دولار. وماذا عن موقف النظام الجديد في سوريا؟ السلطة الجديدة في دمشق في طور الإعداد لملف يطالب إيران بدفع غرامات تصل إلى 300 مليار دولار تعويضًا عن التدمير الذي تعاني منه سوريا جرّاء الحرب التي شاركت فيها إيران إلى جانب الأسد.